صَمْتُ النصوصِ!!!
بقلم : كلمة في زوايا الذاكرة
أيّها الراحلُ في متاهاتِ الحياةِ ... أيّها النائي لا أخفي أنّني بحاجةٍ إليكَ... أتحبّني كما أحبّكَ؟ إنْ كنتَ تحبّني فلا تَجْعلْني أُطْرِقُ خَجلاً على أنوثتي في سُطورِكَ ، ولا تفجَعْني بصمْتِ النّصوصِ ... دعني أُثّرْثر ، دعني أَخرج عنْ صمتي.
كمْ يؤلمني فراقُ السّياقِ ، فدعْني أهيمُ في موسيقا الكلامِ الحُلمِ ... دعني أتقاسَمِ القلبَ معَ مَنْ يُحِبُّّ القراءةَ فيترك أثراً عندما يمرُّ بي ذاتَ إحساسٍ.
أتعلمُ !! هذا المساءُ كانَ نجمُ الكلامِ يغريني بالرقْصِ بَوْحاً ، وَ بِبَثِِّّ العطرِ بينَ السُّطورِ ، ولكنّني أقْبعُ على شرفاتٍ قَصيّةٍ ، سيقتلني التَّوْقُ إلى رائحةِ النسمات عندما تَهُبّ من أنفاسِكَ...
كنتُ أجَدّدُ الولاءَ لكِ كلَّ نَبْضٍ ، وهأنتذا تذهَبُ عني بعيداً تسرِقُكَ الحياةُ وتنسى أنّني أنْثاكَ الأثيرةُ ، تغيبُ لتمتلئَ بحكايا العابرين ، وأنا في مخيلتِكَ أشْعرُ بالاخْتِناقِ ، فَقدْ تجاوَزَ عمري الحنينَ ... أربَكَتْْني الرّاحَةُ على عَرْشٍ وَثيرٍ ، فقَدْ كنتَ تأخُذني إلى عوالمِكَ لتطوِِّّفَ بي على مُذكراتِك ، وعلى هوامشِ الصُّحفِ ، والفواتيرِ ، وعلى بقايا الأوراقِ المُمَزقةِ في أدراجِ مكتبِكَ ، وعلى صفْحَةِ الشّمْسِ ، و وِهادِ القَمَرِ ، فَقَدْ كنْتَ تَكْتُبني ، وأحيانا أكتبُكَ ، فأشعرُ بالانتشاءِ حيناً ، و أطيرُ مجنونةً إلى حضنِ غَيْمَةٍ أحياناَ..
جعلتَني أتنفسُ في ثقبِ إبْرَةٍ ، وأسيرُ حافيةَ القدمينِ على سطورٍ مستقيمةٍ تلفَحُها أشعَةُ الشّمْسِ الحارِقَةِ، جعلتَني أتَحَدّثُ بِصَمْتٍ ، وأرقصُ بِصَمْتٍ ، وأخاصمُ بِصَمْتٍ ، وكُنْتُ في صمتي أرسمُ ملامِحَكَ ... غرّدتُ في داخِلِكَ ، وحملْتَني على قوافِلِ الحنينِ في رحلَةِ أشواقِكَ الطويلَةِ ... قرأتُ خطوطَ كفّيكَ قبلَ أنْ ترسِلَني رسولاً على الوَرَقِ ، فَبَكَيْتُ بدونِ دُموعٍ ، وصرَخْتُ بدون صوْتٍ ، واحْتُضِرْتُ بدونِ مَوتٍ!!!
كلَُ هذا – يا سيّدي- ولا تلتفتُ إليَّ ... ألا ترى انْشِطارَ قلبي إلى نصْفَين : نصفٍ هو أنتَ ، ونصْفٍ هناك في شرايينَ أخْرى يَسْكُنُ قارورةَ عِطْرٍ لا تضيقُ بالمَساحاتِ!!!
أعْلمُ أنَّكَ تَغْضَبُ حينَ أهْجُر لسانَكَ ، ولكنّني أهربُ عبرَ مساحاتِ الحزنِ من عينيكَ ، فأنتَ - يا سيدي -تبعثُني رسولَ حزنٍ نبيلٍ ، فأصبحُ الكَلِمَةَ الرؤيةَ ، أطلُعُ من خلجاتِ الرّوحِ حينَ تهُبُ أعاصيرُ الهَجْرِ.
ما أعّجّزَ الورقّ عن تحمّلِ عُنفواني !! وأنتَ تُرسِلُني وتحملُني على طُهْرِ الّلغَةِ في ساعَةِ خَلْوَةٍ ... كنْتَ ترسِلُني لأمْسِكَ بعِنانِ الألَمِ ، وأنا أكتُمُ آهةً منزوعةً من رَحِمِ الوَجَعِ ... كنْتَ تحملُني إلى البَحْثِ في الموجودِ عنْ غيرِ الموجودِ ، وكأنَ قلبي محكوما بألأشْغالِ الشّاقّةِ ، وبالآمالِ الشّاقّةِ ، وبالآلامِ الشّاقّةِ .. ترسلُني بينَ معاني التنهداتِ إلى مكانٍ في الْقَلْبِ تتحركُ فيها الآهُ...
ترى هل ألتقيكَ عِنْدَ مُفْتَرَقِ الحنينِ .. أعْلَمُ أنَّكَ تفْتَقِدُني ، تتأمّلُ مَكاني على سُطورِكَ بِصَمْتٍ رَهيبٍ ، وَتُقَلّبُ صَفحاتِكَ الماضياتِ بِفُضولٍ ... تَهْمِسُ للبَياضِ : يا لَها مِنْ طِفْلَةٍ مُشاغِبَةٍ كانَتْ تَتَراقَصُ أمامي على المكْتَبِ !!
أظنّكَ – يا سَيّدي - تُمارِسُ طُقوسَ غيابي وَأنا الّتي كنْتُ أوَقّعُ في سياقِكَ ... أتَوَرّدُ خَجَلاً عِندَما تَهْمِسُ بي شفاهُكَ في لَحْظَةِ مخاضٍ ... وَكُنْتَ تَقْتُلُني لتَحيا معاني تراوِدُكَ ذاتَ قَسْوَةٍ !!!
وَبِتُّ أعيشُ في حُضورٍ قصيرٍ وغيابٍ طَويلٍ ...!!!
ألمْ تعلِمْني أن لا حَياةَ للحُبِِّّ إلاّ في السُّطورِ ، وهأنتذا تَغيبُ ، فلا تُنْبِتُني زَهْرَةً على صَفحاتِكَ ، وذاكرَةُ الغِيابِ تَقْتُلني...
اليومَ أشْعُرُ بأنَكَ مُمتلئٌ بغيري أيَها المتجبِرُ ، فما عادَ لوجودي في ذاكِرَتِكِ وشْمٌ ... ، وأنا الأنثى الّتي اعتادَتْ أنْ تذوبَ على صفحاتِكَ وَجْداً ...
أتعلَمُ ! سأهمِسُ في أُذُنِ قَلْبِكَ : "سأبقى في ذاكِرَتِكَ هَمّاً ورِسالةً ..."
سأعودُ لأتنفَسَكَ يوماَ ، وتتنفسُني ، فعِنْدما تَغيبُ يغيبُ الفَجْرُ عن ليلي وتسكتني الظٌّلْمَةُ ، والعالَمُ مُظْلِمٌ حينَ يخلو مِنْ أنفاسِكَ .
أتذكرُ حينَ كنْتَ تشطُبني وتعيدُ تشكيلي مِن جديدٍ ، وحينَ كنْتَ تستفزّني لتبتكِرَ الدّهْشَةَ من داخلي ، وحينَ كنْتَ تُمْسٍكُ بريشتِكَ لتغيّرّ ألواني بِتَغَيُّرِ ألوانِ عَواطِفِكَ ، وكنْتُ أعْصُرُ نفسيَ غضباً وأنتَ تُمددني لتوسّعَ حَدَقَةَ من يقرؤُكَ بي ...
ما يريحني – يا سَيّدي – أنّكَ ورغْمَ كلِّ ذلك لمْ تُلْغِني، بلْ جَعلتني مُتجددةً على كلِّ الشّفاهِ ، و نَغَّمْتَني لِيَّسْتقرََّ بيَ المُقامُ في كُلِِّّ الآذانِ ... أتدري لماذا؟
سأقولُ لَكَ ، كلّ ذلكَ لأنّني أشْبِهُكَ ( مجنونةٌ ، وثائرةٌ ، وعاشقةٌ ) ... كنتُ على سطورِكَ أتحدّثُ عنكَ ولك ومن أجلِكَ ، وكنتُ أجرُّ أذيالي خُيلاء ، ولكنّكَ لم ترضِ غروري يوماً ؛ لأنّكَ شعرْتَ في لحظةِ جَدْبٍ أنّني سأصبحُ ذكرى مجردةً ... لا تقلْها أرْجوكَ ، فأنا لا أقبَلُ مُجَردَ التّفكيرِ بأنّني سأصبِحُ ذكرى .. وهأنذي وأنتَ نشارِفُ على المغيبِ لنتوارى خلفَ ساعاتٍ تتمطّى ، وتتوارى معنا وبنا كلُّ الأشياءِ الحزينةِ والسّعيدةِ والمهادِنَةِ والصّاخبة ، فنعيشُ معاً طعناتِ الزّمَنِ ... نتجاهَلُ أنفسَنا ، والأكيدُ أنّنا لا نبحَثُ عنْ مُجردِ غيابٍ...
حسنا – يا سيّدي – سأدفِنُ رأسي في صدْرِكَ ، وسأكونُ متـأهِبَةً للحظَةِ لقاءٍ على السّطورِ ، وسأراود نفسي الآن بأنّني سأكتُبك، ومّعَكَ سأعْلِنُ الثّورَةََ على الحدودِ...
وإذا فكرْتَ يوماً أنّني مخلوقَةٌ منْ حبرٍ يسيلُ منْ قَلَمِكَ ، فسأموتُ على حوّافِ صفحاتِك ، وستدفنني بنفسِكَ ، و عندَها لنْ تجدَ ما تنطقُ بهِ.
نعمْ هُوَ تهديدٌ فأنا لا أطيقٌ وطأةَ حصارِ القُبورِ ...
أرأيتَ مخلوقَة من حِبرٍ توزّعُ البَسماتِ ؟؟ أرأيتَ مخلوقَة من حِبرٍ ترْسُمُ الملامِحَ المتْعَبَةَ ؟؟ أرأيتَ مخلوقَة من حِبرٍ ترْسُمُ الوطنَ والتّلالَ والعُيونَ الجامِحَةَ ؟؟ أرأيتَ مخلوقَةً من حِبرٍ تنْصهِرُ بالحقدِ ، وتتجددُ بالأمَلِ؟؟... أرأيْتَ ... أرأيْتَ ..
أنا لسْتُ المخلوقَةَ مِنْ حِبْرٍ يا سيّدي ... إنّني مِنْ لحمٍ ودمٍ!!!
تصبحُ على وَرَقٍ يُشْرِقُ مِنْ عالمَِكَ