القصة الأولى : عِــــــــــراك بقلم : د.مصطفى عطية جمعة
بسطتْ طرحتها على حجرها ، سوّتْ بأصابعها نتوءات شعرها ،دبيب الصداع مع تسلط أشـعة الظهيرة ،آليتهافي المناداة على " الشمام و العنب " . تصرخ في ابنها بدوي أن يوقظ أباه . يقدم الصغير ببطيخة تسيل احمرارًا على جلبابه المتسخ .
تثاؤب الأب ، سباب متقطع ، يده تمتد للقلة الساخنة المركونة فوق أحد الأقفاص بالدكان . ذراعاه في جلبابه المعلّق ، لاسته وطاقيته .. ، مناداته على امرأته ، تستقر محفظته المنتفخة في جيب الصديري،
ترسل له ورقة السندويشات ، إشارتها لبائع الشاي المتجوّل بصينيته .
قضماته ، ورشفاته ، وجنتاه المتهدلتان بفعل السهر والحشيش . نفخ بقرف نحو زوجنه .
* * * *
" أم وليد " العايقة ، تسكن وراء السوق ، زوجها في السعودية .سمسمة وجهها تبرز من طرحتها، وقد تعلّق ابنها بملاءتها وهو يمتص حبة مانجو .
تنقلت بين البائعات حتى أم بدوي ، بحلق فيها الزوج .
- بكم كيلو الشمام ؟
- نبيع بالحبة ، وليس بالكيلو .
- كل السوق يبيع بالكيلو ..
- أنا أبيع على كيفي ، أنتِ ولية …….
فردت أم وليد ملاءتها ، هبّتْ أم بدوي من وراء شمامها ، قبضتها على حديد الميزان . بدوي ممسكًا بوليد . بحلقة الزوج في غريمة زوجته .
زحمة السوق ، ركلات وشتائم و"شباشب" ، يتمزق كتف أم وليد . يختلط سائل البطيخ مع اصفرار المانجو . عيناه مثبتتان على الكتف المكشوف . يتداخل مبعدًا امرأته . تدفعه ، يده على قفاها ، تنقلب :
- يا واطي … ، أنا من فجرية ربنا ، وأنت آكل ، شارب ، نائم و …………. ، وراسم نفسك معلم بفلوسي .
هائج نحوها ، شلّحت ملابسها : - زهقتَ مني ؟
تناثر هرم الشمام ، صفعاته ، شتائمها . قالت إحدى البائعات : " كل أسبوع لهما عركة ".
* * * *
الليل ، أنفاس الحشيش في دكان مهجور ، ينفخ بزهق . تنفس الفجر ، يتمايل إلى دكان امرأته . موضعها بين الأقفاص ، يزيح ابنه . سباب مع لمسات الأيدي . " غير معقول أن أرجع بائعًا للثوم في السوق .." الاحتكاك المتقزز .
_______________________________________________
القصة الثانية :
كـأن " ســــهام " تغــني .. د. مصطفى عطية جمعة
زخات المطر على زجاج النافذة بجواري ، رناته على أرضية الممشى خارج الفصل، غيومها استشعرتها منذ الطابور ، على وجنتيّ ، وأصابعي المجمدة بحذائي . رنين جرس الفسحة . تحاورالبنات بأحداقهن . عصاة الأبلة صفيحة " صبيحة " . إنذارها بعدم نزولنا . " لن أفرد جدائل شعري تحت الرذاذ و لن يسيل في خطوط لجبتهي وشفاهي . لن أرى سهام ، أختي العفريتة " مصروفي معها ؛ لأنها تكبرني . خيوط المطر في الساحة الخالية ، لن آكل اليوم . البنت " شادية " زميلتي ، لن تعطيني قضمات من سندويتشها .
أمي تهرول معنا في البكور قبل أن تطولها سباب رئيسة الفراشات في المستشفى . قروشها وقبلات دافئة ، البنات يأكلن .
ألمح … " سهام " ، تحت الزخات ، في الساحة ، مفرودة جدائلها ،تركض إلى باب المدرسة الخلفي .
كأنها تغني ، غنوة " المطرة " :
" يا مطرة رخي رخي على قرعة البنت أختي "
ستشتري سندويتشات الفول من عربة عم " أحمد " وراء السور . كيف هربت من فصلها ؟ لو لمحتها الناظرة ….
رأسي على الطاولة . الغذاء ، الحلة التي تتوسط الطبلية ، أمي تغرف ، نسبقها أنا وسهام بلقماتنا ، نكبش وتتخضب أصابعنا . هل ستحضر لي سندويشًا ؟
طرقات على باب الفصل . أنياب الأبلة . إنها العفريتة ! . كلامها المتمايل بخنوع . تشير نحوي . ارتخاء وجنتي الأبلة . " حبوبة أبلتي " . تجري نحوي سهام . سندويتشان ساخنان . قطرات من جديلاتها على خدي . " يا مطرة رخي رخي …. " .