ها هو يجلس في مكانه المعهود ... و كعادته وبكل وقار....طلب مني أن أقترب منه
خفته للحظاتٍ، فقد كان مختلفا بعض الشيء....أنيقا في جلسته إلى حدٍّ مُلْفِتٍ، نظراته غريبةٌ غامضةٌ، ابتسامَتُهُ ساحرةٌ ...رهيب الهدوءِ وكأنّهُ تَدَرَّبَ عليه منذ سنواتٍ، يبدو لي وكأنه كان يخفي شيئا ما..
الانتقال لمسرحٍ آخر (ربما هو مسرح محاولة اللحوق بالرّكب)
الوقار ... الهيبة ... الأناقة .... سحر الابتسامة ... الهدوء
صفات مثالية قلّما تجتمع في آن ... ربما لم تجتمع إلا في مثل هذا المشهد!! فالعين النّاظرة هنا نظرت إلى النّصف المليء من الكأس ... لا يهمّ فهو يبدو مختلفاً تماما هذا اليوم يبدو (استثنائياً) على الأقل بنظر النّاظر إليه ....
و الحقيقة أنه لم يكن وحده الغريب في تلك الليلة الخرساء , يبدو بيتُنا غريباً، فالزوايا باهِتَهٌ على غيرِ عادَتِها وكذا الأثاثُ يبدو رثّاً كئيباً، كل ما حولي يشعرني بالرعب والخوف من شيء مهول أحسه ولا أعرفه.
أحسه ولا أعرفه !! تصوير واقعيّ
كل شيء في هذا الموقف يبدو غريباً ولا غرابة في ذلك فأنا أشعر أنّ قنبلة ما ستنفجر بعد قليل
لا بدّ من أنّ شيئاً سيحدث بعد قليل ولا أظنّه سيكون عادياً سيكون أمراً جللاً ...
أَنْظُرُ إليه عَلّني أكتشفُ ما يخفيه فيبتسمُ لي وتظهَرُ لي وسامَتُهُ هادئةً صافيةً كليلةً مُقْمِرَةً لا تستطيعُ معها إلا أن تهدئ من روعك.
لكن ابتسامة واحدة منه تعيد الأمور _غير الطبيعية_ إلى وضعها الجميل الحسن نظرة واحدة من شأنها أن تقتل كلّ خوف أشعر به ... كيف لا وهو مرساي الأخير .. وهو محطة سكينتي وصدره الواسع مليء بالعطف
جذبني لصدره برفق من يحمل أوراق الورد بفيض من الحنان احتواني .... مرّ زمن على آخر ضمة .. هل تذكر أخيراً أنني بحاجة لها ؟
وها هو يفعل ما أتوق إليه فأنطلق في عالم رحب ملؤه الحنان .. كان يضمّني برفق من يضمّ الورد .. صورة جميلة ولوحة تفوق بجمالها (الموناليزا)...ربما
سَرَتْ قشعريرةٌ تَسَلّلَتْني، اجتاحت أطرافي ثم جسدي كلَّهُ، هزمت صمودي وسرعان ما وَصَلَتْ لِعَرْشِ العيونِ لِتُعْلِنَ النّصْرَ وَلْتُسْقِطَ راياتِ صمودي دموعا.
ويح العيون لما البكاء ؟ اصمدي على الأقل أمامه انها اسعد لحظاتي
لما الآن ؟... لم أشغل نفسي بالسؤال فقد حاولت أّلا يُلاحِظَ ماجرى
وبالرغم من كل محاولاتي إلا أني لم استطع إخفاء لؤلؤةٍ سقَطَتْ مِنْ مُقْلَتَيَّ رَغْماً عَنّي في كوب شايٍ وُضِعَ أمامَهُ وفوجئتُ بسؤالهِ وكأنّهُ لم يَعْجَبْ مِنْ بكائي : هل مازلتِ تعرفين المستقبل وتتنبئينَ بما سيحدث؟
من الطبيعي جدا أن يحدث هذا ... فالدمع ينهار في هكذا موقف رغم أنف العيون ...
وربما رغم الحرص الشديد على إخفاء ذلك إلا أنه علم به فلؤلؤتي الثمينة سقطت أمام عينيه في كوب الشّاي ولا بدّ أنه رآها لكن لم يعرها أيّ اهتمام!!! سؤال غريب وتصرف أغرب
لو كانت تتنبأ بما سيحدث لما انهارت دموعها أو لم تقبل هذا العناق ...
ضحكتُ ببراءةٍ وخجَلٍ وتذكرتُ قصةَ التّنبؤِ حين طلبتُ من أمي ذات يوم أن تطهو السمك لأبي فَظَنّتَ أنني مَسَّني خَلَلٌ، فقد كان لا يزال مسافراً
ولكنها طَهَتْ ما طلبْتُ ويومها وكعادَتِهِ عادَ فجأةً في ذات اليوم. فقد كان رجل المفاجآت دوما، يسافر فجأةً ويعودُ فجأةً ومن يومها صرت أنا كاهِنَتَهُمْ.. أغلقتُ باب ذكرياتي وعدتُ و عدت لأُكْمِلَ ضحكاتي البريئة وسألته ممازحةً: أَتَوَدُّ أنْ أَتَنَبّأَ عن شيءٍ ما ؟ سأسألُ السماءَ فإنها تخبرني دوما عن المستقبل وضحكتُ مِنْ جديدٍ حينها تذكرتُ مقولةَ أُمّي حين نكثر من الضحك "اللهم اجعله خير" لماذا دائما نحن خائفون من شيءٍ ما من سبق من؟ من خلق قبل من؟ أخلقنا قبل الخوف ؟ أم خُلِقَ قبلنا وَانْتَظَرَ مجيئَنا ليعيشَ داخلنا وَيُنَغِّصَ علينا اطمئناننا؟
الحديث عن الأب صاحب المفاجآت الكثيرة قاد إلى حقيقة موجودة في مجتمع ما (الله يجيرنا من هـ الضحكة) اتكاء جميل على عادة اجتماعية تحمل في داخلها تساؤلات أثيرت بطريقة عفوية
ولا شكّ أنّ هذه تساؤلات عميقة ... لماذا الخوف؟؟ لماذا نخاف من أن نفرح؟؟؟
وكأن الخوف الأصل والفرح حالة استثنائية تكون نذيرا بالخطر!!!
يتبع===>