(1)
كتبت لها :
لماذا أكتب إليك ؟
الكتابة تشعرني انني تعريت من كل ثيابي التنكرية .. وجلست على الورقة كيوم ولدتني أمي .
ولذلك فهذا الكلام ربما أكتبه لأول مرة لامرأة بهذا الشكل .. ولعلها الأخيرة .
وبعد أن أعترف أنك أول امرأة أحتار فيها لهذا الحد , اسمحي لي أن أعبر عن إعجابي الشديد واحتجاجي الغاضب- في نفس الوقت - على كل هذا الاحتكار والتعسف الذي تمارسينه بحق نفسك ..
آن الأوان أن تعرفي أنه ليس من حقك أن تكوني مدهشة إلى هذا الحد دون أن تسمحي لي على الأقل بمحاولة الاقتراب من ضوئك .. لأنك ان لم تسمحي لي فربما أحترق .
لقد درست شخصيتك كثيرا .. فاحترت فيك كثيرا .. ولعنت غموضك كثيرا ..
كنت أتمنى ان نكون أصدقاء صادقين أو على الأقل معارف .. لأن امرأة بهذا الإبهار لايمكن أن تمر وتظل مياه البحر كماهي .. بلا أية تساؤلات ..
وكم شعرت بالحسرة على كل هذا الوقت الذي نبذله في كبرياء نصطنعه .. فلا يبادر أحد .. ويكتفي كل واحد فينا بمضغ حسرته ..
الحسرة الا نكون أصدقاء .. طيبين نتعامل ببساطة وعفوية دون قوالب مسبقة .. كأطفال التقوا في شاطئ رملي ..
انني أشعر بخسارة كبيرة .. تقدر بعدد الدقائق التي يمكن أن نقضيها معا ..
وعدد الفناجين التي يمكن أن نحتسيها معا ..
وعدد الأسئلة التي كنت سأطرحها عليك ..
وملايين الكلمات و الأفكار التي كنا سنتشاركها كما يتشارك الأطفال قطعة الحلوى .
سامحيني حين بلغت بي الجرأة حد اقتحام قشرة السلحفاة .. فالأطفال فضوليون بطبعهم ..وفوضويون .. لكن قلوبهم طيبة .
.............
(2)
فأجابتني :
سيدي:
يمكنك أن تسألني عن عدد الفناجين التي ظننت أنني احتسيتها معك ..
عن عدد المرات التي لامست أصابعي أصابعك عبر هذا الجهاز اللعين .
عن ألوف الكلمات التي لم أقلها .. ولكنك سمعتها ..
عن الأحلام التي كانت , وعن الأحلام التي لم تكن .. ولن تكون !!
يمكنك أن تسألني عن كمية الأمطار التي ذرفتها وأنا أقرأ رسالتك ..
وأن تسألني عن الجو غدا كيف سيكون ..
لكنني لا أتسطيع أن أجيب ..
فمثلي عاجزة عن دفع ثمن دواوينك , فلا تقرأها علي .. وابتعد ..
وحين أغيب أو قبل أن أغيب : انثر قصائدك في كل مكان .. وأسمِع الأغاني لكل الناس ..
فأنا أحب ذلك ..(*)
............
(3)
فرددت :
لست أدري ماذا فهمت من رسالتي حتى جاء ردك وكأنه رد على رسالة غرامية .. أو مشروع زواج .
لعل خطئي أنني استعنت ببعض صور شاعر .. أو جلب البحر .. أو ذكرت الأطفال .,
المسألة بكل بساطة فضول .. لعله كان في غير محلة , لكنه دعاني أن أعرف عنك شيئا .. وهذا طبعي في كل شخص مختلف يقابلني ولو عبر الاسلاك ..
أما عن ثمن دواويني فلم أطلب أن يدفعه أحد .. , لان دواويني لا تقدر بثمن , وبالتالي ففكرة دفع ثمنها تبدو للوهلة الأولى عن سوق نخاسة .. ولعمر الله ان حرية دواويني هي مامنعها من النشر للان .. فلا تعتقدي ان بامكانك أو سواك ان يقوى على ماتنوء به الجبال .
إنني استغرب من امرأة ذكية مثلك , أن يقودها تفكيرها إلى تفكير اية فتاة شرقية تقيس كل ما يمكن ان تصادفها بمقاييس فستان الزفاف ... ونوع خاتم الخطبة .. او ترى في كل مصادفة ما تتوهمه من نوايا الرجال السيئة الصيت والبشعة التاريخ ..
لقد شككت في نفسي فعلا وأنا أقرأ ردك الغريب كعادته .. الغامض .. المتشكك في كل شئ حتى في نفسه .. أكل هذا من أجل محاولة كان يمكن ان تكون أنقى من صفحة بحر .. ؟
أما قصائدي فلم تصلي لمستوى ان تكون فيك حتى تدفعي ثمنها .. لا لعيب فيك ربما ,ولكن لمحدودية العلاقة بيننا .
ولذلك فمازال غيابك أو حضورك بالنسبة لي امرا لا يقف على رأس اهتماماتي , ولو كتبت شعرا في كل امرأة قابلتها لأصبحت قصائدي مكتبة عامة ..
إنني لا أكتب الا فيمن تحدث شرخا في الذاكرة , وتهز جدران القلب , ولديها القدرة على ايقاف الزمن .
ولذلك فانني ارى الأرض مكانك المناسب .. ولا أنصحك بالطيران فهو لا يزال خطرا عليك ..
.............
لا توجد بقية .
-----------------
(*)الكلام لكاتبته .