أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من القائل ؟؟؟

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 40
    المشاركات : 362
    المواضيع : 127
    الردود : 362
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي من القائل ؟؟؟

    (( لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لانها ليست لي بل لأمتي، لقد حصلت أمتي على هذه الامبراطورية بإراقة دمائها وسوف تحميها بدمائها قبل أن تسمح لأحد باغتصابها منا ، ليحتفظ اليهود بملايينهم ، فاذا قسمت الامبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل ، انما لن تقسم إلا على جثثنا))





    من القائل ؟؟؟؟؟؟؟

    سؤال إلى الأمة من القائل ؟؟؟؟؟؟

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 40
    المشاركات : 362
    المواضيع : 127
    الردود : 362
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي السلطان عبد الحميد الثاني يتصدى للصهيونية

    السلطان عبد الحميد الثاني يتصدى للصهيونية







    عندما تهزم الامم ، تهزم معها حضارتها ، وثقافتها ، وتراثها بالاضافة الى هزيمتها العسكرية والاقتصادية .

    وحينما سقطت الامة الاسلامية ، لم يكتف الاستعمار بتحطيم بنيتها الداخلية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ، بل عمد الى تشويه ثقافتها ، وطمس معالم حضارتها ، حتى أصبح كثير من الشباب في هذه الامة ضحية تلك المناهج الثقافية والتربوية التي فرضها الاستعمار على شعوبنا ، وخاصة الشعب العربي .

    ولقد كان ما ثبته الاستعمار في اذهاننا ، ولمدة طويلة ، هو موقف السلطان عبد الحميد من القضية الفلسطينية ، مما اوجد انطباعاً عند الكثيرين انه فرّط في حقوق عرب فلسطين ، ممالاة للصهيونية ، ولو كان الامر كذلك لما دفع ملكه ثمناً لتصديه للاستعمار الغربي ، وللصهيونية صنيعة ذلك الاستعمار .

    لقد جاء السلطان عبد الحميد الثاني الى سدة الحكم ، والدولة العثمانية في اسوأ احوالها، فكان الفساد قد استشرى في كل ركن من اركانها، والمطامع الاستعمارية تحيط بها من كل مكان والجهاز الاداري للدولة في غاية الفساد ، والضعف والانحلال .

    ولم يكد السلطان عبد الحميد الثاني ، يبدأ في الاصلاح حتى بدأت تتصدى له قوى الفساد من الداخل وقوى الاستعمار من الخارج.

    وقد كانت فلسطين تحظى بالهمية القصوى لدى السلطان نظراًلمتابعته مخططات الاستعمار والصهيونية، التي كانت تعمل على تحويلها الى وطن لليهود .وقد اتخذ السلطان لمنع تنفيذ هذه المخططات كل الوسائل الممكنة ، من اصدار تشريعات وقوانين وارجاءات ادارية وسياية تحول دون وصول هؤلاء المستعمرين الى اهدافهم ، وكان من اولى الخطوات الهامة التي اتخذها في هذا السبيل ، هي ربط سنجق القدس مباشرة بالباب العالي حتى يشرف بنفسه على منع تغلغل النفوذ الاستعماري والصهيوني في فلسطين ، بعد ان زاد النشاط في هذا الاتجاه .

    وان هذا النشاط كما يرى " هو غارث " احد البريطانيين المتخصصين في امور الشرق الاوسط خلال الحرب الاولىـ ان الاستيطان ـ هو الذي "دفع السلطان عبد الحميد عام 1887 م الى جعل القدس سنجقاً مستقلاُ عن ولاية دمشق ومتصرفية لها اتصال مباشر بالباب العالي " (1).

    وكانت فلسطين في ظل الحكم العثماني تابعة لاقاسم الشام الادارية وكانت الشام وقتذاك تتألف من خمس ولايات وهي : ولاية حلب ، ولاية بيروت ، ولاية الشام او سوريا ، متصرفية جبل لبنان ، وجميع هذه الولايات الشامية كانت تابعة في امورها العسكرية الى مشير العرض الهمايوني الخامس من قوى الجيش العثماني ومركزه دمشق، اما فلسطين فكانت تقسم كوحدة ادارية الى المناطق التالي :

    1- في الشمال : متصرفية عكا وتشمل اقضية : حيفا ، طبريا ، صفد.

    متصرفية نابلس وتشمل : قضائي جنين وطولكرم، وكلها تتبع ولاية بيروت .

    2- في الجنوب : متصرفية القدس الشريف المستقلة ، وتشمل اقضية : القدس ، يافا ، غزة ، الخليل ، بئر السبع ، وتخضع مباشرة للحكومة في الاستانة .

    أما ولاية شرق الاردن فعلت جزءاً من ولاية دمشق (2).

    وقد سعى سفراء وممثلوا وقناصل الدول الاسعمارية ، سعيً حثيثاً لدى الباب العالي للحصول على موافقة السلطان ، لفتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين ، والسماح بشراء الاراضي هناك تنفيذاً لساسة حكوماتهم ، الا ان السلطان صمد امام تلك الاغراءات والتهديدات ، ورفض التفريط باي جزء من ارض فلسطين .

    وعلى لسان السفير العثماني في واشنطن اعلن بوضوح انه لن يبيع فلسطين واوقف الباب العالي أي هجرة يهودية تالية لليهود الروس نحو فلسطين (3) .

    وقد اكد ذلك حاييم وايزمن حينما قال :

    ان الحكم العثماني كان يمنع بيع الاراضي لليهود ويمنع بناء مستعمرات لهم (4) .

    وقد تنبهت السلطات العثمانية في زمن مبكر فقامت بفرض منع على الاستيطان اليهودي بفلسطين يرجع تاريخيه الى نيسان ( ابريل) 1882م (5).

    ولقد كان السلطان عبد الحميد الثاني يعرف مدى فساد الادارة الحكومية وانتشار الرشوة والمحسوبية عند كبار الموظفين ، ولذلك فقد كان يحرص على الدوام اختيار الموظفين الاكفاء المخلصين لتعيينهم متصرفين على سنجق القدس ، حتى لا يقعوا فريسة اغراءات قناصل الدول الاجنبية ، فيغضوا النظر عن دخول المهجرين اليهود الى فلسطين ، وشراء الاراضي الحكومية لهم .

    وكان من هؤلاء الموظفين المخلصين رؤوف باشا(1876 ـ 1888م) وهو رجل مستقيم نظيف اليد عينته الدولة متصرفاً على القدس ، فاخذ يرسل بين الحين والاخر القوات العثمانية للبحث عن اليهود المقيمين بطريقة غير قانونية ولكن هذه القوات كانت في كثير من الاحوال تخضع لشهوة المال الذي كان اليهود يمنحوه بسخاء لقاء الصمت وغض النظر عن اقامتهم ، وكان رؤوف باشا في صارع مع اليهود منذ عام 1878م ومن المعارضين للهجرة اليهودية لانه كان يعي تمامً انه انتشرت بين اليهود احلام العودة الى فلسطين ، وان ما يفعله ضد المستعمرات اليهودية انما لازالة الحلم وكثيراً ما تنازع مع القنصلين الروسي والالماني بسبب احتجاجاتهما المتكررة ضده بسبب ملاحقته للمهارجرين اليهود والوقاع انه كان لردود الفعل العربية اثر واضح فلسطيني سياسة رؤوف باشا حين اجمع اكثر من مرة مع المتنورين العرب الذين ابدوا معارضتهم للهجرة اليهودية سواء بتقديم العرائض او بالهجمات على المستوطنات اليهودية (6).

    وعلى اثر المذابح التي قامت بها الحكومات القيصرية الروسية ضد اليهود وتهجير عدد كبير منهم خارج اوطانهم ، بدأبعض هؤلاء المهجرين يتوجهون الى فلسطين .

    وعندما احس السلطان بان سيل الهجرة قد يتدفق الى فلسطين ارسل في 29 حزيران 1882 م رسالة الى متصرف القدس يطلب فيها ان يمنع اليهود الذين يحملون الجنسيات الروسية والرومانية والبلغارية من الدخول الى القدس ، كما ابلغت الدولة العثمانية البعثات الدبلوماسية لدى الباب العلي رسمياً قرار مجلس الوكلاء العثماني القاضي بمنع اليهود الروس من استيطان فلسطين ، وكانت السلطات العثمانية تنظر الى المهاجرين اليهود نرة مشوبة بالشك ولاريبة لكونهم اوروبيين ذلك ان العثمانيين كانوا قد فقدوا ثقتهم باوروبا نتيجة لسياستها تجاه الدولة العثمانية فعلمت السلطات على مضايقة المهاجرين اليهود الذين جاءوا ليؤسسوا وطناً لهم داخل امبراطورية السلطان ، وكانت قوانين 1882 م لا تسمح لليهود بخول فلسطين الا فيحالة واحدة هي : الحج والزيارة المقدسة ولمدة ثلاثة شهور على ان يحجز جواز سفر الزائر ويودع في مركز البوليس التركي حيث يستبدله مؤقتاً "بالجواز الاحمر" ولكن ظلت تلك الاوامر نافذة في الخيال فقط واستطاع اليهود خرقها بفض البخشيش(7).

    والواقع ان الدولة العثمانية لم تكن بمنأى عن هذا النشاط لصهيوني في فلسطين ، فمنذ عام 1885 م اصدرت قانوناً يمنع الاجانب من الاحتفاظ او شراء الاراضي في فلسطين ، كما ومنعت انشاء مستعمرات يهودية جديدة ، ففي شباط ( فبراير ) عام 1887 م صدرت اوامر جيددة بشان الهجرة الهيودية وجهت الى متصرفي القدس ويافا تعلمهم بانه يسمح لليهود الدخول الى البلاد كحجاج او زوار فحسب ، وعلى كل يهودي يصل الى يافا ان يدفع 50 ليرة تركية لقاء تعهده بمغادرة فلسطين خلال (31) يوماً ، وجاء ذلك القرار منسجماً مع قرار الباب العالي الذي استهدف وضع حد لتيار الهجرة اليهودية الذي اخذ يتدفق على فلسطين ، لا سيما بعد ان تحقق الباب العالي من الخطر الذي يكمن وراء استيطان اليهود باعداد كبيرة في فلسطين ، وما يترتب على تلك الهجرة من حقوق وامتيازات يتتع بها اليهود كرعايا اجانب (8).

    ولم يكتف السلطان عبد الحميد الثاني باصدار القرارات والقوانين التي تحمي فلسطين من تدفق الهجرة اليهودية اليها ، بل عمد الى تبليغ الدول الاجنبية استياءه من مواقفهم في تشجيع غير الشرعية ، وحماية اليهود الذين رفضوا العودة بعد تأدية فرائض الحج والطقوس الدينية.

    وعندما رأت الدولة العثمانية ان بعض الدول الاجنبية تساع على انجاح الهجرة اليهودية الى فلسطين ، وتعمل في نفس الوقت على عرقلة تنفيذ القرارات الحكومية طلب الباب العالي من متصرف القدس اجراء اتصالات مع قناصل الدول الاجنبية في آب "اغسطس" عام 1887م لابلاغهم استياء السلطان والسلطات العثمانية لعدم قيام القنصليات الاجنبية في القدس وفروعها في يافا بخطوات من جانبها لتسهيل مهمة اخراج اليهود الاجانب الذين انتهت مدة اقامتهم امتثالاً للاوامر التي وردت من ا لباب العالي ، بناء على ارادة السلطان بمنع اليهود من الاقامة في فلسطين ، وكا رد القناصل على المتصرف في 23 ايلول (سبتمبر) من نفس العام ، انهم لم يقبلوا تنفيذ الامر حى يتلقوا تعليمات من سفاراتهم في استانبول (9).

    وفي عام 1882 م اصدر الباب العالي قوانين جديدة نصت على ضرورة حمل اليهود الاجانب جوازات سفر توضح عقيدتهم اليهودية كي تمنحهم سلطات الميناء تصريحاص لزيارة المتصرفية لمدة ثلاثة شهور ، كما رفضت السلطات العثمانية في ميناء يافا السماحبدخول اليهود الذين لم يحصلوا على سمات دخول من القناصل العثمانيين في بلادهم ، وكان هذا القرار رداً صرياً على موقف القناصل الاجانب من محاولاتهم المستمرة لتعطيل فعالية القوانين العثمانية الخاصة باليهود ، وتكريساً للموقف العثماني من الهجرة اليهودية المتدفقة ، فكان ان اوعزت الحكومة العثمانية الى قناصلها في مختلف البلاد عدم التأشير على جوازات سفر اليهود الا بداعي الزيارة الدينية ولمدة محدودة، ومن اجل ذلك احتجت بريطانيا على قوانين عام 1882 م ، فاوضحت الحكومة العثمانية لسفارتها في استانبول في تشرين الاول ( اكتوبر ) من نفس العام ان اجراءات المنع لن تطبق الا بحق اليهود الانجليز الذين يأتون الى فلسطين باعداد كبيرة وليس بحق الذين يأتون فرادى (10).

    وكانت الول الاجنبية تزداد نشاطاً في تهريب اليهود الى فلسطين ، كلما ازدادت تشريعات السلطان بمنع دخولهم واقامتهم في البلاد .

    ونظراً لهذا الواقع الجديد فقد زادت شكوك السلطان "عبد الحميد الثاني " في اهداف الحركة الصهيونية فاتخذ وسائل للحد من الاطماع اليهودية في فلسطين فارسل بعض امانة السر الخاصة به في قصر "يلدز " لتولي حكم متصرفية القدس بدلاً من الموظفين الذين تدرجوا في سلك وظائف الادارة العثمانية ، وكان اول من وصل الى القدس " توفيق بك " الذي كان اميناً وصارماً في تطبيق نصوص القانون ، وبسبب ذلك فان المهاجرين اليهود والمنظمات اليهودية المختصة بانشاء المستعمرات التفتوا الى الاراضي الواقعة في شمال البلاد " لان المسؤولين الرسميين كانوا اقل صلابة من هلاء الموجودين في المتصرفية والذين كانوا على استعداد لارضاء رئيسيهم والي بيروت " (11) .

    ونظراً لضعف الحكومة العثمانية من جهة وازدياد تآمر الدول الاستعمارية من جهة ثانية ، فقد انت تلك القوانين والتشريعات تقابل بالمعارضة ، والمحاربة من تلك الدول التي كات تعمل جاهدة على ترسيخ المشروع الصهيوني الاستعماري ، وكثيرً ما كانت تتحدى الباب العالي في معارضتها لتلك السياسية العثمانية .

    وكان السلطان يقابل ذلك بمزبد من التشريعات والقوانين وتكرس ذلك عملياً عندما اصدر السلطان "عبد الحميد الثاني " قوانين جديدة في حزيران (يونيه) عام 1898م منع فيها اليهود من دخول القدس ، على ان هذه القوانين لقيت معارضة من القنصليات الاجنبية فأبرق متصرف القدس الى الباب العالي " يطلب منه تعليمات دقيقة وممحددة حول القوانين الجديدة " فجاء الرد بعد شهرين وبالذات في 25 آب "اغسطس " عام 1898 م ـ أي قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني بثلاثة ايام ـ يطلب الصدر الاعظم تنفيذ قوانين الهجرة الخاصة باليهود .

    وقد بلغ من تشدد السلطات العثمانية في تنفيذ هذه القوانين انها منعت نائب القنصل البريطاني في انطاية من الدخول ما لم يقدم التعهد المطلوب باعتباره يهويدص، ذلك التعهد يقضي بان يغادر البلاد خلال المدة التي حددها القانون .

    وفيما يختص بالهجرة اليهودية فان تشدد السلطات العثمانية لم يكن مقتصراً على القدس الشريف فحسب ، بل حدث ان منع قائمقام يافا بعض اليهود الانجليز من دخول البلاد واعادهم الى السفينة ، كما قام بطرد عائلتين يهوديتين لانتهاء زيارتهما وكانت مثل هذه القوانين تطبق في مختلف انحاء فلسطين الا ان الرتشين من الحكام كثيراً ما كانوا يعطلون من فعاليتها (12) .

    وكانت الحكومات الاستعمارية تتدخل ضد ممارسات الحكومة العثمانية بوقاحة استعمارية متناهية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان ، وحماية الاقليات ، ورعاية مصالح اليهود المساكين المضطهدين!!؟.

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 40
    المشاركات : 362
    المواضيع : 127
    الردود : 362
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الامثلة على ذلك ما حدث عندما اعادت السلطات العثمانية عدداً من اليهود الذين دخلوا فلسطين بصورة غير شرعية .

    وكانت السلطات العثمانية قد طردت تسعة يهود بريطانيين واعادتهم الى البارة وقد اكد ذلك القنصل البريطاني ونائبه بان هؤلاء قد اعيدوا قهراً الى الباخرة ، وانهم لم ينزلوا الى ميناء حيفا الا بعد ان قدم صديق لهم ضماناً وتعهداً بالخروج في المدة المحددة ، الا ان "ديكسون" صرح بان "امزلاك " قد حصل على وثيقة خطية موقعة من شاهدي عيان يهود حول تلك المعاملة غير اللائقة ويبدو ان اليهود البريطانيين قد عذبوا وضربوا بالايدي لارغامهم على العودة الىالباخرة وبناء على هذه المعلومات قدم "اوكونر " ـ السفير البريطاني في الاستانة ـ احتجاجاً على الموقف العثماني من اليهود البريطانيين وارسل برقية عاجلة الى " ديكسون " يستفسر فيها عن موضوع الخهاجرين اليهود التسعة الذي طردتهم السلطات العثمانية وقال : " هل اليهود التسعة هم حجاج ام مهاجرون ؟ اين هم الآن ؟ لقد احتججت بقوة على تصرفات الدولة العثمانية التي تعتبر خرقاً مباشراً لمعاهدة الامتيازات اعلم المتصرف ان هذه مسألة خطرة " . واعتبرت وزارة الخارجية البريطانية ان منع اليهود من الدخول الى فلسطين مخالف للاتفاقيات الدولية " وان على الامبراطورية العثمانية ان تعيد النظر في هذه الانظمة المطروحة على البحث الآن ، لانها تتعارض مع حقوق الإنسان " (13) .

    ولقد كان التقيد بتعليمات السلطان صارماً ، بحيث ان السلطات العثمانية في فلسطين تشددت مع كل يهودي مهاجر مهما انت مهنته وقصده مع زيارة الاراضي المقدسة فقد حدث ان منعت سلطات ميناء حيفا السيدة "انالاندو " ـ اليهودية البريطانية لدىوصولها من انجلترا ـ من النزول الى القدس لتسلم منصبها كمعلمة في المدرسة التابعة للاتحاد الانجلو ـ يهودي (14) .

    وبالرغم من هذه الاجراءات المشددة للحفاظ على فلسطين ، استطاع بعض اليهود التسلل الى فلسطين بمساعدة بعض القناصل الاوروبيين في فلسطين وقبول بعض الموظفين العثمانيين الرشاوي ، وفطن عرب فلسطين الى هذا التسلل فارسل اعيان القدس في الرابع والعشرين من شهر يونيو (1891م) التماساً الى الباب العالي لاتخاذ اجراءات فعالة كفيلة بمنع نزوح اليهود الاجانب الى فلسطين وشرائهم الاراضي ، وكان العرب قد ادركوا ان القيود المفروضة على اليهود الاجانب قد خففت بعد ان ترك محمد شريف رؤوف باشا الذي كان يتولى متصرفية القدس منصبه سنة 188م، وكان هذا المتصرف يؤيد تأييداً حاراً سياسة السلطان عبد الحميد في منع اليهود من الاقامة في فلسطين ، وكا يسارع الى طرد الحجاد من فلسطين بالقوة بمجرد انقضاء المدة المسموح بها لهم ، كما كان يمنع قدر استطاعته بيع الاراضي لليهود ، وقد استجاب الباب العالي للالتماس الذي رفعه اليه اعيان القدس ، وجدد القيود المفروضة على اقامة اليهود في فلسطين وعلى بيع الاراضي اليهم ، وفي سنة 1892 م صدر قانون يحرم بيع اراضي الحكومة الى جميع اليهود ، بما فيهم رعايا الدولة العثمانية اليهود (15)

    كما حاول المهاجرون اليهود التفتيش عن طريقة للتحايل على ذلك الامر وهو "ما لم يكن صعباً في تريكا " في تلك الايام ، ولكن والي القدس ، رؤوف باشا ، الذي كلف بتنفيذ ذلك الامر والذي استغله ليس لمنع المهاجرين اليهود من دخول فلسطين فقط وانما لعرقلة اقامة الابنية الجديد في مستوطناتهم ايضاً ، كان رجلاً " ذكياً ، حسن الاطلاع وغير قابل للرشوة " ، ولهذا كان الصراع معه صعباً للغاية ، ولكن هواة صهيون لم يعدموا وسيلة للتغلب على تلك الاجراءات ، اذ قام زعماؤهم في روسيا بلفت نظر السلطات هناك الى هذا الوضع ، فاوعزت الحكومة الروسية التي كانت معنية باستمرار الهجرة الى سفيرها في تركيا وقناصلها في فلسطين بتقديم احتجاد على ذلك ، وعلى الاثر خفت حدة الاجراءات ، وسمح باستئناف الهجرة واستمر الوضع على هذا المنوال حتى سنة 1884 م وذلك بعد ان سويت الخلافات بين المواطنين الجدد وابناء الييشوف القديم ، من سكان القدس خاصة ، الذين اتهموا بتحريض السلطات ضد المهاجحرين الجدد ، وحثها على منعهم من دخلو فلسطين ، خشية ان يؤدي ازدياد عددهم في البلد الى المساس باموال التبرعات، التي كانت ترسل ليشوف القديم (16) .

    واكتشفت السلطات ان " موظفي ميناء يافا .. الرتشين كانوا يرسلون كل شهر الى الوالي بيانات ( كاذبة ) تفيد ان كل اليهود الذي دخلوا البلاد خلال الشهر السابق ، قد عادوا من حيث اتوا " ولهذا ازدادت اجراءات منع المهاجرين من الدخول الى فلسطين حدة وفعالية خاصة خلال سنة 1887م ـ وكانت قد وقعت صدامات بين العرب ومستوطني بيتيح تكفا خال السنة السابقة ـ وعززت قوة الشرطة في ميناء يافا ، واستبعدت العناصر الفاسدة من بينها وذلك بعد ان وسعت مساحة الارضي التي تسري عليها اوامر الحظر لتشمل ايضاً منطقة الجليل في شمال فلسطين بالاضافة الى منطقة القدس وقد ادت هذه الاجراءات الى فرض حظر شبه كامل وفعال، على دخول المهاجرين اليهود الى فلسطين ، مما دفع هواة صهيون الى التفتش عن الوسائل الكفيلة بالغائه فاتجهوا ، مرة اخرى ، الى طلب تدخل الدول الاجنبية لصالحهم ، فقام سفراء الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا بالضغط على الحكومة التركية ، لالغاء تلك الاجراءات ، الى ان تم لهم ذلك سنة 1889م ، ولم يكتف سفير الولايات المتحدة الامريكية اوسكار شتراوس ، اليهود الاصل ، بذلك وانما استمر في ضغوطه ، حتى استطاع حمل السلطات التركية على عزل والي القدس ، رؤوف باشا ، من منصبه واستبداله بوال آخر ، اقل عداء للصهيونيين ، وكانت مواقف روف باشا هذه قد ادت الى تجميد النشاط الاستيطاني الصهيوني في متصرفية القدس ، خلال فترة ولايته (17) .

    ولم تكن هذه الاجراءات موجهة ضد استيطان اليهود في الدولة العثمانية ، بل كانت موجهة بصورة محددة ضد الاستيطان اليهودي في فلسطين ، نظراً لما يترتب على ذلك من تنفيذ للمخططات الاستعمارية في السعي لتهويد فلسطين ، واقامة دولة يهودية تكون قاعدة للاستعمار الغربي في المنطقة .

    وكانت السلطات العثمانية ، حتى ذلك الوقت ترحب مبدئياً بقدوم اليهود الى الامبراطورية ، وتسمح لهم بالسكن في أي منطقة فيها ، وهو تقليد اتبعته منذ طرد اليهود من اسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر ، ولكن هذا الموقف تغير مع بداية موجات الهجرة الصهيونية الى فلسطين ، اذ خشيت السلطات ان يؤدي ازداد اعداد اولئك المهاجرين الى نشوء مشكلة قومية جديدة في الامبراطورية العثمانية ، التي كانت قد جابهت مشاكل عدة مماثلة ، في انحاء مختلفة منها ، خلال القرن التاسع عشر ، كذلك خشيت السلطات العثمانية من ازدياد تدخل الدول الاورربية في شؤون الامبراطورية الداخلية ، نتيجة لازدياد اعداد ماطنين تلك الدول فيها ، كما ساهمت احتجاجات العرب الفلسطينيين ضد الهجرة في تغيير موقف السلطات منها ، يضاف الى ذلك كله ان معظم المهاجرين اليهود كانوا من روسيا ، عدو تركيا اللدود ، وكانت قد نشبت خلال القرن التاسع عشر فقط ، اربع حروب بين روسيا وتركيا ولهذا تنبهت السلطات العثمانية في وقت مبكر الى موجات الهجرة اليهودية المتجهة نحو فلسطين ، مما دفع بها ، بعد بحث القضية ، الى الاعلان في اواخر سنة 1881 م ، عن موقف واضح بهذا الشأن ، مفاده السماح بهرة اليهود الى أي جزء من اجزاء الامبراطورية العثمانية ، عدا فلسطين ، شرط ان يوافق المهاجرون على استبدال جنسياتهم الاصلية بالجنسية العثمانية وبقيت هذه السياسة سارية المفعول ، عامة ، حتى نشوب الحرب العالمية الاولى سنة 1914م ، غير ان هذه السياسة لم ترق في اعين المهاجرين اليهود ، الذين كانوا يتجهون باكثريتهم الى فلسطين بالذات ، بينما كان العديد منهم يرفضون التنازل عن جنسياتهم الاصلية ليتسنى لهم التمتع بحماية القناصل الاجانب في البلد ، وكانت حصيلة هذين الموقفين المتناقضين لجوء الحكومة التركية ، من جهة ثانية بمحاولات لاسترضاء السلطات التركية او الضغط عليها بواسطة الدول الاجنبية حتى يتم الغاء تلك الاجراءات ـ ثم اضطرار السلطات الى العودة اليها ثانية مع ازدياد اعداد المهاجرين ، وبدأ ذلك كانه نوع من دورات منتظمة متواصلة ، من فرض القيود ثم الغائها ، استمرت تظهر وتختفي حتى نهاية الحكم العثماني في فلسطين (18).

    كذلك قامت السلطات التركية ، في الوقت نفسه ، بتشديد اجراءات منع المهاجرين من دخول فلسطين ، خصوصاً بعد ان قويت موجة الهجرة الى البالد خلال (1890 ـ 1891م) ، اثر ظهور معارضة في امريكا وبريطانيا لدخول المهاجرين اليهود اليهما باعداد كبيرة ، وحاول قناصل الدول الاجنبية التدخل ، كالعادة ، لالغاء هذه الاجراءات الا ان السلطات اصرت ، هذه المرة ، على عدم الاستجابة لكل طالباتم ، وابقت على بعض القيود بشكل دائم (19).

    ولم يقف عرب فلسطين موقف المتفرج من هذه الهجمة الاستعمارية الشرسة على بلادهم بل قاموا يواجهونها بالقوة تارة والاحتجاج تارة اخرى وكانوا يلقون تجاوباً دائماً من السلطان الذي ان يسارع الى تلبية طلباتهم الى سن القوانين ولمنع الهجرة واستبدال الموظفين المتواطين مع قناصل الدول الاجنبية .

    صمم عرب فلسطين على التصدي للهجرة اليهودية ومخططات الصهيونية ، ففي ايار ( مايو ) 1890 م قام وفد من وجهاء القدس بتقديم عريضة احتجاج للصد الاعظم ضد رشاد باشا ( متصرفالقدس ) الذي ابدى محاباة وتحيزاً للصهاينة بخلاف سلفه رؤوف باشا وعاد وجهاء القدس في عام 1891 م فارسلوا الى الصدر الاعظم في الاستانة احتجاجاً طالبوا فيه باصدار ( فرمان ) " بمنع هجرة اليهود وتحريم استيطانهم واستملاكهم للاراضي الفلسطينية " بعد ان لاحظوا بداية النشاط الصهيوني لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (20) .

    كما تصدوا لعملية بيع الاراضي التي كان يقف وراءها سفراء الدول الاجنبية مع الموظفين العثمانيين المتاطئين معهم .

    وشهد عام 1900 م حملة احتجاجية واسعة من العراض الجماعية ضد استملاك الهيود للاراضي الزراعية وسجلت تقارير البرت عنتيبي المعتمد الرسمي للجمعية الاستعمارية اليهودية وكانت حينذاك مؤسسة صهيونية ، بان هذه الجملة تدل دلالة قاطعة على الوعي الفلسطيني المبكر ، وتثبت ان الصهيونية هي التي سممت العلاقات العربية اليهودية في فلسطين ، كما سجلت هذه التقارير امتداد المعارضة للصهيونية الى صفوف موظفي الحكومة من اهالي البلاد .

    وفي عام 1901 م صدر قرار آخر يمنع دخول أي يهدي الى ارض فلسطين ( الا اذا كان سيغعادرها خلال ثلاثة اشهر ) ولم ينفذ هذا القرار بسبب تدخل السفيرالبريطاني في العاصمة العثمانية علاوة على دخول الصهاينة الى ارض فلسطين بمساعدة بريطانيا بطرق غير مشروعة (21) .

    وبعد ان جرت انتخابات مجلس المبعوثان في السلطنة العثمانية ، انتقل الصراع ضد الث داخل المجلس ايضاً ، ففي عام 1909 م اجبر النواب العرب في مجلس المبعوثان رئيس الوزراء على ان يعلن " انه لن يسمح لليهود باستيطان فلسطين " ، كما انهم اجبروا كذلك وزير الداخلية علىان يعلن معارضته للاهداف الصهيونية (22) .

    ونتيجة لمساعي عرب فلسطين ، وتجاوب السلطان عبد الحميد الثاني صدرت عام 1899 م قوانين جديدة وضعت بهدف منع الستطيان اليهود في فلسطين ، وارسلت الى القدس ويافا لتنفيذها ، كما وزعت نسخ منها على الهيئات القنصلية في تشرين الثاني ( نوفمبر ) سنة 1900 م بعنوان "القوانين المتعلقة بالزوار العبرانيين للاراضي المقدسة " ، هذه القوانين الغت تأمين الـ 50 ليرة تركية وتحديد الاقامة بـ 31 يوماً وسمح لكل يهودي اجنبي يزور فلسطين بالاقامة فيها مدة 3 اشهر ، وعند نزوله الى أي ميناء في ولاية بيروت او في متصرفية القدس يسلم جواز سفره ويتسلم بدلاً منه تذكرة خاصة ( تتميز بلون وشكل خاص لكي يسهل تمييزها عن التذاكر العادية ، مقابل قرش واحد ) ، تذكر فيها المهنة والجنسية وسبب الرحلة ، وعند انتهاء الاشهر الثلاثة تقوم السلطات المحلية بترحيل اليهودي عن البلاد ( اذا رفض مغادرتها ) عن طريق القنصلية ذات العلاقة ، نظراص لما لها من حق السلطة القضائية عليه ، ونصت القوانين على وجوب حفظ سجل شهري لتواريخ وتفاصيل مثل هذه التذاكر المؤقة توزع على السلطات المحلية والبوليس من اجل ابعاد الذين تجاوزوا فترة الاقامة (23)

    كما اصدر السلطان في نوفمبر 1900 فرماناً يحدد اقامة الزائرين اليهود لفلسطين بمدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر ، وكان هذا الفرمان اجراً وقائياً يتصل بامن الدولة ، ولكنه اثار الصهيونيون ودفعوا بعض الحكومات الاوروبية الى الاحتجاج عليه لدى السلطان، وقد سارعت الحكومة الايطالية بابلاغ حومة الاستانة انها لا تميز بين رعاياها اليهود ورعاياها المسيحيين ، ومن ثم فهي تحتج على هذا الفرمان ، وقام السفير الامريكي في الاستانة بتقديم احتجاج مماثل في 28 من فبراير 1901 م باسم حكومة الولايات المتحدة الامريكية ، وكذلك نهجت انجلترا هذا النهج وكان رد الباب العالي ان ذلك الفرمان ليس امراً جديداً فهو تجديد لفرمان مماثل صدر منذ عشرين عاماً ، ورأى السلطان عبد الحميد ـ كي يخفف من حدة هذه الاحتجاجات ـ ان يقابل في قصره زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل ، وقد تمت المقابلة في 17 آيار ( مايو ) 1901م ،وقد صحب هرتزل معه اثنين م اقطاب الحركة الصهيونية (24) .

    ولقد قام عرب فلسطين بتقديم الشكاوي والعرائض ضد المظفين العثمانيين المتوطئين مع قناصل الدول الاجنبية بشدة ، مما كان يؤدي في كثير من الاحيان الى ابعادهم عن وظائفهم .

    وبسبب الشكاوي العربية استبدل حاكم القدس العثماني في العام 1906 م بحاكم اخر وضع القيود على الهجرة اليهودية موضع التنفيذ بشدة (25) .

    وفي عام 1906 م عين متصرف جديد للقدس بدلاً من سلفه رشيد بك الذي كان قد ساند الهجرة اليهودية الى فلسطين وخالف القوانين العثمانية التي فرضت الحظر عليها (26) .

    اما في فلسطين ذاتها فقد قام العرب رجالاً ونساءً يتصدون للهجمة الصهيونية الاستعمارية الرسة المتمثلة في الهجرة وشراء الاراضي التي بدأت تزداد بشكل ملحوظ عقب سقوط السلطان عبد الحميد الثاني واستلام الاتحاديين (تركيا الفتاة) للحكم ، وهؤلاء كانوا يتعاونون مع الصهيونية والماسونية .

    وفي منتصف عام 1914 م تأسست في فلسطين مؤسسات وطنية وخيرية في القدس بقصد الووقف في وجه الاخطار الوشيطة التي تهدد ارض الوطن وانقاذ البلاد من الدمار " والمؤسسات هي : الجمعية الخيرية الاسلامية ، جمعية الاخاء والعفاف ، وشركة الاقتصاد الفلسطيني العربي وشركة التجارة الوطنية الاقتصادية وكانت جميع الجمعيات المذكورة تنادي بالتوعية ونشر التعليم ومساندة الصناعات الوطنية ، كما اسس الطلبة الفلسطينيين بالازهر الشريف " جمعية مقاومة الصهيونية " واسس طلبة نابلس في بيروت " جمعية الشبيبة النابلسية " وتأسست "جمعية المنتدى الادبي " في حيفا ، وشاركت النساء العربيات الفلسطينيات في هذا المجال جمعية الاحسان العام وجمعية يقظة الفتاة العربية وكانت كلا الجمعيتين وطنية تتولى برعايتها الصناعات المحلية (27) .



    1- هرتزل والسلطان عبد الحميد الثاني :

    حاول الصهاينة منذ بدأت الحركة الصهيونية اليهودية بشكل منتظم عام 1897 م الاتصال بالسلطان عبد الحميد الثاني لاقناعه بفتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين والسماح لهم باقامة مستوطنات للاقامة فيها .

    ولقد قام هرتزل باتصالاته تلك بتوجيه من الدول الاستعمارية الاورربية خاصة بريطانيا والمانيا ، وكان هرتزل يعلم مدى الضائقة المالية التي تمر بها الدول العثمانية ، لذلك كان يحاول اغراء السلطان بحل مشاكله المالية مقابل تنفيذ طلبات الصهاينة ، والمستعمرين الذين يوجهونهم .

    اخبر هرتزل السلطان عبد الحميد وذلك عن طريق احد الوسطاء ( استخدام الوسطاء فن يحيده السماسرة والصهاينة ) انه سينشر في جريدة دي فيلت التي يعمل بها بسرور وحياد اكيدين ( كذا) المراسلات والانباء التي قد تكون في صالح السلطان ، وقد استخدم هرتزل بالفعل الصحافة اليهودية في العالم ضد الاقلية المتمردة ليحور على رضى السلطان . ولم يتردد هرتزل في ان يكتب الى باديني رئيس حكومة النمسا الرجعي في عام 1896 م عارضاً عليه اصدار مجلة تدافع عن مصالح رئيس حكومة النمسا الرجعي في عام 1896 م عراضاً عليه اصدار مجلة تدافع عن مصالح رئيس الحكومة مقابل خدمته للسياسة الصهيونية ، كما اه لا يرتدد في ان يعلن دون حياء ان الحركة الصهيونية ستحول يهود العالم الى عشرة ملايين عميل لانجلترا اذا ما ساعدتهم الاخيرة على تحقيق الحلم الصهيوني ، ومن المعروف ان هرتزل سبق ان تقدم بعرض مماثل الى المانيا لتحويل اليهود الى عملاء المان (28).

    ومن الواضح ان هرتزل واعوانه ارادوا ان يستغلوا الضائقة المالية الشديدة التي كانت عن تحت وطئاتها الدولة العثمانية ، فلوحوا بالمال ، ولكن السلطان عبد الحميد الثاني ما وهن وما ضعف وما استكان امام اغراء المال ورد على ورد على وسطاء هرتزل بقوله :

    "انصحوا الدكتور هرتزل بالا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع، اني لا استطيع ان اتخلى عن شبر واحد من الارض فهي ليست ملك يميني بل ملك شعيي. لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الارض ورواها بدمه ، فليحتفظ اليهود بملايينهم اذا مزقت امبراطوريتي ، فلعلهم يستطيعون انذاك بان يأخذوا فلسطين بلا ثمن ، ولكن يجب ان يبدأ ذلك التزيق اولاً في جثثنا واني لا استيطع الموافقة على تشريح اجسادنا ونحن على قيد الحياة" (29) .

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 40
    المشاركات : 362
    المواضيع : 127
    الردود : 362
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    ولم يكن هدف الصهاينة اليهود هو الحصول على مقر اقامة او وطن ، لان ذلك كان متاحاً لهم في أي بقعة من الدولة العثمانية وكان بامانهم ان يكونوا مواطنين عثمانيين اينما كانوا وحيثما ارادوا في الدولة العثمانية عدا فلسطين التي كانوا يتطلعون اليها لتحقيق اهداف سياسية استعمارية ، لذلك كان الصهاينة يقولون ان فلسطين وطننا القومي الذي لا يمكن ان ينسى ، ومجرد الاسم هائل ومثير كالصية الجامعة بالنسبة لشعبنا ، واذا ما منحنا السلطان صاحب الجلالة فلسطين فسنقدم بالمقابل الوعد بتسوية مشاكل تركيا المالية تماماً أما اوروبا فستكون قد شيدت بذلك جزءاً " من الحصن في وجه آسيا" . اننا سنقوم بدور المخفر الحضاري المتقدم في وجه البربرية (30).

    ونتيجة لاتصالاته المتعددة ، دعى هرتزل في آيار (مايو) 1901م إلى استانبول لمقابلة السلطان ،بصفته " رئيسا لليهود وصحفياً ذا تأثير " ، ولكن حظر عليه التحدث معه عن الصهيونية ، واثناء لقائه مع السلطان ، عرضهرتزل مساعدته على حكومة تركيا ، لتوحيد ديونها للممولين الاجانب ، الذين كانوا يضغطون عليها ويتدخلون في شؤونها الداخلية ، بسبب ديونهم ، بواسطة قرض طويل الامد ، يقدمه بعض الرأسماليين اليهود ، مقترحاً مقابل ذلك اصدار " بيان صداقة " من قبل السلطان تجاه اليهود يرحب بقدومهم إلى الامبراطورية العثمانية والاستيطان فيها ،وبعد هذه المقابلة ، استدعى عزت باشا ، احد مستشاري السلطا ، هرتزلللتفاوض معه بشأن اقتراحاته لتوحيد الديون ، وابلغه ان لايهود يستطيعون “ ان يأتوا الينا “ ، شرط ان يوافقوا على قبول الجنسية العثمانية ، ولن يسمح لهم باستيطان جماعي في أي مكان ، وخلال المفاوضات التي تبعث هذه اللقاءات ، استدعى هرتزل مرة اخرى ، في شباط (فبراير) 1902م ، إلى استانبول ، وابلغ ايضاً انه لن يسمح لليهود الذين يفدون إلى الامبراطورية العثمانية بالاستيطان ، في البداية ، في فلسطين ، وستعين الحكومة ، من حين إلى آخر ، الاماكن التي سيسمح لها بالاستيطان فيها ، ولكن هرتزل رفض هذا العرض ، وادى موقف الحكومة التركية هذا من جهة ، وعجز هرتزل عن ايجاد المال اللازم ، لتوحيد الديون ، من جهة اخرى ، إلى ايقاف المفاوضات بين الطرفين ، بينما اقتنع هرتزل بانه لن يحصل على امتياز توطين اليهود في فلسطين ، الا بعد تقسيم تركيا (31) .

    وقد دون هرتزل في مذكراته رد السلطان عبد الحميد الثاني عندما عرض عليه المال لشراء فرسطين بقوله : " لا اقدر ان ابيع ولو قدماً واحداً من البلاد ، لانها ليست لي بل لشعبي ، لقد حصل شعبي على هذه الامبراطورية باراقة دمائهم ، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم ، وسوف نغطيها بدمائنا قبل ان نسمح لاحد باغتصابها منا ، لقد حاربت كتيبتان من جيشنا في سوريا وفي فلسطين وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر في ( بلفنة ) لان احداً منهم لم يرضى بالتسليم ، وفضلوا ان يموتوا في ساحة القتال . الامبراطورية التركية ليست لي وانما للشعب التركي ، لا استطيع ابداً ان اعطي احداً أي جزء منها ، ليحتفظ اليهود ببلابينهم ، فاذا قسمت الامبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل ، انما لن تقسم الا على جثثنا ولن اقبل بتشريحنا لاي غرض كان “ (32).

    وقد سجل هرتزل في رسالة هامة مؤرخة في الثاني عشر من شهر يوليو 1902 م رأياً خطيراً نسبه إلى السلطان عبد الحميد الثاني ، فقرران هذا السلطان عرض على هرتزل توطين اليهود في العراق ، ولكن رفض هرتزل هذا العرض لانه لم يشمل فلسطين (33).

    ولم يستطع هرتزل كممثلل جريدة Neue Freie Presse قابل السلطان مرتين بواسطة الاستاذ مارلنغ ان يقنع السلطان عبد الحميد بالتخلي عن معارضته ، بل انه ـ كما يقول مارلنغ القائم باعمال السفارة في الاستانة “ رفض كل مشاريع الهجرة غير المحددة لليهود إلى تركيا ، ووضع كل عقبة في طريق ادخال جماعي لليهود ـ الاجانب " (34) .

    ولقد اوضح وايزمان في مذكراته :

    "... كنا نعرف ان أبواب فلسطين كانت مغلقة ، وان اليهودي كان يمكن ان يطرد حالاً من قبل السلطات ... وان القانون التركييمنع الحصول على الاراضي .. ولو اننا حاولنا ان نكون نظاميين لفزعنا ، ولكننا عبرنا عن طرييق ملتو ، فاليهود قد استقروا في فلسطين ولم يطردوا ... واشتروا ارضاً ... احياناً عن طريق رجال صورة ... او بالرشوة ... لان الجهاز التركي كان فاسداً ... وفي ظل هذا النظام بنيت المستعمرات الصهيونية الاولى...” (35).

    ونتيجة ليأس الدول الاستعمارية ، وعملائها الصهاينة من الحصول على مواوفقة رسمية من السلطان عبد الحميد الثاني ، لاستيطان اليهود في فلسطين، عمدوا إلى التآمر على حياته.

    وتذكر بعض المصادر الصهيونية انه نتيجة للوقف العثماني الرسمي من المشروع الصهيوني ، عرض القنصل العام للدولة العثمانية في فيينا " علي نوري بك " على "تيودور هرتزل " مشروعاً غريباً لتحقيق استيطان يهودي واقامة الدولة اليهودية وبدونه لا يمكن ان تنال الصهيونية ما تريد في فلسطين وهو ان يبحر "هرتزل " إلى البوسفور في سفينتين وينسف "يلدز" ويعمل على اتاحة الفرصة للسلطان عبد الحميد بالهرب او القبض عليه وتعيين سلطان آخر بدلاً منه ، ولكن قبل ذلك يجب اقامة حكومة مؤقتة تعطي اليهود امتياز الاستيطان في فلسطين ، ورغم غرابة القصة فقد درسها هرتزل وقدر تكاليفها وفكر بعواقب فشلها ، وقد طرحت الفكرة في 24 شباط (فراير) عام 1904م وقرر هرتزل اللجوء اليها اذا فشلت مساعيه الاخيرة السلمية في استانبول، لكنه ابرق إلى " علي نوري بك " في 19 نيسان (ابريل) من نفس العام معتذراً عن قبول الاقتراح بسببخشية "هرتزل " من قيام مذبحة هائلة يمنى بها اليهود في الدولة العثمانية اذا فشل المشروع (36) .

    وبالرغم من فشل الزعيم الصهيوني في اقناع السلطان العثماني بمشروع الدولة اليهودية في فلسطين فقد كانت " جمعية الاستعمار اليهودي" تواصل نشاطها في فلسطين بالاساليب غير القانونية معتمدة على شراء الاراضي من القطاع اللبناني ومنتهجة اسلوب الرشوة مع الادارة التركية الفاسدة كي تتغاضى عن عمليات الشراء، وكانت اسرة "سرسق " تملك وحدها مساحات شاسعة في فلسطين تتاجر بها وتستثمرها ، ويعترف هرتزل بهذه الحقيقة عندما يقول : " جمعية الاستعمار اليهودي تتفاوض مع عائلة رومية اسمها سرسق ـ على ما اظن ـ من اجل شراء سبعة وتسعين قرية في فلسطين ، يعيش هؤلاء الروم في باريس وقد خسروا اموالهم في القمار ، وهم يريدون بيع ممتلكاتهم وفي ـ3% بالمائة من مساحة فلسطين حسب قول بامبس ـ بسبة ملايين فرنك ، لقد تحولت جمعية الاستعمار اليهودية ن الارجنتين ولم تعد تستثمر اموالها الا في فلسطين (37).

    ويذكر السلطان " عبد الحميد الثاني " في مذكراته حول مفاوضات الصهيونية لامتلاك فلسطين فيوقل : بان يهود العالم تعاونوا مع المحافل الماسونية ، وطلبوا مساعدتهم واسكانهم في فلسطين وقد عرضوا علي اموالاً ولكنني لم اقبلها ورفضت ذلك المشروع ، ويضيف بقوله : " ان زعيم الصهيونية هرتزل لم يستطع اقناعي بافكاره بانشاء مزارع لليهود لانني اعرف انهم سيقمون حكماً ذاتياً ، وبذلك تكون المسألة اليهودية قد انتهت ، وربما كان هرتزل على حق بالنسبة لشعبه فانه يريد ارضاً لهم ولكنه نسي ان الذكاء وحده ليس كافياً” ، كما يؤكد السلطان عبد الحميد بانه منذ نشأة الحركة الصهيونية بدأ يعارض مخططاتها لانه عرف مقاصدها وقال : " ان الصهيونية لا تريد اراض زراعية في فلسطين لممارسة الزراعة فحسب ، ولكنها تريد ان تقيم حكومةويصبح لها ممثلون في الخارج ، وانني اعرض عن هذه السفالة لانهم يظنونني انني لا عرف نواياهم ، وليعلموا ان كل فرد في امبراطوريتنا ، كم يكن لليهود من الكراهية طالمال هذه نواياها، وان الباب العالي ينظراليهم مثل هذه النظرة ، انني اخبرهم ان عليهم ان يستبعدوا فكرة انشاء دولة في فلسطين لانني لا زلت اكبر اعدائهم " . ويرى " فامبري " ـ المغرب من السلطان ـ ان المشكلة الاولى التي واجهت الصهيونية واهدافها هي الاتجاهات الحكومية ، وهي نفس المشكلة التي واجهها هرتزل زعيم الصهيونية (38) .



    السلطان يضحي بعرضه من اجل فلسطين :

    نتيجة للمواقف الصلبة للسطان عبد الحميد الثاني ، ضد مخططات الاستعمار والصهيونية ،اصبح من المؤكد لدى زعماء الدول الاستعمارية انه لا مجال لتنفيذ المشروع الصهيوني وتهويد فلسطين ما دام السلطان على العرش.

    وقد حكم السلطان ـ بسببعدائه هذا لاماني اليهود واطماعهم ـ على نفسه بالخلع ، وعلى سمعته وتاريخ خالفته بالتشويه والتحريف والتجريح ، والذي يؤكد ذلك وثيقة تاريخية بخط السلطان عبد الحميد تبين سبب خلعه ، وهي رسالة وجهها بعد خلعه إلى شيخه في الطريقة الشاذلية الشيخ محمود ابي الشامات ـ شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق ـ وقد نشر هذه الرسالة الاستاذ " سعيد الافغاني " الدمشقي في مجلة " العربي " الكويتية في عددها الصادر في شهر شوال 1392 هـ الموافق لكانون الاول 1972 م ضمن مقالة بعنوان "سببخلع السلطان عبد الحميد " .

    انني لم اتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما ، سوى انني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم ( جون تورك ) وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة .

    ان هؤلاء الاتحاديين قد اصروا واصروا عليّ بان اصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الارض المقدسة " فلسطين " ورغم اصرارهم فلم اقبل بصورة قطعية هذا التكليف ، واخيراً وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة انجليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليفبصورة قطعية أيضاً ، واجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي :

    " انكم لو دعفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً ن (150) مائة وخمسينمليون ليرة انجليزية ذهباً ـ فلن اقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي ،لقد خدمت الملة الإسلامية والامة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة فلم اسود صحائف المسلمين آبائي واجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين ، لذها لن اقبل تكليفكم بوجه قطعي ايضاً " .

    وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي ، وابلغوني انهم سيعيدوننيالى ( سيلانيك ) فقبلت بهذا التكليف الخير (39) .

    لقد كان السلطان عبد الحميد يدرك اخطار الهجرة اليهودية ، يدرك مدى قوة الصهاينة في اوروبا التي هي قوة الدول الاستعمارية نفسها لذلك فهو يقول في مذكراته :

    لليهود في اوروبا قوة اكثر من قوتهم في الشرق ، لهذا فان اكثر الدولة الاوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين للتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيراً .

    ولكن لدينا عددكاف من اليهود ، فاذا كنا نريد ان يبقى العنصر العربي متفوقاً علينا ان نصرفالنظر عنفكرة وطين المهاجرين في فلسطين والا فان اليهود اذا استطونوا ارضاً تملكوا كافة مقدراتها خلالوقت قصير ، وبذا نكون قد حكمنا على اخواننا في الدين بالموت المحتم.

    انني ادرك اطماعهم جيداً ، لكن اليهود سطحيون ، في ظنهمانني سأقبل بمحاولاتهم وكما انني اقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فاني اعادي امانيهم واطماعهم في فلسطين (40) .

    وكانت له سياسة واضحة تجاه الهجرة اليهودية بشكل عام في امبراطوريته اذ كان يقول : لكي نعمل على اسكان الاراضي الخالية من امبراطوريتنا ، يتوجب تنظيم الهجرة بشكل مناسب لكننا لا يمكننا القول بان الهجرة اليهودية شكل مناسب لقد مضى عهد دخول اتباع الاديان الاجنبية إلى مجتمعنا كما تدخل الشوكة في اجسادنا ، ليس لنا ان نقبل في اراضينا الا من كان من امتنا الا من شاركنا في معتقدنا ، علينا ان نبدي اهتمامنا في تقوية العنصر التركي ( العثماني ) وان نسعى إلى زيادة المسلمين في البوسنة والهرسك وبلغاريا بالهجرة إلى هذه المناطق واستيطانها (41) .

    وهكذا نجد ان مثل هذه السياسة تعارض بشكل واضح سياسة الدول الاستعمارية التي بدأت بالتآمر عليه واسقاطه فجاءت نهاية حم السلطان عبد الحميد الثاني على يد ثوار " تركيا الفتاة " لتفتح المجال الواسع امام النشاط الصهيوني المنظم على شتى المستويات(42).

    ولقد ادى " انقلاب " تركيا الفتاة إلى تحسن ملحوظ في الفرص والمجالات المفتوحة امام التطور الصهيوني بفلسطين ، فقد كتب انذاك البروفسور ريتشارد غوتهايل ، وهو الذيكان رئيس الفرع الامريكي للمنظمة الصهيونية طيلة سنوات سبع ، لؤكد على الاحترام الصهيوني للسيادة العثمانية على فلسطين ، فقال ما يلي : بين اليهود ما من احد يخفق قلبه فرحاً وابتهاجاً مثلما يخفق قلب الصهيونيين ( على انقلاب تركيا الفتاة ) (43) .

    وتميزت الفترة الممتدة بينمجيء جماعة تركيا الفتاة واندلاع الحرب العالمية الاولى (1908 ـ 1914م) بتصاعد النشاط الصهيوني في عاصمة الامبراطورية العثمانية وفي الولايات العربية التابعة لها (44) .



    فشل المشروع الصهيوني في الدولة العثمانية :

    لقد تبين لنا فيما سبق الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة الاستعمارية والحركة الصهيونية ، لتهجير اليهود إلى فلسطين وشراء الاراضي لتوطينهم واقامة الدولة اليهودية هناك لتكون حصناً لاوروبا ، وقاعدة انطلاق لتأمين مصالحها .

    ونود الآن ان نرى ثمرة هذه الجهود الجبارة ، والى مدى ما تحقق لها من النجاح منذ بدأ النشاط الاستعماري الصهيوني حتى قيام الحرب العالمية الاولى .

    لقد مر معنا كيف تحالفت جميع القوى الاستعمارية لتنفيذ المشروع الصهيوني وكيف بذلتالجهود المتواصلة لتهجير اليهود مناوطانهم إلى فلسطين وكيف قامت بالضغوط والمؤامرات على الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني بالذات حتى اسقطته لانه كان عقبة في طريقها تحول دون تنفيذ ذلك المشروع .

    ونستطيع ان نقول بكل ثقة ان جميع تلك الجهود قد فشلت ، وانه لولا الحرب العالمية الاولى وما نتج عنها من تدمير للدولة العثمانية واحتلال مباشر لفلسطين من قبل الاستعمار البريطاني ، وتقسيم البلاد العربية بين الدول الغربية الاستعمارية ، لما قدر للمشروع الصهيوني ان يرى الحياة في فلسطين .

    ولعل ما سنورده من ارقام عن عدد المهجرين اليهود وعن مساحة الاراضي التي استطاعوا الاستيلاء عليها بدعم الدول الاستعمارية ، لهو دليل واضح على فشل الجهود الاستعمارية لتهويد فلسطين .

    اختلفت التقديرات حول عدد اليهود قبيل وصول طلائع المهاجرين الجدد اليها ، ويستفاد من احصاء جرى للسكان عام 1839 م فذكر ان عددهم نحو 6500 نسمة نصفهم في القدس وارتفع هذا الرقم في السنة التي تليها ليصل إلى 10500 نسمة ثم ارتفع ليصل إلى 14500 نسمة في عام 1856 م ، ووصل في نهاية عام 1881 م إلى 22350 نسمة وكان اكثر من نصف اولئك السكان يعيشون في القدس بينما يعيشالباقون في صفد وطبريا وعكا وحيفا ونابلس والخليل وفيقريتي شفا عمرو والبقيعة.

    بينما يذكر التقرير الاحصائي لحكومة فلسطين 1914 م بان عدد اليهود في عام 1839 م لم يتجاوز 6000 نسمة في حين بلغ عدد العرب 3000000 نسمة أي ان نسبة اليهود لم تتعدى 2% بالمائة ولم يتجاوز عدد اليهود في عام 1880 م عشرين الفاً (45) .

    وبين عامي 1840 و 1880 م وصل عدد المستوطنين اليهود بفلسطين إلى 2500 ، وخلال السنوات الخمس والثلاثين القادمة قدر لهذا العدد ان يبلغ 60000 نسمة(46).

    وفي عام 1875 م بدأت موجات الهجرة تتدفق ، وكان معدل عدد المهاجرين يصل إلى الفين في العام ، مما جعل قنصل الولايات المتحدة يكتب إلى وزارة خارجيته محذراً من ان تدفق اليهود على فلسطين من روسيا بمثل هذه الكثرة سوف يقلب الحالة في البلاد ، فلا تمضي سنوات حتى يصبح اليهود هم سكان البلاد ـ لا سكانها الاصليون ـ ونتيجة لهذه الهجرة ازداد عدد اليهود فبلغ في نهاية القرن التاسع عشر خمسون الف يهودي نصفهم تقريباً في القدس ، كما بلغ عدد مستعمراتهم تسع عشرة مستعمرة عدد سكانها 4350 شخصاً (47) .

    وبينما تؤكد بعض المصادر ان عدد اليهود كان في 1895 م حوالي 60 الف الا ان المصادر الصهيونية تؤكد ان عدد اليهود كان اقل من ذلك بكثير فقد كان عددهم في عام 1897 م ما يقارب 50000 الف يهودي (48) منهم حوالي 45000 يعيشون في 9 مدن صغيرة وكبيرة ( في القدس وحدها "28255" بينما لم يكن هناك سوى 4350 فرداص يتوزعون على 19 مستوطنة يمثلون الاستيطان الحديث ، ولم يكن هذا العدد كفيلاً بتغيير النموذج التقليدي للاستيطان القديم القائم على الصدقة ( الحالوكا ) (49) .

    اما مساحة الاراضي التي استطاعوا الاستيلاء عليها فقد كانت صغيرة لدرجة .

    وقبل ان نتحدث عن الاراضي التي استطاع الاستعمار والحركة الصهيونية الحصول عليها ،يجدر بنا ان نعطي فكرة عن الوضع القانوني للاراضي في ظل الدولة العثمانية .

    لقد اصدرت السلطات العثمانية سنة 1858 م قانون الاراضي العثماني المؤقت ـ الذي رغم كونه " مؤقتاً " بقي نافذ المفعول ، في فلسطين على الاقل لمدة تزيد على قرن من الزمن ـ ليساعدها على تنفيذ سياستها تلك ، وقد احتوى ذلك القانون تعليمات عديدة لتنظيم ملكية الاراضي والحقوق والواجبات المترتبة على ذلك ، فرضت احدها على مالك الارض تسجيل ارضه باسمه في دائرة تسجيل الاراضي ( الطابو ) ، لكي يضن حقوقه في الملكية ، بينما نصت اخرى على ان مليكة كل قطعة ارضمن نوع الاراضي الاميرية ( ميري ) ، وهو تعريف ينطبق على معظم الاراضي في فلسطين ، تنتقل إلى الدولة ، اذا امتنع صاحبها عن فلاحتها لمدة 3 سنوات متتالية .

    فاصرار السلطة على جباية الضرائب المترتبة على المحاصيل ( الاعشار ) وفقاً لتقديرات مبالغ فيها ، بحيث لم يكن لدى الفلاحين القدرة على تسديدها ، دفع الكثيرين منهم إلى التنازل عن فلاحة مساحات من اراضيهم ، فقامت الدولة بالاستيلاء عليها وبيعها بالمزاد العلني وابسعار بخسة عادة ، للافندية والاثرياء من سكان المدن ، بحيث استطاع عدد ضئيل منهم تركيز ملكية مساحات شاسعة من الاراضي في ايديهم ، وبهذه الطريقة انتقلت ( مثلاً ) ملكية كل اراضي مرج ابن عامر ( جنوب مدينة الناصرة ) إلى عائلة سرسق ... في بيروت ( وهي الاراضي التي بيعت لليهود فيما بعد ) واشترى اغنياء اخرون معظم الاراضي القريبة من المدن : صفد ويافا وغزة ، وكان اصحاب هذه الاراضي الجدد يؤجرونها (للفلاحين ) ، ابناء القرى المجاورة رغم ان عدد المستأجرين كان قليلاً وطرق فلاحتهم بدائية ، وكانوا يتهربون من دفع حصة اصحاب الاراضي ( في المحصول ) ،ولهذه كان اولئك مستعدين دائماً لبيع الاراضي التي وصلت إلى حوزتهم ، باسعار بخسة ، وحتى في الثمانينات والتسعينات ( من القرن التاسع عشر ) ، كانت اراضي مرج ابن عامر ، والسهل الساحلي بين حيفا وعكا ووادي الحوارث ( إلى الجنوب من حيفا ) معروضة للبيع ( من قبل" مالكيها الجدد) ، دون ان يكون هناك من يشتريها ، وقد بيعت معظم هذه الاراضي إلى اليهود ، الذين اقاموا عليها ، مع مرور الوقت ، عشرات المستوطنات .

    كذلك فان امر السلطات القاضي بتسجيل الاراضي باسماء مالكيها ، في دوائر تسجيل الاراضي ( الطابو ) ، قد ساهم أيضاً في الاسراع بملية تركيز الملكية لك ، في ايدي قلة من الوجهاء، اذ ان كثيراً من الفلاحين خشوا من ازدياد عبء الضرائب ، الملقى على عاتقهم ، بد تنفيذ عملية التسجيل تلك ، واطلاع السلطات نتيجة لها على كل ممتلكاتهم ، لذلك اتجه العديد من الفلاحين إلى الافندية والوجهاء "لحمايتهم" ، وذلك بطلب موافقتهم على تسجيل اراضي الفلاحين تحت اسمائهم ، لكي يتجنبوا دفع الضرائب ، مقابل دفع نسبة مئوية معينة من ناتج تلك الاراضي ، لقاء تلك "الحماية " ، وقد انتقلت بهذه العملية ، رسمياً على الاقل ، ملكية مساحات من الاراضي ، لا بأس بها ، إلى اولئك الافندية ، الذين كثيراً ما اساءوا الائتمان وتصرفوا بها ، ببيعها او بنقل ملكيتها إلى ورثتهم ، فقبيلة عرب الزبيد ، في شمال فلسطين ، إلى قنصل فرنسا اليهودي في عكا ، يعقوب عبو، لقاء بسط حمايته على ابناء القبيلة ، بينما قام القنصل، على اثر ذلك ، ببيع هذه الاراضي إلى مستوطني يسود هامعلة (50) .

    اضافة إلى ما ذكرنا ، كانت هناك طريقة ثالثة لانتقال ملكية الاراضي إلى الافندية ، وذلك بواسطة الربا الفاحش ، فعموم الفلاحين ، الذين لم تكن اوضاعهم الاقتصادية على ما يرام ، كثيراً ما كانوا يلجأون إلى الافندية الاثرياء للحصول علىقروض مالية ، كانت تمنح لهم ، عادة ، لقاء التعهد بدفع نسبة عالية من الفائدة ، بعد رهن اراضيهم كتأمين لتسديد تلك القروض، وفي مثل هذه الحالات ، كثيراً ما كانت الفائدة تتراكم ، خلال مدة قصيرة ، لتصبح اضعاف مبلغ القرض الاصلي ، ويعجز الفلاح عن تسديدها ، فتكون النتيجة استيلاء الافندي على اراضيه المرهونة (51) .

    وعلى ضوء ذلك نستطيع ان نعرف السبب الاساسي لانتقال الاراضي التي حصل عليها اليهود ، من العائلات غير الفلسطينية التي كانت تعيش خارج فلسطين .

    وكان يضاف إلى تلك الاسباب ، المصادرات والهبات التي كانت تمنحها حكومة الانتداب البريطاني لليهود ، بصفتها تملك صلاحيات السلطان العثماني التي ابقتها لتنفيذها لمصلحة المشروع الصهيوني ، وكانت اكبر نسبة من الاراضي التي انتقلت مليكتها لليهود من الهبات الحكومية التي منحتها الحكومة البريطانية بصفتها الدولة المنتدبة من عصبة الامم لاقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.

    وفي سنة 1879 م تم استملاك نحو 10000 دونم من تاجر يدعى تيان ( لبناني ) ، الا ان معظم المستوطنين اضطروا الى تركها بعد نحو 3 سنوات من تأسيسها في 1881 م بسبب الامراض التي تفشت بهم والخسائر التي لحقت بهم نتيجة لعدم خبرتهم في الزراعة ، فسلمت الاراضي الى مزارعين عرب لفلاحتها (52) .

    ونتيجة لاحتجاجات عرب فلسطين على بيع العائلات المذكورة الاراضي لليهود استجابت الاستانة للاحتجاج الا ان التدخل البريطاني ابطل مفعول فرمان السلطنة العثمانية ولكن عرب فلسطين واصلوا الاتصال بالاستانة ، وصدر قرار في السنة التالية 1892 م يمنع اليهود من شراء الاراضي ويمنع ايضاً الرعايا من بيع الاراضي لليهود ، ولكن بريطانيا وبعض الدول الكبرى تدخلت ، فاستطاعت ان تقلل من فاعلية المنع بالرغم من تثبث الحكومة العثمانية برأيها حتى خلع السلطان عبد الحميد ( ابريل 1909 ) (53) .

    وفي سنة 1901 م ، تم شراء ما مساحته 31500 دونم من الاراضي الواقعة بالقرب من طبريا ، من عائلة سرسق البيورتية ، المالكة لتلك الاراضي ، وقد كان لهذه الصفقة تأثير بعيد المدى على النشاط الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ، اذ اقيم على تلك الاراضي عدد من المستوطنات اليهودية ، جاءت بمثابة نواة لتجمع ثان من المستوطنات الصهيونية التي اقيمت في شمال البلاد ، وذلك بالاضافة الى التجمع الرئيسي الذي كان قائماً في متصرفية القدس ، كذلك كانت صفقة البيع هذه بمثابة مقدمة لصفقات اخرى مماثلة ، باع بموجبها ابناء عائلة سرسق للصهيونيين ، مساحات شاسعة من الاراضي ، في اماكن مختلفة من فلسطين (54) .

    وكان الصهيونيون قد استاعوا خلال السنوات (1889 ـ 1902 م ) من شراء نحو نصف اراضي قضاء طبريا ، التي كانت ملكاً لعائلة عربية اقطاعية تسكن في دمشق (55) .

    وفي القدس استطاعت شركة تطوير اراضي فلسطين ، شراء 192 دونماً من الارض ، حتى سنة 1918 م ، وذلك على جبل سكوبس ، حيص اقيمت الجامعة العبرية فيما بعد ، وفي المنطقة التي انشأ عليها شارع بن يهودا والشوارع المحيطة به في القدس الجديدة ، وكانت هذه الاراضي ملكاً للورد انجليزي ، والبطريك اليوناني في القدس .

    واشترت الشركة في حيفا ايضاً ، حتى سنة 1913 م ، ما مساحته 249 دونماً من الارض على جبل الكرمل ، واقيم على جزء من تلك الاراضي آنذاك ، معهد الهندسة التطبيقية ، التخنيون وفي سنة 1918 م ، اشترت الشركة 2536 دونماً ، في اماكن مختلفة في المدينة ، معظمها ملك لالمان ، كانوا يسكنون هنك حتى ذلك الوقت(56) .

    وهكذا نرى ان الصهاينة بتسهيلات من بريطانيا قد اشتروا بعض الاراضي من عائلات غير فلسطينية ( عربية واجنبية ) كانت تسكن خارج فلسطين وان نسبة تلك الاراضي كانت قليلة جداً ولا تكاد تذكر بالنسبة لمساحة فلسطين وهذا ما ادى الى فشل المشروع الصهيوني خلال حكم السلطان عبد الحميد .

  5. #5
    الصورة الرمزية خالد عمر بن سميدع شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    المشاركات : 1,295
    المواضيع : 149
    الردود : 1295
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    يرفع مجددا .

    بارك الله فيك أخي ابن فلسطين ...





    / \
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    حسن ما تكتبه فالناس تقرأه


المواضيع المتشابهه

  1. أشعار مجهولة القائل في شعر الفتوح الراشدي:المستشارحسي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-06-2016, 02:55 PM
  2. من القائل
    بواسطة مُنتظر السوادي في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-03-2013, 11:22 PM
  3. مَن قتل مَن ؟
    بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 01-12-2006, 09:20 PM
  4. من القائل ؟
    بواسطة الأمين في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-05-2005, 07:06 PM