أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: تأملات في قصة( ذكريات فوق الغمام ) للأديبة : حنان الأغا

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي تأملات في قصة( ذكريات فوق الغمام ) للأديبة : حنان الأغا

    تأملات في قصة ( ذكريات فوق الغمام )
    للأديبة : حنان الأغا
    القصة
    ذكريات فوق الغمام
    صعدت درجات السلّم المعدنيّ بسرعة حتى وصلت الدرجة الأخيرة ، ثم توقفت للحظة ، قررت بعدها المضيّ إلى الداخل دون أن تلتفت وراءها .
    ابتسمت لها العينان الوادعتان اللتان تبثان الثقة والارتياح - أهلا وسهلا ، تفضلي سيدتي ، وأشار بيده إلى مقعدها مع انحناءة خفيفة ، وابتسامة لا تفارق ثغره .
    تمنت لو كان مقعدها قرب النافذة حيث تحب أن تجلس دائما ، وتنبهت إلى أنها لم ترد على ابتسامته وهي تشكره ، وتذكرت أنها ربما لم تبتسم منذ مدة طويلة، فالتفتت إليه وقد رسمت ظل ابتسامة على وجهها ، ولكن التوقيت خانها ، لقد كان في هذه اللحظة يهب ابتسامته لراكب آخر .
    جلست في مقعدها تغالب النعاس ، تثاءبت وفكرت أنها ستحاول النوم طوال الرحلة على غير عادتها ،ستعوض ما فاتها من نوم خلال الأيام الماضية ، أيام القرارات الصعبة ،نعم أليست هي امرأة القرارات الصعبة ؟
    تمنت لو أن الموت لم يغيّب أمها ، تلك المرأة المتفردة بين الأمهات بهاء وحنانا .كانت مصدرا لطاقة عجيبة دافئة بثت فيها القوة ، وأسست في روحها أماكن دائمة للفرح والضحك ، والأمل والتحدي . أحتاجك يا أمي كيانا حقيقيا لا ذكرى ولا عِبر. أريدك يا أمي قربي كي أضحك ، كي أعود طفلة أتفيأ ظلال روحك ودفء حضنك .
    أعادها الصوت الهادىء من شرودها الناعس :
    _ سيدتي ، هلا ربطت الحزام من فضلك ؟ رفعت رأسها لتجد تلك الابتسامة التي يعتقد كل من يتلقاها أنها موجهة إليه بالذات . وفكرت أنه من اللائق أن ترد له ابتسامته : هل يمكنني الجلوس قرب النافذة؟ وقالت لنفسها أن هذا هو يوم الابتسامات الجوية!
    _ طبعا سيدتي ولكن بعد الإقلاع . ثم تلكأ قليلا : لقد رأيت صورتك وقرأت الخبر عن دراستك ، ثم أشارإلى الصحيفة في جيب المقعد ، فتمتمت بكلام لم يصل إلى مسامعه لكنه اعتقد أنها شكرته . فكرت وهي ممسكة بطرفي الحزام أنها لن تنام قبل أن تشهد الإقلاع ، وأنها لن تفوّته أبدا . نظرت حولها كي لا تضبط متلبسة ، وبهدوء تسحّبت إلى المقعد المجاور قرب الكوة التي تفصلها عن الكون . ربطت حزامها في اللحظة التي انطلق فيها صوت قائد الطائرة يعلن عن بدء الرحلة إلى بلاد الضباب ، وتصادف مرور المضيف مسرعا ، فمنحته نظرة اعتذار عاجلها بابتسامة وهو يسيرمبتعدا بخفة.
    ألصقت وجهها بالكوة وركزت نظرها على الجناح الذي كان يهتز بعنف مع تسارع حركة الطائرة على المدْرج ، وتدريجيا خفت الحركة وبدأت الطائرة ٌإقلاعا ناعما ، فشعرت كما دائما بارتفاع الطائرة وهبوط قلبها .هي لحظة الفصل بين الأرض والفضاء، بينما هو كائن وما سيكون ، بين حياة قائمة وموت محتمل !هي اللحظة التي تصبح فيها خلوا من الإرادة . فكرت في أمها وفي الشمس التي تركتها هناك ، وفي الضباب الذي سيلف كيانها بعد ساعات قليلة ، وتألمت ، بل غضبت .هل علينا أن نقايض الدفء بالصقيع ؟ والشمس بالغمام؟ وتراب من نحب بنصب من رخام؟
    كان من الممكن أن تتابع العمل على أطروحتها هناك فلماذا قرار الرحيل!
    رجعت إلى اللحظة الحاضرة ومسحة كآبة لا بد تمددت فوق صفحة وجهها ، وتنبهت للصوت اللطيف ينحني باتجاهها - سيدتي، هل تقبلين دعوتنا إلى مقصورة القيادة؟
    راقتها الفكرة . ربما اطلعوا على الصحيفة ، ثم _ نعم بكل سرور .دخلت المقصورة على أصوات مرحبة من الطاقَم ، وطُُلب إليها الجلوس في مقعد ملاح لم يلتحق بالرحلة.
    قال الجالس بجانبها :هذه الأزرّة ستقومين بتشغيلها ، هذا للتحكم بدرجة الحرارة وهذا لمكيفات الهواء وهذا ... وأحست بوجهها يعبق حرارة ، فسألها : ماذا تشرب السيدة ؟
    _عصير ليمون . لم تكن هي من أجابت ولكنه صوت ما ، لم يكن وقعه غريبا ولكنه لم يكن مألوفا .رفعت رأسها تبحث عن مصدر الصوت فلم تجده ، إلا أنه استأنف - أتذكر طفلة في الحادية عشر ذات شعرطويل ورداء أزرق زرقة ماء الأعماق ، وصباح خريفي مشمس ولعبة الحجلة فوق سطح بيت جميل .ولم تحظ بفرصة للتساؤل ، فقد استمر الصوت الآتي من أحد الطياريْن – كانوا أربعة أطفال هي وأخويْن وأختهما .
    سمعت صوتا داخلها يقول كنت ألعب معهم فوق السطح . كنت أرتدي ثوبا أزرق بحريا ، وكان شعري طويلا.وأكمل الصوت : كان الدور ليس دورها للقفز فوق المربعات المرسومة بالطباشير على الأرض ، وكانت تتراجع إلى الخلف خطوة خطوة لتفسح المجال لصاحب الدور .
    ومن داخلها استأنف صوت الذكرى : كنت أتراجع خطوة خطوة
    هو- فجأة طارت هبوطا كالسهم باتجاه الحديقة .
    صوت داخلها : لم أعرف إلا أنني كنت أطير وأقع فوق كوم تراب أبيض .نعم لقد اتسخ.. واستدار الطيارمقاطعا وهوينظر إليها بعينين زرقاوين تشع فيهما ابتسامة كبيرة : اتسخ ثوبك وشعرك وبكيتِ .
    فقالت بشرود تام : بكيت معتقدة أن أمي ستغضب من شكلي المعفر بالتراب الأبيض. وتابعت : كنت مازلت أستلقي عندما نظرت إلى أعلى ووجدت ستة عيون سوداء وبنية وزرقاء تحملق بي في خوف ،
    نعم ،هي هذه العيون .
    نظرت باتجاهه وكان يضحك وينظر إليها ، وسأل عن عنقها فوضعت يدها بعفوية على عنقها وهمست لنفسها : عنقي كان يؤلمني من أثرالسقطة . ثم أحست بنفسها تتحول طفلة في لحظة وهو طفل أشقر بعينين زرقاوين.
    ها هو صندوق ذكرياتها المفرحة يفتح أمام روحها وعينيها ، وها هي تنطلق واحدة إثر أخرى: وجه أمها الحنون ، أصدقاء البراءة ، سماء الخريف المشرقة وضحكات الطفولة .ها هي تضحك تارة وتدمع تارة ، وتتلاحق اللقطات وتتسابق في الزمن أماما ووراء وفي المكان هنا وهناك .وهي التي اعتقدت أنها ستكون عصية الدمع والفرح.
    نظرت إلى العينين الزرقاوين فبادرها هامسا : ستفاجأ أمي اليوم .استعدي لاستقبال حافل . واستدار إلى شاشته والفضاء أمامه .
    ______________
    حنان الأغا
    2006
    التأملات :
    ذكريات فوق الغمام
    عنوان فاتح للشهية وكأنه ذو جناحين سيحلق بنا في أفق ممتد من الإبداع قرأته فقرأت القصة فإذا بي أحلق بالفعل في عالم من القص المتقن والسرد الرائع الخادم لكل المعطيات مع حبكة مميزة حيث يمتد العنوان بامتداد القصة من المدخل إلى الغلق فاستحضار الذكريات جاء على مستويين رئيسين
    ـ ذكريات السفر
    ـ ذكريات الطفولة
    وقد اشتمل كل منهما على الذكريات المتعلقة
    فذكريات السفر تستحضر الذكريات مع الأم ، وذكريات طفت مساعدة مثل ذكريات المعاناة في العمل ، وكثرة اتخاذ القرارات .
    أما ذكريات الطفولة ، فتستحضر ذكريات الفرح والبراءة ، لنجد الأم قاسمًا مشتركًا تتعلق به كل الذكريات الرئيسة والمساعدة .
    دخول القاصة ، وإدخال المتلقي:
    لقد اعتمدت القاصة في دخولها إلى القصة على عنصرين من عناصر الدخول أسميهما ( المصاحبة والتسلل ) أما المصاحبة فتظهر من خلال اصطحاب القاصة للمتلقي حين ترسم له عالمًا متجسدًا آخذة بيده مدخلة إياه إلى العالم الذي أبدعته ليجد نفسه ضمن الشخوص وربما انسجم مع القصة حتى يجد نفسه أحد الشخوص وفق طبيعته ، ومن الأدباء من يعتمد على هذا الدخول وحده ، أما أديبتنا : حنان الأغا فأجدها اعتمدت مع المصاحبة على التسلل وقد أفاد هذا الدخول جدًا حيث إن الحالة حالة استحضار ذكريات ، والذكريات لم تستدع آليًا أو بالرغبة هنا أو عشوائيًا وإنما عمدت القاصة إلى التدرج النوعي ، فنجد :
    ـ ذكريات يستحضرها الموقف :
    موقفها من السفر يستحضر ذكرياتها كامرأة ذات دور، كم اتخذت القرارات وحسمت المواقف.
    ـ ذكريات تستحضرها الحالة :
    فحالة الفقد والحزن تستحضر ذكرياتها مع الأم ومواقفها الحانية المبهجة .
    ـ ذكريات أوجدها موقف أنتج حالة :
    موقفها من المتحدث والمكان الذي هي فيه استحضر حزمة حالات ( حالة الارتباط بالمكان والشخوص : المنزل ، الحديقة ، الرفاق ، والأم ) حالة اللوعة والأسى لذهاب أيام الطفولة بكل ما فيها ( المرح ، الفرح ، الخوف ، الانطلاق ، الألم ) ولكن كل هذا يجتمع في البراءة .
    مما سبق نتبين أن القاصة اعتمدت عنصرين من عناصر الدخول والإدخال إلى القصة وغالبًا ما يكون هذا في صالح المتلقي ، بينما لو اعتمدت القاصة على الهجوم على الحدث لما تناسب ذلك مع هذه القصة ، خصوصًا وأن القاصة تستعرض لنا حالات نفسية مشبعة بالوجد، نسجت حولها شباكًا من المادية والسرد لا تخفي تشخيص الأصوات .
    وحتى التذكر ذاته استطاعت القاصة وببراعة أن تجعله أحد شخوص القصة وكيف لا وهو الشخصية الرئيسة التي توالدت فاستحضرت لنا مراتب الحدث .
    كنت منبهرًا وأنا أجد القاصة تأتي بشخصية نامية لتوفر على نفسها تنمية هذه الشخصية أثناء القص فهي ليست في حاجة لذلك لأن الشخصية ليست بحاجة لأن تتطور مثلما هي في حاجة لإحداث انعكاسات للماضي من خلال مواقف وحالات الحاضر ، وهذه الإمكانية تؤكد براعة القاصة في بناء القصة واختيار الحالة التي تجعل عليها شخوصها .
    أما إذا تناولنا القصة من الناحية الدرامية فسنلاحظ أن القاصة أتت بشخصية نسائية ذات دور اجتماعي ، معروفة ، منتشرة إعلاميًا وفي نفس الوقت ليست حديدية ن وقد مزجت القاصة كل ذلك ابتداءً بصعود السلم الحديدي إلى تجاوز المضيف دون اكتراث إلى الجلوس في مقعدها لتظهر الشاعرية في رغبتها في الجلوس إلى الكوة في حالة من القبول والرفض للنوم لتنمي ذلك عند الطيران حالة العلوق بين السماء والأرض أو بين الحياة والموت هذه الحالة التي تستدعي الذكريات وتستحضر الأم ولا أقول هنا الذكريات مع الأم فنحن أمام استحضار كامل للأم التي ماتت وكم كانت القاصة موفقة جدًا في هذا النسج حيث تستشعر الحزن يطفو على سطح الحكي محاولة التغلب عليه بتحقيق الرغبة في الجلوس في المكان الذي اختارت ( وعلى الرغم من وعد المضيف ، إلا أنها أصرت أن تتخذ القرار بنفسها ) وهنا تطفو حالة نسيان ، وكأنها أزمعت الانسلاخ من واقعها فقد نسيت شهرتها ومعرفة الناس بها ، لتظهر لنا القاصة ملمحًا من ملامح شخصية هذه المسافرة .
    ومع تنامي حالة الحزن والفقد وتصور المجهول وعقد هذه المقارنة الناجحة التي استغلتها القاصة استغلالاً بارعًا حين تقارن بين من وما نترك ومن أجل ما نتوقع ( .هل علينا أن نقايض الدفء بالصقيع ؟ والشمس بالغمام؟ وتراب من نحب بنصب من رخام؟ ) أرى أن ذروة التوقد النفسي والمشاعري كانت هنا تمهيدًا للمرحلة الجديدة حين توجه لها الدعوة إلى قمرة القيادة حيث الألق الدرامي الذي تحول الأبطال فيه إلى أصوات تستحضر مشاهد الماضي في حالة بلاي باك سينمائي . لكن الأبدع من ذلك هو صوت الطيار في مقابل الصمت الناطق ، إنها صامتة ، صوتها الداخلي المنبعثة فيه الأشكال يتم الكلام الذي نسمعه من الطيار وكأن هذه النفوس التي تآلفت في الطفولة أوجدت لها عالمًا فوق السحاب ربما يغشاه الضباب سترًا إلا أنه موجود ، إن هذا التقسيم وهذا التنامي الدرامي الذي أبدعته القاصة حنان الأغا بهذا التكثيف الرائع الذي يطلق العنان للخيال أن يسيح في عالمها الذي أبدعته في تشكيل رائع تجانست فيه الخطوط والألوان في إطار ألقٍ ، هذا التنامي الدرامي والبنائي للقصة محتاج للضوء واللون .
    أما اللون، فقد سبقنا أستاذنا الدكتور مصطفى عراقي بتحديده ، حين يقول : تنهض الألوان (وهي وسيلة فنية أثيرة لدى قاصتنا) بدور رئيس في رسم المشهد، لاسيما اللون الأزرق :
    " ورداء أزرق زرقة ماء الأعماق"
    "كنت أرتدي ثوبا أزرق بحريا"
    وبهذا يتجلى إحساسها بقيمة اللون في عيون الأطفال :
    " نظرت إلى أعلى ووجدت ستة عيون سوداء وبنية وزرقاء تحملق بي في خوف".
    ولكنها تنحاز هنا أيضا إلى زرقة ماء الأعماق عندما :
    "أحست بنفسها تتحول طفلة في لحظة وهو طفل أشقر بعينين زرقاوين"
    وتتلاعب القاصة بالألوان فتجعل اللون الأبيض هنا دليلا على الاتساخ لأنه سيخدش الزرقة في بوحها:
    "بكيت معتقدة أن أمي ستغضب من شكلي المعفر بالتراب الأبيض"
    وأما الضوء، فقد رأيته نافذًا من الكوة في حالة الاستحضار الضبابي
    ومن مقدمة الطائرة ( في قمرة القيادة ) لكي تبدو لنا الملامح أوضح حين يستحضر الطيار والمسافرة الطفولة لنرى العيون ، ألوان الثياب ، الحديقة ، الشعر ،اللعب ، ومع كل هذا حالة الطيران من فوق السطح وقبلها حالات القفز وتبادل الأدوار ، وهنا أجد القاصة ترسم بريشتها المدركة لوحة تناهت في الدقة .
    هذا الضوء النافذ من مقدمة الطائرة كان عاملاً ـ أراه ـ أساسيًا في غلق القصة
    حيث العودة من الذكريات ، من خلف الضباب ، من فوق السحاب ، وفي حالة وصلٍ للماضي بالمستقبل ، أي التدرج من الإظلام إلى الخفوت ، إلى الضوء . الطيار ينهي الحديث ناظرًا إلى عنصرين ( الشاشة والأفق ) في توقع للألق وقد وعد بفرحة أمه عند رؤيتها ، وقد يتوهم القارئ أن النظر في الشاشة يعني أن هذا الطيار انصرف عن البطلة ، إلا أنني أرى أن هذه اللمحة الخاطفة من القاصة تؤكد من خلالها أنه يستحضر سلسلة الذكيات التي لا محل لإيرادها في قصتنا هذه ، إلا إننا ومن خلال النسق الفكري والعاطفي للقصة نستطيع تتبع ثلاثة خيوط من الذكريات متعلقة بما سيكون .
    ذكريات البطلة .
    ذكريات الطيار .
    الذكريات المشتركة بينهما .
    وبهذا تكون الكاتبة استطاعت فتح عوالم رحبة من التفكير والتصور لما مضى وللمتوقع في الزمن القادم والمرتبط بنهاية القصة.
    وبهذا الكاتبة نهاية ذكية لقصتها تجمع كل العناصر اللونية والضوئية مانحة المساحة الذكية للمتلقي لأن يبقى مع النهاية زمنًا يحاورها ، ولا أتوقع أن نهاية أخرى قد تناسب هذه القصة التي بها من الأمتاع والإبداع ما يجعلها مقدمة لدينا .
    بقي أن أتوجه بالشكر لأديبتنا الرائعة : حنان الأغا بما قدمت لنا من إبداع وألق وروعة قصصية ، متمنيا للواحة التألق والازدهار.
    كلي احترام وتقدير
    مأمون المغازي

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الغالي الأديب الأنيق الراقي الاستاذ مأمون المغازي

    "تأملات في قصة ( ذكريات فوق الغمام ) "
    للأديبة : حنان الأغا
    قراءة علمية أدبية , فلقد استخدمت التقنيات العلمية , في القراءة الأدبية , بشكل لافت
    جدا , وقد سمعت منك ذات مرة , ضمن نشاطات أدباء الواحة الثقافية , في دولة الكويت ,
    محاضرة في شرح آليات الدخول الى عالم القصة , ورأيتك هنا تستخدم هذا المفهوم العلمي
    بموفقية وتفوق , وقد أثرت اعجابي فعلا , فكم كنت أشدد على دور النقد الأدبي , في توجيه
    الضوء على عوالم العمل الأدبي , ليظهر سبياته وايجابياته , ويفتح العيون على المسار
    الصحيح , والتقنيات الصحيحة , للفن الذي ينتمي اليه العمل , وهذا هو الدور الايجابي
    للنقد , في الرقي بالاعمال الأدبية , وفي قراءتك التأملية , في قصة ( ذكريات فوق الغمام ) ,
    قدمت لنا مثالا للنقد الأدبي العلمي والبناء .

    اسجل لك تقديري العالي , واستمتاعي بما قرأت .

    أخوكم
    السمان

  3. #3
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    بحق قراءة أدبية رائعة

    سلم قلمك وفكرك أستاذي المبدع "مأمون المغازي "

    سلمت ودام ألقك

    تقبل خالص تقديري وباقة ورد

  4. #4
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأديب المبدع الرائع / مأمون مغازي ..

    قراءة نقدية فتحت كل الآفاق أمام القارئ ليستوعب الفنيات التي استخدمتها الأديبة / حنان الأغا في كتابة هذه القصة التي استرعت انتباه النقاد ، بروعتها وجمال أسلوبها ..
    لقد كانت قراءتك جميلة حقا ، بشرحك الواسع لفنيات كتابة القصة ، والتي تعلمنا لكثير ، وأعتقدك تستحق أكثر من الشكر على هذه القراءة ..

    على قدر ما أمتعتني القصة بقراءتها .. أمتعتني قراءتك للقصة بهذا العمق وهذا التوسع واللتركيز على كل صغيرة وكبيرة فيها .

    كل الشكر وأرق التحايا .
    مودتي واحترامي .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  5. #5
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    الحبيب الأديب الأريب مأمون المغازي:
    أجدك أيها الناقد الجميل تتقصد نماذج منتخبة من الإبداع القصصي ، وهذا يتحقق في نص أديبتنا المبدعة حنان الآغا ، وأراك تتنقل في تأملاتك في ملامح الفرادة والاستثناء والتميز والمغايرة في هذه القصة المتفردة.
    أراك تكتشف طاقاتها الكامنة ، وحالاتها الحضورية ، لتلتقط لحظات التجربة ، مع إدراك مميز لأسرار صناعتها وخفاياها ..
    وهذا أنت دائما تبهرنا بالجديد المتجدد.
    لك حبي المقيم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأخ الأستاذ مأمون ، تحية طيبة
    بين دهشة وانبهار ، أكملت كل حرف من باب المصداقية إلى صدر الرؤية النقدية ، حتى تملكت نفسي حينا ، وتملكتني مشاعري أحايين أخرى لتنطق بكلمات تمت بجملة وأسئلة :لله أنت ما ذا وكيف ؟
    لكنها بصلب المدح تبقى قاصرة الوفاء ، ومن طرف الإشادة بكلمك تكون على بعد أسطر من قامة قلمك المكتشف لما وراء حجب الغمام أدبا .
    ومن خلال استبيان الرؤى في عوالم النقد وجدت الدخول لواحة الإبداع منك كان ببطاقة فكر ، وأرقام صدق ، فكنت مكفول القرار ، مقيما على صروح الأدب بقامة العفاف ، وما تلك الرؤية النقدية إلا دليل على تمكن ناقد من أدوات بحثه ، واستكشاف ما يدور في خلجات النفس لدى القاصة ،
    نص يستحق الدراسة ، وأديبة لها قلم من رؤى ، أشعل قمم الغمام بلمسة وجدان .
    تحياتي لكما ، قاصة ، وناقد
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي الغالي الحبيب
    الأستاذ مأمون

    أجد هنا تياراً جديداً ، ومتجدداً في نقد القصة يبدأ من منبعكم ، صراحة نقدك لقصة نموذجية ، واختيارك الموفق لهذه القصة ، يجعلني أمد لك أنهار الثناء ، و أرفع يدي عالياً داعياً لك في عنان السماء .

    فجزاك الله خيراً .

  8. #8
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأمون المغازي مشاهدة المشاركة
    تأملات في قصة ( ذكريات فوق الغمام )
    للأديبة : حنان الأغا
    القصة
    ذكريات فوق الغمام
    صعدت درجات السلّم المعدنيّ بسرعة حتى وصلت الدرجة الأخيرة ، ثم توقفت للحظة ، قررت بعدها المضيّ إلى الداخل دون أن تلتفت وراءها .
    ابتسمت لها العينان الوادعتان اللتان تبثان الثقة والارتياح - أهلا وسهلا ، تفضلي سيدتي ، وأشار بيده إلى مقعدها مع انحناءة خفيفة ، وابتسامة لا تفارق ثغره .
    تمنت لو كان مقعدها قرب النافذة حيث تحب أن تجلس دائما ، وتنبهت إلى أنها لم ترد على ابتسامته وهي تشكره ، وتذكرت أنها ربما لم تبتسم منذ مدة طويلة، فالتفتت إليه وقد رسمت ظل ابتسامة على وجهها ، ولكن التوقيت خانها ، لقد كان في هذه اللحظة يهب ابتسامته لراكب آخر .
    جلست في مقعدها تغالب النعاس ، تثاءبت وفكرت أنها ستحاول النوم طوال الرحلة على غير عادتها ،ستعوض ما فاتها من نوم خلال الأيام الماضية ، أيام القرارات الصعبة ،نعم أليست هي امرأة القرارات الصعبة ؟
    تمنت لو أن الموت لم يغيّب أمها ، تلك المرأة المتفردة بين الأمهات بهاء وحنانا .كانت مصدرا لطاقة عجيبة دافئة بثت فيها القوة ، وأسست في روحها أماكن دائمة للفرح والضحك ، والأمل والتحدي . أحتاجك يا أمي كيانا حقيقيا لا ذكرى ولا عِبر. أريدك يا أمي قربي كي أضحك ، كي أعود طفلة أتفيأ ظلال روحك ودفء حضنك .
    أعادها الصوت الهادىء من شرودها الناعس :
    _ سيدتي ، هلا ربطت الحزام من فضلك ؟ رفعت رأسها لتجد تلك الابتسامة التي يعتقد كل من يتلقاها أنها موجهة إليه بالذات . وفكرت أنه من اللائق أن ترد له ابتسامته : هل يمكنني الجلوس قرب النافذة؟ وقالت لنفسها أن هذا هو يوم الابتسامات الجوية!
    _ طبعا سيدتي ولكن بعد الإقلاع . ثم تلكأ قليلا : لقد رأيت صورتك وقرأت الخبر عن دراستك ، ثم أشارإلى الصحيفة في جيب المقعد ، فتمتمت بكلام لم يصل إلى مسامعه لكنه اعتقد أنها شكرته . فكرت وهي ممسكة بطرفي الحزام أنها لن تنام قبل أن تشهد الإقلاع ، وأنها لن تفوّته أبدا . نظرت حولها كي لا تضبط متلبسة ، وبهدوء تسحّبت إلى المقعد المجاور قرب الكوة التي تفصلها عن الكون . ربطت حزامها في اللحظة التي انطلق فيها صوت قائد الطائرة يعلن عن بدء الرحلة إلى بلاد الضباب ، وتصادف مرور المضيف مسرعا ، فمنحته نظرة اعتذار عاجلها بابتسامة وهو يسيرمبتعدا بخفة.
    ألصقت وجهها بالكوة وركزت نظرها على الجناح الذي كان يهتز بعنف مع تسارع حركة الطائرة على المدْرج ، وتدريجيا خفت الحركة وبدأت الطائرة ٌإقلاعا ناعما ، فشعرت كما دائما بارتفاع الطائرة وهبوط قلبها .هي لحظة الفصل بين الأرض والفضاء، بينما هو كائن وما سيكون ، بين حياة قائمة وموت محتمل !هي اللحظة التي تصبح فيها خلوا من الإرادة . فكرت في أمها وفي الشمس التي تركتها هناك ، وفي الضباب الذي سيلف كيانها بعد ساعات قليلة ، وتألمت ، بل غضبت .هل علينا أن نقايض الدفء بالصقيع ؟ والشمس بالغمام؟ وتراب من نحب بنصب من رخام؟
    كان من الممكن أن تتابع العمل على أطروحتها هناك فلماذا قرار الرحيل!
    رجعت إلى اللحظة الحاضرة ومسحة كآبة لا بد تمددت فوق صفحة وجهها ، وتنبهت للصوت اللطيف ينحني باتجاهها - سيدتي، هل تقبلين دعوتنا إلى مقصورة القيادة؟
    راقتها الفكرة . ربما اطلعوا على الصحيفة ، ثم _ نعم بكل سرور .دخلت المقصورة على أصوات مرحبة من الطاقَم ، وطُُلب إليها الجلوس في مقعد ملاح لم يلتحق بالرحلة.
    قال الجالس بجانبها :هذه الأزرّة ستقومين بتشغيلها ، هذا للتحكم بدرجة الحرارة وهذا لمكيفات الهواء وهذا ... وأحست بوجهها يعبق حرارة ، فسألها : ماذا تشرب السيدة ؟
    _عصير ليمون . لم تكن هي من أجابت ولكنه صوت ما ، لم يكن وقعه غريبا ولكنه لم يكن مألوفا .رفعت رأسها تبحث عن مصدر الصوت فلم تجده ، إلا أنه استأنف - أتذكر طفلة في الحادية عشر ذات شعرطويل ورداء أزرق زرقة ماء الأعماق ، وصباح خريفي مشمس ولعبة الحجلة فوق سطح بيت جميل .ولم تحظ بفرصة للتساؤل ، فقد استمر الصوت الآتي من أحد الطياريْن – كانوا أربعة أطفال هي وأخويْن وأختهما .
    سمعت صوتا داخلها يقول كنت ألعب معهم فوق السطح . كنت أرتدي ثوبا أزرق بحريا ، وكان شعري طويلا.وأكمل الصوت : كان الدور ليس دورها للقفز فوق المربعات المرسومة بالطباشير على الأرض ، وكانت تتراجع إلى الخلف خطوة خطوة لتفسح المجال لصاحب الدور .
    ومن داخلها استأنف صوت الذكرى : كنت أتراجع خطوة خطوة
    هو- فجأة طارت هبوطا كالسهم باتجاه الحديقة .
    صوت داخلها : لم أعرف إلا أنني كنت أطير وأقع فوق كوم تراب أبيض .نعم لقد اتسخ.. واستدار الطيارمقاطعا وهوينظر إليها بعينين زرقاوين تشع فيهما ابتسامة كبيرة : اتسخ ثوبك وشعرك وبكيتِ .
    فقالت بشرود تام : بكيت معتقدة أن أمي ستغضب من شكلي المعفر بالتراب الأبيض. وتابعت : كنت مازلت أستلقي عندما نظرت إلى أعلى ووجدت ستة عيون سوداء وبنية وزرقاء تحملق بي في خوف ،
    نعم ،هي هذه العيون .
    نظرت باتجاهه وكان يضحك وينظر إليها ، وسأل عن عنقها فوضعت يدها بعفوية على عنقها وهمست لنفسها : عنقي كان يؤلمني من أثرالسقطة . ثم أحست بنفسها تتحول طفلة في لحظة وهو طفل أشقر بعينين زرقاوين.
    ها هو صندوق ذكرياتها المفرحة يفتح أمام روحها وعينيها ، وها هي تنطلق واحدة إثر أخرى: وجه أمها الحنون ، أصدقاء البراءة ، سماء الخريف المشرقة وضحكات الطفولة .ها هي تضحك تارة وتدمع تارة ، وتتلاحق اللقطات وتتسابق في الزمن أماما ووراء وفي المكان هنا وهناك .وهي التي اعتقدت أنها ستكون عصية الدمع والفرح.
    نظرت إلى العينين الزرقاوين فبادرها هامسا : ستفاجأ أمي اليوم .استعدي لاستقبال حافل . واستدار إلى شاشته والفضاء أمامه .
    ______________
    حنان الأغا
    2006
    التأملات :
    ذكريات فوق الغمام
    عنوان فاتح للشهية وكأنه ذو جناحين سيحلق بنا في أفق ممتد من الإبداع قرأته فقرأت القصة فإذا بي أحلق بالفعل في عالم من القص المتقن والسرد الرائع الخادم لكل المعطيات مع حبكة مميزة حيث يمتد العنوان بامتداد القصة من المدخل إلى الغلق فاستحضار الذكريات جاء على مستويين رئيسين
    ـ ذكريات السفر
    ـ ذكريات الطفولة
    وقد اشتمل كل منهما على الذكريات المتعلقة
    فذكريات السفر تستحضر الذكريات مع الأم ، وذكريات طفت مساعدة مثل ذكريات المعاناة في العمل ، وكثرة اتخاذ القرارات .
    أما ذكريات الطفولة ، فتستحضر ذكريات الفرح والبراءة ، لنجد الأم قاسمًا مشتركًا تتعلق به كل الذكريات الرئيسة والمساعدة .
    دخول القاصة ، وإدخال المتلقي:
    لقد اعتمدت القاصة في دخولها إلى القصة على عنصرين من عناصر الدخول أسميهما ( المصاحبة والتسلل ) أما المصاحبة فتظهر من خلال اصطحاب القاصة للمتلقي حين ترسم له عالمًا متجسدًا آخذة بيده مدخلة إياه إلى العالم الذي أبدعته ليجد نفسه ضمن الشخوص وربما انسجم مع القصة حتى يجد نفسه أحد الشخوص وفق طبيعته ، ومن الأدباء من يعتمد على هذا الدخول وحده ، أما أديبتنا : حنان الأغا فأجدها اعتمدت مع المصاحبة على التسلل وقد أفاد هذا الدخول جدًا حيث إن الحالة حالة استحضار ذكريات ، والذكريات لم تستدع آليًا أو بالرغبة هنا أو عشوائيًا وإنما عمدت القاصة إلى التدرج النوعي ، فنجد :
    ـ ذكريات يستحضرها الموقف :
    موقفها من السفر يستحضر ذكرياتها كامرأة ذات دور، كم اتخذت القرارات وحسمت المواقف.
    ـ ذكريات تستحضرها الحالة :
    فحالة الفقد والحزن تستحضر ذكرياتها مع الأم ومواقفها الحانية المبهجة .
    ـ ذكريات أوجدها موقف أنتج حالة :
    موقفها من المتحدث والمكان الذي هي فيه استحضر حزمة حالات ( حالة الارتباط بالمكان والشخوص : المنزل ، الحديقة ، الرفاق ، والأم ) حالة اللوعة والأسى لذهاب أيام الطفولة بكل ما فيها ( المرح ، الفرح ، الخوف ، الانطلاق ، الألم ) ولكن كل هذا يجتمع في البراءة .
    مما سبق نتبين أن القاصة اعتمدت عنصرين من عناصر الدخول والإدخال إلى القصة وغالبًا ما يكون هذا في صالح المتلقي ، بينما لو اعتمدت القاصة على الهجوم على الحدث لما تناسب ذلك مع هذه القصة ، خصوصًا وأن القاصة تستعرض لنا حالات نفسية مشبعة بالوجد، نسجت حولها شباكًا من المادية والسرد لا تخفي تشخيص الأصوات .
    وحتى التذكر ذاته استطاعت القاصة وببراعة أن تجعله أحد شخوص القصة وكيف لا وهو الشخصية الرئيسة التي توالدت فاستحضرت لنا مراتب الحدث .
    كنت منبهرًا وأنا أجد القاصة تأتي بشخصية نامية لتوفر على نفسها تنمية هذه الشخصية أثناء القص فهي ليست في حاجة لذلك لأن الشخصية ليست بحاجة لأن تتطور مثلما هي في حاجة لإحداث انعكاسات للماضي من خلال مواقف وحالات الحاضر ، وهذه الإمكانية تؤكد براعة القاصة في بناء القصة واختيار الحالة التي تجعل عليها شخوصها .
    أما إذا تناولنا القصة من الناحية الدرامية فسنلاحظ أن القاصة أتت بشخصية نسائية ذات دور اجتماعي ، معروفة ، منتشرة إعلاميًا وفي نفس الوقت ليست حديدية ن وقد مزجت القاصة كل ذلك ابتداءً بصعود السلم الحديدي إلى تجاوز المضيف دون اكتراث إلى الجلوس في مقعدها لتظهر الشاعرية في رغبتها في الجلوس إلى الكوة في حالة من القبول والرفض للنوم لتنمي ذلك عند الطيران حالة العلوق بين السماء والأرض أو بين الحياة والموت هذه الحالة التي تستدعي الذكريات وتستحضر الأم ولا أقول هنا الذكريات مع الأم فنحن أمام استحضار كامل للأم التي ماتت وكم كانت القاصة موفقة جدًا في هذا النسج حيث تستشعر الحزن يطفو على سطح الحكي محاولة التغلب عليه بتحقيق الرغبة في الجلوس في المكان الذي اختارت ( وعلى الرغم من وعد المضيف ، إلا أنها أصرت أن تتخذ القرار بنفسها ) وهنا تطفو حالة نسيان ، وكأنها أزمعت الانسلاخ من واقعها فقد نسيت شهرتها ومعرفة الناس بها ، لتظهر لنا القاصة ملمحًا من ملامح شخصية هذه المسافرة .
    ومع تنامي حالة الحزن والفقد وتصور المجهول وعقد هذه المقارنة الناجحة التي استغلتها القاصة استغلالاً بارعًا حين تقارن بين من وما نترك ومن أجل ما نتوقع ( .هل علينا أن نقايض الدفء بالصقيع ؟ والشمس بالغمام؟ وتراب من نحب بنصب من رخام؟ ) أرى أن ذروة التوقد النفسي والمشاعري كانت هنا تمهيدًا للمرحلة الجديدة حين توجه لها الدعوة إلى قمرة القيادة حيث الألق الدرامي الذي تحول الأبطال فيه إلى أصوات تستحضر مشاهد الماضي في حالة بلاي باك سينمائي . لكن الأبدع من ذلك هو صوت الطيار في مقابل الصمت الناطق ، إنها صامتة ، صوتها الداخلي المنبعثة فيه الأشكال يتم الكلام الذي نسمعه من الطيار وكأن هذه النفوس التي تآلفت في الطفولة أوجدت لها عالمًا فوق السحاب ربما يغشاه الضباب سترًا إلا أنه موجود ، إن هذا التقسيم وهذا التنامي الدرامي الذي أبدعته القاصة حنان الأغا بهذا التكثيف الرائع الذي يطلق العنان للخيال أن يسيح في عالمها الذي أبدعته في تشكيل رائع تجانست فيه الخطوط والألوان في إطار ألقٍ ، هذا التنامي الدرامي والبنائي للقصة محتاج للضوء واللون .
    أما اللون، فقد سبقنا أستاذنا الدكتور مصطفى عراقي بتحديده ، حين يقول : تنهض الألوان (وهي وسيلة فنية أثيرة لدى قاصتنا) بدور رئيس في رسم المشهد، لاسيما اللون الأزرق :
    " ورداء أزرق زرقة ماء الأعماق"
    "كنت أرتدي ثوبا أزرق بحريا"
    وبهذا يتجلى إحساسها بقيمة اللون في عيون الأطفال :
    " نظرت إلى أعلى ووجدت ستة عيون سوداء وبنية وزرقاء تحملق بي في خوف".
    ولكنها تنحاز هنا أيضا إلى زرقة ماء الأعماق عندما :
    "أحست بنفسها تتحول طفلة في لحظة وهو طفل أشقر بعينين زرقاوين"
    وتتلاعب القاصة بالألوان فتجعل اللون الأبيض هنا دليلا على الاتساخ لأنه سيخدش الزرقة في بوحها:
    "بكيت معتقدة أن أمي ستغضب من شكلي المعفر بالتراب الأبيض"
    وأما الضوء، فقد رأيته نافذًا من الكوة في حالة الاستحضار الضبابي
    ومن مقدمة الطائرة ( في قمرة القيادة ) لكي تبدو لنا الملامح أوضح حين يستحضر الطيار والمسافرة الطفولة لنرى العيون ، ألوان الثياب ، الحديقة ، الشعر ،اللعب ، ومع كل هذا حالة الطيران من فوق السطح وقبلها حالات القفز وتبادل الأدوار ، وهنا أجد القاصة ترسم بريشتها المدركة لوحة تناهت في الدقة .
    هذا الضوء النافذ من مقدمة الطائرة كان عاملاً ـ أراه ـ أساسيًا في غلق القصة
    حيث العودة من الذكريات ، من خلف الضباب ، من فوق السحاب ، وفي حالة وصلٍ للماضي بالمستقبل ، أي التدرج من الإظلام إلى الخفوت ، إلى الضوء . الطيار ينهي الحديث ناظرًا إلى عنصرين ( الشاشة والأفق ) في توقع للألق وقد وعد بفرحة أمه عند رؤيتها ، وقد يتوهم القارئ أن النظر في الشاشة يعني أن هذا الطيار انصرف عن البطلة ، إلا أنني أرى أن هذه اللمحة الخاطفة من القاصة تؤكد من خلالها أنه يستحضر سلسلة الذكيات التي لا محل لإيرادها في قصتنا هذه ، إلا إننا ومن خلال النسق الفكري والعاطفي للقصة نستطيع تتبع ثلاثة خيوط من الذكريات متعلقة بما سيكون .
    ذكريات البطلة .
    ذكريات الطيار .
    الذكريات المشتركة بينهما .
    وبهذا تكون الكاتبة استطاعت فتح عوالم رحبة من التفكير والتصور لما مضى وللمتوقع في الزمن القادم والمرتبط بنهاية القصة.
    وبهذا الكاتبة نهاية ذكية لقصتها تجمع كل العناصر اللونية والضوئية مانحة المساحة الذكية للمتلقي لأن يبقى مع النهاية زمنًا يحاورها ، ولا أتوقع أن نهاية أخرى قد تناسب هذه القصة التي بها من الأمتاع والإبداع ما يجعلها مقدمة لدينا .
    بقي أن أتوجه بالشكر لأديبتنا الرائعة : حنان الأغا بما قدمت لنا من إبداع وألق وروعة قصصية ، متمنيا للواحة التألق والازدهار.
    كلي احترام وتقدير
    مأمون المغازي

    ==========

    أخانا الكريم الحبيب وأديبنا المبدع وناقدنا الواعي الأستاذ مأمون


    الحمد لله

    لقد راهن قلبي عليك بعد مداخلة أخينا الكريم المفكر الأديب جوتيار :

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    حنان...........
    وقفت عند القصة لاسطر هنا بضع كلمات..لكني فوجئت بالدكتور مصطفى وقد رفع الستار عليها ودخل اغوارها وفضح امرها..حتى بدت لي القصة عارية من غير ستر..
    والحمد لله لقد كسب قلبي الرهان.


    فما اسعده بك وقد حلقت بنا في آفاق عليا مع إعطاء الجميع درسا جميلا نبيلا في الأمانة العلمية بإشارتك الكريمة إلى أخيك، رغم كل ما تملك من إضافات مدهشة ، ورؤى صادقة.


    فلك مني جزيل الشكر وأسأل الله لك عظيم الأجر.

    ودمت بكل الخير والسعادة والألق.


    محبك: مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  9. #9
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أستاذنا الدكتور : محمد حسن السمان

    أشكر لكم مروركم العطر الذي يجعل الحرف يتلعثم خجلاً في القلب قبل أن يصل اللسان ، فإذا بلغ اللسان تهاوى سقمًا ، إذ مهما بلغ من بلاغة ، ومهما أمدته الفصاحة ، لن يفيك حقك علينا فما نحن إلا من تلاميذ فضل علمكم ، وأدبكم ، فما من لقاء جمعنا بكم ، إلا وتعلمنا فوق ما قد نقوله عمرًا طويلاً .

    عالمنا الجليل

    تلونا في محراب تقديركم آيات الإعزاز والتقدير والاحترام ،فاقبلها

    تلميذكم

    مأمون المغازي

  10. #10
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأديبة الرقيقة / سحر الليالي

    أشكركِ لهذا المرور الجميل ، وأتمنى أن يكون الموضوع مفيدًا للجميع ، وأحب أن أنوه إلى أن القصة بها من الإلهامات ما يمكن أن يكون مدخلاً للعديد من الدراسات والتأملات .

    أشكركِ عظيم الشكر

    مأمون المغازي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. النقش فوق الغمام "1"
    بواسطة محمد عبد المجيد الصاوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 07-01-2015, 02:05 AM
  2. Tumulte Violence et Beauté ترجمة لقصيدة حنان الأغا صخب ، عنف، وجمال
    بواسطة حنان الاغا في المنتدى مُنتَدَى الرَّاحِلَةِ حَنَانِ الأَغَا
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 07-07-2007, 01:12 PM
  3. جريدة مصر الحرة تنشر قصه من إبداعات الأديبة / حنان الأغا ..
    بواسطة وفاء شوكت خضر في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-04-2007, 08:33 PM
  4. ذكريات فوق الغمام
    بواسطة حنان الاغا في المنتدى مُنتَدَى الرَّاحِلَةِ حَنَانِ الأَغَا
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 16-03-2007, 04:31 PM
  5. دراسة نقدية لنص ثلج ،، ثلج للأديبة حنان الأغا ،،
    بواسطة عبدالرحيم الحمصي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-11-2006, 04:17 PM