عابد الجابري و القرأن
كثيرا ما يطلع علينا المسمين أنفسهم بالحداثيين بمواضيع تستوجب الرد والبيان خصوصا إذا كان أصحابها من أهل الفكر المعروفين
المقال الذي أثار نقاشا واسعا وردودا كثيرة بين من اعتبره انتصارا لواقعية النص القرآني ومن ادعى أنه انضمام من صاحبه إلى الهجوم المنظم على الإسلام ومقوماته .
وإن كان البعض قد فوجئ بمقال أستاذ العقلانية العربية صاحب "بنية العقل العربي" لما عرف عنه تاريخيا من اتزان في الطروحات الفكرية والسياسية .
وإليكم ملخص عن المقال الذي أتمنى أن يثير نقاشا علميا :
ما سقط وقيل عن القرآن
موضوع الزيادة والنقصان في القرآن، موضوع قديم كثر فيه القيل والقال. وقد تحدثت المصادر، السُّنية منها والشيعية، عن التحريف في القرآن
تميز المصادر السُّنية بين الأصناف التالية من التحريف في القرآن:
- صنف يقع بالتأويل بمعني "نقل معني الشيء من أصله وتحويله إلي غيره"، أو بالنقص أو الزيادة في الحروف أو الحركات.
- وصنف يراد به القول بأن «بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل»، وهذا مرفوض بإجماع المسلمين .
وهذان الصنفان من التحريف لا يدخلان في موضوعنا هنا. إن ما يهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة «جمع القرآن»، أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي: هل «المصحف الإمام» -الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن- يضم جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه رفعت (أو سقطت) منه أشياء أثناء جمعه؟
الجواب عن هذا السؤال، من الناحية المبدئية، هو أن جميع علماء الإسلام، من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم، يعترفون بأن ثمة آيات، وربما سوراً، قد «سقطت» أو «رُفعت» ولم تدرج في نص المصحف. وفي ما يلي أنواع النقص التي ذكرتها المصادر السُّنية.
فيذكر الجابري عدد من المنقولات منها مثلا
- يقول القرطبي عند تفسيره لسورة الأحزاب، وعدد آياتها ٧٣ آية: "كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة (وعدد آياتها ٢٨٦). وكانت فيها آية الرجم. وبعد أن يشير إلي أن هذا روي عن أُبي بن كعب، أحد كتاب الوحي وجامعي القرآن، يضيف قائلاً: «وهذا يحمله أهل العلم علي أن الله تعالي رفع من (سورة) الأحزاب إليه ما يزيد علي ما في أيدينا (منها)، وأن آية الرجم رفع لفظها» (وبقي حكمهاً سائراً). وروي أنّ عمر بن الخطاب، قال: (إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، ونصها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم»، فإنّا قد قرأناها). وقيل إن عمر أتي بهذه الآية إلي زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه - أعني عمر - كان وحده، وزيد كان قد اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.
وفي رواية عن عائشة أنها قالت: «كانت سورة الأحزاب تعدل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقْدَر منها إلا علي ما هي الآن». وفي رواية أخري أنها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن (شاة) فأكلها».
- ويذكر القرطبي أيضاً في بداية تفسيره لسورة براءة (التوبة وعدد آياتها ١٣٠)، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها، رواية جاء فيها: «إنه لما سقط أولها، سقط (بسم الله الرحمن الرحيم) معه. وفي رواية أخري عن حذيفة أنه قال: ما تقرؤون ربعها: يعني براءة».
- وذكر السيوطي وغيره أن دعاء القنوت كان سورتين، كل سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمي سورة الخلع، والأخري تسمي سورة الحفد. غير أن علماء السُّنة قد اعتبروهما ضرباً من الدعاء لا قرآنا منزلاً. وهما بالتتابع: أ) «اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك»، ب) «اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق».
- ورُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: "ألم تجد فيما أُنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة"، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقِطت فيما أسقِط من القرآن».
- وذكر السيوطي في باب الناسخ والمنسوخ عن ابن عمر أنه قال: «ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله! قد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر».
- ورووا عن أبي بن كعب قال: «قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك
- وعنه أيضاً أنه قال: «كنا نقرأ سورة نُشبهها بإحدي المسبحات (السور التي تبدأ بـ«سبح» و«يسبح») نسيناها، غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة».
- وفي الصحيحين عن أنس أنه قال: «نزل قرآن في الذين قتلوا في موقعة بئر معونة، قرأناه حتي رفع وفيه: «أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا».
- وروي الطبري في تفسيره عن الحسن أنه قال في قوله تعالي: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أوْ نُنْسِها نأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا"، قال: إن نبيكم صلي الله عليه وسلم أُقرئ قرآناً ثم نسيه فلا يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرؤونه. وفي لفظ آخر: «قال: إِن نبيكم صلي الله عليه وسلم، قرأ علينا قرآناً ثم نسيه». وعن ابن عباس قال: كان مما ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم، الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها».
هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السُّنة، ظاهرة سقوط آيات من القرآن، بكونها داخلة في معني النسخ. غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا: إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلي خبر الآحاد، والقرآن لا يثبت به، وإنما يثبت بالتواتر.
انتهى الملخص.
حقيقة هذه النقاشات قد نوقشت من أسلافنا و لهم فيها الكلمة الفصل إلا أن مثل هذه المقالات تعود بالنقاش الذي أرجو أن يكون علميا راقيا.
ولكم مني جزيل الشكر