أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: إسرائيل .. ومبدأ التفاوض المرفوض : لطفي زغلول

  1. #1
    الصورة الرمزية لطفي زغلول شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 217
    المواضيع : 128
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.03

    Exclamation إسرائيل .. ومبدأ التفاوض المرفوض : لطفي زغلول




    إسرائيل .. ومبدأ التفاوض المرفوض

    لطفي زغلول

    نابلس

    www.lutfi-zaghlul.com



    المبادرة العربية التي أعادت إحياءها القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الرياض العاصمة السعودية ، يمكن اعتبارها آخر ما يمكن أن تقدمه الأنظمة العربية على طبق العملية السلمية المقدم لإسرائيل . إلا أن الشهية الإسرائيلية ما زالت غير مفتوحة على مثل هذا الطـبق ، أو بصحيح العبارة فإن ذائقة السياسة الإسرائيلية تنفر منه وترفضه ، ومعدتها غير مهيأة لهضم محتوياته .

    وما أشبه الليلة بالبارحة ، فغداة انطلاق هذه المبادرة من قمة بيروت عام 2002 ، قامت إسرائيل باجتياحها الكبير للأراضي الفلسطينية . ويتكرر السيناريو هذه الأيام ، فغداة بعثها من مرقدها في قمة الرياض التاسعة عشر ، قامت إسرائيل بهذه الموجة الجديدة من الإجتياحات والإعتقالات والإغتيالات ، وكافة أشكال الممارسات القمعية التي دأبت على اقترافها بحق الشعب الفلسطيني ، وليست هذه مجرد صدفة .

    ويقينا ، إن كل المحاولات العربية لإقناع الولايات المتحدة الأميركية – على فرض أن هناك محاولات جدية - بالضغط على إسرائيل لقبول المبادرة العربية سوف تبوء بالفشل ، كسابقاتها . وببساطة متناهية ، فإن المبادرة العربية بصورتها المعلنة تتناقض كليا ووعد الرئيس الأميركي بوش الإبن لشارون بتفريغ أية عملية سلمية من ثوابت القضية الفلسطينية المتمثلة بحق العودة ، والرجوع إلى حدود العام 1967 ، وتفكيك المستوطنات ، واسترجاع القدس .

    علاوة على أن هناك أربعة عشر تحفظا إسرائيليا على خارطة الطريق الأميركية ، إضافة إلى أن رؤية الرئيس الأميركي بوش الإبن فيما يخص الدولة الفلسطينية ، قد ثبت أنها حمل كاذب ، أو أنها بصحيح العبارة خدعة . وها هو العام 2007 قد أوشك على الأفول ، وعام الإنتخابات الأميركية 2008 قد أصبح على الأبواب ، حيث تتمحور كل الإهتمامات حول الشأن الأميركي الداخلي .

    وفي المقابل كان هناك خط آخر مواز يكرس الاجراءات الاحادية التي مارستها السياسة الاسرائيلية على ارض الواقع ، وتمثل في بناء الجدار الفاصل ، ومصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية بغية التوسعين الافق والرأسي في مجال الاستيطان ، وشق الطرق الالتفافية الانفصالية ، عدا عن الاجراءات المتلاحقة فيما يخص تهويد القدس العربية .

    واذا كانت هذه هي اجراءات دأبت كل الحكومات الاسرائيلية ايا كان لون طيفها السياسي على السير الحثيث بها ، فهناك كانت على الدوام تلك اللاءات الاسرائيلية المعروفة لحق العودة ، وحدود العام 1967 ، وتفكيك المستوطنات التي اقيمت على اراض فلسطينية مغتصبة ، واعادة القدس الشرقية للفلسطينيين ، اضافة الى رفض تخليها عن المعابر والحدود ومنطقة الأغوار ، ومصادر المياه والثروات الطبيعية ، والهواء ، وغيرها .

    وعودة الى موضوع الشريك المفاوض . فمما لاشك فيه ان إسرائيل ترفض مبدأ التفاوض الحقيقي مع أية جهة فلسطينية أيا كان لونها السياسي . وانطلاقا من هذه الحقيقة التي لا ريب فيها ، فاننا لوفرضنا ان حكومة الوحدة الوطنية بكل أطيافها الفصائلية قد اعترفت باسرائيل ، وبمبدأ قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية ، وبخارطة الطريق ، فما الذي يضمن ان اسرائيل لن تضع كعادتها العراقيل ، ولن تشترط الاشتراطات التعجيزية ، ولن تماطل ، ولن تتحفظ ، ولن تجد الذرائع للتملص ، كما فعلت في مرات سابقة ؟ .

    وهنا تتبادر الى الاذهان اسئلة كثيرة تطرح نفسها . اولها : هل سبق في تاريخ السياسة الاسرائيلية ان اعلنت اسرائيل صراحة وبصدقية ان هناك شريكا فلسطينيا يمكن ان تتفاوض معه ؟ . وثاني هذه الاسئلة : هل ان لدى اسرائيل ما تقدمه للفلسطينيين غير منظورها للحل القائم على فرض رؤاها ولاءاتها وسياستها التوسعية ؟ . وثالث هذه الاسئلة : لماذا قامت اسرائيل بعملية الانسحاب الاحادي من قطاع غزة ، ملتفة على مبدأ التفاوض ، ولم تكن آنذاك قد قامت حكومة حماس ، أو الوحدة الوطنية ؟ . ورابع هذه الاسئلة ، وقد لا يكون الاخير : ماذا كان مصير الرئيس الراحل ياسر عرفات حينما رفض ما أملي عليه يومها من إملاءات أفرغت القضية الفلسطينية من محتواها ؟ .

    إنه غيض من فيض ، وثمة الكثير من الأسئلة التي يمكن ان تثار في هذا الصدد . فلقد تعلم الفلسطينيون من خلال تاريخ طويل من معاناتهم بان اسرائيل لا تؤمن الا بالقوة ، وفرض الأمر الواقع . وهي لا تريد ان تنسى انها انتصرت عسكريا قبل أرعين عاما ، رغم انها لم تهزم خصمها صاحب الحق في الصراع ، وهو الشعب الفلسطيني الذي لم ينكسر ، ولم يتنازل عن حقوقه التي كفلتها له الشرعية الدولية .

    وحقيقة الامر لقد تنازل الفلسطينيون تنازلات مؤلمة عن الكثير على شرف السلام المفترض ، والتسوية العادلة في الشرق الاوسط اللذين لا تلوح لهما بارقة أمل في أي أفق . وهم في هذا ظلوا واقفين عند خطوط حمراء فيما يخص ثوابت قضيتهم الأساسية التي لا يمكن لأي مفاوض فلسطيني كائنا من كان ان يتجاوزها ، أو يدعي انه مفوض من شعبه في الوطن أو الشتات ان يتجاوزها . فهي في شرع القضية الفلسطينية من الكبائر والمحرمات .

    واستكمالا ، لا بد لنا من التنويه الى المبادىء والأسس العامة المتعارف عليها دوليا ، والتي تقوم عليها أساسا اية مفاوضات بين أطراف متخاصمة ، كون المطلوب من الشعب الفلسطيني لا يتقاطع معها في أي من نقاطها التي أقرتها الشرعية الدولية والعلوم السياسية وتجارب الشعوب السابقة التي خاضت معترك المفاوضات مع القوى الاستعمارية التي احتلت بلادها وحكمتها ، والتي اسفرت في النهاية عن حل رضيت عنه هذه الشعوب ، كونها هي صاحبة الارض والحق .

    من أولى هذه الاسس والمبادىء ان التفاوض يكون بين اطراف متعادية ومتخاصمة . وثانيتها لا يفترض ان تعترف ببعضها مسبقا ، وإنما يتم الإعتراف النهائي بعد الإتفاق على شروط التفاوض ، وساعتئذ فان من منجزات التفاوض ونتائجه الناجحة إنهاء العداوة ، والتأسيس لمستقبل يسوده السلام والوئام والتعاون وتطبيع العلاقات على أسس راسخة من العدالة والقناعات .

    وهكذا يفهم الفلسطينيون مبادىء التفاوض وأسسه . وزيادة على ذلك ، فانهم هم الذين وقع عليهم الظلم التاريخي ، وهم المعتدى عليهم ، أرضا وشجرا وحجرا ، وهم المحتلة بلادهم ، وهم المشردون خارج حدود وطنهم التاريخي في ظروف تنتفي فيها أبسط بسائط ما تتمتع به الشعوب الأخرى من تحرر وحرية وسيادة واستقلال ، وحقهم في دولة تجمع شتاتهم يمارسون تحت ظلالها حقهم في حياة حرة شريفة .

    في ضوء هذه الحقائق ، فان اسرائيل لا تعترف من حيث المبدأ بالفلسطينيين أيا كان لونهم السياسي شريكا تفاوضيا لأية عملية سلام حقيقية . واذا كان لا بد من شريك مفاوض فهي تريده " مفصلا " وفق مقاسات سياساتها التوسعية الإستيطانية التهويدية . وهي تفترض بهذا " الشريك " مواصفات لا تنطلق من استحقاقات القضية الفلسطينية ، ولا تداعيات النكبة التي تنكر مسؤوليتها عنها ، ولا حتى من مبدأ السلام مقابل الأرض ، ولا انطلاقا من قرارات الشرعية الدولية 194 ، 242 ، 338 ، وغيرها الكثير .

    وكلمة اخيرة . ان هذا " المفاوض " الفلسطيني الذي تسعى السياسة الاسرائيلية الى إيجاده وفقا لمنظورها هو مفاوض موجود في مخيلتها ، وهي تعلم يقينا ان وجوده على أرض الواقع مستحيل ، ولذا فهي تارة مماطلة ، وأخرى ممتنعة ، وثالثة مشترطة ، ورابعة رافضة ، وخامسة مضيفة بعدا جديدا إلى رفضها مبدأ التفاوض يتمثل في إلصاق تهمة الإرهاب والعنف إلى الفلسطينيين ، وعدم الإعتراف بحقهم المشروع في التحرر والإستقلال ومنظومة حقوقهم الأخرى . واسرائيل في هذا وذاك لها من يشد على أيديها ويدعمها ويؤيدها في أميركا وأوروبا ، وتحت ظلال صمت العالم بعامة ، والعالم العربي بخاصة .

  2. #2
    شاعر ومفكر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : ألمانيا
    العمر : 77
    المشاركات : 254
    المواضيع : 79
    الردود : 254
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    أخي الكريم.. إذ ألتقي مع نبض حروفك ومعانيها، لا أتوقف عند فقراتٍ مما كتبت بتعقيب مباشر، إنّما أطرح بعض أفكار إضافية بصدد مسألة (الاعتراف) وقد صيرّوه عقدة..وهي أفكار من مقالة نُشرت مؤخرا..بعنوان: قضية فلسطين ومطلب <الاعتراف>.. أضيفها عسى تجد التفاعل أيضا مع من يمرّ على كلماتك، فهي ممّا يتناول صميم ما تعايشه القضية هذه الأايام.


    الأمريكيون أوضح من سواهم في ربط أيّ قرار للتعامل مع الحكومة الفلسطينية بمواصلة ضغوط التطويع والتجويع، لإكراه منظمة المقاومة الإسلامية حماس، على مسألة الاعتراف، وجعله شرطا سابقا لأي مفاوضات، وإذا أقدمت حماس على تلبيته فعلا فقدت مسوّغ وجودها، كما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية قديما، عندما تحوّلت تدريجيا إلى طرف في "نزاع" تحكمه القوّة المجرّدة، بين أطراف غير متكافئة.
    وأراد الروس الاستفادة من معالم الهزائم الأمريكية على امتداد المنطقة الإسلامية، والتراجع الملموس على مستوى الانفراد في صناعة القرار الدولي، وأن يجعلوا من قضية فلسطين أحد مداخل نفوذ سبق أن فقدته موسكو بسقوط الشيوعية، فطرحوا فكرة عقد مؤتمر دولي شامل جديد على أمل أن يقوم على أرضية المعطيات الجديدة، مع إظهار الاستعداد لإنهاء الحصار الجائر، بينما أظهر الاتحاد الأوروبي شيئا من المرونة بما يوازي -وفق المقاييس الغربية- حجم المرونة الذي أظهرته حماس ما بين كلمتي "احترام.. والتزام"، وكلمتي "اعتراف واقعي.. واعتراف دولي"، وخلص الجميع واقعيا إلى "تأجيل اتخاذ قرار" نهائي إلى أن يكتمل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولكنّ الاختلاف النسبي في المواقف، لم يمنع امن تكرار مطالبة "حماس" بالاعتراف.. فعلام هذا التركيز الكبير والمشترك على "الاعتراف" في هذه المرحلة من مجرى أحداث القضية؟..
    الواقع أنّ إشكالية الاعتراف المطلوب بأسلوب إملائي مقترن بضغوط الحصار ليست مسألة موقف سياسي من جانب حماس أو مسألة خلاف قانوني دولي، قدر ما هي حلقة من حلقات المساعي المبذولة للمضي خطوة أخرى بالمشروع الصهيوني في المنطقة، مع مواصلة استخدام منطق القوّة أولا وأخيرا. إنّما لم يعد يكفي لبيان ذلك مجرّد الإعلان عن ذلك مرة بعد أخرى، ناهيك عن وضعه في قالب تأييد حماس أو عدم تأييدها، والحديث عن صحّة ثوابتها أو عبثيتها، وكأنّ قضية فلسطين هي قضية حماس، أو فتح، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو أي منظمة من المنظمات والفصائل الفلسطينية، وليست قضية شعب وأرض ومصير وعروبة وإسلام.

    نماذج تاريخية
    الصين الوطنية دولة كانت تحتلّ مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي، فبقيت زهاء ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية تحظى بأعلى درجة من درجات ما يوصف بالاعتراف القانوني الدولي، وعندما أصبح التعامل مع الصين الشعبية هو الذي يحقّق مصالح الدول الغربية، تحوّل الاعتراف "القانوني الدولي" إلى الصين الشعبية، ومع ذلك فإنّ إقدام واشنطون على سحب اعترافها من الصين الوطنية، لم يمنعها، ولا يمنعها حتى الآن من التعامل معها، حتى أصبح استمرار وجودها مرتبطا باستمرار وجود المظلّة العسكرية الأمريكية الوقائية فوقها، ولم يعترض أحد من الدول الغربية ولا من داخل الولايات المتحدة الأمريكية على هذا "التعامل" الشامل لمختلف الميادين، دون وجود اعتراف قانوني دولي.
    الجمهورية الألمانية الاتحادية التي عُرفت بألمانيا الغربية دخلت في مفاوضات مباشرة وعلاقات اقتصادية وغير اقتصادية مع الجمهورية الألمانية الديمقراطية، التي عُرفت بألمانيا الشرقية، واستمرّت المفاوضات سنوات عديدة، دون أن تقترن باعتراف "قانوني دولي"، رغم أنّها كانت تحظى باعتراف العدد الأكبر من دول العالم، ثمّ أسفرت المفاوضات عن نشوء ألمانيا الموحّدة بضمّ الشرقية إلى الغربية، وليس عن صلح أو اتفاق أو تعايش، ولم يطرح أحد آنذاك إشكالية الاعتراف أو عدم الاعتراف في صيغة اعتباره شرطا للتعامل مع الحكومة الألمانية الغربية أثناء المفاوضات، ناهيك عن المقاطعة والحصار وما شابه ذلك.
    المعسكر الغربي تعامل مع الاتحاد السوفييتي قبل انهياره زهاء خمسين عاما، دون أن يعترف اعترافا قانونيا دوليا بأنّ دول البلطيق الثلاث تتبع له ولحدوده الرسمية، بل اعتبرها مناطق محتلّة، وكانت أولى الدول التي حصلت على الاستقلال مع سقوط الشيوعية.
    والأمثلة كثيرة، وجميعها ممّا يُسمّى القانون الدولي التطبيقي، أي ما يشمل الاتفاقات والمعاهدات وتبادل السفارات وغير ذلك، وجميعها يؤكّد وجود فسحة كبيرة للتعامل مع طرف قائم على أرض الواقع -كحماس- دون أن يُشترط عليه الاعتراف القانوني الدولي بطرف آخر. وبالعودة إلى القانون الدولي العام، أي نصوص المبادئ العامّة في المواثيق الدولية الأساسية، لن نجد إشكاليةً مماثلة، بل نجد إشكالية أهمّ وأبعد مغزى، فالاعتراف -وإن وُصف تجاوزا بالقانوني الدولي- لا يكتسب هذه الصفة بمقاييسها المعتبرة، إلاّ بشروط عديدة، في مقدّمتها، أن تكون الجهة التي تُعلن الاعتراف جهة تعبّر فعلا لا شكلا وتفويضا لا استبدادا عن "الشعب" الذي تتحدّث باسمه، ومن ذلك أن تعبّر عنه بمجموعه، وبتفويض واضح الدلالة، يُعطى لها بوسيلة مشروعة.
    مثال آخر على ذلك ما رافق إعادة توحيد ألمانيا، فقد سبق أن عقدت حكومة ألمانيا الشرقية سلسلة اتفاقات مع دول شرقية الأخرى تعترف بموجبها اعترافا "قانونيا دوليا" -كما وُصف في حينه- بالحدود القائمة نتيجة الحرب العالمية الثانية، أي بأنّ جزءا من أراضي ألمانيا التاريخية أصبح يتبع لدول أخرى لا سيّما بولندا. وعندما جرت مفاوضات الانفراج بين ألمانيا الغربية أعطت حكومتها اعترافا مشابها، ولكنّ بولندا رفضت الاكتفاء بهذا وذاك، بل طالبت باتفاقية جديدة، تنعقد مع حكومة ألمانيا الموحّدة، أي تلك التي انتُخبت بعد وحدة ألمانيا وبعد طرح مسألة الحدود والأراضي المعنية علنا قبل التصويت لتتوافر شروط التفويض "على بيّنة للناخبين" من "مجموع" شعب ألمانيا الموحّدة، فقد كان تعليل رفض الاتفاقات القديمة، أنّ التوقيع عليها كان من جانب حكومات ألمانية لم تمثّل الشعب بكامله، فهو يتناقض مع مبدأ حق تقرير المصير الذي لا يقبل التجزئة في القانون الدولي العام، ولم يكن انتخابها ينطوي على تفويضها بالتنازل عن حقّ الشعب الألماني في جزء من أرضه التاريخية، فكان يتناقض مع مبدأ عدم اغتصاب الأراضي بالقوّة، الثابت أيضا في القانون الدولي العام، وهذه المبادئ وأمثالها هي مرجعية الشرعية الدولية من فوق أي قرارات ومعاهدات أخرى يجري عقدها وتطبيقها.

    الشعب مصدر القرار
    الحصيلة بإيجاز:
    1- لا ترتبط المشروعية القانونية الدولية للاعتراف بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي (الصين الوطنية) ولا العضوية في الأمم المتحدة (ألمانيا الشرقية) ولا الاعتراف والتعامل من جانب غالبية دول العالم (دول البلطيق والاتحاد السوفييتي).
    2- لا يكفي عقد اتفاق لتثبيت مشروعية اعتراف قانوني دولي، ما دام لا ينطوي على شروط تلك المشروعية وفق القانون الدولي العام ومبادئه الثابتة.
    3- لا تتوافر تلك الشروط دون استناد الاعتراف إلى التعبير عن إرادة الشعب وعبر تفويض من جانبه، بكامل فئاته وأفراده، وبشروط أن يكون أيّ تصويت يجري لهذه الغاية، خاليا من عناصر التزييف، والإكراه، والضغوط، كما هو ثابت في نصوص المعاهدات الدولية الأساسية.
    جميع ذلك لا يتحقق على كلّ حال في حالات الاغتصاب والاحتلال والعدوان. أمّا التعابير الأخرى "المطّاطة" من قبيل اعتراف سياسي، أو واقعي، أو ضمني، فلا وجود لها في نصوص القانون الدولي، وإن شاع استخدامها، ولا تمثل "اعترافا قانونيا دوليا"، ولا يغيّر من ذلك تحميل عبارات صياغة اتفاق ما -كاتفاق مكة- ما لا تحتمل، سواء كان ذلك بقصد تسهيل المفاوضات كما يقال، فالمفاوضات تسهل عندما تجتمع كلمة المسؤولين السياسيين فلسطينيا وإقليميا على نهج قويم واضح، أو كان ذلك بقصد انتزاع قرار من القوى الدولية برفع الحصار عن شعب فلسطين في الداخل، فلن يحصل ذلك ما دامت الدول العربية، لا سيّما المجاورة، لا تنتزع نفسها من طوق الحصار المفروض على صناعة قرارها هي، بما في ذلك قرار عدم المشاركة بذلك الحصار على شعب فلسطين، الباطل بنص القانون الدولي، المنتهِك للحقوق الإنسانية الثابتة على أوسع نطاق، فضلا عن أنّه يمثّل شكلا من أشكال المشاركة في العدوان على شعب فلسطين بأفجر وسيلة.
    إنّ إشكالية الاعتراف القانوني الدولي المطلوب بصيغة الإملاء والضغوط العدوانية القصوى على شعب فلسطين، وعلى حكومة جزءٍ منه، موجود في أرضه، أبعد ما تكون عن إمكانية وصفها بخلاف قانوني دولي، فالحكم بعدم مشروعية مثل ذلك الاعتراف، وإن حصل جدلا، واضح وضوح الشمس في رابعة النهار كما يقال.
    ولا قيمة بعد ذلك لاتفاقات سابقة مع جهة فلسطينة ما، لم تكتمل لها الشروط القانونية الدولية، لاسيّما وأنّ كلّ اتفاقية لا تنصّ على انتهاء مفعولها بعد فترة زمنية محدّدة، أو تنصّ على حقّ أحد أطرافها بالانسحاب منها، هي اتفاقية باطلة مسبقا بحكم القانون الدولي العام، وإن وجدت تطبيقا لفترة من الزمن تحت عنوان القانون الدولي التطبيقي.
    ويسري شبيه ذلك على قرارات قمم عربية أو دولية أو مختلطة، وقرارات مجلس الأمن الدولي وسواه من الأجهزة "التنفيذية" للشرعية الدولية، وجميعها يتقلّب ويتبدّل حسب موازين القوّة، ناهيك عن "قرارات" صادرة عن لجنة من قبيل ما يسمّى اللجنة الرباعية، أو عن أحد أطرافها.
    الشعب.. والشعب الفلسطيني وحده، وبكامله، في أرضه وفي الشتات، هو المخوّل بمفهوم القانون الدولي، أن يعترف أو لا يعترف بوجود كيان ما على تلك الأرض، فهو اعتراف ينطوي في حقيقة مغزاه ومقصده، على التخلّي عن جزء من حقوقه، المشروعة الثابتة وفق أشدّ النصوص القانونية الدولية إلزاما، وفي مقدمتها حقّ تقرير المصير وبطلان اغتصاب الأراضي بالقوة.. وأي اعتراف آخر يُنتزع هو للتمويه والتزييف.
    والشعب.. والشعب الفلسطيني وحده، بكامله، في أرضه وفي الشتات، هو المخوّل بمفهوم القانون الدولي، أن يفوّض جهة ما يختارها اختيارا حرّا نزيها، دون ضغوط ولا إكراه ولا تزييف (ودون تقتيل واعتقال وتشريد وحصار) لتوقّع باسمه على نص ما ينطوي على شكل من أشكال الاعتراف القانوني الدولي المطروح حاليا.. وأي جهة دون ذلك تتصرّف فقط في حدود موقعها وحدود حجم تفويضها لا أكثر.
    وحماس نفسها لم يكن انتخابها -وإن كان حرا نزيها- من جانب الشعب بل من جانب جزء من الشعب، وفي ظلّ ضغوط قصوى وليس بعد تغييب مفعولها.
    الإشكالية إذن مطروحة على أرضية واحدة، لا علاقة لها بالقانون الدولي، بل هي أرضية ما يمكن فرضه بالقوة، أي وفق شرعة الغاب، ولهذا كانت المواقف السياسية وغير السياسية في المنطقة، تستخدم في الماضي تعبير "فرض الأمر الواقع" عبر السياسات والممارسات والحروب الإسرائيلية رافضة نتائجها، قبل أن تحلّ مكان هذه اللغة السياسية "الواقعية" لغة التنازلات، مع تجنيد هذا الطرف العربي أو ذاك لانتزاعها من طرف فلسطيني بعد طرف بمختلف السبل، غير المشروعة، لا بمفهوم القانون الدولي، ولا بأيّ مفهوم مشروع من مفاهيم "القوانين الوضعية"، ناهيك عن مفهوم المشروعية الإسلامية، التي لم تتناولها الفقرات السابقة، دون إغفال أنّه لا يمكن القبول بتجاهلها في أيّ "تصرّف" من التصرّفات التي تتناول مصائر الشعوب والبلاد والقضايا العربية والإسلامية.

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    مقال متميز


    يثبت لتعميم الفائدة
    الإنسان : موقف

  4. #4

المواضيع المتشابهه

  1. رمضان .. شعائر وذكريات : عبد اللطيف زغلول / والد الشاعر د . لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى مُنْتدَى رَمَضَان والحَجِّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-07-2014, 09:56 AM
  2. رمضان .. شعائر وذكريات : عبد اللطيف زغلول / والد الشاعر د . لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 31-08-2010, 11:25 PM
  3. رمضان .. شعائر وذكريات : الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول .. والد الشاعر لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-09-2007, 05:18 PM
  4. الزهار : التفاوض مع اسرائيل ليس حراما
    بواسطة ايهاب ابوالعون في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 27-01-2006, 08:36 PM
  5. استفتاء حول التفاوض حول حق العودة
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-04-2003, 01:33 PM