لماذا انتحر الروائي العراقي مهدي علي الراضي؟
لن يتوقف انتحار المبدعين مادامت أوطانهم تتمزق
22/02/2007 يفجع الوسط الثقافي بين حين وآخر بفقدان أديب، شاعر، روائي من العرب، فإما يغيبه الموت لأنه القدر الذي يحدده الله فيأتي بموعده، أو يكون 'الموت اختيارا' الذي يلجأ إليه الراغبون في الموت سواء بوعي منهم إذ يصلون حد اليأس من الحياة فلا يستطيعون تجاوز حالة العجز، ويرون أن لامبرر لحياتهم وبقائهم، أو بدون وعي بسبب حالة مرضية كالاكتئاب أو اللوثة العقلية والصدمة العاطفية.
ولعل أغلب المنتحرين في التاريخ هم من المشاهير- نساء ورجالا- سواء من الزعماء والقادة الكبار أمثال: هتلر، رومل، وكليوباتره. أو من الأدباء والشعراء والفلاسفة. الذين حفلت كتب التاريخ بقصص انتحارهم، وهم كثيرون مثل: 'كواباتا الأديب الياباني الذي طعن نفسه بالسيف، همنغواي وفان كوخ انتحرا بالرصاص، ماياكوفسكي وسيرجي يسنين قطعا وريديهما، مدام بوفاري انتحرت بالزرنيخ، فرجينيا وولف علقت حجرا ثقيلا في عنقها وأغرقت نفسها في البحر، أما ريكله فقد سمم نفسه بشوكة وردة، وغير تلك الأسماء كثير.
أما العرب فقد عرفوا ظاهرة الانتحار منذ الجاهلية وكانت لهم طرقهم الخاصة في ذلك كأن يغلق المرء عليه باب بيته ويبقى فيه دون طعام حتى يموت، وبعضهم كان يلقي بنفسه من جبل شاهق، والبعض كان يشرب السم، ويقال ان بعض الشعراء مثل زهير بن جناب وأبو البراء بن مالك، وعمرو بن كلثوم كانت وسيلتهم للانتحار شرب الخمرة - الصرف - بكميات كبيرة حتى الموت.
ولا تزال ظاهرة انتحار المبدعين العرب مستمرة، والأسماء كثيرة 'الكاتب اسماعيل أدهم ألقى بنفسه في البحر بعد أن وزع الشوكولاتة على الأطفال، الشاعر أحمد العاصي أحرق نفسه وكان في الثلاثين من عمره، وانتحرالكاتب الأردني تيسير سبول، الكاتبة أروى صالح، عنايات الزيات ودرية شفيق التي ألقت بنفسها من الدور السادس، أما الشاعر الكبير خليل حاوي فقد كان دخول اسرائيل إلى بيروت وما قابله من صمت عربي مفجعا له فوصلت به حالة الغضب إلى الانتحار.
ورغم فجائعنا بمن يموتون، فإنني لا أستبعد أن يتواصل مسلسل الانتحار عند المبدعين، لأن أغلبهم يعيش ظروفا اجتماعية صعبة تصل عند البعض حد الفقر الشديد، وكثير منهم يعاني من استبداد أنظمته حيث القهر والحجر على حرياتهم، ومصادرة كتبهم والزج بهم إلى السجون، يضاف إلى ذلك ملاحقة السلطات الدينية المتشددة لهم وتكفيرهم. ولأن إحساسهم بالعجز عن تغيير هذا الواقع يصيبهم بالإحباط، فإنهم إما يقدمون على الانتحار متصورين أنه المخلص السحري لمعاناتهم أو يضطرون إلى الهجرة والتشرد في المنافي البعيدة والتي مهما حققت لهم فإنها لا تكون العوض عن الوطن. فيموتون هناك بحسرتهم أو ينتحرون.
فلماذا نستغرب أن ينتحر روائي مثل مهدي علي الراضي؟ وهو الذي عاش منذ عام 1978 في المنفى بعيدا عن وطنه، منتظرا أن يتحرر ليعود إليه، لكن الوطن الذي تخلص من ظلم طاغيته ابتلي بما هو أعظم، فكيف لهذا الروائي (وغيره من المبدعين العراقيين) سواء من يعيشون في الداخل، أو يشاهدون وهم في منافيهم ما تنقله إليهم الفضائيات من حرائق وتفجيرات وقتل، كيف لهم أن يحتملوا دمار وأوجاع وطنهم.
ويبدو أن الروائي مهدي فقد الأمل في استعادة العافية والسلام لوطنه، فمات حلمه بالعودة إليه، لذلك اختار الموت. فهل سيكون آخر المنتحرين من المبدعين العرب، أم أن المستقبل سيفجعنا بانتحارات أخرى؟.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
المقال منقول من جريدة القبس / الصفحة الثقافية /الخميس, 22 فبراير, 2007
05 صفر 1428 رقم العدد: 12114