مقابلة مع جريدة الوطن العمانية
" الأشرعة "

نص الحوار الذي أجراه
الكاتب والإعلامي عبد الحليم البداعي

لجريدة الوطن العُمانية

مع الشاعر والكاتب الفلسطيني

لطفي زغلول

0 تنحدر من اسرة شعرية عريقة .. حيث إنك النجل الأكبر للشاعر الفلسطيني الراحل عبد اللطيف زغلول رحمه الله .. هل تؤمن بمسألة التوارث الشعري ؟ وإلى أي مدى ساهمت البيئة الشعرية التي نشات فيها في صقل موهبتك ؟

حينما أعود لتصفح تاريخ تجربتي الشعرية ، فإنه لا بد لي من الوقوف مليا عند البيئة الأسرية التي نشأت في كنفها . كان والدي المرحوم عبد اللطيف زغلول شاعرا وأديبا ولغويا . وهو أول من اكتشف موهبتي الشعرية . وبلا أدنى شك كان له الأثر الأول والأكبر والأهم في تبني موهبتي هذه ، ورعايتها وصقلها . كان يشجعني على نظم الشعر ، يقرأ ما أنظمه ، يقوم لغتي وأوزاني .
وباختصار كان شاعري الأول ومعلمي الذي تتلمذت على يديه ، من خلال توجيهاته وقراءة أشعاره . وما زلت أتذكر كيف كان يلفت انتباهي إلى ما كانت قصائده تكتنزه من أزاهير البلاغة العربية التي تشكل إحدى أهم سمات شعري .
أعتقد أنني حالة شبه استثنائية فيما يخص مسألة التوارث الشعري . إن معظم الشعراء المعروفين لم يكن لهم أبناء شعراء . ويسعدني في هذا الصدد أن أكون والشاعرة الكبيرة الراحلة صديقة الوالد فدوى طوقان وارثين للشعر .

0 " نشيد الإبتسامةالجميلة " من أكثر كتاباتك تأثيرا على النفوس المكلومة .. ترى كيف استطعت اجترار البسمة من عمق الألم الفلسطيني .. العربي .. الإسلامي ؟

كتبت نشيد الابتسامة الجميلة قبل اثنتي عشرة سنة . أنوه إلى أنني عضو فخري في كل من " الإبتسامة الجميلة العالمية " ، و " الإبتسامة الجميلة الفلسطينية " ، وأنا حائز على شهادة الأولى التكريمية ، وعلم الثانية . والإبتسامة الجميلة Operation Smile مؤسسة دولية تديرها مجموعة كبيرة من أطباء العالم من جنسيات مختلفة ، اصحاب اختصاص في معالجة التشوهات الخلقية والطارئة . وقد دأبت في حينها على زيارة الأراضي الفلسطينية وتقديم خدماتها الإنسانية لأطفال من فلسطين ولدوا مشوهين ، أو لحق بهم تشويه جراء عدوان الإحتلال الإسرائيلي . ألقيت هذا النشيد بالعربية والإنكليزية الذي قامت بترجمته ابنتي شادن في الإحتفال الكبير الذي أقيم في إحدى قاعات فندق القصر في نابلس .أذكر يومها أنني انفعلت ودهشت وغمرتني الفرحة ، يوم شاهدت نتائج العمليات الجراحية . باختصار ، لقد استعاد الطفل الفلسطيني المشوه إنسانيته . وهل هناك موقف أكثر إلهاما من هذا ؟

أجل نحن في فلسطين مسلوبو الإبتسامة طالما وطننا مغتصب ومحتل ، وشعبنا في المنافي . إلا أن هذا لم يمنعنا من أن نتحدى هذا الواقع المرير . نحن في فلسطين قد نكون هزمنا واحتلت بلادنا ، إلا أننا لم ننكسر مرة واحدة ، ولم نطأطىء الرأس إلا لخالقها ، وهكذا قصائدي .

0 ترجمت لك العديد من القصائد إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية .. ويقال : " إن النص إذا خرج من لغة كاتبه الأصلية فقد رونقه تماما " .. ألا تخشى من حدوث هذا الأمر مع قصائدك ؟

أجل إن جمالية النص الشعري البلاغية تتآكل حينما تنتقل من أحضان لغتها الأم إلى ذراعي لغة أخرى غريبة عنها قلبا وقالبا . لقد حرصت منذ البداية على نثر القصائد التي هي بصدد الترجمة وتبسيطها ، بغية مساعدة المترجم ، لعلمي الأكيد أن المترجم ليس بالضرورة أن يكون أديبا . إن المحاضر الجامعي الأستاذ بشير شرف الذي ترجم معظم قصائدي هو لغوي وأديب وضليع باللغتين . ثمة ما أود أن أقوله في هذا الصدد ، فأنا لا أتوقع أن يكون لقصائدي المترجمة ذات الإنتشار والوقع في الأوساط العربية . ويخطىء كل من يظن أن المتلقي الغربي متدله لقراءة الشعر العربي المترجم . في اعتقادي أن الأمر يهم المستشرقين ، أو الدارسين للغات الشرقية ، ومنها العربية ، وهم قلة .

0 كيف ترى واقع الترجمة في العالم العربي ؟

في اعتقادي أن حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية مزدهرة . إنني منذ أن فتحت عيني ّ على القراءة ، وأنا أقرأ أدبا مترجما . ولا ينبغي أن يغيب عن البال أننا نحن العرب قد بدأنا حركة الترجمة منذ أيام الخليفة المأمون العباسي ، الذي قيل إنه كان يكافىء كل من ترجم كتابا إلى العربية زنة كتابه ذهبا .
المشكلة في عالمنا العربي تتمثل في ضعف القراءة جراء ارتفاع نسبة الأمية ، وغلاء اسعار الكتب . وهناك أولويات أخرى على سلم المواطن العربي في كثير من الأقطار كتأمين القوت والدواء وقسط من التعليم لأبنائه . وثمة عامل خطير ، لا ينبغي إغفاله يتمثل في مساهمة التقنيات الحديثة في الحد من القراءة مثل الإنترنت ، والتحاق الفئات العمرية الشابة في ركابها على حساب القراءة " القراءة الإلكترونية " .

0 من الملاحظ بعدك عن الغموض في معظم كتاباتك .. ما هي فلسفتك في هذا الجانب ؟

سئلت مرات عن المدرسة الأدبية التي أنتمي إليها ، فكان ردي في كل مرة ، إنها مدرسة لطفي زغلول التي تعتمد على لغة عربية فصيحة ، بليغة ، بسيطة غير ساذجة ولا سطحية ، ويفسرها آخرون بأنها مدرسة السهل الممتنع . ثمة ملاحظات هامة حول أسلوبي في الكتابة ، استقيته من القراءات التحليلية والدراسات التي تناولت أعمالي الشعرية المختلفة .
- حينما يكون الموضوع نقدا لأوضاع سياسية عربية جراء خذلان أو تقاعس ، أو صمت مريب ، فاللغة هنا منبرية مباشرة صارمة قاسية جادة ، تمثلها قصيدة صرخة الأقصى .
- حينما يكون الموضوع الوطن التاريخي فلسطين ، فاللغة هنا لغة نضالية رومانسة تمثلها قصيدة اغتراب .
- حينما تكون المرأة هي الموضوع فاللغة هنا رومانسية إلى أقصى الحدود تمثلها قصيدة أحببتك .. في القرن العشرين . وهي لغة تعتمد على الإزاحات اللغوية " الإستعارات " . والخيال شبه الرمزي .
- وهناك عملان شعريان لي ، هما أقول .. لا ، و ، مدينة .. وقودها الإنسان ، يغلب عليهما الطابع الرمزي غير الموغل في الغموض .
- لقد دأبت على محاربة اللغة الطلاسمية التي تغوص في مجاهل الغموض ، ولي في هذا الصدد مقالات عدة .
- فلسفتي في هذا الشأن أنني أكتب لكي أُقرأ وأُفهم . وأنا في الحقيقة يقرأني طلاب الأدب العربي والمدارس ، كون بضع قصائد لي مقررة في المناهج التعليمية . وعلاوة على ذلك إنني الأكثر مبيعا ، وأتعامل مع أكثر من ستين منتديا أدبيا وثقافيا ، تصلني منها مئات الردود والتعليقات المؤيدة .
- أنا لا أكتب للشعراء ولا للنقاد ، مع أن لغتي تحظى باحترامهم . إنني أكتب كي تلتصق القصيدة في ذاكرة أبناء الوطن .

0 هناك كثير من الدراسات التي تناولت شعرك .. ما تقييمك لتجربة النقد العربي ؟

في الكتاب الذي يحمل عنوان " لطفي زغلول : شـاعر الحب والوطن " أكثر من ستين دراسة جامعية وقراءة تحليلية وشهادة أدبية بأقلام نخبة من الكتاب والأكاديميين والنقاد الفلسطينيين والعرب .
وأنوه إلى نقطة أعتبرها هامة وذات مغزى ، ولي فيها مآرب تتمثل في كوني لم أطلب من أحد أن يكتب عني ، ولا جريت وراءه ، ولا ولا ولا .
أنا لا أعتقد بوجود مدرسة نقدية عربية . الموجود في الساحة الأدبية العربية خليط من مدارس نقدية غربية . يدعي كل من نصب نفسه ناقدا أن له مدرسة ينطلق منها . إنني أعتبر أمثال هؤلاء مثل العلق يعيش على " دم فريسته " . وهنا أخص بالذكر أولئك المنظرين مما يسمونه رؤية حداثية .
وفي ذات الوقت فإنني أشك أن هناك مبدعا عربيا قد اقتنع بما كتب في حقه ، أو أنه رضي عنه .
ومع ذلك فإنني أحترم الذين كتبوا عني ، وهم في الحقيقة ربما يكونون قد أنصفوني إلى حد ما .

0 " محمود درويش .. سميح القاسم .. وآخرون " الشعر الفلسطيني إلى أين يتجه حاليا ؟

مصيبة الشعر الفلسطيني أن هناك " رموزا " فرضت عليه ، توقف البعض عند أطلالها . والأنكى من هذا كله هذه العيون العمياء التي لا ترى أبعد من أنوفها .
الموضوع شائك . لقد كتبت مقالة تحت عنوان " قراءة انطباعية .. في المشهد الشعري الفلسطيني " تغطي مساحة شاسعة من السؤال ، والمقالة منشورة في موقعي .

0 لك زاوية أسبوعية ( همسة ) في صحيفة القدس منذ العام 1995 .. تجربتك الصحفية ماذا أخذت من ، وماذا اضافته لك كمبدع ؟

الشعر ديوان العرب .. يؤرخ ، يروي ، يسلط الأضواء ، ينتقد ، يستنهض الهمم ، يمجد .... الخ ، إلا أن ثمة الكثير ما لا يستطيع الشعر أن يتناوله بين سطوره . مثالا لا حصرا القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية والأدبية ، وهذه الميادين التي تجول فيها مقالتي . وهنا تلتقي القصيدة المقالة لتكملا بعضهما ، فما لا أقوله في الشعر ، أقوله في النثر ، وبذا تكتمل رسالتي كمبدع . وأود هنا أن أنوه إلى أن مقالتي الأسبوعية حرة مستقلة ، لا تدين بالولاء إلا لله والوطن وقضايا الأمة ، وما يعتمل في جوارحي واحاسيسي من منظوري أنا . إنني أحمد الله أن الذين يقرأونني ورقيا والكترونيا وهم كثر ، يدركون هذه الحقائق . وقد بدأت مؤخرا بتصنيف مقالاتي على شكل مجموعات ذات موضوع معين ، وإخراجها كتبا الكترونية " هذه الحرب .. على الإسلام " " فلسطين حق .. وراءه مطالب " " أميركا .. والعرب .. مسار في الإتجاه الخاطىء " " هموم فلسطينية " . سوف أحتفل في العاشر من نيسان / إبريل القادم بالمقالة الستمائة .

0 الإيحاء التاريخي والتناص ، يظهران وبشكل كبير في معظم ما كتبت .. أهو إسقاط على واقع معاش أم استئناس بزمن مضى هروبا منه ؟

إنني أحمل شهادة عليا في التاريخ العربي الاسلامي ، وأنا أعتز بهذا التاريخ ، ولطالما وقفت عند أعتاب أمجاده متسائلا : ماذا دهى الأمة العربية الاسلامية ، حتى آل بها المآل إلى ما آلت إليه من ضعف وهوان وفرقة وتشرذم وانسلاخ عن الجذور ، وارتماء في أحضان الغزاة الثقافيين . إن التاريخ يشكل مساحة شاسعة من ضميري ووجداني ، وهذا لا يعني أن الحاضر والمستقبل مغيبان في فضاءاتي .

0 يأتي الطفل على قائمة اهتماماتك ويظهر جليا في كتاباتك ، ترى ما السر في ذلك ؟

حتى الآن صدر لي عملان شعريان موجهان للطفولة في كل مراحلها وبخاصة الوسطى والمتأخرة : الديوان الأول " هيا نشدو للوطن " والثاني " هيا نشدو يا أطفال " . وهما يشتملان على ما ينوف عن خمسين نشيدا وقصيدة . باعتباري تربويا وأحمل شهادة الماجستير في تصميم المناهج التربوية ، ودرّست سنوات طوالا من حياتي ، تكونت لدي قناعات مفادها أن الأطفال هم التربة الخصبة لزرع بذور المبادىء والقيم والمثل والاتجاهات السليمة فيها . وإنني على يقين أن هؤلاء الأطفال بحاجة للتحصين من خلال تأسيس جهاز مناعة عقائدي قومي إنساني ، يشكل سورا واقيا في وجه التحديات العولمية السالبة منها . وزيادة على ذلك ، فلعل هؤلاء الأطفال يكونون أفضل من آبائهم وأجدادهم الحاليين ، والذين فرطوا بالكثير حتى أصبح العالم العربي على ما أصبح عليه من ضعف وهوان . ولعلهم يصنعون غدا لأنفسهم مشرقا عزيزا كريما ، يستعيدون فيه أمجاد هذه الأمة ، ولا يقفون عند هذه الأمجاد. وأنا هنا أساهم بنصيبي الذي أشعر أنني ملزم به .
وهنا أنوه إلى فوز نشيدي " نشيد الحرية " بالمقام الأول على مستوى العالم العربي ، في مهرجان " أغنية الطفل العربي " عمان / الأردن 1996 .

0 هل لك أن تصف لنا لحظات التجلي الشعري لديك .. وهل هناك طقوس معينة تمارسها أثناء الكتابة ؟

في العادة آوي إلى محرابي الشعري المطل على حديقتي في السحَر وما بعد صلاة الفجر ، أجلس إلى مكتبي المثقل بالأقلام والأوراق .. أكتب في صمت تتداخل فيه زقزقات الطيور ، موسيقى الأنسام تداعب أفنان الأشجار ، هدير الريح ودوي المطر في الشتاء . وحينما تدب الحياة في المدينة أغادر هذا المحراب ، لأعود إليه في الأصيل .

0 عودا على بدء .. ما هي الشرارة الأولى التي فجرت موهبة الشعر لديك ؟

أتذكر أنني كنت في أحيان كثيرة ، أرافق المرحوم والدي إلى المهرجانات الأدبية ، حيث كان يلقي قصائده وسط عواصف من التصفيق والانفعال . يومها كان معارف والدي يقولون لي " نريدك عندما تكبر أن تصبح شاعرا مثل أبيك . كنت أتخيل نفسي على المنصة . وأذكر أنني مرة آويت إلى مكتب والدي ، وكتبت شيئا ما ، أطلعته عليه لاحقا ، فقال لي ما شاء الله ، أنت اصبحت شاعرا يا لطفي .

0 أقرب قصائدك إلى نفسك ؟

يصعب على شاعر مثلي له ما ينوف عن خمسة وعشرين ديوانا شعريا أن يسأل هذا السؤال . إلا أنني في أحيان كثيرة أردد قصائد من ديوانيّ " مناجاة " و " همس الروح " ، وهي قصائد روحانية في مناجاة الذات الإلهية . وهذا لا يعني أنني صوفي ، أو أنني أتنكر لثلاثيتي الشعرية " ألله – ألوطن – ألمرأة والحب " .

0 قصيدة وموقف .. ؟

ألقصيدة " في محراب أبي " . كتبتها غداة رحيل أبي إلى الذكرى ، وفاء لذكراه . وكيف لا ؟ وهو والدي ومعلمي وشاعري الأول .

0 كلمة أخيرة ... ؟

كلمتي الأخيرة ، أوجهها إلى الأهل في عمان الشقيقة . صدقا وحقا إنني معجب بالنهضة العمانية ، وأتابع بشغف ما يتاح لي من فعاليات حضارية وثقافية من خلال الفضائية العمانية . علاوة على ذلك فأنا متواجد في أكثر من منتدى أدبي وثقافي عماني على الشبكة العنكبوتية .
تحيتي واحترامي لجلالة السلطان قابوس المعظم ، ولأهل عمان الكرام ، ولجريدة الوطن العمانية ، ولك أيها الأخ الفاضل والإعلامي الأديب عبد الحليم البداعي .