صباحٌ ممطر يصافحها بالرفض .. ومادة عنيدة ولود لاتتوقفُ صفحاتها عنِ التناسل .. تلوذُ بسمرةِ سائلٍ
أسودٍ مسكر اعتادَ الناسُ شربه .. فتحت علبته .. صوتُ فرقعةِ فتحهِ أفزعها .. ألقت بغطاءِ علبتهِ
داخله .. كانَ منوهاً برقمٍ لم تنتبه له .. ارتشفت شيئاً منه .. ارتاحت له .. أحبته .. شعرت بنشوةٍ غريبةٍ
عندما شرِبته .. أجهزت على البقية .. لم يتبقى لها إلا صوت صدى.. ظنتهُ كذلك .. كانَ غطاءَ علبتِها
الحبيسِ بداخلها .. يحاولُ الصعودَ والتسلق ولكن الجدارَ لزج .. كانت قد قتلته حين ارتشفت شرابه
كله .. كسمكة لايستطيع العيشَ بدون ماء .
×××
في الطريق .. زحامُ سياراتٍ كثيف عندَ اشارةِ المرور ... صبرٌ تعلمهم إياه لم تفلح موضوعات الإنشاءِ
التي كانوا يكتبونها في المدرسة في تعليمها لهم .. طالبٌ متمرد يقطعُ الإشارة .. وعقابهُ ينتظرهُ من قبلِ
معلمٍ لايغفرُ لأحدٍ زلةً أبداً..سيارتها واقفةٌ في آخرِ الشارع من نوعٍ قديم لايتحركُ إلا بصعوبة .. بعد ربعِ
ساعة ... أعلنت الإشارة استسلامها وسلامها لهذا الوقوف .. انطلقت السيارات بسرعةٍ خاطفة
وسيارتها البطيئة تواجهُ هذا الموجَ المندفع باستسلامٍ وسكينه .. تهيبُ بالسائق أن يسرع .. كانَ والدها
لايرى من الشارعِ إلا سيارةً أمامه .. ولولا وقوفها لمضى في سيرهِ غيرُ آبه لما حوله .. أبواق
السياراتِ الصاخبةِ خلفه تدعوهُ لزيادةِ سرعته .. جميعهم يستعجلونه لنومٍ يزاولونهُ من مكاتبهم ..
توقيعُ حضور ونومٌ فقط.. مرادفٌ جديد لبطالةٍ مقَّنعة يتشدَّقونَ بذكرِها في الصحف .. ويملأون بها حلقاتَ
برامجهم على التلفاز .. برامجٌ حبلى بما نراهُ في الشارع .. ليس بوسعه أن يضاعفَ سرعته .. هذا
قدره .. وإلا فليدفع لهُ أحد الناعقينَ خلفه ثمنَ سيارةٍ جديدةٍ كسيارته ..يظهرُ لون الإشارةِ الأصفر..يقولُ
لهم أن خففوا سرعتكم ولا أحد يسمع .. حتى هي كانت لاتسمع .. تهيب بأبيها أن يسرع كي لا يقفَ
مجدداً ولكن لا فائدة .. يظهرُ لونُ الإشارةِ الأحمر ويعاودُ والدُها الوقوف لربعِ ساعةٍ أخرى .
×××
في المعمل .. فأرٌ مخدر يستيقظُ بين يديها .. يفزع ..فيلملم شتات أعضائةِ المقطعة في حصةِ تشريح ..
تصرخ ..ولا يكترث لصرخاتها يقاومُ دبابيساً كثر علقت بجلده ..ذهولٌ يطفو على مقلتيه .. يطبقُ نظريةً
قديمة درستها في المدرسة ... رائحةٌ كريهة تنبعثُ من جوفه ..شعرَ بها .. خجلَ منها .. مضى إلى حقيبةِ
إحدى الطالبات ورش من زجاجةِ عطرٍ كانت مفتوحة ... قطعةُ القماشِ التي غطت بها وجهها حجبت
الرائحتينِ معاً ..مضى في طريقة وتساؤل يدلهُ على بوابة الخروج ... كثيرٌ من َالفتيات نراهم في
الأسواقِ والطرقاتِ وفي كل مكان يستخدمن قطعةً سوداء كهذة ليغطين بها أنوفهن .. أتراهن يشمون
رائحةً مماثلة لفأر مماثل ؟!!
×××
حُبست الأنفاس .. كان اختبارٌ لما كانت تستذكره .. تواجهُ معضلة .. رابطةٌ ثنائيةٌ مزدوجة تحولُ بينها
وبين معرفةِ الحل .. تتضخم لتملأ سطحَ الورقة وتتلاشى المعادلات .. تسلمُ الورقة ولونٌ أسودٌ كثيف
ينصبُ خيامهُ عليها .. تخرج ثم تعود .. ربما نسيت شيئاً ما .. تهمسُ للمعلمة أن تسفلتَ الطريق بزفتِ
ورقةِ اجابتها تلك .
×××
تقفُ منتصبةً أمامها .. اتفقت معها أن تلعبا لعبةَ ثلج وماء كما كانوا يلعبونها في الصغر .. تجري
وتمعن في الجري .. كانت سريعة وكلما اقتربت منها تمعنُ في الهربِ أكثر .. لم تمسكها قط .. ولم
يمسكها قط .. عشرُ درجاتٍ هربت منها وظلت هدفاً يستحيلُ تحقيقه .. ككأسٍ غال في مباراةٍ عنيفة
لفريقٍ مهزوم قد تكيفَ مع هزيمته .. وقفت أمامَ قسمِ المالية .. تدفع ُ رسومَ حملِ المادة لفصلٍ دراسيٍ
لاحق .