طبق من الحكمة لسيدة القلوب - الطبق الثاني (كل شي بيزيد عن حده بينقص)
طبق من الحكمة لسيدة القلوب
(الطبق الثاني)
"في غياب الشمس تعلَم أن تنضج في الجليد"
أحلام مستغانمي
المرء يفتح شباكه لينظر إلى الخارج... و يفتح عينيه لينظر إلى الباطن... و ما النظر إلا تسلقك الجدار الفاصل بينك و بين الحرية.
أحلام مستغانمي
لقد طال غياب الشمس... لقد غابت منذ آلاف السنين..
و تجمدت... أحاسيسنا.. و أرواحنا, فما عدَنا نستمتع بالجليد...
فكيف نصهر... أحلامنا؟ كيف نزيل الغبار... عن أسرارنا؟
علَ الشمس تشرق من جديد... أو نُذيب الجليد عنا... لنشعر بالجليد...
فتنضج احلامنا... أرواحنا... و نكبر معها.. أو ننضج قليلا..
قبل ألف عام.. فتحت عيني.. و لم أجد إلا القليل من الحرية, و الكثير من الأحلام
وجدتني أغوص بالمجهول.. و حلمت أن ينتهي المجهول يوما...
باطنه.. خطير و عتيق.. فيه قسوة و برودة.. لم أعهدها من قبل, و ظاهره.. فقط عتيق.. و بطيء.
... و لما أنتهى المجهول... وجدت أبنائي الثلاثة قد ولدوا...
هل أنتهى المجهول حقا؟
ربما عندما نلتقى... سأروي لكم قصة المجهول... و لكن دعوني أعرفكم... بأبنائي
أولادي... قبل كل شي أحبهم.. و بعد كل شي أحبهم.. أما عندما يحدث أي شيء.. فأني أعشقهم.
لا أعرف متى ولدوا... و لكني أجزم أنهم ولدوا..
لا أعرف سوى القليل عنهم.. لأننا قلَ ما نعرف أنفسنا حق المعرفة... في سن صغيرة.
أبنائي ككل الأبناء... أشقياء, لكنهم جدا مفيدين.. لطالما بعثوا فيَ الأمل من جديد.. كل يوم.
إبني الأول: كل شي بيزيد عن حده بينقص.
إبني الثاني: كنَ كالتفاحة.. الأخرى
إبني الثالث: ما ذنب الماء؟..
كل شي بيزيد عن حده بينقص..
هذا يعني بالتعريف أن كل شيء لا بد و له حد لا يجب أن نتجاوزه.. حد تنوقف عنده ليس فقط للتفكير و التفكير مليا, و لكن نتوقف لأنه لا يجوز أن نتجاوزه..
هذه الحدود.. تنطبق على كل شيء, من تصرفات و أقوال.. و لكنها لا تنطبق على الأحلام.. حتى تصبح حقيقية.
يجب علينا جميعا ان نعرَف عقولنا و قلوبنا على مفهوم جديد... مفهوم سينقذنا في كثير من الأوقات.. و الأماكن. مفهوم لا بد أن نستوعبه أولا قبل كل شيء.. فعندما نعرف الحدود, نستوعب ماهيتها, و نؤمن بأهميتها في حياتنا و لحياتنا.. عندها فقط يمكن أن تكون مفيدة لنا.
و لكن كيف يمكن لنا أن نعرف حدود و وضوابط تصرفاتنا و أقوالنا؟
هذا سؤال سهل, و لكن تصعب الإجابة عليه.. و يمكن القول بأنه بالتفكير السليم... و فقط بالتفكير السليم يمكن أن نتعرف على الحدود و الضوابط التي يجب أن نتوقف عندها في كل صغيرة و كبيرة في حياتنا... في تصرفاتنا و أقوالنا.. و حتى أحكامنا. و لكن معرفة هذه الحدود و الضوابط لا تكفي.. كما دائما المعرفة فقط.. لا تكفي. فلا بد من فهم واضح لأهمية وجود مثل هذه الحدود و الضوابط في حياتنا, و لأهمية الإلتزام بها لتكون ذات أثر, كمل لا بد من معرفة هذه الحدود و الضوابط معرفة واضحة, و التأكد من القدرة على الألتزام به.. بعد كل هذا, يمكننا التعرف على الحدود و الضوابط التي يجب التوقف عندها.. و عدم تجاوزها أبدا أبدا.
التعرف إلى الحدود و الضوابط ليس سهل, و لكنه ممكن.. فقط يحتاج إلى النية الصادقة و الصبر الحقيقي.
بداية, ضبط النفس و تعويدها على وجود حدود لكل تصرف و لكل قول, يساعد في التوقف عند هذه الحدود.. بصعوبة أقل. لأن عملية التعلم عند الأنسان تبدأ بتقليد الإنسان لمن يثق فيهم أو يحبهم, ثم تعوده على ما قلَده, و ثم ينتقل إلى مرحلة تعلم الأشياء الجديد لأنه بدأ يفهم و يعي. و هذه المراحل ليست مرتبطة فقط بالعمر, و إن كان إرتباطها فيه وثيقا.. و لكنها مرتبطة أيضا بالمستوى العلمي, و الثقافي للشخص, دون إغفال حب الشخص للتعلم و التقدم بنفسه.. ليصبح ذات إستقلالية فكرية.. قادر من خلالها على التميز بين ما يجب فعله و ما لا يجب فعله.
فإذا تعودت النفس على وجود مفهوم الضوابط و الحدود كان أسهل علينا التقيد بهذه الضوابط و الحدود.. و/ أو ثم قلَد الشخص أناس يثق بهم... و بحكمهم في التوقف عند حد معين بتصرفاته و أقواله... فبتأكيد سيأتي يوم.. يمكننا فيه جميعا إستخدام عقولنا و تفكيرنا في وضع الحدود التي تتناسب مع ديننا, مفاهيمنا... و تفكيرنا... و بالتأكيد معتبرين المحيط الذي نعيش فيه.. و عندها فقط يمكننا التوقف عن زحفنا الامتناهي بإتجاه الرأسمالية.. التي لا تُعنى فقط بإدارة المال.. و إنما تتدخل في أصغر شؤون حياتنا.. الفقيرة.
و لكن ما المفيد من وجود حدود و ضوابط في حياتنا؟ لماذا يجب علينا التوقف عند حد ما؟ و لماذا يجب ضبط تصرفاتنا و أقوالنا عند حد ما؟
السبب الرئيسي من وجود... هذه المنغصات من حدود و ضوابط هو: أن النقص الذي تسببه الزيادة عن الحد لا يمكن تعويضه... أبدا.
من منا يفضل أن يصيبه نقص لا يمكنه تعويضه أبدا؟ من منا يريد أن يعيش مع نقص من صنع يديه؟
من لا يريد أن يعيش بنقص دائم.. ما عليه إلا أن يحدد عالمه.. عالم تصرفاته و أقواله.
الفائدة من ضبط تصرفاتنا و أقوالنا تعود لنا قبل كل الناس, و إن كان هناك فائدة تعود على من حولنا, فهي بالنهاية تعود لنا بطريقة أو بأخرى.. ألا نسعى جميعا للعيش بحب و وئام من من حولنا. ألا نجهد أنفسنا لإرضاء كثير من الناس دون جدوى؟
دعونا نتعامل مع الناس... دعونا تنصرف مع الناس, و قبل ذلك مع أنفسنا و أهلنا ضمن حدود و ضوابط تسمح لنا و لهم من التصرف بطريقة مريحة... و الأهم موثوقة.. لأنها واضحة المعالم. دعوا أبناءكم يتعودوا على فكرة أنه لا يوجد شيء مفتوح.. دون ضابط أو حد, دعوهم يمارسون رسم هذه الضوابط منذ الصغر... لأن من شب على شيء شاب عليه. و كم نحن بحاجة إلى هذه الثقافة... ثقافة الوعي بوجود حد و ضابط لا بد من الألتزام به.. دائما, و ليس فقط أمام الناس.. إذا كان هناك أصلا من ضوابط.
إن فعلنا ذلك, أصبحت حياتنا أسهل, مفهومة أكثر, أوضح.. و يصبح التعامل مع الناس أكثر مرونة, أكثر حيوية, و الأهم أكثر ثقة.. فلا أعتقد أن يتجاوز شخص حدا هو وضعه و يؤمن بأهميته و أهمية الإلتزام به, و لا أعتقد أن يقوم الآخرين بذلك إلا إذا هو سمح لهم بذلك. فيسود الإحترام, الثقة, و المودة بين الناس. لن السبب الرئيسي للمشاكل التي يقع فيها أغلب الناس هو عدم معرفتهم أنه يجوز فعل ذلك أو لا يجوز.. يجوز قول ذلك أو لا يجوز.
من منا يريد أن يخسر من يحب.. لأنه لم يكن واضح في علاقته مع زملائه مثلا؟ من منا يريد أن يغضب أهله منه لأنه تفوه بكلمة لا يجوز أن يقولها؟ من منا لا يريد رضا الله سبحانة و تعالى؟
و تذكروا, دعوا الناس يتعرفوا على حدود و ضوابط تصرفاتكم و أقوالكم... من خلالها, و ليس من ملصق تعلنون فيه أنكم من أصحاب الضوابط..
و في الختام لا يمكنني إلا أن أقول..
سيدتي,
أنا شرقي.. و متفهم
متفهم, و لكن بحدود
يتبع... الطبق القادم (الطبق الثالث)
أحمد صالح
رد مع اقتباس
