شعوب
وصمت


الكتابة المكررة، والصراخ والعويل، والاجترار، فقدان الثقة بالنفس والتاريخ، هبوط الزعماء إلى الدرك الأسفل من الذل والهوان والصفاقة والبجاحة، وانهيار العزة وانحطاط الكرامة، والغوص بعهر مكشوف ومفضوح، وكثير من مثل هذه المصطلحات والتعابير تتردد في كل ثانية، وترددت طوال الوقت منذ أسقطت الخلافة الإسلامية وحتى يومنا هذا، لكنها لم تغير من الأمر شيئا، ولم تشعر الزعماء المستعذبين والمستمرئين لذة الجلوس على الخازوق بأي عيب، أو خجل من جلستهم تلك على خازوق يبحر بأقفيتهم ليحولهم إلى شواذ جنسيا، وشواذ بالذل والهوان، هذا ما خطر ببالي فور أن سألني صديقي عن تمنعي عن الكتابة بهذا الوقت العصيب على التاريخ الحاضر والقادم، وليس على الأمة، بل على جزء منها، في العراق وفلسطين ولبنان فقط، واقصد "فقط" القاطعة المانعة، دون تطرف أو تعصب.

وقلت له:-

الزعماء، ومنذ زمن طويل، شاركوا العدو باحتلال فلسطين، وساموا شعوبهم سوء العذاب، ولم يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة، فكانوا أروع ما كانوا في علم الخيانة والرذيلة، وهم لا ينكرون ذلك، ولا يروا فيه سوى شذوذا يزيد من حجم انزلاق الخازوق بأقفيتهم، لتزداد متعتهم الشاذة سلوكا أكثر وحشية نحو التاريخ الذي شكل العزة لهذه الأمة يوما ما.

ولكني اليوم، وبعيدا عن تفاؤل منير شفيق الذي وزعه على المشاهدين بلا حدود مع احمد منصور، حين عقد المستقبل على إرادة الشعوب، بعيدا عن هذا التفاؤل غير المبرر، فاني أود أن أضيف الشعوب إلى قائمة الزعماء، وأريد – وبكل بساطة – الطلب منهم تحسس اقفيتهم ليعرفوا حجم المسافة التي قطعها الخازوق عمقا بها، هذه الشعوب التي تخرج إلى الساحات التي تحددها لها السلطات والجيوش، لتحصرها فيها، كمجموعة جرذان نتنة موبوءة، تزعق وتنعق، تصرخ وتولول، ثم تنكص على أعقابها، إلى بيوتها، إلى أسرتها، لتمارس فحولتها هناك، لترى أنها لا زالت تملك من صفات الذكورة ما تملك، ولتتأكد بان الخازوق الممتد فيها لم يصل إلى فحولتها، تلك الفحولة التي تمتلكها الحمير والبغال.

الآن، يجب أن تسقط مقولة الشعوب، كما سقطت مقولة الحكام، واليوم، يجب أن تتجه الأقلام كلها، نحو الحقيقة، حقيقة شعوب صامتة تعشق الهزيمة وتذوب ولها بالسكون والخوف والهلع، واليوم، يجب أن تدان الشعوب، إدانة اكبر من إدانة الحكام والزعماء.

واليوم، أقول، وأنا بكامل قواي العقلية، وبملء إرادتي، ودون أي ضغط أو جبر، بان المظاهرات التي تخرج في شوارع العالم الإسلامي، هي جزء من الهزيمة، وجزء من المؤامرة، بل هي نوع من أنواع السم الذي يسري بإرادة أولئك الأبطال في فلسطين ولبنان والعراق، لذا عليهم السكون والاسترخاء، وتوفير أوتارهم الصوتية للصراخ على دجاجاتهم وأبقارهم وعجولهم، فذلك أزكى لهم وأوفى.

الجثث تتساقط، والأعراض تنتهك، والطفولة تغتال، والأمومة تذبح، والأبوة تجزر، والقبور تغص بالجثث، والمعادلات خرجت من حيز العقل ومن حيز الجنون، والدماء صبغت المحيطات والسماوات، وأحرقت المصاحف، وهدمت المساجد، وأغلقت المدارس الدينية، وعدلت المناهج الدينية، وهزت الأكوان صرخات النساء والأطفال والشيوخ، لكن الشعوب، الأبية، المغوارة، المعقود عليها أمل المستقبل، خرجت، بكل ما فيها من شنشنة الكرامة والرجولة، ومن طباع الأسود والفهود والنمور، ومن إيمان بالله والرسول والدين، خرجت لتنحشر كجرذان نتنة، تصرخ وتولول، تندب وتلطم، تشق الصدور، وتعفر الرؤوس، لتعود إلى الكوك كولا والماكدونالد والكنتاكي، لتضخ بأوردتها فحولة السرير وذكورة الفئران والحمير.

فلتسقط كل الشعوب العربية، ولتسقط كل الأقلام العربية، وليسقط كل علماء الأمة العربية، وشعراء الأمة، ليسقط كل العرب وكل المسلمين، وليخجلوا، من عار الخروج بمظاهرات ومسيرات، لا تجلب عليهم سوى الازدراء والذلة، فليس هناك في فلسطين، أو العراق، أو لبنان، من يحتاج إلى عويل الرجال وندب الشعراء، ولطم العلماء، ومفردات أقلام تعرف معنى الصمت والخنوع، ولا تعرف معنى العزة والكرامة والإباء والشموخ.
كم نحتاج مثلك يا شافيز لتصنع شعبا يحمل صفاتك، واشافيزاه، وكم نحتاج موراليس، واموريساه، وكم نحتاج مثلكم أيها الصوماليون الأعزاء الكرماء، واصومالاه.

"هل عرب انتم؟ والله إني في شك من بغداد إلى جدة"، رحم الله صرختك يا مظفر النواب، والله إني في شك منذ بدء الخلق إلى اليوم، باستثناء عصر النبوة والخلافة.

ولى زمن الأعذار، وولى زمن الآمال، فالشعوب التي تخضع لحاكم يغتصب رزقها ورزق أطفالها، ويصادر كرامتها ومصيرها، لا تستحق أي عذر، ولا يعقد عليها أي أمل، " وهيك مزبطة بدها هيك ختم " نعم أيها الماغوط الراحل وأنت تبحث " عن رباط لكندرتك "، نعم كنت تعرفهم، لذلك رحلت قبل أن تنفجر، وقبل أن تتحول لمسخ يضاف إلى المليار ونصف المليار مسخ.

قولوا ما شئتم، فلن أقدم أي اعتذار لكم، لأن المسخ لا يعرف لغة الاعتذار، بل جل ما يعرفه، مفردات لا ترتبط بالمكان أو الزمان، ولأنكم لا تستحقون أي اعتذار، بل تحتاجون مجموعة من الخوازيق الجديدة، لتتحولوا مثل حكامكم المخوزقين على أوامر بوش وبلير.

واتركوا البطولة، لشعب فلسطين ولبنان والعراق، الذي يتقن فن الكرامة والعزة والشرف والآباء، والذي يعرف كيف يعريكم لتبدوا الخوازيق المزروعة فيكم " أحلاما شيطانية، وأحلاما وردية"

مأمون احمد مصطفى
فلسطين-مخيم طول كرم