أحدث المشاركات
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 36

الموضوع: وجاءت الثانية

  1. #11
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    الأخ الفاضل الأديب / أديب قبلان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أرى هنا عملاً مختلفاً عن كل ما قرأته لك من قبل ..
    ولكن كما قال أخي الأستاذ ( مجدي جعفر ) لا نستطيع الحكم على قصتك دون رؤية العمل الأصلي ، والذي اقتبست منه الفكرة ، وبعض العبارات ، وأنا أحيي صراحتك وشجاعتك الأدبية إذ نوهت إلى أن قصتك مقتبسة عن عمل لكاتب آخر ، وهذا يحسب لك بكل تأكيد .
    كنت على وشك ان أسألك لم وضعت عبارات الحوار بين علامات تنصيص ؛ فإن كان هذا لأنها مقتبسة من النص الأصلي فقد فعلت الصواب ، وأما إن كان غير ذلك فيجب عليك في هذه الحالة محو علامات التنصيص ما دمت قد استخدمت
    (شرطة الحوار) .
    هذه هي ملحوظتي الوحيدة على قصتك ، وفيما عداها لا أرى امامي إلا قصة مكتملة عناصرها ذات حبكة قوية ، وأسلوب مميز ، هو أسلوبك الشيق الذي عودتنا عليه .
    استمر يا صديقي الموهوب في هذا الطريق الجميل الذي وضعت أقدامك عليه بثبات واضح هذه المرة .
    بخصوص اسم لهذا العمل فأنا أقترح اسمين ، وفاضل أنت بينهما ، أو فكر في غيرهما :
    " رسالة من هناك " أو " ورقة صفراء "

    تقبل أمنياتي بمستقبل واعد بإذن الله .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  2. #12
    الصورة الرمزية أديب قبلان عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    المشاركات : 201
    المواضيع : 32
    الردود : 201
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الأستاذ الفاضل حسام القاضي ...
    لقد نبهتني مرة أخرى على إحدى النقاط الهامة وأرى أنني قد نسيت أن ملاحظتك الموجودة على قصة صفير الموت كانت إحداها عدم وضع علامات تنصيص على الحوار إلا إذا كان بين الكلام ، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه ، ولكني وبكل تأكيد سأعدلها لكي تصبح قصة جميلة وأرفق لك في ردي قصة كاوبوي للكاتب الكبير الأستاذ نوزت شمدين ....






    كاوبوي
    للأستاذ نوزت شمدين


    1-

    منذ أن وصلني خبر وفاة أختي نعيمة وأنا لا أطمئن إلى الأجراس ومنبهات
    القلق . تصبغني صفرة ليمونية كلما سمعت جرس الباب ويضيق صدري مع كل رنين متقطع أو طرقة مخنوقة على خشب باب مكتبي البارد .

    فكرت في استبدال جهاز الهاتف الأسود الثقيل بمنحنياته العابسة وقرصه
    الحديدي العاصر للسبابة بأخر أحدث يبهج القلب بألوانه ووظائفه المتطورة .
    ولكنني سرعان ما اكتشفت أن التكنولوجيا الهاتفية لا تليق برسوخ أسمي
    التجاري .
    فالأشياء القديمة تعزز ثقة الزبون كما أن هاتفي الجنائزي هو الأسهل
    بالنسبة لسمعان الحارس الذي لا يجيد التعامل مع جهاز آخر . كنت الوحيد في قيصرية المأمون الذي ينتظر الأخبار السيئة لذلك اعتدت على إخراج الهاتف إلى الممر ووضعه بعد إغلاقي للمكتب تحت تصرف سمعان تحسباً لأي طارئ فالكوارث والمصائب عادة ما تحدث في غياب القلق ، وهذا الأجراء وفر الأمان للمكاتب
    الأخرى
    ولكنه جعلني أكثر اعتقادا أن الحرائق في انتظار غفلة مني .

    في صباح السبت فتحت باب المكتب بغياب سمعان . هاجمتني روائح الأسمدة
    والبذور المتعفنة . اضطررت إلى مسح جلد الكرسي الدوار بنفسي . في عملنا نحتاج دائماً إلى التراب والغبار لأن ذلك يجعلنا أكثر واقعية في التعامل مع أدوات الزراعة لذلك لم أكن أهتم سوى بالكرسي وقيامي بهذا العمل يشعرني بخسارة فادحة .
    أطل سمعان برأسه البصلي وقال بصوت أجش وهو يرمقني بنظرة ينقصها
    الاحترام :

    في الليل اتصلوا بك من بغداد وقالوا إن الكنغر يريدك .

    تسمرت في مكاني بلا حراك . لم يجد سمعان ما يقوله فتركني وغاب دون أن يبرهن لي أن مسح الكراسي يحتاج إلى خبرة .

    قبضت على سمعان في مكتب عبد العزيز واستطعت أن أعرف منه أن الاتصال مصدره الوزارة ولكنني لم أعثر في ذاكرته البالية على أكثر من أن الكنغر يريدني .
    عدت إلى مكتبي وأنا أرتجف والنمل يجتاح فروة رأسي .



    -2 -



    في فجر الأحد كنت أقطع بسيارتي الطريق إلى بغداد ومذياع السيارة مفتوح على إذاعة صوت الجماهير . لم أكن قد توصلت إلى شيء ولم أستطع الإمساك بخيط ما بعد تقاعد عبد الرحمن البكري انقطعت علاقتي تقريباً بوزارة الزراعة .
    الاحتمال الذي يتوافق مع المنطق أن في الأمر استشارة ما أو عقد مع شركة أجنبية تسمى الكنغر والوزارة تحتاجني كخبير . كان هذا هو تفسير زوجتي التي قاومت ببسالة آلام مفاصلها ونبشت معي في أوراقي القديمة بحثاً عن أي شيء يذكرني بالكنغر اللعين خاصة وأن الأمر كسر ما حرصت على ترسيخه وأصبح مثل وصمة عار فالكنغر يحيل السامع الى أسم حركي لسفاح تجاري واللئيم سمعان وضع الخبر في أذن جاري عبد العزيز الذي لف مسبحته الطويلة حول معصمه وقال حاسداً :

    ها دكتور عبد الكريم .. من أين لك بهذا الكنغر .. حوت والله العظيم حوت .

    وافقت على اقتراح زينب فقد يكون وراء هذا الاستدعاء فرصة عمل كبيرة ولكنني
    كنت لا اعرف كيف أتصرف . ساعدني صوت عفيفة اسكندر ومائدة نزهت على تنشيط
    قلبي وتجديد دمي .

    دخلت من بوابة بغداد في الساعة العاشرة صباحاً ، وعلى الفور اتجهت إلى
    ديوان الوزارة في ساحة الأندلس وأنا أكثر عزماً على مواجهة الأمر
    والاستعانة
    بما تراكم لي من خبرة برغم مضي مدة طويلة جدا على التصرف كممثل لجهة رسمية
    عالية المستوى .

    استقبلني موظف الاستعلامات بالترحيب . شعرت بالخجل من نسياني أسمه ولكنه
    سهل علي الأمر فقد بدا أنه على علم بالمكالمة الهاتفية وقال لي بصوت عال
    أثار انتباه من حولي :

    أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي سأل عنك .

    جف ريقي . قلت له :

    أنت عل خطأ .. قد تكون شركة الكنغر هي التي سألت عني .

    ليس بالكنغر يا دكتور .. إنه أحد أعضاء الكونغرس جاء على الطائرة الأردنية
    التي هبطت قبل يومين وهو ينتظرك في فندق الرشيد .

    وقبل أن أتركه سألني بصوت خافت :

    دكتور.. هل أدخلت الوزارة الكنغر ضمن خطتها للإنتاج الحيواني ؟ .





    -3-

    لم أدر مفتاح التشغيل . بقيت أمسك بالمقود يتلبسني الانفعال مثل متسابق
    مغامر . فكرت في الاتصال بزينب من أقرب كشك اتصالات . سيطر علي هذا الهاجس
    لفترة ولكن قلقي المتزايد أبعدني عن أي فعل ورحت أتأمل الإسفلت مستنطقاً
    الذاكرة . شدني منظر أحد الوفود الرياضية وهو يترجل داخلاً إلى فندق
    السدير
    . لعل الأمر ليس أكثر من حاجة الوزارة إلى مرشد له دراية واسعة في واقع
    الزراعة الشمالية . لمت نفسي على تركي الوزارة بهذه السرعة فقد كان علي
    البحث عن تفاصيل أخرى . وجدتني أقود سيارتي بسرعة وأنا أكثر ثقة من أن
    الأمر
    لا يستحق البحث عن استنتاجات ذهنية خاطئة . وجدت الفندق في حركة كثيفة .
    تمكنت من الانفراد بموظف الاستقبال وأخبرته بالأمر . سألني إن كنت أعرف
    أسم
    الرجل الأمريكي فأجبته بالنفي . غاب الشاب لدقيقة ثم عاد برجل في عقده
    الرابع أنيق المظهر ، طويل القامة . استقبلني بصفته المسؤول عن الوفد .
    شرحت
    له الموقف وأبرزت له هويتي . كتب الرجل الأنيق ملاحظاته على ورقة صغيرة
    أودعها في جيبه وطلب مني الانتظار في صالة الجلوس .

    حاصرتني شبكة نسائية من إعلاميات فرنسيات فمدني ذلك التوهج بالاسترخاء
    ورحت أتأمل تلك المساحات الحرة من اللحم في غفلة من وقاري . كنت على ثقة
    من
    أن خبرتي الزراعية لم تصل إلى أمريكا وقد يكون الأمر ليس أكثر من رسالة
    أراد أحد المعارف من المهاجرين إيصالها ألي عن طريق الرجل الأمريكي . شعرت
    بالاطمئنان وزال عني التوتر ولكن الانتظار طال أكثر مما يجب . راودتني من
    جديد فكرة الاتصال بزينب وعزمت على أن أفعل هذا بعد أن أخرج من هنا بسلام
    .

    وقع بصري على رجل طويل القامة يتجه نحوي وعلى وجهه ابتسامة عريضة . شدتني
    الملامح الوردية واللحية الصفراء الخفيفة . تكاثرت في نفسي الهواجس . تقدم
    الرجل بثقة فاتحاً ذراعيه . صدمتني المفاجأة . لم أملك سوى أن أنهض
    لاستقباله غير مصدق لهذه الصورة الحقيقية القادمة من زمن بعيد . حياني
    بلغة
    عربية وهو يضمني إليه بقوة وكفه تربت على ظهري مثل مضرب ينفض الغبار . قال
    لي
    بلهجة مصرية :

    ماذا يا دكتور عبد الكريم ..هل نسيت جورج راي ؟

    حاولت فك الاشتباك والنظر إليه بتمعن . أجبته وابتسامة الارتياح تملأ وجهي
    :

    أنا سعيد جداً بلقائك .

    مر زمن طويل يا دكتور وربما بعد سنوات ستجدني رئيساً للولايات المتحدة .

    قلت له مازحاً :

    وعندها ستضطر أنت أيضا إلى ضربنا بالقنابل .

    ضحك بصوت عال أفزع الفرنسيات وقال :

    - هذا ما قد يحث يا صديقي .. هذا ما قد يحدث .

    انتقلنا إلى الكوفي شوب . لم أتوقع أن يستيقظ الزمن هكذا فجأة وعلى هذا
    الشكل الجديد . كانت وزارة الزراعة قد أرسلتني في بداية الثمانينات إلى
    مصر
    لأحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس . وفي القاهرة التقيت بجورج
    راي الخبير الزراعي الأمريكي الذي يعمل في المركز الأفريقي للأبحاث
    الزراعية . وكنا وقتها نستخدم مختبرات المركز المتطورة في إجراء البحوث
    فنشأت
    بيننا علاقة متينة دامت لأكثر من سنتين .

    أخبرني جورج أنه ترك القاهرة بعد سفري بستة وأنه عاد إلى الولايات المتحدة
    ليبدأ بعد ذلك في التفكير باقتحام المجال السياسي والتدرج فيه . أبديت له
    استغرابي ونحن نحتسي القهوة فلم تكن هذه الميول ظاهرة عليه . ربما لأنني
    وجدت في سعة علمه وحبه العميق للشرق والحضارة العربية وإصراره على إجادة
    اللغة العربية ما يثير اهتمامي أكثر من أي شيء آخر .

    تحدثنا عن أشياء كثيرة بطريقة عشوائية في محاولة لردم الفجوة الزمنية إلا
    أن جلستنا لم تدم طويلاً فقد كان جورج على موعد مع نائب رئيس مجلس الوزراء
    . اتفقنا على اللقاء في المساء وكانت تلك هي فرصتي الوحيدة للاتصال بزينب
    .







    -4-

    ذهبت للمبيت في فندق أبن الهيثم . حجزت غرفة بسريرين للحصول على شيء من
    الأتساع يخفف عني كآبة العقد الخامس من العمر . لم أستطع النوم رغم ما كنت
    أشعر به من استرخاء بعد الحمام الحار . كانت ذاكرتي تقلب دفاتر الأيام
    وتحيلني بشكل قسري إلى ليالي القاهرة وذلك الهوس الذي كان يقدح في عقلي
    الجنون
    تلو الجنون . كان جورج راي يمتلك شخصية ساحرة . وجدته خارج العمل أكثر
    تقيداً وانضباطاً وهو التزام لا يتوافر عادة لدى الأمريكي . تعجبني فيه
    حالة
    الافتتان الدائمية وقدرته على التفاعل ليس كسائح وإنما كانسان يريد أن
    يتعلم وينظر إلى الآخرين من حوله بمستوى أفقي . وجدتني لا أفهم سر عدم
    الاتصال به طوال هذه المدة .

    وفي الساعة السابعة مساءً كنت مع جورج . استقبلني بطريقة أكثر حميمية وهو
    يرتدي بدلة جينز وقد علق على كتفه حقيبة جلدية مربعة . قال لي ونحن نسير
    باتجاه باب الخروج :

    تبدو يا دكتور مثل دب اسكندنافي .. بهذا الشكل لن نستطيع القول أن
    العقوبات باتت مؤثرة .

    قلت له على الفور :

    ما ينقص حكومتكم هو الضمير وليس الحقائق يا جورج !

    أنتبه إلى عدم ارتياحي لمظهره فأخبرني أنه يجد من الضروري الالتزام بالزي
    التقليدي لاعتبارات تخص الشرف الوظيفي رغم أنه يكره أن يبدو مثل السيد (
    لانكستر ) . اقترحت عليه أن نقوم بجولة في بغداد . استوقفني قبل أن أفتح
    باب سيارتي :

    إياك أن تأخذني إلى ملجأ العامرية ..؟!! .

    طلبت منه الجلوس في السيارة وترك الأمر لي . بدت عليه البهجة . سـألته إن
    كانت إقامته في بغداد جيدة . أجابني بمرح :

    في البداية شعرت بالإرهاق أما الآن فأنا أكثر سعادة ..

    أعلم أنك تحب الأماكن الشعبية .. ما رأيك أن نجلس في مقهى وندخن النرجيلة
    العراقية .

    وافق وهو يقول :

    هذا ما أنا بحاجة إليه بعد الجلسة الساخنة مع مسئوليكم .

    توقفت عند الإشارة الحمراء . التفت إليه فتابع :

    - إنهم يعرفون كيف نفكر ، ويعرفون أيضاً ماذا نريد أن نفعل .

    وجدتني أقول له بانفعال :

    جورج .. أريدك أن تكون معي الباحث الزراعي الذي أحترمه وليس السياسي الذي
    لا أعرف عنه شيئاً .

    رد بعد صمت :

    أفهمك يا عبد الكريم .. كما تريد يا صديقي .

    تركنا السيارة في مرآب وغادرنا ساحة الميدان باتجاه شارع الرشيد . شعر
    جورج ببرودي وتوتري فراح يكثر من الأسئلة ويتوقف متفحصاً المحلات
    والدكاكين .
    جلسنا في مقهى الزهاوي



    وطلبنا الشاي والنرجيلة . حدثني جورج عن الظروف التي رافقت عمله والصعوبات
    التي تعرض لها بعد إقامته الصغيرة في تونس

    وعودته بعد ذلك إلى أمريكا

    كنت أحدثه عن الأضرار التي لحقت بالزراعة في العقد الأخير عندما أعتدل في
    جلسته وانشغل عني بتحريك الفحم ثم ما لبث أن أمسك بذراعي ونظر ألي بتمعن .
    نفث الدخان من أنفه ثم قال بهدوء :

    - سمعت أن أبنك قد قتل في الحرب .

    أحتقن وجهي . ساورني الصمت وشعرت بألم في ساقي . بقي جورج منتظراً ردي :

    إنه لم يقتل .. لقد سجل مفقوداً .. هو الآن في مكان ما في الكويت أو
    السعودية .. ابني صادق لم يقتل يا جورج .

    ضغط على ذراعي بقوة وهو يقول :

    أنا أفهم ..

    قاطعته :

    كلا أنت لا تفهم .. نحن هنا لا نموت وأبني سيعود في يوم ما .

    قال باضطراب :

    هذا واضح يا عبد الكريم .

    سألته :

    كيف علمت بأمر أبني ؟

    اتكأ ومد ساقيه إلى الأمام وقال :

    إنها قصة طويلة سأخبرك بها لاحقاً .

    أخذت ألف الخرطوم حول عنق النرجيلة وأنا أقول :

    - مهما يكن الأمر أنا سعيد برؤيتك أيها الكاوبوي .. من الضروري أن تأكل
    سمك دجلة لأنه سيذكرك بأشياء كثيرة عندما تصبح رئيساً للولايات المتحدة
    الأمريكية .

    قال لي وهو ينهض معي :

    - سأغادر بغداد في صباح الغد .. لا بد أن التقي بك قبل سفري لأنني أود
    إبلاغك بشيء مهم .







    -5-





    اتصلت بزينب قبل ذهابي إلى فندق الرشيد وأخبرتها أنني سأرجع إلى الموصل
    هذا اليوم . وفي الساعة الثامنة صباحا وجدت جورج ينتظرني في صالة
    الاستقبال
    . طلب مني أن نتجه الى الخارج . سرنا في الحديقة الخلفية . بدا جورج قليل
    الكلام وكأنه يمهد لشيء ما . حاولت أن أخفف عنه قليلاً فقد مدني منظر
    الحديقة الجذاب بطاقة لم أمتلكها منذ زمن . جلسنا على مصطبة بالقرب من
    المسبح
    . سألته بعد أن اكتشفت تردده :

    ماذا هناك يا جورج ؟

    أشعل سيجارة وهو يقول :د

    أرجوك أن تفهم يا عبد الكريم أن هناك معارضة قوية من جانبنا لسياستنا
    الخارجية .

    قاطعته :

    جورج لا أريد سماع هذا .. ما يهمني هو جورج الباحث الزراعي .

    قال بتوتر :

    عليك أن تسمعني ولا تقاطعني .. لقد أتخذت قراراً مهما ووقف معي العديد من
    أعضاء الكونغرس .. لا أقول أننا حققنا نتيجة طيبة ولكن المحاولة قائمة ..
    نحن نريد إيقاف هذا التدمير خاصة بعد أن تكشفت لنا الحقائق وصرنا أكثر
    معرفة بما حدث ويحدث .

    قلت له :

    ولهذا السبب جئتم الى هنا وزرتم ملجأ العامرية ومستشفيات الأطفال .

    نعم ولكن ليس هذا هو كل شيء . قبل أكثر من عام زارني القس هورنر وهو رجل
    فاضل تربطني به علاقة صداقة متينة . جاءني القس وأخبرني بقصته وقدم لي
    الأدلة التي تثبت صحة كلامه . حدث هذا بعد أن أعلنت في مقابلة أجرتها Cnn
    عن
    ضرورة إعادة فتح الملف العراقي . كان القس هورنر برفقة مجموعة من الجنود
    والضباط مهمتها تنظيف ساحة المعركة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت .
    زوى لي الكثير من القصص البشعة حول تعامل الجيش الأمريكي مع جيشكم المنسحب
    وحتى بعد وقف إطلاق النار . أرادوا من وجود القس معهم إظهار الوجه الحسن
    وقد قام الرجل تحت الضغط بالصلاة لراحة أرواح جنودكم .



    قلت له :

    ليس هذا بالجديد .

    عاد جورج ليقول :

    أخبرني القس هورنر أنهم عثروا على مجموعة من الجنود العراقيين الجرحى .
    وقد قامت وسائل الإعلام بتصوير محاولات تقديم الإسعافات الأولية إليهم .
    بعد
    ذلك بقليل تم سحب البعثة الإعلامية وقام الجنود الأمريكيون بعملية تفتيش
    دقيقة للجرحى ثم تم تعريتهم بالكامل وأمر أحد الضباط بربطهم في منخفض من
    الأرض . بعد ذلك جاءت الجرافات وجرى دفن الجنود الجرحى وهم أحياء .

    قلت له وأنا أضرب بقبضتي راحة يدي اليسرى .

    بالأمس تساءلت مع نفسي عن سبب انقطاع الاتصال بيننا طوال هذه المدة ..
    ماذا تريدني أن أقول لك يا جورج ؟ يبدو أن علاقتنا قد انتهت ما أن بدأتم
    الحرب .. هل تريدني أن أقول لك شكراً يا جورج ؟ .

    أطرق برأسه ثم قال بعد صمت :

    لقد جئت إلى هنا من أجل أن أعتذر يا صديقي . . وما أردت إبلاغك به أن القس
    هورنر استطاع بطريقة ما أن يحصل على بعض ما كان بحوزة جنودكم من حاجيات
    وهويات وأشياء أخرى، ومن بين ما حصل عليه هذه الرسالة التي كتبها أحد
    الجنود
    ولم يستطع إرسالها .

    أخرج جورج من جيبه ورقة صغيرة صفراء وتابع :

    كانت الرسالة مغلفة بورقة كتب عليها أسمك الكامل وعنوانك.

    أخذت الورقة المطوية على شكل مربع وجسدي يرتجف. نهض جورج، وضع يده على
    كتفي ثم أنسحب مبتعداً . أردت الوقوف لكنني لم أستطع . قاومت بأقصى ما
    أمتلك
    من إرادة ولكنني ما أن رأيت الخط الأزرق حتى تفجر وجهي عرقاً بارداً
    ودمعاً ساخناً وأنا أقرأ:

    ( أبي الحبيب أرجو أن تكون بخير وصحة جيدة. قد تتأخر عودتي قليلاً.. أنا
    بخير فلا تقلق. في الغد سيعود صديقي عزيز إلى الموصل وسوف يخبرك بكل شيء.
    وأنا إن شاء الله سأكون بينكم في الأسبوع المقبل. أشواقي ومحبتي وقبلاتي
    إلى أمي الغالية والعزيزة سناء.
    ولدك صادق عبد الكريم الحمداني )

  3. #13
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    العزيز / أديب قبلان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قرأت اليوم القصة الأصلية التي اقتبست منها عملك ، وعقدت مقارنة بين الاثنتين ، واتضح لي أنك قمت بعملية اقتباس جيدة ؛ فأخذت من العمل ما أخذا وتركت ما تركت..
    لقد قمت بافراغ العمل من مضمونه السياسي ، وركزت على الجانب الانساني فيه ، وهذا يحق لك حسب وجهة نظرك التي أردت رؤية العمل من خلالها ..
    وضح أسلوبك المميز في معظم العمل ، وتصرفك في أكثر من موضع فيه؛ فقمت ببعض عمليات الحذف ، وأحياناً الاضافة ، وهذا يحسب لك ؛ فقد نجحت في اصباغ القصة بصبغتك ، وذلك باستثناء بعض العبارات التي ذكرت انك لم تستطع استبدالها لعدم اتقانك لهذه اللغة .
    أعتقد أن استفادتك عظيمة من عملية الاقتباس تلك ؛ فقد استطعت من خلالها الوصول لعمل مكتمل العناصر ، وأرجو ان يتمر هذا المستوى في اعمالك الخالصة القادمة بإذن الله .
    نسين أن انوه في ردي السابق إلى موضوع المقدمة ؛ فوجودها غير مستحب في القصة ، وإن كان لابد من تنويه ما فليكن في أسفل الصفحة ، وبعد عمل هامش .

    تقبل تقديري واحترامي أيها الموهوب الجميل .

  4. #14
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    السلام عليكم

    الأخ / أديب
    ربما اقتبست من اسمك حبك للأدب ، فانفصلت عنه وقررت ان تكون اديبا اسماً على مسمى ولكن بمسماك أنت لا باسم لم تتدخل في اختياره ، بالطبع المقدمة على ان النص مقتبس قد اصابني بنوع من التحفظ أثناء القراءة حيث أنني كنت اقرأ وأشعر أ ما افرأه ليس سبيكة ذهبية خالصة مختومة بختمك الملكي ، بل اشترك في طبع الخاتم أديب آخر ، لذلك لا استطيع الحكم على النص .
    أشكرك جداً
    دمت أديباً

  5. #15
    الصورة الرمزية أديب قبلان عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    المشاركات : 201
    المواضيع : 32
    الردود : 201
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الأستاذ حسام القاضي ...

    كان تنبيهك لوجود المدقمة أو عدمها وافياً في مكانه ، لك مني تحية وشكر عرفان ، أشكر رأيك بعد قراءتك للقصة الأصلية وأشكر إطراءك عليها ...


    تقبل مودتي ...

    أديب قبلان

  6. #16
    الصورة الرمزية أديب قبلان عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    المشاركات : 201
    المواضيع : 32
    الردود : 201
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الأستاذ محمد سامي
    أشكر تسجيل مرورك على هذه القصة وأشكر تعليقك على وجود المقدمة ودمت بخير









    أديب قبلان

  7. #17
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي


    العزيز اديب قبلان...
    في البداية عذرا لاني تاخرت عن قرأة قصتك...مع العلم باني سبق وان قرأت لك..واشدت بقدراتك الهائلة في توظيف الكلمة.
    اليوم وانا اقرأ لك هذه القصة..زاد يقيني بهذه القدرات التي تمتلكها.
    القصة بصورة عامة تحمل الطابع الواقعي..حيث استطعت ان توظف الظرف الراهن بصورة جميلة لتقدم لنا قصة تحكي واقع شعب يعاني الاحتلال..من جهة..وكذلك لتقدم لنا وبصورة مميزة الحالة النفسية لاحد ابناء هذا الشعب الذي يحمل على عاتقه هموم الوطن.
    مازن..صورة حية ومباشرة للمواطن العراقي الذي تفوق دائما في مجال عمله وتخصصه..حيث لطالما سمعنا بتفوق ابناء هذا الوطن في اختصاصانهم اينما وجدوا..وهو نفسه الذي يتفوق ويبرز كانسان يحمل احاسيس جياشة ومشاعر الوفاء لكل من يعرفه سواء في رحلته التفوقية ام في حياته اليومية..وهو نفسه الاب.. الذي هو مستعد لان يقدم الغالي والرخيص من اجل حرية شعبه وتحرير وطنه.
    اذا فانت تقدم لنا الانسان المثالي الذي يجب ان يكون الفرد العرقي هو ما عليه الان..حتى يرسخ عقيدته وايمانه وعلمه ومهارته من اجل غد افضل لوطن محتل ويعيش تحت براثين الاحتلال.
    الابن الشهيد..وصور الاهل...وصور ابناء الاخت..والابن الاخر..والاصدقاء...كل هذه الصور..مع الوصف الجميل للاماكن..اعطت للقصة بعدا انسانيا جميلا..اضيف الى ما لها من جمال في السرد..ونقل الاحداث والتسلسل الرائع لها.
    والصور الانسانية لم تتوقف هنا..بل استمرت..الى وصوله الى جوزيف..ولقائه بها..بل حتى جوزيف نفسه كان مثالا للانسان المتفهم الوفي الرائع الذي لم ينسى صديقه فقدم وهو صاحب تلك المكانة السياسية المرموقة اليهخ ليبلغه بنفسه ما آل اليه مصير ابنه هشام.
    انت تعطينا هنا..صورة الانسان الامريكي الذي يقتل هنا..والاخر الذي يقدم لوحة انسانية لصديقه هناك.
    ولعل هذا مايمكن ان يؤخذ عليك..لان السؤال قد يطرح نفسه ..هل يمكن لعربي امريكي ان يفعل ذلك...؟
    اظن بان الامريكي...سواء أكان عربيا ام لا...ولائه الاول والاخير لامريكا..لذا يصعب خلق مثل هذا النموذج في مجتمعاتنا الشرقية على الاقل.
    المهم..القصة رائعة..وفيها تعمق جميل..واهنئك على هذه المقدرة الفذة.
    وتمنياتي لك بدوام الابداع

    محبتي لك
    جوتيار

  8. #18
    الصورة الرمزية أديب قبلان عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    المشاركات : 201
    المواضيع : 32
    الردود : 201
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الأستاذة الفاضلة جوتيار

    لقد أبدعت في النقد ....

    بالطبع الأمريكان معروفين بأنهم لا يكنون الوفاء إلا لأمريكا ، ولكن بصراحة أحببت أن تكون الشخصية فيها لمسة من الوفاء باعتبار أنها تدور حول محور الوفاء سواءً للوطن أو للعائلة ....


    وأتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت متمنيًا أن أرى رأيك في توضيحها .....



    أديب قبلان

  9. #19
    الصورة الرمزية حنان الاغا في ذمة الله
    أديبة وفنانة

    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : jordan
    المشاركات : 1,378
    المواضيع : 91
    الردود : 1378
    المعدل اليومي : 0.22
    من مواضيعي

      افتراضي

      ضيت وللحق وقتا ممتعا مدهشا مع هذه القصة الطويلة ، أو التي قد تكون فصلا من رواية
      أسلوب السرد هنا روائي بالتأكيد أكثر من كونه قصصي، لأنه يحتمل الكثير من التفاصيل والحوارات والزمن وتغير الأماكن ، واللغة سلسة جميلة .
      ألمحت أديب إلى الرواية التي اقتبست منها هذا النص ، والتي لم أطلع عليها للأسف ، إلاأن ما قرأته يبشر باستعداد وموهبة لكتابة الرواية
      تحياتي أديب قبلان

    • #20
      الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
      تاريخ التسجيل : Mar 2005
      الدولة : Anaheim,California,USA
      العمر : 92
      المشاركات : 1,930
      المواضيع : 270
      الردود : 1930
      المعدل اليومي : 0.28

      افتراضي

      أكاد لا أصدق ، هل هذه صورتك الحالية أم هي صورتك أيام المدرسة الثانوية ، لقد أدهشني أسلوبك حتى لو فيه بعض اقتباس ، و الرواية من ألفها إلى يائها شدتني بسلاستها و متانة لغتها ، أما الخاتمة فكانت مأسوية تدمي القلب .
      إذا كان ما شاهدته في صورتك دلالة على عمرك الحقيقي ، فأمامك المجد أيها الأديب أديب
      تحيتي الصادقة مقرونة باحترامي الكبير
      نزار

    صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

    المواضيع المتشابهه

    1. مسلسل أرباب المهن ورباتها - الحلقة الثانية - القاضي .....
      بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 16-11-2019, 04:47 PM
    2. وجاءت صحوة الحق بالحق
      بواسطة محمد فريد الرياحي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 22-08-2015, 02:46 PM
    3. *وجاءت سكرة الموت* شعر لطفي الياسيني
      بواسطة لطفي الياسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 15-07-2008, 07:54 AM
    4. المشاركة الثانية ( مات الحياء )
      بواسطة بروج السماء في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
      مشاركات: 14
      آخر مشاركة: 18-07-2003, 11:40 PM
    5. حــبــر .. ودمــعــة ( محاولتي الثانية معكم معشر الأدباء )
      بواسطة مـتـذوّق في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
      مشاركات: 14
      آخر مشاركة: 09-07-2003, 03:22 PM