سلام الـلـه عليكم
الأخ الغالي الشاعر ماجد الغامدي
"ضحكٌ كالبكاء !! "
لقد قادني حسن طالعي , في هذه الأمسية الجميلة , لاقرا هذا الموضوع القيّم , الذي ابحرت معك فيه , تقودنا باشرعة مختلفة الألوان , بدأت الرحلة بمطلع قصيدة مشهورة للشاعر الكبير ايليا ابو ماضي , حيث يقول :
|
قـال السمـاء كئيـبـة ! وتجهـمـا |
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما ! |
|
|
ثم وجدتنا ننعش افكارنا , بمقدمة فلسفية وفكرية , نناقش معك فيها , امر اصطفاء الانسان , دون بقية المخلوقات , ليميّز بين الضحك والبكاء :
تقول إحدى النظريات أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضحك ويبكي لأنه يستطيع أن يرى فرقاً بين ما ينبغي أن يكون وبين ما يحدث فعلاً !
ثم تنقلنا ببراعة الى ابعد مما جاءت به المقدمة الفكرية , الى باقة فلسفية :
هل نعتبر السعاده مقياس نسبي أم نخضعها لمقياس شخصي يكون مؤشره مزاجنا وباعثه ظروفنا ويومياتنا ! و هل تنسى أن غيرك يتمنى أن يكون مكانك ليقول ما أسعدني !
هل ستتذكر لحظة كآبه مرّت بك وتراها فرصةً للإبتهاج بالنسبه لبؤسك الحالي أو تعاستك المنتظرة
ثم تعود لتتذكر ايليا ابو ماضي من جديد , في بيت آخر من قصيدته :
|
قلت ابتسم مادام بينك و الردى |
شبر, فإنك بعد لن تتبسمـا |
|
|
ونلمح شذرة فكرية فلسفية , مشفوعة بصورة معبّرة :
هل أصبح الباعث الوحيد للإبتسامه (لاالضحك) هو بقاؤك حيّا!!
وبعد الصورة , تأتي عودة من جديد الى الفلسفة والفكر , لدى اعلام من مثل ارسطو وابي حيان التوحيدي , لتؤكد على ضرورة رسم الابتسامة على الوجه , او حتى الضحك , ضمن اطار التأكيد على انسانية الانسان :
اعترف أرسطو بضرورة الضحك مع تأكيد الحاجة إلى الإعتدال ، وقال أبو حيان التوحيدي " إيّاك أن تعاف سماع الأشياء المضروبة بالهزل الجارية على السخف لإنك لو أضربت عنها جملةً لنقص فهمك وتبلّدَ طبعك".
وقبل ان تنتقل بنا الى ابيات للشاعر السوري عبد الله عيس سلامة , نراك تتدخل في مجرى الاحداث , لتعطي صورة من مخزونك الفكري :
وعلى كثرة ما نرى السخف والهزل موغلاً في الحياه اليوميه المرئيه والمسموعه إلا أن الرغبه في الضحك أصبحت شبه معدومه..!
هل سبق الإنفعال لدينا الفعل وأصبح التبلّد متأصلاً لا تنعشهُ مهازلُ الحياة ولا تحركه سخافات الزمن!
وتأتي الابيات على عجالة :
|
قال : ابتسم , فهممت أن أتبسما |
فتسعرت كبدي فأطبقت الفما |
ماذا دهى كبدي ؟ وماذا في فمي ؟ |
لاشيء... لست أطيق أن أتكلمـا |
قال : ابتسم , وأعادها.. وأجادها |
فتحفزت شفتي .. فقلصها الظمـا |
ملحٌ دمي , ومطامحي ملحٌ , وفـي |
عينيَّ ملحٌ مَجّْتاهُ ... ومـا همـى |
قال : ابتسم , فسرت بقلبي بسمةٌ |
ثم اختفت لمـا تذكـرت الحمـى |
قلت : الحياة مريرة , قال: انسها |
فنسيتهـا, فنسيـت أن أتبسمـا |
|
|
وتعود الينا من جديد , لتزودنا من معين اشراقاتك الفلسفية الخاصة :
السعادةُ التي أعنيها ليست التي يرمقها الطمعُ بنظراته أو التي يمكن أن تجدها في قَناعه !
بل السعادةُ التي يخلقها رضاك عن ما ترى حولك وما تشاهد في مجتمعك وعن النتائج التي تجدها لجهدٍ بذلتهُ فلا تفسدهُ دسيسه ولا تدمرهُ مؤامره.. عن حال إخوانك في الدين والملّه وعن اليوم الذي لا ترى فيه يأس شيخ أو دمعة طفل أو عويل أم أو أرمله !
هل ستكون الحياةُ مبعثاً للأمل إذا كنتَ تعلم أنها حياةٌ بائسه.. هي بالدرجه الأولى منجماً للمآسي أكثر منها مصدراً للأمل ومنهلاً للتفاؤل !؟
أليس من الكذب أن تبتسم للحياه وهي تعتصركَ ألماً !
وفي عودة للشاعر عبد الله عيسى سلامة , تختار منه الابيات التالية :
|
هبني رسمت على شفاهي بسمـة |
أيكون قلبي مسرحا أو مرسما |
ياناصحي , أرأيت أرضك مـرة |
بعد الفخار , لدى عدوك مغنمـا؟ |
أرأيتـه يختـال فـي جنباتـهـا |
تيها , وشعبك ينحني مستسلمـا؟ |
أوما شعرت بان قلبـك مضغـة |
للقهر, والأحداق يسحقها العمى؟! |
|
|
وتعود بنا من جديد بين مد وجذر , لتؤكد فلسفة ناجحة كل النجاح :
"لماذا نبشرُ أنفسنا بمزيد من المآسي ونضحك على أنفسنا بالقول :
رُبَّ يومٍ بكيتُ منهُ فلمّا // صرتُ في غيرِهِ بكيتُ عليه !!
أليس في ذلك مدعاةً للإحباط واليأس والتوجس من مستقبل أكثر فضاعةً من واقعنا المرير !
يئستُ ممّا أراني الدهرُ من ألـمٍ=فلستُ أشتاقُ للمستقبلِ الآتي !
لقد أصبحت الحياه متجهمه فعلاً والأيام عابسه وجبين الأمل معقوداً!
ماقيمةُ الإبتسامة إن كانت للتظاهر بالسعادة أو كانت مهرباً من واقعٍ مرير أو تجاهلاً لأحزانٍ تدعو للبكاء !؟ ألا ترى في مصائب مجتمعك ومآسي أمتك غولاً يغتال بهجتك ويفتك بفرحك !؟
وتوغل في تلخيص الافكار الفلسفية التي سقتها سابقا و لتستند على المتنبي , في مشابهة قوية الوقع :
لقد أصبح من غير الممكن الظهور بقناع السعادة وأصبح ضحكنا كضحك المتنبي"ضحكٌ كالبكاء "!
أليس لنا أن نصدُق مرّةً ونشاطر الزمان نصيباً من اللوم !
وتنتقل الى الشاعر درهم جباري و لتستعير بعض فكره :
|
أتـرى فيـك يازمـان انتقـاص |
..أم بأهليك معظم الانتقاص؟؟! |
كلهـم حملـوك كـل الخطايـا |
جعلوا منك راعـي الاختصـاص |
وأنـــا لا أراك إلا بـريـئـا |
وأرى فيـك نزهتـي وخلاصـي |
|
|
ثم تتفجر لديك صرخات غاضبة , فيها الكثير من اللوم والمراجعة النفسية :
ألسنا الذين نصنع النجاح ونرسم الفشل و نقترف الحماقات ونمارس الجبن ونعيش الذل بل ونوقعُ بعضنا في حبائلِ البعض الآخر ليشاركونا مرارة الفشل بدلاً من أن نأخذ على أيديهم ونتعاون لبناء النجاح لا أن نهلك ويهلكوا جميعاً !
|
منصف يا زمان رغم المآسـي |
رغم من يزعمون أنك قاس |
ما أتت منك كاذبات الأمانـي |
حين بعناك بهرجات الأماسـي |
لم تقل للصراع ، إذ حل فينا ،: |
فلتكن طاغيا قـوي المـراس |
لـوّم نحـن يازمانـي وإنـا |
سنحمّلك ما يهـد الرواسـي |
أنت لم تكتب الشقـاء علينـا |
زاعما أنـه نظـام سياسـي |
|
|
وبعد هذا الغضب والثورة , نجدك قد رجعت الى مناقشة هادئة , ذات طابع تقريري :
إذن ماسرُّ الشقاء وما سبب البؤس؟! وما مصدر التعاسه ؟ ومَن ألبسنا عباءة الذل وأثقلَ القيود واستمرأ علقم المؤامرة في كأسِ التحالفات وأجبرنا على الإنصياع كَرهاً ؟ ومَن كمّمَ أفواه الحق أمام جبروت الطغاه؟!!
ثم تأتينا بشواهد من الشاعر ناصرالبنا , يقول فيها :
|
شعب مليار مسلم يـوم زادوا |
رجعوا للورى إلى ألف عام |
وبقوا بعـد صحـوة كنيـام |
واستحبوا القعود بعـد القيـام |
أمة شقـق الفضـاء صداهـا |
ثـم شـدت لسانهـا بلجـام |
أمـة سـادت الزمـان بعـز |
ركنت بعـده إلـى استسـلام |
امة لم يعـد لهـا مـن نفـوذ |
غير قصد الصحرا ونصب الخيام |
عرج الكفر من فلسطين حتـى |
شُمِ كابول والعـراق وشـام |
حسبنا الله قادنا اليـوم قـومٌ |
لو تراهم ركائماً مـن حطـام |
فارقوا العز والكرامـة عمـداً |
كفـراق الأرواح للأجـسـام |
همـم الحاكميـن لالعظـيـم |
غير فعل الخنا وشـرب المـدام |
مبلغ الشمس مبلغ الذل فيهـم |
كف وغـد تقودهـم بزمـام |
|
|
لقد أصبح من غير الممكن الظهور بقناع السعاده وأصبح ضحكنا كضحك المتنبي"ضحكٌ كالبكاء !!
لقد أصبحت الحياه متجهمة فعلاً والأيام عابسه وجبين الأمل معقوداً!
مَن صادرَ سعادة الملايين ليحافظ على حفنة أوهام أو بخسِ مطامع شخصيّة!؟
مَن قدّم مصلحةَ الأفراد على مصالح الشعوب؟!
مَن الذين خرجوا من إجتماعاتهم بوثيقة "نفسي ..نفسي!"
لتختتم رحلتنا بابيات ايمانية للشاعر الشهيد هاشم الرفاعي :
|
دعوني من أمانٍ كاذبـاتٍ |
فلم أجدِ المُنى إلاّ ظنونا |
وهاتوا لي من الإيمانِ نوراً |
وقوّوا بين جنبيَّ اليقينـا ! |
|
|
والعمل الذي قدمته هنا , عمل رائع , يدلل عن غنى فكري , وتذوّق شعري عال , واحساس ادبي مرهف , وسعة اطلاع , بالاضافة الى الموقف الانساني والغيرة النبيلة على الأمة والوطن .
تقبل محبتي وتقديري
اخوكم
السمان