ظِلالُ الرَّصَاصِ
سَقَطَتْ أبْوابُ الجَامِعةِ الحَديِّديةِ تَحْتَ الأقْدامِ ، السّيلُ يَتدفقُ بالهُتافاتِ ، ولافِتاتِ الأشْعارِ ، الشّوارعُ تَنصبُ شُطآنَها أمامَ أمواجِ الحريةِ ، تَناغَمتْ الأصواتُ المحتدمة بأغوارِ الصّمتِ ، المرأةَ تُخالطُها الفتاةُ ، الشّيخُ يَنسجمُ مع الطّفلِ الصّغيرِ ، الأعناقُ تحملُ غليانَ الشبابِ ، يُلوحون بقبضاتِ الغضبِ الممشوق منْ الأعماقِ "يا حرية فينك فينك .... بينا وبينك " ، الجّموعُ المتدفقةُ تلتقطُ الفُتاتَ الُمتناثرَ منْ لُحومِ البُؤسِ ... تتضخمُ ... في طريقِها نحو العرينِ منْ بين غاباتِ البيوتِ ، اليومُ ستجلبُ لنفسِها حياةً جديدةً، أو ستُكفنُ في قبورِ الخبزِ المُتصلبِ .... تُواصلُ التّقدم...
هَطلتْ غِيومُ البنادقِ بالرصاصاتِ العمياءِ فوقَ رؤوسِهم ، تُزاحمُ لِحومَ الأجْسادِ ، يأتي التّساقطُ تباعاً وسطَ صرخاتِ النِّساءِ ، الفوضى تندسُ بين التماسكِ ، الأحذيةِ ... الحقائبِ ... الكتبِ تُخالطها الدماءُ ، عِصّي الجنودِ تحاصرُ الهُتافاتِ "هه.. هه.. يا حرية فيـ هه.. هه ـنــك ... آآآه" ، ظِلالُ الرَّصاصِ تَحومُ حولَ البقايا ، تنجذبُ أنحاؤهم المتفرقةِ نحو كومةِ الحياة ِ، يَخوضُون وحلَ الدماءِ المعجونةِ بترابِ الطريقِ ، العرينُ يقتربُ من الطموحِ المنشود و.......... التساقطُ مُستمرٌ .الأعدادُ ترتفعُ بسلةِ الموتِ ، امتلأتْ معدةُ الترابِ بالدماءِ ؛ فطفتْ جثثُ الشهداءِ تقبضُ على لافتاتِ الأشعارِ ، تتمسكُ أفواهُهم بأطرافِ الهُتافاتِ ، والناجُون يسبحون لقتلِ المسافاتِ المتبقية للوصولِ ، تتخيرُ الأغلالُ رقابَ بعضهم ؛ تأكلُ منْ الفلولِ الباقيةِ ، منظومةٌ لا تخمد إلا بذوبانِ الرؤوس ، جنودٌ وبنادق...رصاصاتٌ وعِصِّي... أصفادٌ وعربات ، لايهمُ أي شيء ، المهم تأمين العرين ، لمْ يعدْ سوى خمسةٍ منْ الرجالِ ، البحرُ يرتفعُ بأحْشَاءِ الحَقائبِ ، والبطونِ الخاويةِ ، اقتربَ منْ أنفاسِهم ، نأتْ عَنهم ظلالُ الرصاصِ ، اختفتْ أنصافُ أنوفِهم ، لمْ يعدْ سوى أربعةٍ من الرجالِ ... ثلاثةِ رجال... اثنين ... بقى رجلٌ واحدٌ ، وأخيراً أمامَ العرينِ ... تمسكَ بالأسوارِ للنجاةِ منْ الغرقِ ، آلافُ الظلالِ تنطلقُ ... آلافُ الرصاصاتِ تنطلق .... غرقَ في بحرِ الترابِ ، وبقيتْ يَدُه مُعلقة ...
محمد سامي البوهي