أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة في قصيدة " أعلى قليلا من الصمت الطري "

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي قراءة في قصيدة " أعلى قليلا من الصمت الطري "

    نص وقراءة : بقلم : د. مصطفى عطية جمعة
    الذات الشاعرة تحتوي الكون في أعماقها
    قراءة في قصيدة " أعلى قليلا من الصمت الطري "
    للشاعر / عبد ربه محمد سالم اسليم
    إننا أمام نص ينبئ عن شاعر مميز ، نص فيه الكثير من الاستفزاز والتوهج ، يبدأ الاستفزاز من العنوان : أعلى قليلا من الصمت الطري ، حيث يحيلنا العنوان إلى حالة من الهلامية النفسية والصوتية والمادية الرخوة ، ليكون التساؤل عن ماهية العلو ، الذي سيكتشف بعدئذ في النص بأنه حالة الكتابة الشعرية ، بكل ما فيها من تعقد نفسي وفكري ومادي .
    هذه الحالة الإبداعية أو الأدق : صنع الإبداع ، تتجلى في ارتحالك الكوني ، عبر الليل ، والشمس ، والريح والشجر ، فكأنه يستعد للإبداع من خلال تحاور الكونيات في أعماقه ، ومن ثم صهرها في نصه ،
    ولنقرأ النص معا ، ومن ثم يكون النقاش
    النص : ( منشور في منتدى أنساق الإلكتروني )
    " أعلى قليلا من الصمت الطري "
    ( 1 )
    منذ رآني الصمت والليل ينعس في صدري ...
    يستمهل قوس قزح
    ليجلس على ركبة الناي ...
    يغزل جنيات الانتظار ...
    يقرأ غرق الريح في أظافري ...
    هكذا يتقافز التعب نكهة صدأ ،
    ويمعن في كسب جولات الابتسامة أمام الشجر ،
    ويتغلغل في نقوش الغياب ...
    ( 2 )
    دخلت حليب الطفولة لأكون أطول من الحداثة ،
    وأعمق من ما بعد الحداثة ...
    كانت الريح تنتظرني ،
    وتهب ضحكة عذرية ...
    تداعبني مثل وردة بيضاء ،
    وهي تغزل الخيول من شهيق الرخام !!! ...
    ( 3 )
    فتحت الكتابة بريشة جناح هدهد ،
    وانطلقت مع العشب الأخضر ...
    أزأر مثل عجز التعب ، وأكبر من الروح ...
    أمعن في اكتساب الله ،
    وصولات من الهذيان أقيمها في محراب القلب !!! ...
    أحرق التعب عصافير مشوية ،
    وقطرات هيولي
    كي أغزل صيامي ابتهالات لزيت الزيتون ،
    وفرح سنين ضوئية تبحث لها عن فسحة من خمر وكثيرا من الزكاة !!! ...
    ( 4 )
    خطواتي تشبه شجرة الكينيا ، وأنا أطعن البحر بالرمح الأبيض
    لأخترق شرفات الهيولي ...
    ( 5 )
    عشق يمرغ الغيوم في حضن حنجرتي !!! ...
    ما أقرب جسدي إلى السماء ،
    وما أبعده عن الغربة !!! ...
    وفوضى اللغة !!! ...
    يتمحور النص حول : تلك الحالة الملتبسة التي لا تزال غامضة في أعماق الشاعر ، حالة التجلي للشاعرية ، حينما تنطلق لآفاق رحبة ، وتمسك اليد القلم لتعبر عن هذه الآفاق . هذه الحالة التي حيرت الباحثين والنقاد والشعراء ، والجميع يدور في فلكها ، أملا في سبر أغوار كنهها ولكن هيهات ، فهي حالة من الشيطنة كما يراها الشاعر الجاهلي قديما أو التوتر النفسي كما يراها باحثو علم النفس المعاصرين ، أو الإلهام كما يراها الشعراء أنفسهم ، أو الفيض كما يراها الصوفيون ، والجميع يتفقون أنها حالة تجمع ما بين الجسدي / الدنيوي ، والسماوي / التحليق النفسي وفي هذا النص ، يوضح " عبد ربه " كيف أنها حالة كونية ، في تجل جديد ، كونية تلتبس الذات الشاعرة ، فيخطو الشاعر في النهاية إلى الأرض خطوات بمساحة الأشجار ، ويتعارك مع البحار .
    فيقول :
    منذ رآني الصمت والليل ينعس في صدري ...
    يستمهل قوس قزح
    ليجلس على ركبة الناي ...
    يغزل جنيات الانتظار ...
    يقرأ غرق الريح في أظافري ...
    هكذا يتقافز التعب نكهة صدأ ،
    ويمعن في كسب جولات الابتسامة أمام الشجر ،
    ويتغلغل في نقوش الغياب ...
    لا يمكن أن نتعامل مع هذا المقطع وغيره من المقاطع من كونه صورا مركبة ، وإنما هو مقطع شعري متكامل ، ينقل حالة التجلي الكونية عند الإبداع ، ورغم تعقد الصورة من خلال الإضافة في : ركبة الناي ، ونقوش الغياب ، إلا أنها تنقل لنا حالة التجلي ، عبر التمعن والتغلغل اللذين يسبحان في الذات الشاعرة .
    ويأتي المقطع الشعري الثاني معبرا عن جوهر الإبداع من خلال هذه الحالة الشعرية ، حالة صنع الكتابة ، أو بالأدق الوقوف عند عتبة الإبداع، وهي حالة حار فيها الكثير من الشعراء ، وهنا تنقلب على السابقين ، من خلال الكونية التي جمعها في أعماقه ، وبانت في تأمله الذي يريد احتواء الشمس والريح .
    * * *
    ثم يعرج في المقطع الثاني إلى الأرضية ، فيقول :
    فتحت الكتابة بريشة جناح هدهد ،
    وانطلقت مع العشب الأخضر ...
    أزأر مثل عجز التعب ، وأكبر من الروح ...
    أمعن في اكتساب الله ،
    وصولات من الهذيان أقيمها في محراب القلب !!! ...
    ما أروع احتواء الأرضية عبر : مكونات وجزئيات الأرض : جناح هدهد ، عشب أخضر ، ومن ثم الهذيان الإبداعي في القلب ، وقد يتحفظ البعض على " اكتساب الله " ، ولكن أراه تعبيرا موظفا في النص بدلالة إيمانية سامقة ، أكدها تعبير :وصولات من الهذيان أقيمها في محراب القلب !!! ... ، فاكتساب الإيمان الإلهي أساس لصلاة من أعماق القلب .
    أحرق التعب عصافير مشوية ،
    وقطرات هيولي
    كي أغزل صيامي ابتهالات لزيت الزيتون ،
    وفرح سنين ضوئية تبحث لها عن فسحة من خمر وكثيرا من الزكاة !!!
    التعب : ناتج عن محاولات الكتابة ، تعب الذات المبدعة ، وهي تتأمل السماء والأرض ، وتغوص في القلب ، وهي تسعى للظفر بسنين ضوئية دلالة على الانطلاق الإبداعي في أعماق نشوة الخمر ، والخمر ليست إدانة لكونها خمر ، وإنما رمز لحالة النشوة التي تعتري الشاعر عند فوزه بالنص . وهنا نسجل للشاعر كيف أن الألفاظ اكتسبت دلالات جديدة تجاوزت الدلالات التقليدية لها ، فالخمر : نشوة التجربة الشعرية في اكتمالها ، والزكاة : هذا الفيض الذي تغرقنا به الذات الشاعرة عندما تتعملق الكون ، وتريد نشر الخيرات لكل البشر .
    يقول :
    خطواتي تشبه شجرة الكينيا ، وأنا أطعن البحر بالرمح الأبيض
    لأخترق شرفات الهيولي ...
    هذا المقطع ناتج العناء والتعب ، فقد امتلكت الذات الشاعرة السماء والأرض ( الكونية المطلقة ) ، مع إيمان بالله العظيم . فكانت الخطوات عالية الوقع : حيث صارت الخطوة في مساحة شجرة الكينيا ، وصار الشاعر طاعنا البحر ، ولنتخيل هذا التعبير الكنائي ( من الكناية ) ، لنعرف إي مدى وصلت الذات المبدعة بعدما غرفت الكونية في أعماقها.
    يقول :
    عشق يمرغ الغيوم في حضن حنجرتي !!! ...
    ما أقرب جسدي إلى السماء ،
    وما أبعده عن الغربة !!! ...
    وفوضى اللغة !!! ...
    العشق : رمز لقطوف الذات المبدعة ثمرات القصيدة ، وقد دلت " حضن حنجرتي " على أن القطف إنما هو قطف شعري ، وشاعري ، وتأكد في هذا المقطع كيف أن الشاعر صار كونيا " ما أقرب جسدي إلى السماء " ، وكيف صار منتميا للشعر ، وللإيمان الرباني ، وقد برهن على ذلك بقوله:
    " وما أبعده عن الغربة !!! ...
    وفوضى اللغة !!! ... "
    * * *
    هذا نص ليس سهلا ، لا يسلس قياده بسهولة ، ولكن إن تعمقناه سندهش من كيفية استيعاب الذات الشعرية للسماء والأرض ، بكل جزئياتهما ، وتفصيلاتهما .
    نص يتحدى ، والتحدي حافز للعقل ، والفؤاد .

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الغالي الأديب والناقد الحصيف الدكتور مصطفى عطية

    اعتدت لدى قراءتي لمواضيعك النقدية الحاذقة , أن أمرّ عبر تقنيات ومقاييس , تستخدم فيها الاصول الاكاديمية والمنهجية , في التحليل والنقد , ولا أنكرّ جمال مبضعك النقدي الدقيق , فطالما تناولت المواضيع المدروسة , بلمسات من الحنو والتذوق الجمالي , ولكن الاساس عندك , هو استخدام المقاييس والاسس , وفي : قراءة في قصيدة " أعلى قليلا من الصمت الطري " , لمحت شيئا من التبدل في اسلوبك العلمي والمنهجي في النقد , فقد تناولت القصيدة , بريشة المتذوق الجمالي , المتعمق في حركة الابداع , الممسك بخيوط النمط الحداثي , على خلفية من التمكن في تقنية التحليل والنقد , وربما كانت القصيدة (أو بصورة عامة العمل ) , تغري بمثل هذا التذوق , أو تشجّع الناقد على منحى دون غيره , ومهما يكن من أمر , فقد قدمت لنا هنا , إضافة جديدة , في كيفية تناول الدراسة الأدبية والنقدية , للقصائد الحداثية , وقد جعلتني كقارئ , أحسّ مواضع الجمال , وأرى مواضع الابداع , في القصيدة بشكل لافت .
    تقبل احترمي وتقديري الكبير لك أديبا وناقدا استاذا .

    أخوكم
    د. محمد حسن السمان

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الوالد والأديب والمثقف / د. محمد السمان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
    أشكرك مرتين :
    الأولى : على قراءتك السريعة للدراسة ، فقد نشرتها منذ وقت وجيز ( أقل من ساعة ) ولم أتوقع سرعة التلقي لها بهذا الشكل ، خاصة أنني لم أغادر جلستي على الحاسوب بعد .
    الثانية : على تلقيك الفعال ، الذي ينبئ عن قراءة متعمقة ، تمتاز بها ، وتبدو من تعليقاتك الدقيقة التي تدقق في النص المنشور في كل كلمة .
    أما بخصوص تساؤلك - غير المباشر - عن عدم وجود منهج نقدي واضح كما عهدت مني من قبل ، فإن النص هو الذي يفرض وجوده على الناقد ، فأنا أنطلق من أعماق النص ، وجمالياته وأفكاره ، ومن ثم يكون المنهج ، أو لا يكون . وأذكر هنا بكثير من الدراسات التي تشرح وتفسر وتسهب في تناول النصوص وتحملها أحيانا ما لا تحتمل ، فترفع نصوصا - أقل من المستوى - ، وتنزل بنصوص هي الأجمل ، وهذا جزء من أزمة النقد والإبداع في مجتمعنا الأدبي ، فالكتابات المجانية ( المجاملة أو المهاجمة ) أضرت كثيرا المبدعين ، فاختلط الحابل بالنابل بسببها ، ولعل - حضرتك - تلمسها بنفسك في كثير من المنتديات والصحف وحتى في الأبحاث الأدبية .
    ولتوضيح وجهة النظر هذه :
    هناك مناهج ثابتة أكاديمية ، وهي مناهج محددة بأطر ، ولكنها في النهاية تطرح نفسها على النص ، وتختبر من خلال النص ، ومن ثم تظهر فاعليتها في النصوص ( الدراسة التطبيقية ) .
    وهنا يوجد منهج : وهو منهج لم أصرح به بشكل مباشر ، وإنما يبدو في ثنايا القراءة ، وهو منهج التحليل الجمالي : اسلوبيا وبنيويا ، مع التأويل ، وقد اعتمد هذا المنهج على وحدة المقطع الشعري لا السطر أو الكلمة ، ذلك لأن النص ليس سهلا ، ولا يعتمد الكتابة التقليدية والرؤية المعتادة للأمور ، بل هو يتعامل بطريقة كونية شمولية مع التجلي الشعري ، وأحسب هذا النص جديدا في رؤيته ، وقد اعتمد
    تقنية النص / الصورة / الرؤية ، وهي تقنية شعرية تحتاج إلى المزيد من الرصد والبحث والتنظير ، ولا يتسع المجال للحديث التفصيلي عنها .
    أختم كلامي بتكرير شكري وتقديري لشخصكم الطيب .
    والسلام عليكم ورحمة الله

المواضيع المتشابهه

  1. فِي زَاوِية مِن خَيَالِي
    بواسطة محسن العافي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 01-09-2020, 07:45 PM
  2. لا يَسْتَوي مَنْ فِي الجَهَالَةِ مُغْدِقَـــاً
    بواسطة تامر عمر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 06-08-2012, 06:18 PM
  3. مجرد""""كلمة"""""ترفع فيك أو تحطمك........!
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-05-2009, 11:27 AM
  4. "مَن كذَبَ عليَّ مُتعمِّداً، فليَتَبوّأْ مقعدَهُ منَ النّـار "
    بواسطة أسماء حرمة الله في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-03-2008, 01:17 AM
  5. الصمت فيّ أبلغ من الكلام
    بواسطة إدريس الشعشوعي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-05-2005, 07:32 PM