الرسالة الأولى " 1"
انتظار
" على حافة الحلم "
أبي الحبيب :
منذ متى وأنا أنتظر قدومك المرتقب ، عشرسنين لم أر فيها وجهك الأبيض المشرق ، وعيونك الملونة التي كثيراً ما أخبروني أنني أشبهك فيها ، ويداك الدافئتان اللتان تحملان كل الحب ، عشر سنين يا أبي لم أر فيها نقاء بسمتك ، ولا صوتك الذي يستبد بالمكان ، فيصمت الجميع .
كم كنت أتمنى أن ترافقني ذات يوم إلى المدرسة ، أو حتى إلى الجامعة ، ثم تقف احدى صديقاتي على حافة الطريق ، فأنزل من السيارة مسرعة ، وأخبرها أن هذا أبي ، فتقترب بخجل ، فيعاجلها أبي ويقول لها : كيفك عمو ؟ انتي مع ..... في نفس التخصص ؟
كم هو راائع هذا الشعور ، حينما يعرف أبي صديقاتي ...
وأذكر تلك المرة التي تأخرنا فيها في الجامعة ، جلست على حافة الدرج أبكي ، لأن أبي لم يأتِ لأخذي ، بينما كل الطالبات جاء أهلوهن لاصطحابهن إلى البيت .
كم أشتاق لنشرة الأخبار التي كنت ترهقنا بها ، فلا نستطيع أن نشاهد في التلفاز أي شيء ، وأذكر تلك المرة التي جلست فيها قريباً منك ، ومعي دفتر " ذكريات " كنت لم أبلغ العاشرة بعد ، فقلت لي ما الذي بيدك ؟ قلت لك : دفتر ذكرى ، سأكتب لصديقتي شيئاً ، فأخذ يحضر لي بعد الكلمات والعبارات الجميلة .
تذكر يا أبي يوم أن كرُمنا في نهاية العام ، وصعدت إلى المسرح خمس مرات ، لأن بناتك الخمس كنّ من الأوائل ، ولكنك مرضت بعدها أسبوعاً كاملاً ، " حسدوك يابابا " ، اليوم تم تكريمي في الجامعة ، لكن كما دوماً لم يكن لي أب ، يشهد فرحتي كبقية الطالبات ، ليست الأولى ولا الأخيرة ، ولكن ماذا أفعل ؟ هل سأشتري لي أباً يحضر معي انجازاتي ؟
كنت أعشق النظر إلى يديك المشققتين ، أيها الفلاح الطيب ، كم كنت تقضي من الوقت في أرضك الحبيبة ؟ لقد علمتنا أن نرسم أحلامنا بدفاتر الزيتون والرمان ، وعلمتنا أن الكرامة كالنخلة لاتهزها الرياح ، وأطعمتنا حلالاً ، فكنا نبتك الصالح الذي ترنو إليه ، وكنّا بإذنه تعالى أفضل ممن عيّروك بإناثك الكثر .
لا تزال لدي رغبة في أن يكون لي أب ، أرى في كل وجوه الرجال الكبار آباء ، وأرى في كل من يشبهك أبي ، ولكن هل سيتقبلون بنوتي ؟
ما أريده فقط ، هو أن أعود لألفظ كلمة " بابا " .
***
على الهامش :
أعرف يا أبي أن رسالتي هذه لن تصلك ، ولن تقرأها ، ولن تأتي ، ولن أراك ، إلا في حلم ، أو يوم القيامة إن كتب الله لنا جمعاً بإذنه ، ربما أراك في عيون إخوتي الصغار ، أو أحفادك الكثر ، فاعذرني إن فضحت كثيراً من أسراري ، فأنا لم أكتب شيئاً بعد ، واعذرني على تقصيري ، ولكن كن على ثقة ، أن زرعك قد أثمر ، نم يا أبي قرير العين ، ولتشملك رحمة الله ، وجنته الباقية بإذن الله .
هبة الأغا
2-4-2007