أحدث المشاركات
صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 51

الموضوع: هذيان كل يوم

  1. #41
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سلطان الحريري مشاهدة المشاركة
    ماذا أقول أيها الحبيب وقد أتيت متأخرا كعادتي ،ولكنني بالتأكيد لن آتي بجديد ، فلن آتي بما لم تستطعه الآوائل ، فقد عشت القصة بتفاصيلها ، وعشت القراءات الرائعة التي سبقتني ولم تترك لي مجالا لمزيد..
    ولكنني أؤكد ما جاء في قراءات الأحبة الذين سبقوني أننا أما القصة التمثيلية ، التي تكون فيه القصة نسيجا محكما سداه الحوادث ولحمته الشخصيات ، والتي تنيخ الحوادث بكلكلها على الشخصيات ، وتساعد على تطويرها وإنمائها .
    ولعل ما ميز قصتك هذه تلك المتعة والتشويق في تتبع أحداثها ، إلى جانب تعاطفنا مع الشخصيتين ، في الفعل الواقعي الذي نراه بداية إلى أن يأتي الختام ليكشف لنا اللثام عن رمزيتها ، والتي بدورها ستحيلنا لقراءة ثانية ، فيما أدعوه بالنص الدائري الذي ينتهي ليبدأ .
    ولعلي قد انتشيت سرورا عندما رأيت الشخصيتين تعيدان تمثيل دورهما من جديد الذي تمثل على مسرح القصة ، بعد أن أعطاهما الكاتب مشاعر إنسانية ، وكانت المفاجأة مصحوبة بالأسباب الخفية لأبعاد الفكرة ، فقد كشف لنا في نهايتها عن أبعاد جديدة، بل أبعاد غير متناهية ، يحلق فيها القارئ الحاذق في دلالات لا تحد.
    ولعل الملامح السابقة التي أشرت إليها جعلت قصتك من القصص المبدعة ؛ لأن فيها من النعومة والتحايل والرشاقة والسحر الشيئ الكثير ، إلى جانب الفكر العميق ، حيث يشعر مثلي أنه أمام مفكر عميق التفكير ، فضلا عن أنه قصصي بارع ، ولذا فإنه بعد أن ينتهي من قراءتها فإنه بحاجة إلى قسط من التركيز ؛ لأنها تعكس لنا ملامح تفكيره العميق .
    بل إن من أجمل الملامح التي رأيتها ذلك الاشتراك بين عناصر الطبيعة ، فيما أدعوه بالمعادل الموضوعي الموفق منه بدءا بالأشجار وأوراقها ، وانتهاء بالسر الذي انكشف في النهاية.
    مأمون - أيها الحبيب - كنت متفوقا حتى على نفسك فيها.
    أستاذي الدكتور : سلطان الحريري

    يا قلبًا يسكن القلب

    أشكر لكم هذا المرور العاطر ، وهذه القراءة الجميلة لقصتي التي أحبها يومًا بعد يوم كلما مر عليها عالم من أساتذتي فقرأها لي لأتعلم الجديد من قراءته ، وعندما يمر عليها السلطان ، أقف أمامها مرات ومرات وأحبها أكثر لأنه أحبها .

    أستاذي الكريم

    كلي شكر وحب واحترام

    مأمون

  2. #42
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة أولاد حمو يشو مشاهدة المشاركة
    ربما و قد

    سنستفيد من مقولتكِ حتمًا ،

  3. #43

  4. #44
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان الاغا مشاهدة المشاركة
    ذكرني هذا الهذيان المتناهي مع الوجود بهذيانات لفنانين من أصحاب النزعة البريئة.حيث تتحول كل الماديات اليومية إلى صور روحية أثيرية تفيض منها البراءة والنقاء والطهارة، وتتوحد العناصر الاإنسانية بمكملات لها من مظاهر الطبيعة والكون وعناصره.
    تعود القارىء أن يقرأ أن الإنسان ثابت والأشياءحوله متحولة ، إلا أن هذا النص الجريء البريء قلب الصورة بسيريالية لواقع في صورة حلم أو ربما لحلم في صورة واقع.
    مأمون المغازي
    لست ناقدة بالطبع وإنما أطلب منك أن تسمح لي بالقول أن الصياغة جاءت جزءا من الصور المتتابعة ، ولم تكن مجرد جمل جميلة سبكت بحرفية ناقد أديب ، لقد سارت مع الصورة صعودا وهبوطا ، وتأملا وحزنا وفرحا ودفئا.
    نص بديع وهذيان ليس ككل هذيان
    أديبتنا الرائعة ، المفتنة الراقية

    ما أسعدني بهذا التعليق الراقي ، الذي ينبع من روح مدركة لأبعاد الفن . لم يعد التشكيل قاصرًا على الخطوط والظلال والألوان ، وإنما تمتلك الكلمة ، ويمتلك التتركيب اللغوي من التشكيل ما يجعله قادرًا على رسم العالم بالكلمات ، وهذا الأمر ليس بجديد ؛ فالعمل الأدبي الفني يمثل لوحة ، والقص لوحة لا متناهيةالأبعاد ، هذا إذا أردنا لها أن تبقى عبر الزمن ، اللون الأصلي لا يبهت ، والكلمة طاقة وبها طاقات كامنة لولم تتجدد لأضرت .

    نعم سيدتي ، ردك الرائع الراقي يبعث فكرًا وفكرًا محفزة إلى التعلم والتدبر ، وأن نكتب أنفسنا والعالم دون تراجع ولا تكاسل .

    أيتها النقية

    لكِ المحبة والاحترام

    مأمون

  5. #45
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمة الخاني مشاهدة المشاركة
    اشكر اهتمامك بالرد استاذي
    الأستاذة : ريمة الخاني

    أشكر مروركِ ومتابعتكِ ،

    دومي بكل الود

    لكِ المحبة والاحترام

    مأمون

  6. #46
    الصورة الرمزية عطاف سالم شاعرة
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    الدولة : في قلب النور
    المشاركات : 1,795
    المواضيع : 112
    الردود : 1795
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    عذرا إن أتيت أحمل قلمي هنا متأخرا .. بدأ وكأنه يبحث عن نص ٍ كهذا
    نص قصصي شفيف يحكي قصة توحد الاحساس بين الطبيعة والأنسان..
    بل يحكي استنطاق الكون واستجدائه الهامس في الحاح لقلبين فضلا احتواء الشجر وحفيفه وهبات النسيم ليستسلما لذلك الاستنطاق وذلك الاستجداء الآخذ منهما كل لهفة وهما في انشراح فاضح في العينين وفيما حولهما من ربيع واخضرار ومطر..
    لاأدري أين كان هذا النص مختبئا
    الأديب الفنان / مأمون المغازي
    أهنئك على هذا النص الطبعي العفوي الشاعري الطلق ورغم مافيه من رموز إلا أنه بدا يتلألأ برموزه التي تكشفت لكل بصير في لباس شفيف براق آسر..
    وكم كنا نود أن يمتد بك القلم أو الفكر أو الخيال لتبسط لنا هذا البساط القصصي الأنيق فنستريح عليه أكثر....
    توقفت عند قولك :

    تبادلا الآراء في صمت الشفاه ونطق العيون ... توترت اللحاظ كلما حف الحفيف ، أو تهامست الأشجار ... لم يدركا أن الأشجار أحياء ترقب وتمدح وتهجو ... رفعا رأسيهما حين هوت وريقات من غصن مال يسترق السمع ، أو أنه أراد أن يكون بينهما في لحظة البوح ، أو أن الشجرة أرادت أن تضربهما لما بدى من ضعف و انهيار ...
    وهذا هو ماأقصده من التوحد بين الطبيعة والانسان توحد في الاحساس والشعور والتدفق والاندفاع والانشراح والحبور............ وأحيانا العتب والغضب
    دام قلمك بهذا البوح وهذا البهاء وهذا العطاء ...
    تقبل تحيتي وتقديري

  7. #47
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأديبة : عطاف السماوي

    عطرك حل بالصفحة سيدتي ، وقد لا نوفيكِ حقكِ في ردنا عليكِ

    أديبتنا ، هو الحب ، لكنه الحب الذي يصدمه الواقع كلما أفاق ، إنه الواقع المرير عندما تتكاتف الأوجاع ، إنه العالم ، والقيود ، والقبيلة ، والفكرة القديمة ، و ... و .... و ....

    لقد لامستِ سيدتي ما أسعدني ، وحضوركِ في حد ذاته إسعاد .

    محبتي واحترامي

    مأمون

  8. #48
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    هذيان يتأرجح بين كف الحلم ومقصلة الواقع


    للأديب العبقرى الفذ: مأمون المغازي



    "بين الأشجار المتكاثفة الأغصان وعلى الحشائش المتعطشة كان مجلسهما حيث يسترقان من الزمن هنيهة يهدهد القلبان بعضهما بعيدًا "

    فى تصوير ابداعى يمهد الكاتب هنا المتلقى الى لقاء هادىء حميمى بين عاشقين , بقلبين متعطشين للحب والحلم والجمال توازيهما فى تعطشهما الحشائش التى يفترشانها.


    "عن المدينة التي يلتهم زحامها المشاعر حين تتشعب الطرق المزدحمة بالمشاة الذين ربما لا تهتدي خطواتهم إلى أهدافها ، وتلك البنايات التي تحوي في جنباتها الآلام ولا تبوح شرفاتها إلا بالأقنعة المخفية وراءها أسرار الحياة الصعبة في الأحياء البائسة التيهي بذاتها تحلم أن تسير كالجبال يوم القيامة لتزور تلك الأحياء التي فاح عبقها ورقصها وموسيقاها وطربها بشجنه ومجونه . حتى البنايات تطمع في تلمس الانفلات من حالها"

    فى فجائية يدخل الكاتب المتلقى فورًا فى كابوسية هذيانية- يدخله فى متاهات واقع أليم يطفح فى أرجائه نزف للقيم والأخلاقيات . وقد وجدت هنا أنا الكاتب قد طال فى سرد ووصف واقعه المؤلم لكن هذه الاطالة كانت مناسبة ومتناسبة مع الجو النفسى اليائس الذى يسود فكر الكاتب. من هنا كانت تلك الفقرة هى اللبنة الأساسية التى بنى عليها المغازي قلعة هذيانه .


    "تحت أعطاف الخميلة مالا بعطفيهما ... احتضنت راحتاه يدها التي أوت إلى فراشها الوثير واستراحت من عناءات الأيام التي عانقتها الريح وأدوات الطبخ والتنظيف ، وكأنها بين كفيه تستشفي من أدوائها ، وتستجم على بحيرة زهرية تهفو على ضفافها فراشات ألوانها ضيائية الملامح ترقب تلك اليد وقد تمددت ملقية كل خلاياها تستحم بومضات الشوق المنبعث من قبة اليد العليا إلى فضاءات اليد السفلى وبينهما هذه الورقاء التي انتبهت أنها هنا شاكية مما هدد العالم أنه ذابحها لا محالة ، فقد طلبها الصياد وصوب وهو الآن يسدد البارود طالبًا هذه اليد التي ترى أنها ملك لحاضنها ".

    يعود الكاتب بالمتلقى مرة أخرى بعدما زرع فيه يأسه- يعود به ثانية لوصف لحظات حب وأمل أشبه بومضات سحرية متألقة تسحر لب المتلقى تماما فتنسيه صدمة الكاتب السابقة وتجعله يسبح في بحر ضوء من العشق الحالم . وبالرغم من كون الفقرة سبحت فى كون سرمدى شفاف يعيشه الكاتب إلا أن الكاتب فى عبقرية لا مثيل لها لم ينس أن يتخللها ببعض العبارات المؤلمة التى تشير الى الواقع فى لمحة تمهيدية له لما سيحدث بعد ذلك.


    "ارتعدت في راحتيه ارتعادة المحموم الذي كان قد غفى هروبًا من الجحيم المتقد في خلاياه ... رفعت يدها الأخرى التي كانت قد عبثت بالحشائش ما عبثت ، واقتلعت منها ما اقتلعت وأطبقتها على يده ، وكأن العشق كله انحدر إلى الأيدي ... مال وكأنه النسيم مقبلاً يدها كأنه يتنفس آخر الأنفاس ... رفع رأسه لتلتقي العيون تحمل التحدي المقاوم لكل الانكسارات ... غاصت كل عين بعين تحتضنها حينًا ، وتفتش في حناياها عن عالم غير العالم وقانون بلا صياد ولا مقصلة صنعت من الفقر والقهر والحرمان تقص رقاب الآمال ."

    بدأ الكاتب فقرته بلفظة "ارتعدت" الناتجة عن الخوف الناتج عن الصدمة القاسية بجدار الواقع المؤلم وليست " ارتعشت" الناتجة عن لحظة الحب الجميلة..مدخلا معه المتلقى فى التجاوب مع احساسه الهذيانى ومعايشة واقعه المرير. وقد لمست فى تلك الفقرة صراعًا مريرًا مرئيًا بين هذيان المغازي فى الحلم وهذيانه فى الواقع. استخدم الكاتب هنا فى شهقة ابداعية كل تراكيبه الممزوجه بوجدانه ليرسم لنا لوحة صحرائه المتشققة المتعطشة لمياه الحب النقية التى لم تلوثها بقايا جثث واقعه.


    "تبادلا الآراء في صمت الشفاه ونطق العيون ... توترت اللحاظ كلما حف الحفيف ، أو تهامست الأشجار ... لم يدركا أن الأشجار أحياء ترقب وتمدح وتهجو ... رفعا رأسيهما حين هوت وريقات من غصن مال يسترق السمع ، أو أنه أراد أن يكون بينهما في لحظة البوح ، أو أن الشجرة أرادت أن تضربهما لما بدى من ضعف و انهيار ... ودا لو أن الجزع ينفتح ليهربا داخله ليبدأ التاريخ من جديد ... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار وأتربة الشوارع التي حملت رائحة العرق المتساقط عليها من اجساد الكادحين وخلت من بقايا الطعام الذي لم يكن يتبقى منه شيء ... من المقصلة ... من الزحام ... من الهواجس والظنون ..تعريا ... إلا من عفة هي ما أبقت لهما السنون ."

    هنا رائعة من روائع المغازي التى يبدأ فيها وصف إحساس العاشقين بإبداع منقطع النظير..محولاً كل أدواته وإمكانياته الأدبية والفكرية والشعورية الى لقطة حية مجسمة شاهدت فيها بعينى تلك الجلسة الرهيفة لتستحيل بذاتها قصة قصيرة . يتدرج الكاتب هنا من صمت الشفاه ونطق العيون بالهيام الصارخ الذى بث التوتر ليس فقط فى اللحظات التى تحيطهما وانما أيضا فى وجه الطبيعة الناظر اليهما بكل أبجدياته .. وتمنيهما الهروب الى داخل جذع الشجرة التى شهدت لحظتهما الخاصة ...إلى الضم والتوحد والتعرى حتى الاصطدام بالواقع الجاثم ـ رغمًا عنهما ـ فوق صدورهما. بالرغم من أنك تقرأ هنا تعبيرًا تجريديًا مغازيًا بحتًا "... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار" الا أن النفس لا تعاف التصوير أبدا لأن التعرى الذى يقصده الكاتب هنا ليس العرى الإباحى وإنما التقشر والانسلاخ من شرنقة الأيام السوداوية.



    " تذكرت أن جيب أبيها لا يختلف عن جيبه أو جيب أبيه ، فالزوار ممنوعون من الإقامة فيه ، وتذكر أن طبخ أمها لا يختلف عن طبخ أمه ، وتذكرا كم فرقهما الزحام ... كم وأدت المشكلات أحلامهما ... وتذكرا ألف مقصلة ... الأسوار ... أسوار نارية ... وأسوار وردية ...وتذكرا ...
    قررا أن يتحولا إلى بذرتين فالبذور تتحول أزهارًا ، الأزهار تتلاقح ما شاءت ، تهمس ما شاءت ، أشواكها تحميها ..... وتحنو ما شاءت ...تصبح أشجارًا تتعانق في فضاء الغابة وبين نسائمها ، ودفئها ورعودها ."


    يغوص الكاتب مرة أخرى بالمتلقى فى واقعه الممزق المتمثل فى فقرهما ونقود قليلة متشابهة فى كل الجيوب، وطعام متواضع فى كل البيوت... الى الزحام والأسوار و... و ... و... الى تمنى لحظة هروب من كل هذا ...لتأتى هنا صورة مغازية غاية فى الإبداع فلحظة الهروب التى تمناها العاشقان لم تكن لحظة تهمس بحب الذات بقدر ما كانت لحظة تنطق بحب الوجود ..فقد تمنيا أن يتحولا الى بذرتين – مخزون الخير الكونى- لتصل المرحلة الانباتية لنهايتها المتمثلة فى ( أزهارا تتلاقح ) لتعيد الدورة الإنباتية من جديد. هنا بوجه خاص وفى العمل بشكل عام تلاحظ التأرجح فى مشاعر الكاتب بين الواقع والهذيان الذى يتمثل فى الهروب من الواقع وكأن هناك خيطًا مرنًا مطاطيًا يرتخى فيجذب الكاتب فينشد معه ، ثم يتمدد فيتركه يرتد عنه ... فنتج هذيان مغازى يتأرجح بين كف الحلم ومشنقة الواقع.



    "انحنيا ... ركعا ... استقبلتهما الأرض ... تضاءلا ... تحولا ...ارتجفا لرطوبة الأرض ... هبط غرابان أسحمان ... حمل كل منهما بذرة في منقاره ... صرخا ... تضاحك الغرابان ... طار كل منهما إلى حيث طار ."


    هنا شهقة ابداعية لم ولن تتكرر ...هنا قصة قصيرة جدًا متكاملة الأبعاد بحد ذاتها ...هنا التحام وامتزاج فى الحركة والصوت والتصوير والتعبير والإحساس والحلم والواقع ..هنا الحبكة الهذيانية المغازية تنطق بلوحة تعبيرية متفردة. يبدأ الكاتب هنا بوصف نهاية وقمة الالتحام العاطفى والوجدانى للعاشقين ثم استقبال الأرض – رحم إنبات البذور- لوجودهما المادى ثم ارتجافهما لملامسة رطوبتها – وهى أول مؤثر تنبيهى للاصطدام بالواقع فى الفقرة..يليها هبوط الغرابين الشديدي السواد -المعروفين كرمز للتشاؤم والانقباض النفسى- يهبطان فجأة ليخطفا البذرتين ... يزعقان زعيقهما المشئوم ، فيصرخ العاشقان – فى لحظة إفاقة من الحلم باصطدام رهيب مؤكد مع الواقع- وضحك الأيام السوداء- الغرابان – على العاشقين. لاحظ هنا أن البذرتين نوه عنهما الكاتب فى الفقرة السابقة بأنهما نتاج تحويلى تخيلى للعاشقين فى لحظة هروبهما من واقعهما . ليعود هنا ويؤكد على مقصلة إعدام الأيام السوداء التى تأبى عليهما حتى الحلم فتمزقهما وتمزقه على شفرتها القاسية مبعثرة لنا هذيانا إبداعيًا مغازيًا يبعثرنا هو الآخر فى أنفسنا فلا يلملمنا ثانية.


    التعقيب:

    تعد الهذيان المغازية نتاجًا حياً لما يحس به الأديب من صدام بينه وبين الواقع كما هو قائم في العالم الموضوعي ، والواقع كما يرتئيه الأديب داخله ، و بين الحلم الذي يسمو على كلا الواقعين ولا يخضع للزمان ، وقد يكون الهذيان الذي يحياه الأديب واقعا حدث في الماضي ، لكنه ينبض بالحياة كأقوى ما يكون النبض في عقل ووجدان الأديب .


    ولاشك أن الأديب ليس مجرد آلة تصوير أو شريط تسجيل لالتقاط الواقع ثم سرده كما هو ، بل يعد الأساس في تلقي الواقع لديه هو ما يمكن أن نعبر عنه بهزة الشعور أو انثلام الوجدان ونزف جراحه على السطور ، وحتى بالنسبة لحالة الفرح التي تهز مشاعر الأديب أحيانا في السرد إلا إنها كانت في الأساس- من وجهة نظري- رد فعل لحزن سابق أو لانثلام وجداني قديم ، ومعنى هذا أن ما يختزنه الأديب من أحزان ومن انثلام للمشاعر يشكل الركيزة التي بنى عليها ما أحس به من هزة فرح ونشوة سرور في المواقف التي يستشعر فيها الفرح أو السرور، فالأصل في إبداع المغازى الهذيانى هنا هو الحزن وليس الفرح.-وهذا ما يفسر شيوع اليأس في المتن الحكائى- فكان مصدرا للطاقة الإبداعية في لغة التسامي والسرد.


    من هنا يكمن موطن تحليلي في البعد الدرامي في لغة الوحدة الفردية التي يغالبها الحرمان ، فتغدو في سوداوية مطلقة وجمود جسدي وأرق متصاعد حتى الموت في نفس الكاتب ، وهي التي يسلط العمل برمزيته على أبعادها المتماهية ، إذ تغدو في قانون جذب مأساوي لنكبات الحياة ، فإن كان لها النجاة من مقصلة الإعدام البشرية - التي تكمن في سطوة اللاأخلاقيات مثل الحقد والنفاق والخيانة والضغينة والفساد و ... و ... و ... و- بالنزول في لحظات حلم هذيانية ؛ إلا أنه لابد أن تجتذبها الأيام السوداء – التي تتمثل في رمز الغربان- واللحظات الدامية في لغة الناموس الكوني ، لتودي بها إلى تلك النهاية المؤلمة وهى الرجوع والصدام مع الواقع الذي هرب منه الكاتب في لحظة هذيانه.


    ويبعثر سرد أو هذيان المغازى – يبعثر الذات إلى مقاطع على مسرح مشنقة الواقع في كل تماهياتها ابتداءً من لغة آدمية البشر التي تدمر الأيام والحلم , ولغة الفرد وقد جثم على قلبها سطوة استبدادية أحالتها إلى مسرح النزع الأخير حيث الذكريات في تحنانها المنكسر إلى لحظة الصراخ المتمثلة في زعيق الغرابين ، فهنا ينشكف وجه الواقع في سواده وتنتقل الروح من لحظة حلم لأرواحٍ مسافرة بعيدًا عن مأزق الحياة وجور آدميتها ..إلى عالم الفناء وصحراء حرمان متشققة متعطشة للحب.. تصرخ احتياجا في قلب الكاتب , وهنا تنقطع سبل النجاة بكل معانيها الروحية والمادية في إصلاح الفساد ونشر الحب والجمال في واقع الحياة أو في الأمل في إيجاد الحب الروحاني الباحث عنه الكاتب في الاشعور .




    سيدي المغازي :

    قرأت هذيانك هنا وقد اتبعت فيه نفس منهجك النقدي المعروف والمتميز في الدخول والإدخال للقصة معتمدًا على التسلل والمصاحبة والهجوم... ليخرج لنا هذيانك تحفة مبدعة تكاملت فيها كل الأركان , من صوت وحركة ولغة وتعبير وتراكيب وصور ، لتسجل نفسها تحفة متفردة في متحف الإبداع الأدبي.


    دمت للواحة قلبا ينبض ...فتنبض بنبضه , وتحيى بحياته ...تنهل من فيض إبداع وريده .



    شذى الوردة

    د. نجلاء طمان
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  9. #49
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    هذيان يتأرجح بين كف الحلم ومقصلة الواقع
    للأديب العبقرى الفذ: مأمون المغازي
    "بين الأشجار المتكاثفة الأغصان وعلى الحشائش المتعطشة كان مجلسهما حيث يسترقان من الزمن هنيهة يهدهد القلبان بعضهما بعيدًا "
    فى تصوير ابداعى يمهد الكاتب هنا المتلقى الى لقاء هادىء حميمى بين عاشقين , بقلبين متعطشين للحب والحلم والجمال توازيهما فى تعطشهما الحشائش التى يفترشانها.
    "عن المدينة التي يلتهم زحامها المشاعر حين تتشعب الطرق المزدحمة بالمشاة الذين ربما لا تهتدي خطواتهم إلى أهدافها ، وتلك البنايات التي تحوي في جنباتها الآلام ولا تبوح شرفاتها إلا بالأقنعة المخفية وراءها أسرار الحياة الصعبة في الأحياء البائسة التيهي بذاتها تحلم أن تسير كالجبال يوم القيامة لتزور تلك الأحياء التي فاح عبقها ورقصها وموسيقاها وطربها بشجنه ومجونه . حتى البنايات تطمع في تلمس الانفلات من حالها"
    فى فجائية يدخل الكاتب المتلقى فورًا فى كابوسية هذيانية- يدخله فى متاهات واقع أليم يطفح فى أرجائه نزف للقيم والأخلاقيات . وقد وجدت هنا أنا الكاتب قد طال فى سرد ووصف واقعه المؤلم لكن هذه الاطالة كانت مناسبة ومتناسبة مع الجو النفسى اليائس الذى يسود فكر الكاتب. من هنا كانت تلك الفقرة هى اللبنة الأساسية التى بنى عليها المغازي قلعة هذيانه .
    "تحت أعطاف الخميلة مالا بعطفيهما ... احتضنت راحتاه يدها التي أوت إلى فراشها الوثير واستراحت من عناءات الأيام التي عانقتها الريح وأدوات الطبخ والتنظيف ، وكأنها بين كفيه تستشفي من أدوائها ، وتستجم على بحيرة زهرية تهفو على ضفافها فراشات ألوانها ضيائية الملامح ترقب تلك اليد وقد تمددت ملقية كل خلاياها تستحم بومضات الشوق المنبعث من قبة اليد العليا إلى فضاءات اليد السفلى وبينهما هذه الورقاء التي انتبهت أنها هنا شاكية مما هدد العالم أنه ذابحها لا محالة ، فقد طلبها الصياد وصوب وهو الآن يسدد البارود طالبًا هذه اليد التي ترى أنها ملك لحاضنها ".
    يعود الكاتب بالمتلقى مرة أخرى بعدما زرع فيه يأسه- يعود به ثانية لوصف لحظات حب وأمل أشبه بومضات سحرية متألقة تسحر لب المتلقى تماما فتنسيه صدمة الكاتب السابقة وتجعله يسبح في بحر ضوء من العشق الحالم . وبالرغم من كون الفقرة سبحت فى كون سرمدى شفاف يعيشه الكاتب إلا أن الكاتب فى عبقرية لا مثيل لها لم ينس أن يتخللها ببعض العبارات المؤلمة التى تشير الى الواقع فى لمحة تمهيدية له لما سيحدث بعد ذلك.
    "ارتعدت في راحتيه ارتعادة المحموم الذي كان قد غفى هروبًا من الجحيم المتقد في خلاياه ... رفعت يدها الأخرى التي كانت قد عبثت بالحشائش ما عبثت ، واقتلعت منها ما اقتلعت وأطبقتها على يده ، وكأن العشق كله انحدر إلى الأيدي ... مال وكأنه النسيم مقبلاً يدها كأنه يتنفس آخر الأنفاس ... رفع رأسه لتلتقي العيون تحمل التحدي المقاوم لكل الانكسارات ... غاصت كل عين بعين تحتضنها حينًا ، وتفتش في حناياها عن عالم غير العالم وقانون بلا صياد ولا مقصلة صنعت من الفقر والقهر والحرمان تقص رقاب الآمال ."
    بدأ الكاتب فقرته بلفظة "ارتعدت" الناتجة عن الخوف الناتج عن الصدمة القاسية بجدار الواقع المؤلم وليست " ارتعشت" الناتجة عن لحظة الحب الجميلة..مدخلا معه المتلقى فى التجاوب مع احساسه الهذيانى ومعايشة واقعه المرير. وقد لمست فى تلك الفقرة صراعًا مريرًا مرئيًا بين هذيان المغازي فى الحلم وهذيانه فى الواقع. استخدم الكاتب هنا فى شهقة ابداعية كل تراكيبه الممزوجه بوجدانه ليرسم لنا لوحة صحرائه المتشققة المتعطشة لمياه الحب النقية التى لم تلوثها بقايا جثث واقعه.
    "تبادلا الآراء في صمت الشفاه ونطق العيون ... توترت اللحاظ كلما حف الحفيف ، أو تهامست الأشجار ... لم يدركا أن الأشجار أحياء ترقب وتمدح وتهجو ... رفعا رأسيهما حين هوت وريقات من غصن مال يسترق السمع ، أو أنه أراد أن يكون بينهما في لحظة البوح ، أو أن الشجرة أرادت أن تضربهما لما بدى من ضعف و انهيار ... ودا لو أن الجزع ينفتح ليهربا داخله ليبدأ التاريخ من جديد ... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار وأتربة الشوارع التي حملت رائحة العرق المتساقط عليها من اجساد الكادحين وخلت من بقايا الطعام الذي لم يكن يتبقى منه شيء ... من المقصلة ... من الزحام ... من الهواجس والظنون ..تعريا ... إلا من عفة هي ما أبقت لهما السنون ."
    هنا رائعة من روائع المغازي التى يبدأ فيها وصف إحساس العاشقين بإبداع منقطع النظير..محولاً كل أدواته وإمكانياته الأدبية والفكرية والشعورية الى لقطة حية مجسمة شاهدت فيها بعينى تلك الجلسة الرهيفة لتستحيل بذاتها قصة قصيرة . يتدرج الكاتب هنا من صمت الشفاه ونطق العيون بالهيام الصارخ الذى بث التوتر ليس فقط فى اللحظات التى تحيطهما وانما أيضا فى وجه الطبيعة الناظر اليهما بكل أبجدياته .. وتمنيهما الهروب الى داخل جذع الشجرة التى شهدت لحظتهما الخاصة ...إلى الضم والتوحد والتعرى حتى الاصطدام بالواقع الجاثم ـ رغمًا عنهما ـ فوق صدورهما. بالرغم من أنك تقرأ هنا تعبيرًا تجريديًا مغازيًا بحتًا "... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار" الا أن النفس لا تعاف التصوير أبدا لأن التعرى الذى يقصده الكاتب هنا ليس العرى الإباحى وإنما التقشر والانسلاخ من شرنقة الأيام السوداوية.

    " تذكرت أن جيب أبيها لا يختلف عن جيبه أو جيب أبيه ، فالزوار ممنوعون من الإقامة فيه ، وتذكر أن طبخ أمها لا يختلف عن طبخ أمه ، وتذكرا كم فرقهما الزحام ... كم وأدت المشكلات أحلامهما ... وتذكرا ألف مقصلة ... الأسوار ... أسوار نارية ... وأسوار وردية ...وتذكرا ...
    قررا أن يتحولا إلى بذرتين فالبذور تتحول أزهارًا ، الأزهار تتلاقح ما شاءت ، تهمس ما شاءت ، أشواكها تحميها ..... وتحنو ما شاءت ...تصبح أشجارًا تتعانق في فضاء الغابة وبين نسائمها ، ودفئها ورعودها ."

    يغوص الكاتب مرة أخرى بالمتلقى فى واقعه الممزق المتمثل فى فقرهما ونقود قليلة متشابهة فى كل الجيوب، وطعام متواضع فى كل البيوت... الى الزحام والأسوار و... و ... و... الى تمنى لحظة هروب من كل هذا ...لتأتى هنا صورة مغازية غاية فى الإبداع فلحظة الهروب التى تمناها العاشقان لم تكن لحظة تهمس بحب الذات بقدر ما كانت لحظة تنطق بحب الوجود ..فقد تمنيا أن يتحولا الى بذرتين – مخزون الخير الكونى- لتصل المرحلة الانباتية لنهايتها المتمثلة فى ( أزهارا تتلاقح ) لتعيد الدورة الإنباتية من جديد. هنا بوجه خاص وفى العمل بشكل عام تلاحظ التأرجح فى مشاعر الكاتب بين الواقع والهذيان الذى يتمثل فى الهروب من الواقع وكأن هناك خيطًا مرنًا مطاطيًا يرتخى فيجذب الكاتب فينشد معه ، ثم يتمدد فيتركه يرتد عنه ... فنتج هذيان مغازى يتأرجح بين كف الحلم ومشنقة الواقع.

    "انحنيا ... ركعا ... استقبلتهما الأرض ... تضاءلا ... تحولا ...ارتجفا لرطوبة الأرض ... هبط غرابان أسحمان ... حمل كل منهما بذرة في منقاره ... صرخا ... تضاحك الغرابان ... طار كل منهما إلى حيث طار ."

    هنا شهقة ابداعية لم ولن تتكرر ...هنا قصة قصيرة جدًا متكاملة الأبعاد بحد ذاتها ...هنا التحام وامتزاج فى الحركة والصوت والتصوير والتعبير والإحساس والحلم والواقع ..هنا الحبكة الهذيانية المغازية تنطق بلوحة تعبيرية متفردة. يبدأ الكاتب هنا بوصف نهاية وقمة الالتحام العاطفى والوجدانى للعاشقين ثم استقبال الأرض – رحم إنبات البذور- لوجودهما المادى ثم ارتجافهما لملامسة رطوبتها – وهى أول مؤثر تنبيهى للاصطدام بالواقع فى الفقرة..يليها هبوط الغرابين الشديدي السواد -المعروفين كرمز للتشاؤم والانقباض النفسى- يهبطان فجأة ليخطفا البذرتين ... يزعقان زعيقهما المشئوم ، فيصرخ العاشقان – فى لحظة إفاقة من الحلم باصطدام رهيب مؤكد مع الواقع- وضحك الأيام السوداء- الغرابان – على العاشقين. لاحظ هنا أن البذرتين نوه عنهما الكاتب فى الفقرة السابقة بأنهما نتاج تحويلى تخيلى للعاشقين فى لحظة هروبهما من واقعهما . ليعود هنا ويؤكد على مقصلة إعدام الأيام السوداء التى تأبى عليهما حتى الحلم فتمزقهما وتمزقه على شفرتها القاسية مبعثرة لنا هذيانا إبداعيًا مغازيًا يبعثرنا هو الآخر فى أنفسنا فلا يلملمنا ثانية.
    التعقيب:
    تعد الهذيان المغازية نتاجًا حياً لما يحس به الأديب من صدام بينه وبين الواقع كما هو قائم في العالم الموضوعي ، والواقع كما يرتئيه الأديب داخله ، و بين الحلم الذي يسمو على كلا الواقعين ولا يخضع للزمان ، وقد يكون الهذيان الذي يحياه الأديب واقعا حدث في الماضي ، لكنه ينبض بالحياة كأقوى ما يكون النبض في عقل ووجدان الأديب .
    ولاشك أن الأديب ليس مجرد آلة تصوير أو شريط تسجيل لالتقاط الواقع ثم سرده كما هو ، بل يعد الأساس في تلقي الواقع لديه هو ما يمكن أن نعبر عنه بهزة الشعور أو انثلام الوجدان ونزف جراحه على السطور ، وحتى بالنسبة لحالة الفرح التي تهز مشاعر الأديب أحيانا في السرد إلا إنها كانت في الأساس- من وجهة نظري- رد فعل لحزن سابق أو لانثلام وجداني قديم ، ومعنى هذا أن ما يختزنه الأديب من أحزان ومن انثلام للمشاعر يشكل الركيزة التي بنى عليها ما أحس به من هزة فرح ونشوة سرور في المواقف التي يستشعر فيها الفرح أو السرور، فالأصل في إبداع المغازى الهذيانى هنا هو الحزن وليس الفرح.-وهذا ما يفسر شيوع اليأس في المتن الحكائى- فكان مصدرا للطاقة الإبداعية في لغة التسامي والسرد.
    من هنا يكمن موطن تحليلي في البعد الدرامي في لغة الوحدة الفردية التي يغالبها الحرمان ، فتغدو في سوداوية مطلقة وجمود جسدي وأرق متصاعد حتى الموت في نفس الكاتب ، وهي التي يسلط العمل برمزيته على أبعادها المتماهية ، إذ تغدو في قانون جذب مأساوي لنكبات الحياة ، فإن كان لها النجاة من مقصلة الإعدام البشرية - التي تكمن في سطوة اللاأخلاقيات مثل الحقد والنفاق والخيانة والضغينة والفساد و ... و ... و ... و- بالنزول في لحظات حلم هذيانية ؛ إلا أنه لابد أن تجتذبها الأيام السوداء – التي تتمثل في رمز الغربان- واللحظات الدامية في لغة الناموس الكوني ، لتودي بها إلى تلك النهاية المؤلمة وهى الرجوع والصدام مع الواقع الذي هرب منه الكاتب في لحظة هذيانه.
    ويبعثر سرد أو هذيان المغازى – يبعثر الذات إلى مقاطع على مسرح مشنقة الواقع في كل تماهياتها ابتداءً من لغة آدمية البشر التي تدمر الأيام والحلم , ولغة الفرد وقد جثم على قلبها سطوة استبدادية أحالتها إلى مسرح النزع الأخير حيث الذكريات في تحنانها المنكسر إلى لحظة الصراخ المتمثلة في زعيق الغرابين ، فهنا ينشكف وجه الواقع في سواده وتنتقل الروح من لحظة حلم لأرواحٍ مسافرة بعيدًا عن مأزق الحياة وجور آدميتها ..إلى عالم الفناء وصحراء حرمان متشققة متعطشة للحب.. تصرخ احتياجا في قلب الكاتب , وهنا تنقطع سبل النجاة بكل معانيها الروحية والمادية في إصلاح الفساد ونشر الحب والجمال في واقع الحياة أو في الأمل في إيجاد الحب الروحاني الباحث عنه الكاتب في الاشعور .

    سيدي المغازي :
    قرأت هذيانك هنا وقد اتبعت فيه نفس منهجك النقدي المعروف والمتميز في الدخول والإدخال للقصة معتمدًا على التسلل والمصاحبة والهجوم... ليخرج لنا هذيانك تحفة مبدعة تكاملت فيها كل الأركان , من صوت وحركة ولغة وتعبير وتراكيب وصور ، لتسجل نفسها تحفة متفردة في متحف الإبداع الأدبي.
    دمت للواحة قلبا ينبض ...فتنبض بنبضه , وتحيى بحياته ...تنهل من فيض إبداع وريده .

    شذى الوردة
    د. نجلاء طمان


    سؤال إلى المسؤلين عن واحة الإبداع وقسم القصة.


    أتساءل لا بصفتي ناقدة ولا محللة ولكن بصفتي قارئة تحب هذا الفن وتغار عليه :


    لماذا لم تثبت تلك التحفة حتى الآن ؟


    شذى الوردة لهذا الصرح المتوهج من قلب الشمس.

    أفخر بوجودي بينكم.

    د. نجلاء طمان

  10. #50
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    أشكر للأخت الفاضلة الدكتورة نجلاء رأيها في القصة وقراءتها ، وأود أن اشير إلى الخطاب في ردك الأخير للإدارة بضرورة تثبيت هذه القصة .
    نحن لا ننكر أن هذه القصة مـتألقة في أدواتها الفنية وفكرتها ، ولكن موعد تثبيتها قد فات ، والعمل الأدبي يثبت في بداية الاشتراك به ، أو لأسباب تراها الإدارة مهمة ، وهذا لا ينطبق على هذا العمل الراقي ، فقد أخذ حقه من الردود ، ونحن لا نصادر رأيك في طلب التثبيت ، ويبقى أن للإدارة رؤى قد تختلف وقد توافق ، وبين الاختلاف والموافقة مساحة من الود لا تنتهي.
    لك أختنا خالص الود والتقدير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. في كلِّ يوم
    بواسطة عدنان الشبول في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 17-06-2014, 12:39 AM
  2. قصيدة دُموعُ كلِّ يوم (+ إلقائي لها)
    بواسطة محمد حمدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-01-2012, 11:46 PM
  3. أُعلِّمُهُ الجِزَارَةَ كُلَّ يَوْمٍ !!
    بواسطة مصطفى الجزار في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 29-09-2010, 05:16 PM
  4. قراءة جديدة في أوراق قديمة (2) ـ رَجُلٌ يَوْماً.. طِفْلٌ كُلَّ يَوم..!!
    بواسطة إبراهيم سعد الدين في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-06-2006, 10:02 AM
  5. يوم النصر - يوم الخلافة -
    بواسطة محمد حافظ في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-01-2005, 08:48 AM