عادت أساليب التهويل بشأن التفوّق الإسرائيلي على البلدان العربية مجتمعة ومنفردة لتطرح نفسها عام 2003م مواكبة للاحتلال الأمريكي للعاصمة العراقية بغداد وسط سياسات عربية تتأرجح ما بين التواطؤ والتخاذل والعجز، كما كانت تطرح نفسها بقوّة عام 1982م مواكبة آنذاك للاحتلال الصهيوني للعاصمة اللبنانية بيروت. وفي الحالتين لا يعتمد التهويل على دراسة منهجية موضوعية، بل على مقارنات سطحية، وحملات إعلامية وسياسية غوغائية، ومنطلقات انهزامية ابتداء.. حتى ولو امتلكت الأطراف العربية أضعاف ما يملكه الإسرائيليون من سلاح وعتاد.
فالأصل هو "التسليم" الذي بات هدفا "استراتيجيا" وليس "قراءة الواقع" للبحث عن سبل التغيير القويمة، واستئصال أسباب الفساد والانهيار والضياع فيه.
آنذاك كانت هذه الدراسة التي نشرت على شكل كتيّب بعنوان "حقيقة التفوّق الإسرائيلي" واعتمدت على مقارنة عناصر التفوّق بين الجانبين، العربي والإسرائيلي، للوصول بصورة منهجية إلى مكامن العلّة من وراء النكبات العسكرية والسياسية المتتابعة، ورجعت في ذلك إلى ما كان من نكبات وهزائم إلى ذلك الحين، وعند مراجعتها للنشر من جديد عام 2003م، كان واضحا لكاتب هذه السطور، أنّه لا يحتاج إلى إدخال تعديلات تستحق الذكر على محتوياتها، أو إلى إضافات مسهبة.
ربّما طرح البعد الزمني ما بين عامي 1982 و2003م السؤال عن إمكانية إضافة أحداث أخرى لتكون موضع التحليل أيضا، ولكنّ هذا لا يفضي في نهاية المطاف إلاّ إلى النتيجة ذاتها التي وصلت إليها الدراسة في حينه، بل ربّما كان عنصر انتشار الوعي الجماهيري هذه الأيام بأضعاف ما كان في حقبة النكبات الأولى بين الأربعينات والسبعينات من القرن الميلادي العشرين، سيدفع من خلال دراسته إلى تعزيز تلك النتائج، ومحورها الرئيسي أنّ التفوّق القائم هو نتيجة مباشرة لفساد سياسي وإداري.. وهذا ما يجب تغييره، وهذا ما سيتغيّر آجلا أو عاجلا، فالصحوة الشاملة على مستوى جيل المستقبل، كفيلة بإحداث التغيير المنشود، وبقيادة بلادنا إلى الأهداف المشروعة الجليلة، على كلّ صعيد، بما في ذلك تحرير الإرادة والأرض والإنسان.. وعندها ستكون نهاية عصر النكبات العسكرية والسياسية على السواء، من باب تحصيل الحاصل فحسب.
وإلى جيل المستقبل تتوجّه كلمات هذا الكتاب، فعليه ينعقد الأمل الكبير بعد الله عزّ وجلّ، وفي أيديه الأمانة الكبرى للنهوض بالأمة من جديد، وهو القادر على ذلك ما التزم بثوابته، وصمّم على الوصول إلى أهدافه الجليلة العزيزة، وعمل عملا دائبا متواصلا لإيجاد السبل والوسائل الكفيلة بتحقيق ما يريد.. والله من وراء القصد، وبفضله يتحقق النصر، وعليه المعتمد أولا وآخرا، ومنه أرجو الثواب في الدنيا والآخرة.
بون 10/5/1424هـ و9/7/2003م
(من أراد الاطلاع على النسخة الألكترونية المعدّلة للكتاب فهذا رابط إليها)