بسم الله الرحمن الرحيم
رَأَيْتُ معَكَ كَيْفَ تُولَدُ المَعَاني مِنْ جَدِيدٍ متَى وُلِدَ الحبُّ ، وكأنَّ الحبَّ رحمٌ تلِدُ للمُحِبِّ وحدَهُ ذرّيَةً منِ كلِّ الأشيَاءِ وَ لا شَبَه .. إلاَّ أنّهَا الأجمَلُ مِنْ كلِّ الأَشْيَاء متَى وصلَ المحبوبُ و أَنَّها الأقبَحُ منْ كلّ الأشْيَاء متَى هجَرَ و قطَع .
و تَغْدُو قرابَةُ الأشيَاء قَرابةَ الحُبّ و صلةِ رحمِِه ، و كُلّّ صِلاَتِهِ التِّي تتَّصِلُ به مِنْ قريبٍ أو بعيدٍ . فانظُرْ إلى اللّغة يا زوجِي كيفَ يعرفُها القاصِي و الدّاني و القَديمُ و الحَديثُ و يَتحدثُ بها الصّغيرُ و الكبيرُ لكنْ متى خرجتْ مِنْ فَمِ المْحْبوبِ و قَدْ صَبَّ فيهَا مِنْ مَعَاني حُبِّه و شكَّلَها مِنْ مَعَاني روحِهِ غدَتْ غيْرَ اللُّغةِ التي يعْرفُونَ و الرَّمْزَ الذي يفقَهُونَ ، فكَأَنَّها تتَنَفّسُ و تتَنهّدُ و تضْحَكُ و تبْكِي و تَشْتَاقُ إلى التّقبيل مِنْ عينيْنِ اثْنتَيْنِ و قلْبٍ واحدٍ .
ألاَ ترَى كيْفَ يحسَبُ النَّاسُ أعمَارَهُمْ ، و متى يَبْدَءونَ العَدَّ ؛ متَى بدَأَتْ بهِمْ حوادثُ الدّهرِ تدهَمُ قلوبَهُمْ ! و كأَنَّ الزَّمَنَ يقفُ عندَ فجيعةِ فقْدٍ أوْ ذكرَى لا يفتأُ يدعُو ربَّهُ ألاَّ تغادِرَ مرْفأَ فِكْرِه ! و مهْمَا تقدَّمَ الزَّمَنُ بهِمْ أمَداً بعْدَ أمَدٍ يبْقَى الواحدُ منْهُمْ رهينَ الفجيعةِ أوْ الذِّكْرَى تلكَ .
وحَتَّى تلكَ الآلامُ التّي تتَوقّفُ عنْدَ بابِهَا أزْمنَتُهُمْ تتَلَوَّنُ تَلَوُّنَ الحِرْبَاء ؛ تتَلَوّنُ لوْنَ الفَرَحِ – رُغْمَ وُجودِهَا – متىَ أقْبَلَ المَحْبُوبُ يمَسُّ بِلَطِيفِ كلاَمِهِ كبِدَ المُحِبِّ الحَرَّى ، و تنْقَلِبُ بلَوْنِ الغَيْظِ متَى تأَخَّرَ .. بلْ تنْقَلِبُ فأْساً يُعْمِلُ كلَّ شرِّهِ في جبَالِ الصَّبْرِ التي تفَيَّأَ المُحِبُّ بظلاَلِهَا عُمْراً .. فتَغْدُو حصًى و هلْ يُستَظَلُّ بحَِصى ؟!
ألَمْ أقُلْ لَكَ أَنَّ الحُبَّ رَحِمٌ تلِدُ المَعَانِي مِنْ جدِيدٍ بمعَانٍ جديدةٍ ؟!
وَ آهٍ مِنَ الآلاَمِ مَتَى بدَأَتْ تأْكُلُ اللَّحْمَ و العَظْمَ علَى الحقِيقَة ، وَكأنَّهَا تلِدُ الإنسَانَ مِنْ جدِيدٍ بشَكْلٍ جدٍيدٍ فهُمَا شريكَانِ في الوِلاَدة ؛ الحُبُّ يلِدُ معانِيَ جديدةً و الألمُ يلِدُ إنْسَاناً جدِيداً .
أتذْكُرُ حديثَكَ عنْ تَرْوِيضِ مَا هاجَ مِنْ طِباعٍ و شهَوَاتٍ في النَّفْسِ ؛ فالمعدةُ تتقَلَّصُ حُجُومُهَا معَ قلّةِ الزّادِ و تتعَوّدُ معَ مُرُورِ الوَقتِ القليلِ الذِي يأْتيهَا ، و النّفسُ الفقيرةُ تقْنعُ معَ الصّبْرِ بقصيرِ لحَافِها ... إلاَّ في الحُبّ يا حُبّي ؛ فالغرْثُ للمَحْبُوبِ ينسلُ روحَها نسْلاً نسلاً حتّى يذبحَها الغَرثُ ؛ فلا سلْوَى في الكونِ كلِّه إلاَّ فيمَنْ تحِبُّ . فهُوَ المَنُّ و السّلْوَى .
و هل رأيتَ نُوراً يُنيرُ وجْهَ المحبُوبَةِ و يُشعِلُ قلْبَ المُحِبّ نَاراً كجذْوةِ كلمَةِ الحُبّ ؟! أتَرى ثرْثَرتي صارتْ هذَياناً فعُدتُ مِنْ حيثُ بدأْتُ أُحدّثُكَ عَن " اللُّغَة " متَى ولدَهَا الحُبُّ ؟!
نَعَمْ ؛ فمَا أكثَرَ مُفردَاتِناَ تتلاقَى بالضّم و اللّثْم مِنْ حيْثُ لاَ تعْلمُ أَنّي وَ إيَّاكَ نَرَاهَا .