رحــلة إلــى حــافــة الــزمــان والمــكان
(الثــقوب الســود – حــياتــها ومــوتــها)
مقـــدمـــة:
لــقد غــيرت النــظريـة النســبية العــامـة الــتي نشــرهـا ألــبيرت أينشـــتاين عــام( 1915) الكــثير مــن المــفاهــيم الــتي كــانــت ســائــدة آنــذاك عــن الـزمــان والمــكان والضــوء و الثــقالـــة ......
إذ بينــت هــذه النــظريــة وبـوضــوح أن الـزمــان والمــكان ليــسا شـــيئان مســتقلان بـذاتهــما كــما كــان ســائــدا فـي أوســاط العــلمــاء استنادا إلــى آراء ونــظريـات نــيوتــن.
بــل همــا كيــنونــتان ممــتزجــتان بمــرونــة وذلــك تبــعا لمــن يرصــدهــما , وبالـتالـي أصــبح بالإمكان الحــديــث عــن مفــهوم جــديــد وغـــريــب وهــو المتصــل الـزمــانـي المكــانــي والــذي يســمى اختصــارا (الــزمــكان).
وبيــنت النســـبية العــامــة أن هــذا الــزمــكان مــرن ولــدن فهــو يتمــدد ويتـــقلص وينحــني ويمــكن أن ينــبعج أيــضا.
وهكـــذا بــدلا مــن أن يكــون الــزمــكان مجــرد خشبه مســـرح تلعـــب الأجســام المــاديــة أدوارهـــا عليــها نجــده فعــلا أحـــد اللاعبين الــذين يشــاركــون فــي أداء هــذه المســرحــية الكــــونـــية.
إذا فالنســبية العــامــة تخــبرنـا عــن انحناء الـزمــكان , فكيــف يتجــلى لــنا هــذا الانحناء وهــل يــتاح لــنا رؤيــته أو مــلاحــظة آثــاره ؟
والجــواب هــو نــعم , إن انحــناء الــزمــكان يتجــلى لــنا عــلى شــكل قــوة مــن نــوع مــا ذات خــواص اســتثنائــية تنــفـرد بــها دون غــيرهــا عــن قــوى الطــبيعة المعــروفــة , فــهذه الــقوة تــؤثــر عــلى جمــيع أشــكال المــادة المــعـروفــة فــي الطــبيعة دون استثــناء أو تمــييز وذلــك خـلا فــا للــقـوى الأخــرى كالقـوة الكــهربائــية والمغنطيســية والــنوويــة.
فمــن تــكون تلك الــقوة الفــيزيــائــية العجيــبة؟
إنــها وبــكل بســاطــة قــوة الثــقالــة أو قــوة الجــاذبــية وهــي القوة المألوفة لــنا جمــيعا والــتي نشــعـر ونحــس بــها دائــما.
فالجــاذبــية تبــقي أقـــدامــنا ثـابــتة فــوق الأرض وهــي الــتي تبـــقي كـــوكـــب الأرض فــي مــداره حــول الشمــس.
ولــقد بيــنت التجــارب وبــدقــة عــالــية أن كــل الأجــسام تتحــرك بــسرعــة واحــدة تحــت تأثــير الثــقالــة وبــشكل مســتـقـل تمــامــا عــن كتــلتها أو بنــيتها الــداخلــية.
أي أن قــوة الثــقالــة هــي خــاصــة تتعلق بالفــضاء ذاتــه الــذي يتحرك فــيه الجــسم وبــشكل مســتـقـل تمــامــا عــن الجســم ذاتــه.
يــرى عــالــم الفــيزياء جــون ويــلر الــذي طــور نظرية النســبية العامــة بشــكل كــبير :
إن المــادة تتلــقى أوامــر حــركــتها مــن الفــضاء نفــسه.
أي إن الفــضاء يخـــبـر المــادة عــن الكــيفية الــتي يجــب أن تتحــرك بــها بيــنما تخــبـر المــادة الفــضاء عــن الكــيفية الــتي يجــب أن ينحـــني وفــقها.
إلــى الآن أتحــدث عــن مــفاهــيم فــيزيائــية أكــدتــها المــعادلات الــريــاضــية وكــذلك التجــارب العـمــلية العــــديـــدة.
ثــقوب أينشــتاين الســــوداء:
فــي عــام (1916 ) وبــعد أقـــل مـــن عــام عــلى إعــلان أينشـــتاين عــن نــظريــته النســـبية الــعامـــة قــام الــعالــم الــفلكي الألمـــانــي الفـــذ كـــارل شــوارز شـــيلد بتطــبـيـق النــظريــة النســـبية لحســـاب :
كـــيف تتصـــرف الجـــاذبــية حـــــول كــــتلة كــــرويــــة كالشـــمس .
وأوجــد أن الضــوء المــار بالــقرب مــن الشــمس ســوف ينحـــرف عــن مســـاره بمــقـدار معـــيـن قــابــل للقــياس , مــع العــلم أن هـــذه العمـــلية الحســـابــية صـــعبة جــدا.
الشــــكـل (1).
وفــي عــام (1919 ) قــام الــعالم الفلــكي آرثـــر إدينــغـتـون باخــتبار فكــرة انحـــناء الــضوء عـــند مــروره بالــقـرب مــن الشمـــس وذلــك بالنــظـر إلــى النجـــوم باتجـــاه الشمـــس خــلال كســـوف كـــلي لـــها فـــي ذلــك العــام في خليج غينية , حــيث وجــد طـــبقا للنـــظريــة النســـبية ولحســـاب شــوارز شـــــيلد أن هـــناك بالفــعـل انحرافا ضـــئيلا قــابلا للقـــياس فــي مـــواضع النجـــوم عــند النــــظـر إلــيها والشمـــس باتــجاهـــها بالمـــقـارنــة مــع مــواضــعها عــندما تكـــون الشمـــس فــي مكــان آخـــــر مــن الســماء.
أي أن الــضوء الــقادم إليــنا مــن النجــم عنــدمــا يمـــر بالــقرب مـــن الشمـــس ينحـــني نتيجــــة لتــأثـــير حـــقلها الثـــقالـــي معـــطيا بــذلــك مـــوقـــعا آخـــر للنجــــم غـــير مــوقـــعه الأصـــلي .
وبــذلــك تحــقق للنـــظـريــة النســـبية العــامــة نصـــرا كـــبيرا فــي أوســاط العلــماء وتشـــكلت لـــديــهم قــناعـــة كـــبيرة فــــي قـــبـولـــها.
إذا لــم يعــد هــناك مجــال للشــك بما جــاء ت بــه النـــظريــة النســـبية فلـــقـد أيــدتــها التجـــربـــة العـمـــلية .
وبالتالي فإننا نخلــص إلى النتيجـــة الــتالـــية:
إن للأجــسـام الماديــة مجـــالا ثقا ليا (جاذبية) تـــؤثـــر بـــه عــلى كـــل شـــيء حـــولــها أو مــار بالــقرب مـــنها وتــزداد هــذه الجــــاذبــية كلــما ازدادت كــــتلة الجســـم أو ازدادت كـــثافتـــه.
هــذا بالنســبة للأجـــسام الواقعـــة بالقرب مــن النجــم (الجسم المـادي) أو المــارة مــن قـــربــه , والســؤال الــذي يـــطرح نفـــسه الآن هـــو :
كـــيف تــؤثــر الأجســـام المـــاديــة عـــلى الأشـــياء الـــواقعــــــة عـــلى ســطحها؟
في الحـــقيقة إن كـــل نــظريات الجـــاذبــية (الثقالية) قــد تحــدثت عــن ذلــك :
ففــي عـــام (1783 ) قــدم جــون ميشـــيل ورقـــة عمـــل إلى الجمعـــية الملــكية فــي لــندن حـــول كـــيفية تأثـــير الجــاذبية عــلى الـــضوء.
لقد بــين ميشـــيل بأن جســـما مــقذوفــا مــن ســـطح الشمـــس ســـيحتاج إلى ســرعــة تســـاوي
(1\500) مــن ســـرعــة الــضـوء إذا أراد الـــهـروب مـــن الحــقـل الــثقالــي للشمـــس ولقد أدرك بأن هـــذه الــــسرعــة ( والتي تسمى الآن سرعـة الهروب) ســتكون أكـــبر بكـــثير بالنســـبة لجســـم أكـــبر مــن الشمـــس.
وفي الــواقــع فإن عمـــلية حســـاب بســـيطة بالاعتماد على قــانــون الجــاذبــية لنــيوتــن يتبــين بأن ســرعــة الــهـروب بالنســـبة للأجســـام الـمــاديــة تكــون متــناســـبة طــردا مــع كــتلـتـهـا و عـكـسـا مـــع نصــف قــطرهـــا.
(أي كلـما نـقــص قـطـر النجـم ازدادت السـرعـة اللازمـة للهـروب مـن ســطحـه ).
ولـــذلك فإن ميشـــيل قال:
إذا كــان لجســـم كــروي نصـف قــطـر أصـــغـر مــن نصــف قــطـر الشمــس ب (500) مــرة ولــه نفــس كــثافـــة الشمــــس فإن كـــافــة الضــوء المنبــعث عــن ذلــك الجســـم ســوف يــعـود إلـــيه بفعـل جــاذبــية ذلــك الجـــسم.
إذا لــقد كـــان ميشــيل يـقــترح بأن معـــظـم الأجســـام الضخمـــــة (ذات الـكـثـافــة الـعـالـيـة) قـــد لا تكـــون قابــلة للكشـــف بواســـطة طــاقتــها الإشـــعاعــية المـــباشــرة ولكـــنها تــظل تــبدي تأثـــيرات الجـــاذبــية عــلى المــادة المجــاورة لـــها.
وهـــي إشــارة واضـــحة وقـــويــة إلى الثـــقـوب الســـود.
لــقد أعـــاد كــارل شــوارز شــيلد هــذه الحســـابات بالاعتــماد على النســبية العامـة وكــانت النتائج مــطابــقة لمــا كــان قـــد حســـبه جــون ميشـــيل من قـــبل.
إذا هــناك حـــدا أدنــى لنصــف قــطر الجــــسم(النجم) الــذي يمــكن للضــوء أن يهــرب مـــنه والذي يــدعــى بحـــد شـــوارز شـــيلد.
الشكل ( 2)
إن هــذا الحـــد يمـــثل فـــي الواقع خـــط أفـــق يحجــب الــداخـــل بــعده عــن الـــرؤيا وهـــو غشـــاء نصـــف نفوذ يمــكن اجتــيازه فــقط فــي الاتجاه نحـــو الـــداخـــل إنه يمثـل حــدود الثــقب الأســـود ويــدعــى أيـــضا ( أفــق الحــــدث ) وهـــو يـــطابق جبـــهة مـــوجـــة ضـــوء صــــادر عــن الثــقب الأســـود أخفـــقت فــي الخـــروج بعـــيدا وبقــيت تحـــوم مـــكانــها عـــند نصـــف قـــطر شـــوارز شــــيلد الــذي يعـــطى بالعلاقـــة الــتالـــية:
R=2G.M/ C^2
G - ثابت الجاذبية لنيوتن.
M - كــــتلة النجــم.
C – ســـرعة الضــوء.
مــثلا عــندمــا تكــون كتــلة الثــقب الأســـود مســــاوية (10) أضــعاف كتلــة الشـــمس فأن نصـــف قــطر أفــق الحــدث هــو ( 30 ) كلم.
لقــد أثــبت رياضــيا في عــام (1970) أن مســاحــة ســطح أفــق الحـــدث تتمــتع بصـــفة الـتزايــد عــند ســـقوط مــادة أو إشــعاع في الثـــقب الأســود.
أمــا عنــدمــا يتصــادم ثقــبان أســودان مــع بعـضــهما فإن مســاحـــة أفــق الحـــدث الناتــج تكــون أكـــبر مــن مجمــوع مســـاحـــتي أفــقي الحــدثــين العائــديـن للثقــبين المتصــادمــين.
وهــذا مــن الأمــور الغريــبة حــول الثــقب الأســود , ولكــن هــناك المــزيــد.
إن تأثـــير الجـــذب الثـــقالــي لـــهذه النجـــوم لا يـــــطال الضـــوء فـــقـط ولكـــنه يـــطال الـــزمــــان أيـــضا وهـــو أمـــر لـــم يكـــن مـــعـروفا قـــبل النـــظريـــة النســـبية .
لــقد قــام العــالمــان الــروســـيان ياكــوف زيلــدوفيتــش و آي دي نــوفــيكوف بــدراســة كــيفية تــشـوه الــزمــان بالقـــرب مــن النجـــوم المنهــارة ثـقـا لــيا وعــبرا عــن ذلــك باصــطلاح ( النجـــوم المتجـــمدة ) وذلــك تعـــبيرا عـــن توقــف الــزمــن في هـــذه النجــوم لأنــه لــم يكــن اصــطلاح ( الثقب الأسود) مــوجــودا بعـــد .
لــقد تــم ابتــكار هـــذا الاسـم ولأول مـــرة عــلى يــد العـالـم الأمــريكي جــون ويــلر في عـــــام (1968) حــيث بــين هـــذا الــعالــم أن النجــم المنــهار ثقا ليا يصــبح أكـــثر إعتاما في كــل ميلي ثانــية وان الضــوء والجســـيمات الســاقــطة فـــيه تــزيــد مــن كــتلــته وبالتالــي مــن جــذبــه الثــقالــي إلــى أن يصـــبح في النــهايــة مظلــما تمــامــا أو اســـوداً .
ولادة الثــقب الأســود مــن مــوت نجـــم:
قــبل الحـــديث عــن كــيفية تـــشكل الثقـــب الأســــود لابــد لــنا مــن اســتعراض ســــريع لأنــواع النجـــوم وأن نأخـــذ فكـــرة عــن أحجــامــها وكـــثافــتها وحــياتــها ومــوتــها.
الشــكل (3)
إن النجــم بشــكل عــام يــولــد مــن ســحابــة هي مــزيــج مـــن الغاز ( 90% هــيدروجــين ) و الغـــبار الكــونــي التي تــلتـف عــلى نفــسها وتــدور حــول مــركــز ثــقلها عـــبر ملايين الســنين , وأثــناء ذلــك يتـم تكـاثـف الجــزء المـــركـزي مــن هــذه الســحابــة الأولـــية وتزداد كــتلته شـــيئا فشــيئا مــؤديا ذلــك إلــى زيــادة كـل مــن الضــغـط ودرجــة الحــرارة على الجــزء المــركـزي مــؤديــا إلــى قــدح التــفاعــل الــنووي الــذي يتحــول فــيه الهـــيدروجــين إلــى هــيليوم إضــافــة إلــى كمــية هائــلة مــن الحــرارة الــتي تؤدي إلــى معادلــة الضــغط الثــقالي المــتزايــد علــى قــلب النجــم .
والــحـرارة المــتولــدة عــن هــذا التــفاعــل تـعــطى وفــق مــعادلــة أينـشـتايـن:
E = M.C^2
وعــند وصــول تلــك الســحابة الملـــتهبة بفــعـل تلــك الـطـاقــة الهــائــلة إلــى مــرحــلة الــتوازن نــقـول بأن نجــما جــديـدا قــد ولـــد.
يــظـل النجــم هــكـذا مــتوازنا ومســـتهلكا فــي اـلوقــت نفــسه وقــوده الـنـووي وهــــــــــو الهيدروجــين محــولا إيــاه إلــى هــيلـيوم وكــذلــك الهيليوم إلــى عــناصــر أثــقـل وأثــقـل ضمــن ســلســلة مــن تفاعــلات الانـدمـاج الــنـووي عـلــى غــرار مــا يحصــل فــي المــفاعــلات الـنـوويــة الــيوم.
ولــكن ما الــذي يحــدث للنجــم بعــد نــفـاذ وقــوده الـنـووي ؟
هــنا يقــف النجــم عــلى مفــتـرق طــــرق غـــريب وعجــيب فكــتلته وحــدهــا هــي الــتي تحــدد مصــيره ولهــذا لــديــنا عــدة احتمالات:
1 – كــتلة النجـــم أقــل مــن ( 1,4 ) كــتلة شــمسية ,هــذا الــنوع مــن النجــوم يمــوت بشــــكل هـــادئ متحــولا إلــى قــزم أبـــيض يخـفـــت ضـوءه شـــيئا فشـــيئا إلــى أن ينتــهي بــه المـــطاف إلى جســم غــير مــرئــي فـقـد يصـــبح جـــزءا مــن ســحابــة كــونــية جـــديــدة مــساعــدا على ولادة نجــم جــديــد.
الشكل ( 4 )
2 – كــتلة النجــم مــن (1,4 إلى 2 ) كــتلة شمســـية , هــذا الــنوع مــن النجـــوم يمــوت بشــكل اســـتعـراضــي متـفجــرا متــبددا في الفــضاء الكــونــي بشــكل مهرجــان مــن الألعاب الناريــة ويســمى ( الســوبر نــوفا ) كــما حــدث ذلــك عــام (1987) فـي ســحابــة مــاجــلان الكــبرى ( تبــعد عــنا مسافــة 180000 ســنة ضــوئــية ) والــتي تــمت رؤيتــها بالعــين المجــردة ورصــد علمــاء الفلــك مــوت نجــم على هــذا المــنوال كــان مــتوقــعـا لــه أن يــنـفجـــــر .
النجــوم المتـفـجــرة بهذا الشــكل تســاعــد بشــكل كــبير على ولادة نجــوم أخــرى في ســـحابـاتــها وذلــك عــن طــريق مــوجــات الصــدم المــتولــدة عــنها بالإضـــافـــة للمــادة التي تغــذي بــها الســـحابــة .
3 – كــتلة النجــم مــن ( 2 إلى 3 ) كــتلة شمســية فإنــها لا تـنـفـجــر ولــكن ضــغطها الثقالي يحــولــها إلى نجــوم كــثيفة جــدا مــن النيــترونــات تســمى النجـــوم النيترونية والتي تكــون كـــثافــتها عــدة أضــعاف كــثافة النــواة الــذريـــة.
4 – كــتلة النجــم اكــبر مــن ( 3 ) كــتلة شمسية , هــذا النــوع مــن النجــوم وبســبب كــتلتها الضــخمة فإن الضغط الثقالي الهائــل عــلى مــركــزهــا يــؤدي إلــى انــهيارهــا عــلى نفــسها محــولا إياهــا إلــى ثــقب أســود.
فالثــقوب الســود تــولــد مــن مــوت النجــوم الضــخمــة محــتــفــظة بالجــاذبــية فـقط الــتي لــولاهــا لمــا تمكــنا البــتة مــن التــعـرف عــليها .
وبالتالــي فإن العلمــاء يســتدلــون على الثــقوب الســود عــن طــريــق رصـــد أثــرهــا الثـقـالــي أي جــاذبيــتها الشــديــدة على النجــوم و الغــاز والغـــبار الكــونــي الــقريــب مــنها.
إن أول مــن فـكــر فــي ذلــك هــو عــالــم الكــونــيات الحــديــثة الروســي زيلــدوفيتــش مــن خلال مســاهمــاته الــفرديــة وأبحــاثــه الــتي أدت إلــى اكتشــافات عــديـــدة .
ولهذا العالــم قصــة طــريــفة مع الفــيزياء الفلــكية فــهو في الأصــل متخصــص في الكــيمياء وعمــل في فـيـزيــاء الجســـيمات و ديــنامــيك الـغـازات فـي بــدايــة حــياتــه العـلمـــية.
ولقــد عــزا زيلدوفيتـــش نقــص اهتمــامــه في الفــيزيــاء في بـدايــة حــياتــه إلى التــقالــيد المدرســية المتــبعة.
لـــقد أدرك زيلدوفيتــش أن الـثـقــب الأســود في مــدار قــريــب حــول نجــم مــا ســوف يجمــع الغاز مــن قــريــنه جــاذبا إيــاه في دوامــة باتجــاهه حــيث يــدور بشــكل متســارع كلـــما اقــترب أكــثر وهذا الدوران إضافــة للضــغط الــذي يتــعرض لــه هــذا الغاز يــؤدي إلى احــتكاك لــزج رافــعا درجــة حــرارتــه بشــكل كــبير مــؤديا إلى صــدور أشــعة ( X ) بشــكل كــثيف عــن هــذا الغاز قــبل أن يبــتلعه الثـــقب الأســود.
وكــأن النجــم يســتغيث طــالــبا النجــدة على شــكل أشــعة ســينية ولكــن لا مغــيث.
أول ثــقب أســود في مجــــرتــنا:
يعــتبر المنــبع ( SYGNUS X-1 ) الــواقــع في كــوكــبة الدجــاجــة مـن مصــادر أشــعة (X) القريــبة والــتي تخــتلف عــن أشــعة (X) الصــادرة عــن النجــوم النيــترونــية لأنــها عــلى مــا يــبدو تصــدر عــن كــتلة تــعـادل (10) كــتـلـة شمــسية ولــذلــك يمكــن اعتــبارهــا ثقــبا أســود أو عــلى الأقــل تعــتبر المــرشــح رقــم (1) في مجــرتــنا على أنــه ثقــب أســـود.
- يبــعد ( SYGNUS X-1 ) عــنا فقــط (6500 ) ســنة ضــوئــية.
- كــتلته ( 10 ) كــتلة شمسية.
- نصــف قــطـر أفــق الحــدث ( 30 ) كلم.
الشكل ( 5 )
الثــقوب الســوداء العمــلاقــة:
إن الثــقوب الســود الــتي تحــدثــنا عنــها إلــى الآن تمــثل الحــالــة التــطـوريــة الأخــيـرة للنجــوم و أنصــاف أقــطار أفق الحدث لها تـتـراوح بــين ( 10 و 15 ) كلــم فـقــط وهــي الأكـــثر وفــرة في مجــرتــنا .
أمــا الثــقوب الســوداء العمــلاقــة فـتوجــد خــارج مجــرتـنا في مــراكــز بعــض المجــرات وتــزن مــلايين أو بــلايين المــرات مــن شمســنا وتــبدو عــلى شــكل كــازارات أي أشــباه نجــوم وهــي مــصادر كــثيفة لجمـــيع الإشــعاعــات الكــونــية .
هــذه الثــقوب العمــلاقــة الــتي يبــلغ قــطر الــواحــد مــنها بحجــم مجمـــوعتنا الشمســية كلــها , تعــتبر مــناطــق مــن الكــون واجــهت مســبقا المصــيـر الــذي ســوف يغــمر كــل شــئ في حــال انهــيار كــونــنا عــلى نفســـه في آخــر الأمــر.
هــناك إشــارتان تــدل عــلى وجــود مــثل هــذه الثــقوب في مــركــز أي مجــرة :
1- ضــوء كــثيف صــادر عــن مــركــز المجــرة .
2- النجــوم والغــيوم الغازيــة القريــبة مــن المــركــز تتحــرك بســـرعــة كــبيرة وشاذة.
وكمــثال على تلك الثقوب العمــلاقــة نورد مايلي:
1 - المجــرة العمــلاقــة M87 الواقــعة في العــنقود المجــري العــذراء تحــتوي على كتــلة قاتمــة في مــركــزهــا يبــلغ حجمــها ثلاثــة بــلايــين شمــس.
الشــكلان ( 6 - 7 )
2 – هــناك حــالــة مقــنعة أخــرى وهي مجــرة أنــدرومــيدا أٌقــرب المجــرات الضخمــة إلى مجــرتــنا والــتي تــبعد عــنا مســافة ( 2,5 ) ملــيون ســنة ضــوئــية يــزن ثقــبها الأســود المــركــزي ( 30 ) ملــيون كــتلة شمــسية.
الأشكال (8 – 9 - 10 )
طــرق حــديــثة لـرصــد الثــقوب الســود:
لــقد طــور العلمــاء أســلوبا جــديــدا لرصــد الثــقوب الســود العمــلاقــة وذلــك بــربــط مجمــوعــة تلســكوبات راديــويــة منتشــرة عــبر قــارة بأكمــلها وذلــك لــرســم تفاصــيل لمــركــز مجــرة قــريــبة هــي المجــرة ( M106 ) وذلــــك بقوة تكــبير أكــبر ( 100) مــرة قوة تلســكوب هــبل الفــضائـي .
والشــــيء المــذهــل حــقا هــو اكتــشاف العلمــاء لــقرص مــن الغاز يــدور تمــامــا بالــطريــقة المــتوقــعة حــول ثــقب أســود فــي مــركــز تلــك المجــرة ذو كــتلة تســاوي ( 36 ) مــليون شمــس .
وهـــذا يــدفــع إلــى التســاؤل هــل في مــركــز مجــرتــنا درب التــبانة ثقـب أســود ؟
يــتوقــع العلمــاء مــن خــلال قــياس حــركــة النجــوم والغاز حـــول مـــركــــز المجــــرة أن هـــناك كـــتلة مكونــة مــن ( 3 ) ملــــيون كـــــتلة شمســــية والاعتقاد الســائــد الآن هــو إن ثقــبا أســـود كــبيـر يقــبع فــي مــركــز مجــرتــنا.
يقــول العالــم الإنكـــــليزي الكـــبير روجـــر بن روز :
هــل مــن الســـخـرية أن يكــون الثــقب الأســود هــو الــذي يكــمل صـــورتنا النــظريــة عــن الكــون باعــتباره الجســم الفــيزيائــي الأكـــثر غــرابــة.
الشكل ( 11 )
فــهل يمــوت هــذا الجســـم الغــريــب:
انــه ضــرب مــن الخـــيال تصــور مــادة تــولــد مــن الــفراغ أو أن الــفــراغ يــولــد جســيمات مــاديــة .
ولــكن هــذا التـــصـور أعـتـمـــــد كــأســاس لأهــم أفــكار عــلـــم الفــيزيــاء الفلــكية الحــديــثة ألا وهــي فــكــرة (إشـــعاع) الثــقب الأســود الـــذي يعــرف الآن بــإشــعاع هـــوكيـــنغ لأن هــذه الفكـرة ولــدت عــلى يــد العالــم الــبريــطانـي " ســتيفن هــوكــينغ" حــيث أظــهرت الحســابات الــرياضــية التي أجــراهــا أن المجــال الثــقالــي الجــبـار للثــقب الأســود قــادرا عــلى التأثــير فــي الـفـراغ الفــيزيــائــي محــولا الجســيمات الافتراضية إلى جســيمات حـقـيـقــية .
حيـث أن الـفـراغ الـفيـزيـائي وفـق مـبـدأ الارتياب لـهـايـزنـبرغ يكــون مـلــيئا بـانــبثاقـات كمـومــية تـنــتج أزواجــا مــن الجــسيمــات و أضدادها مســتمدة قـدرتـها مــن طــاقــة مســتعـارة .
لأنــه وفــق الـنظـريــة الكــمـومــية فـإن الطــاقــة تــعـار مجــانــا طــالمــا أنــها ســوف تـعــاد بســرعــة كــافــية قــبل أن تـلحــظـها الـطــبيعـة.
إذا تـولــد جسـيمـان ( جسـيم وضــده ) في الفــضاء الحــر خــارج حــدود الثــقب الأســـود وســقـط جســيم واحــد فـي الثــقب الأســود فـالجسـيم الآخــر يـغــدو فجــأة حــرا طــليـقـا.
عــنـد ابـتلاع الثــقب الأســود لـهـذا الجســيم فـإنــه يســتطـيع امـتصــاص الـطـاقــة المســـتعارة الــتي تــؤدي إلـى خفــض كــتلــة الثــقب الأســود وفــق قـانــون أينشــتايــن ( E = M . C^2 ) وهــكــذا فــإن الثـــقب الأســود يـتـبخـــر بـاســتمــرار فتــنقـص كــتلــته وحــرارتــه .
تعــتمد هــذه النــظريــة بشــكل أســاســي عــلى الجــمع بــين النســـبية العامـــة والنـــظريـــة الكمــومــية ويعـــتبر هــذا أول نجـــاح للجمـــع بيـــن هاتـــي الـنظـريـتـيـن.
وبفــعـل عمـــلية إشـــعاع الثـــقب الأســـود فـإنــه يـفــقـد جــزءا مــن كــتلتـه ويصـــغـر حجمـــه شـــيئا فـشـــيئا.
هــذا يعــني أن الثقــب الأســود بعــد زمــن معــين ســوف يتبخــر ويتــلاشــى معــيدا كــل مــادتــه إلى الفــضاء الكــونــي .
وحســـابــيا تبــين أن الثــقب الأســود يتبخـــر وفــق العلاقــة التالــية:
عمر الثقب الأسود = ( كتلة الثقب الأسود \ كتلة الشمس ) قوة 3 × 10 قوة 66 سنة.
فمــثلا لــو كــانت كــتلة الثــقب الأســود تعـادل كــتـلة الشمــس لــكان العـمــر التــقريــبي لـــه مساويــا 10 قوة 66 ســنة .
ولتقــييم ضــخامــة هــذا الــرقــم فـإنــه يــعادل عمــر الكــون مــنذ ولادتــه إلــى الــيوم أربـــع مــــرات .
وهــكذا فـإن فــترة حـــياة الثــقب الأســـود العـمـــلاق تفـوق كـــثيرا كـــل الأزمـــان الممـــكن تــصورهــا .
ولـــكن هـــذا لا يمـــنع مـــن أنـــها تمـــوت فــي النـــهايــة .
إعــداد المهندس : محــمد مجــد الصــاري
رئيــس اللجــنة الفلكــية في نــقابــة المهــندســين بحلب
الثقوب السوداء
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد مجد الصاري
