بسم الله الرحمن الرحيم .
اتذكر و انا صغير ، كانت امي ـ عليها من الله شآبيب الرحمة و الغفران ـ ترسلني و اخي و اختي لقضاء العطلة عند جدي ـ ابو أمي ـ في الريف الفرنسي بمنطقة Camargue حيث الطبيعة الغناء و الهواء العليل . و ذلك هروبًا من المدينة و ضوضأها .
و كان جدي حريصًا على تربيتنا تربية صالحة . و ما من مثل سامية او اخلاق حسنة إلاّ و يريد غرسها فينا مااستطاع .. و من ضمن ما كان يردد دائمًا بلغة عالية الاسلوب و التراكيب ، لا يستطيع فهمها الاّ من أوتيَ بلاغة فولتير او فصاحة فيكتور هوغو :
" Qui vole un œuf, vole un bœuf"
( من يسرق بيضةً ، سيسرق عجــــــــــــــــــــلاً ).
و ذلك حتى لا تمتد ايدينا الى قطف بعض الفواكه من البساتين المجاورة لضيعة جدي الصغيرة .
و مرت الايام و الاعوام و هذا المثل يرن دائمًا في ذهني .. و ما من قضية سطو او سرقة تنشر في الجرائد الاّ و ينتصب جدي واقفًا و يقول بلهجة الحكيم : " أ لم أقل لكم : من يسرق بيضةً ، سيسرق عجــــــــــــــــــــلاً "
و لكن عندما نشروا قصة Jean-Bedel Bokassa امبراطور افريقيا الوسطى المخلوع ، و كيف أنهم وجدوا اولاده يسرقون البيض و الاجبان و الحليب من المحلات في بعض المدن الفرنسية . و عندما سألوه قال : لا استطيع اعالة هذا الكم الهائل من الاولاد ، لأن ما تمنحه السلطات الفرنسية لا يفي بالمطلوب .. فضاع اولاده في ملاجيء الايتام
و عندما صرحت "الامبراطورة "(( فرح ذيبا بهلوي)) امبراطورة ايران ـ سابقًا ـ بأن ابنها " الامير " رضا بهلوي لا يستطيع ادخال اولاده مدارس خاصة و سيزاولون دراستهم في مدارس حكومية مجانية لأن ما عندهم من الاموال لم يعد يكفي ، او يسمح بذلك .
و الامثلة كثيرة عن هؤلاء..
و حتى في العالم العربي ، أن اناسـًا كانوا في السماء نتيجة تسلطهم على اموال الناس و خيرات البلد عندما كانو في السلطة . و عندما زحزحوا عن الحكم أصبحوا كمن تجوز فيهم " الصدقة "...
عندئذ إن أقل ما يمكن استخلاصه هو ان جدي " الحكيم " كان سيجد نفسه اليوم قد مر بجانب الحقيقة و أخطأ في قياس تقدير الامور .. بل كان من اللازم ان يصوغ " حكمته " هكذا :
" Qui vole une nation,vole un œuf "
(من يسرق امة ، سيسرق بيضــــــــــــــــــــــ ـــــة )
و هكذا كما تدين تدان .