أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: إشكالية العامية والفصحى : تحاور أم تصارع ؟ وانعكاسها على الحياة الأدبية

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي إشكالية العامية والفصحى : تحاور أم تصارع ؟ وانعكاسها على الحياة الأدبية

    إشكالية العامية والفصحى : تحاور أم تصارع ؟ بقلم : د. مصطفى عطية جمعة
    وانعكاسها على الحياة الأدبية
    للغة في المجتمع الإنساني مستويات عدة وهي :
    المستوى المعرفي ، والمستوى البلاغي ، والمستوى الأدبي ، ومستوى في الطقوس الخاصة، وأخيرًا المستوى العام أو ما يسمى بالخطاب العادي ، وهو ما تعتمد عليه اللغة لقياس صحتها وقوتها ؛ لأن الحديث اليومي حين يحسنه أفراد المجتمع ، فيقترب أكثر من أصول وقواعد اللغة ، فإنه ينشط اللغة ، ويعيد إليها الشباب ( 1).
    وأي لغة في العالم تحيا مع ما يسمى بالازدواج اللغوي القهري ، و" الذي يجعلها تحيا وتتعايش وتشعر وتتعامل بلغة يومية مرنة نامية ومتطورة مطاوعة ، ثم هي تتعلم وتتدين وتحكم بلغة غير مكتوبة ومحددة ، غير نامية ، لا تطوع بها الألسنة ولاتتعثر فيها الأقلام"(2 ).
    وهذا ما نراه واضحًا فيما يسمى باللغة العامية ، والتي تعرف بأنها :" اللغة التي يتكلمها الشعب وهي في واقعها تشويه للغة الفصحى ، لا سيما في البلدان العربية"(3 )
    وإن كان البعض يفضل أن يطلق عليها اصطلاح لهجة ، وتعريفها اللغوي : " طرف اللسان أو جرس الكلام " ( 4) ، وأيضًا " لغة الإنسان التي جبل عليها فاعتادها ، يقال فلان فصيح اللهجة أو صادق اللهجة ، ( فهي ) طريقة من طرق الأداء في اللغة وجرس الكلام " (5 ) أما تعريفها الاصطلاحي فهي : " الطريقة التي يتلفظ بها المرء بمفردات لغة وعباراتها وطريقة إخراج الأصوات عند النطق بها ، وهي طريقة تختلف باختلاف المناطق الجغرافية ، حتى ضمن بلد واحد ، فإن أناسًا يتكلمون لغة موحدة المفردات والتعابير والقواعد ، يتلفظون بلغتهم المشتركة لهجات متباينة تباين انتماءاتهم الإقليمية ، وذلك لتأثير البيئة الاجتماعية والثقافية على الإمالات الصوتية … ، والفرع العامي المتحدر من اللغة الفصحى هو المعنى الكثير الشيوع في استعمال النقاد والباحثين في الأدب ، فهم يقولون اللهجة المصرية واللبنانية والعراقية … ، ويقصدون بكل واحدة منها اللغة الشائعة على ألسنة الشعب في كل من هذه الأقطار ، فاللهجة في مفهومهم تعادل العامية " ( 6)
    وبالتالي فإن اصطلاح " لهجة " أدق من " اللغة العامية " ، لأن اللهجة فرع من أصل ، وهو اللغة الفصيحة ، فهي ليست لغة مقابلة ، بل الأمر تفاوت في النطق الذي يخالف ما درج عليه اصطلاح الفصاحة ، والذي يعرف بأنه : " البيان ، واللفظ الفصيح ما يدرك حسنه بالسمع " (7 ) ، وهو أيضًا : " سلامة الألفاظ من اللحن والإبهام وسوء التأليف"(7 )
    فهناك عوامل عديدة وراء تفرع اللغة إلى لهجات :
    1 ) عومل اجتماعية سياسية : تتعلق باستقلال المناطق التي انتشرت فيها اللغة بعضها عن بعض ، وضعف السلطان المركزي الذي كان يجمعها في رباط واحد ، فاتساع الدولة وكثرة المناطق التي تتبعها واختلاف الشعوب الخاضعة لنفوذها يؤدي – غالباً – إلى ضعف سلطانها المركزي وبالتالي ضعف السلطان اللغوي للغة الأم الفصيحة ، كما أن التمزق والانفصام السياسي يؤديان إلى انفصام الوحدة الفكرية واللغوية .
    2 ) عوامل اجتماعية نفسية أدبية : وتتمثل في الفروق بين النظم الاجتماعية والعرف والتقاليد والعادات ومبلغ الثقافة ومناحي التفكير والوجدان ، وهذا ينعكس على أداة التعبير ، فيختلف المنطوق الصوتي ، وتظهر اللهجة واضحة .
    3 ) عوامل جغرافية : وتتمثل في الجو وطبيعة البلاد وبيئتها وشكلها وموقعها … ، وما يفضل كل منطقة منها عن غيرها من جبال وأنهار وبحار وبحيرات ، فهذه الفروق تضعف اللغة الفصيحة الأم ، وتنعش اللهجة بحكم الانعزال الجغرافي النسبي .
    4 ) عوامل شعبية : تتمثل فيما بين سكان المناطق المختلفة من فروق في الأجناس والفصائل الإنسانية ، التي ينتمون إليها ، والأصول التي ينحدرون منها ، فهذه لها آثار هامة في تفريع اللهجات .
    5 ) عوامل جسمية فسيولوجية : تتمثل فيما بين سكان المناطق المختلفة من فروق في التكوين الطبيعي لأعضاء النطق . ( 8)
    فمن المحال – في ضوء ما تقدم – أن تحتفظ اللغة بنفس حيويتها ونطقها الأصلي ، فهذا ضد السنن اللغوية في الكون .
    ومنبع الاختلاف بين اللهجات يتأتى في ناحيتين :
    - الناحية الصوتية : حيث " تختلف الأصوات التي تتألف منها الكلمة الواحدة ، وتختلف طريقة النطق بها تبعًا لاختلاف اللهجات " .
    - ناحية دلالة المفردات : ويقصد بها اختلاف " معاني بعض الكلمات باختلاف الجماعات الناطقة بها" (9 ).
    أما القواعد التي تحكم اللغة سواء فيما يتعلق بالبنية المورفولوجية أو ما يتعلق ببنية التنظيم ، فلا ينالها الكثير من التغيير ، فاللهجات العامية المتفرعة عن العربية في بلاد المغرب واليمن والحجاز ، لا يوجد بينها إلا فروق ضئيلة في نظام تكوين الجملة وتغيير البنية وقواعد الاشتقاق والجمع والتأنيث والوصف والنسب والتصغير … ، أما الاختلاف بين الجانب الصوتي والدلالي فقد بلغ درجة كبيرة( ).
    إن " الحياة اللغوية تتضمن وجود لغة عليا مشتركة ولغات (لهجات ) محلية للحياة اليومية خضوعًا للطبيعة الاجتماعية للحياة اللغوية ، التي تقضي بوجود لغة للثقافة والفكر والفن ، غير اللغة المستعملة في الحياة اليومية ، وهذا ما فات أصحاب دعوى انتحال الشعر الجاهلي ، وقد رابهم من أمره أنه قد ورد من (شعراء) قبائل مختلفة بلغة واحدة ، لا تحمل أثر الاختلاف بين اللهجات " (10)
    لقد كانت العربية من المرونة بحيث استوعبت آلاف المصطلحات المستحدثة في المجال الشرعي والعلمي واللغوي ، كما أفسحت المجال لكثير من الألفاظ الأجنبية والتي تم تعريبها ، وظهرت معاجم متخصصة لتفسير ما غمض ( 11)
    وقد قامت القبائل العربية المهاجرة من الجزيرة إلى الأقطار المفتوحة بعض خصائصها اللغوية في النطق ، ولنأخذ مثالاً على ذلك ، فإن أهل مصر ينطقون في الجواب على الاستفهام بنعم أو لا ، يقولون " أيْـوَه " أو " إيـْوَه " والأصل في ذلك " إي " حرف جواب بمعنى نعم، إلا أنهم يصلونه بواو القسم فيقولون " إيوَ " ويزيد الناس عليه هاء السكت لإبراز القسم المؤكد لتصديق المتكلم ، وذلك عن طريق بيان الحركة التي على الواو . لقد انتشرت تلك الخصيصة اللغوية في لهجة أهل مصر – مثلها مثل نطق الجيم القاهرية – من خلال هجرات قبائل يمنية إلى مصر منذ العصور الأولى في الإسلام ( 12) ، ومن التطور في النطق العامي الواضح ، ما حدث من انحرافات في نطق الأصوات في كثير من اللهجات ، مثل عدم نطق الأصوات الأسنانية في اللهجة المصرية ، وانتفاء أصوات اللين القصيرة (الحركات ) في جميع اللهجات العامية المتشعبة ، فكلها ساكنة الأواخر (13 )، وقد انعكس هذا كثيرًا على نطق الفصحى تحدثًا وقراءة الآن .
    ويثور سؤال : لماذا لم تتطور اللهجات المحلية في العالم العربي إلى لغات مستقلة ؟
    وتكمن الإجابة عن هذا السؤال ، بتقرير حقيقة أن العربية لغة كتاب مقدس ، يتعبد الناس بتلاوته ، ويرونه الأسمى في البلاغة والبيان والإعجاز ، وقيض الله للعربية الكثير من المدارس والجامعات القديمة كالأزهر والزيتونة والقرويين، التي حمتها دومًا من أية هجمة تعرضها للاضمحلال أو التلاشي ، ويقيض الله سبحانه من العلماء الموسوعيين ، والمثال الساطع لذلك ما حدث في أعقاب اجتياح المغول لبغداد ، وإسقاط خلافتها الإسلامية ، وحرق وإتلاف ملايين الكتب في مكتباتها ، الأمر الذي شكل كارثة مروعة ، بفقدان رصيد علمي كبير ، كانت العربية هي لغته ، فاضطلع علماء عديدون لتأليف موسوعات ضخمة في اللغة والتاريخ والشريعة أمثال : ابن منظور ، وابن خلدون وابن حجر العسقلاني وتقي الدين المقريزي وابن خلكان والنويري والسيوطي …، فظل التراث والعربية في مأمن دومًا من هجمات سياسية وحضارية ولغوية ( 14).
    وهناك سبب آخر في منع تطور العاميات ، ويتمثل في وجود " تيار محافظ " من اللغويين القدامى ؛ سعى إلى منع التهاون في الفصحى نطقًا وكتابة ، وكان لهم الدور الأكبر في الحفاظ على العربية الفصيحة ، إلا أن العربية اليومية ( لغة الخطاب العادي ) كانت تساير الزمن وتستجيب لتجدد الحياة، واتساع آفاقها ، لذا ظهر لغويون " حاولوا تتبع ما في عاميات العربية من لحن ، كما فعل الكسائي وأبو بكر الزبيدي في لحن العامة ، وابن مكي الصقلي في بعض أبواب من كتابه تثقيف اللسان " (15) فالمحاولة ذاتها تشهد بأن العاميات العربية كانت لها موضعًا في فكر اللغويين ، إلا أن محاولاتهم كانت تنطلق من مفهوم " اللحن " أي من منظور الاتهام إلى العاميات التي خرجت عن سنن الفصحى ، ولم تسع إلى النظر إلى أن تلك العاميات إنما هي تطور للفصحى ، أو تشتمل على قواعد لغوية لم ينتبه إليها اللغويون . وهذا جعل نصوص العامية في التاريخ لم تنل الاهتمام الكافي من حيث كونها تراثًا شعبيًا من الدارسين القدامى ، " فلم تسمح هذه النظرة لرواة اللغة وجماعها والدارسين والمتأدبين أن يسجلوا نماذج مما جرى على ألسنة الناس … دون تكلف أو تعمّل ، وأنت لا تستطيع أن تحظى بشيء من ذلك إلا أن تكون ذا صبر طويل لتتسقط أخبار العامة وما توحيه إليك من فوائد في هذا الباب" ( 16) .
    وهذا لا يجعلنا نرى أن اللغة الفصيحة كانت جامدة على مستوى التعبير الأدبي والشعري ، بل نلمس تطورات واختلافات في الأساليب الفصيحة طيلة عهود وحقب الحضارة الإسلامية ، وحتى الآن ، وهي أن التلاقح بين العامية والفصحى من الأهمية بمكان ، فنحن في أشد الحاجة إلى دراسة التطورات الحادثة على ألسنة الناس ، فرب لفظة يستعملها الناس في حديثهم اليومي ، تعبر عن مجمل فقرة فصيحة بأكملها ، وتكون أقرب للواقعية التي يتنادون بها .
    فـ " معلوم أن لكل زمن أو بيئة ذوقًا خاصًا في استعمال ألفاظ اللغة ، ويبدو ذلك في أدب العامة ، ولا سيما في الجانب الشعبي منها ، ولا يمكن أن نطبق ما تواضع عليه الناس في أساليب الذوق في هذا الباب في زمن معين ، على لغة أو لهجة في زمن آخر أو بيئة أخرى " ( 17)
    وهذه المحاولات لم تسلم أيضًا ، من ردود شديدة من التيار المحافظ القديم ، وكأن من الخطأ التقرب ولو بعض الشيء من العاميات ، فظهرت كتب ترد على هذه المحاولات، من مثل " الرد على الزبيدي في لحن العوام " لهشام اللخمي ، وكتاب "المدخل إلى تقويم اللسان " في الرد على ابن مكي الصقلي . وفي العصر الحديث ، سار البعض على نفس الخطى ، ولكن من منظور إيجاد المشترك بين العامية والفصحى ، فكانت محاولة " يوسف مغربي " في كتابه " رفع الإصر عن كلام أهل مصر " ، ومحاولة سليمان محمد سليمان في كتابه " العامية في ثياب الفصحى " ( 18) .
    الدعوة للعامية في العصر الحديث :
    بدأت الدعوة للعامية في مصر ، مع الاحتكاك بالمجتمعات الغربية عن طريق البعثات ، وذلك في عهد حكم محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، عندما نادى "رفاعة الطهطاوي " باستعمال العامية ، وأن توضع لها قواعد وأصول تضبطها حسب الإمكان ، ليتعارفها أهل الإقليم ، حيث نفعها عميم ، وتصنف فيها كتب المنافع العمومية. لقد جاءت دعوة الطهطاوي ، ضمن مناداته بإحياء العربية الفصيحة ، وتبيين فضلها ، فكان ثمة تناقض بين الدعوتين ، وهذا يبين مدى تأثره المبدئي بالفكر الغربي ، والتطورات التي أصابت اللغات الأوروبية ، ثم تطورت الدعوة أكثر في أواخر القرن التاسع عشر ، على يد " ولهلم سبيتا " الذي كان يعمل في دار الكتب المصرية ، ونشر كتابًا أسماه " قواعد اللغة العامية في مصر " ، شدد فيه على أهمية أن تكون لغة الكتابة هي نفس لغة الحديث ، معللاً بأهمية نشر الثقافة الشعبية . وقد قامت جريدة المقتطف بتبني الدعوة في العام 1881 م، بالمناداة بكتابة العلوم الحديثة بلغة الحديث اليومي ، إلا أن الشيخ خليل اليازجي وهو لبناني نصراني رد على الدعوة بقوة ، فأسكتها في مهدها ( 19). ثم ألّف "كارل فولرس " الألماني كتابًا في العام 1890 ، أسماه " اللهجة العامية الحديثة في مصر " ثم تولى ترجمته إلى الإنجليزية بنفسه في العام 1895 ، واصفًا العربية بالجمود والتعصب ، وشبهها باللاتينية ، وشبه العامية بالإيطالية . وأتبعه " ويلككس " حيث ألقى محاضرة ونشرها في مجلة الأزهر ، التي آلت إليه في سنة 1893 ، زاعمًا أن الذي أعاق المصريين عن الاختراع هو كتابتهم بالفصحى ، ودعا إلى التأليف بالعامية ، حيث قال إن من جملة العوامل التي أدت إلى فقدان المصريين إلى قوة الاختراع ، هو استبقاؤهم للغة العربية الفصحى ، وأشار إلى أهمية إغفالها ، واستبدالها باللغة العامية ، اقتداءً بالأمم الأخرى ، وذكر مثالاً على ذلك : الأمة الإنجليزية حيث استبدلت اللغة اللاتينية القديمة باللهجة الإنجليزية ، وجعلتها لغة الكتابة والإبداع (20 ) .
    وقد تابعه في نفس الحملة ، القاضي الإنجليزي " دلمور " والذي ألف كتابًا أسماه " لغة القاهرة " ، وقد تلقفت جريدة " المقتطف " الدعوة ، وراحت تتبنى القضية ، إلا أن الكثيرين تصدوا لها ( 21).
    وأتبعه أيضًا " سلدن ولمور " في كتابه " العربية المحلية في مصر " سنة 1901 ، دعا فيه إلى اتخاذ الأحرف اللاتينية في الكتابة العربية واتخاذ العامية لغة أدبية ، وإلا انقرضت لغة الحديث ولغة الأدب وستحل محلهما لغة أجنبية نتيجة زيادة الاتصال بالأمم الغربية وقد قال تبريرًا لذلك :" ومن الحكمة أن ندع كل حكم خاطئ وجه إلى العامية ، وأن نقبلها أنها اللغة الوحيدة للبلاد ، على الأقل في الأغراض المدنية التي ليست لها صبغة دينية " ودعا حكومة " مصطفى فهمي " الممالأة للإنجليز إلى تدريس العامية في المدارس مبررًا دعوته بقوله إن :" خير الوسائل لتدعيم اللغة القومية ( أي العامية ) هي أن تتخذ الصحف الخطوة الأولى في هذا السبيل ، ولكنها ستكون في حاجة إلى عون قوي من أصحاب النفوذ ، فإذا نجحت هذه الحركة ، فإن وقتًا قصيرًا في التعليم الإجباري ، وليكن سنتين سيكون كافيًا لنشر القراءة والكتابة في البلاد " ، وقد انبرت جريدة المقتطف في تقريظ هذه الدعوة ثانية ، معطية إياها صبغة سياسية ، إلا أن اشتداد الحركة الوطنية في البلاد ، كان عاملاً حاسمًا في مواجهة تلك الدعوة بحسم ( 22).
    إن الدعوة الأخيرة ، أبانت عن إسقاط غربي بيّن ، فكون الكاتب يدعو إلى إقصاء الفصحى إلى الحياة الدينية ، إنما يحمل في طياته ما حدث للاتينية من جعلها لغة الكنائس والكتب الكنسية القديمة ، وبمرور الوقت بدأت تختفي من الكنائس والصلوات لصالح اللغات الإقليمية في أوروبا ، ولا نذهب بعيدًا ، فقد قرر أتاتورك أن يجعل الأذان في تركيا – عقب إلغائه للخلافة العثمانية – باللغة التركية ، تدعيمًا للتوجه الانفصالي للدولة عن المحيط الإسلامي.
    الدعوة للعامية وانعكاسها على الأدب :
    واضح من سير الدعوات الماضية أنها لم تتطرق إلى الأدب القصصي والمسرحي ، بل اتسمت بالعمومية ، في كون السبيل إلى نهضة الأمم هو أن تحذو حذو اللغات الأوروبية في الاستقلال عن اللغة الأم ، تدعيمًا للهوية الإقليمية . وهذا ما جعلها تصطدم بالجانب العقدي والقومي ، وبالتالي ترفض في مهدها دائمًا .
    وقد ظلت الدعوة للعامية تراوح مكانها ، حتى أشعلها" سلامة موسى " في دعاويه وتابعه تلميذه "د. لويس عوض " حيث احتضن الأول الثاني على صفحات مجلته في سني الأربعينيات من القرن العشرين ، فكلاهما نادى بالأدب للحياة ، وكان المقصود بالدعوة أن يكتب الأدب باللهجة العامية ، بحجة أن العامية مرآة الأمة والمعبرة عن وجدانها ، في مواجهة اللغة الفصيحة بجمودها وثباتها وسكونها في الكتب ، أما اللهجة العامية فإنها حية نابضة بمشاعر الناس ، لقد أبدى " سلامة موسى " إعجابه الشديد من الشعر العامي الشعبي ، وبالغ في إعجابه لدرجة أنه أشاد ببيت شعر شعبي يقول : "ورمش عين الحبيب يفرش على فدان " فرأى أنه يتقدم على إبداعات السابقين واللاحقين بالفصحى .
    وكان توظيف " د . لويس عوض " في جريدة الأهرام منذ أواخر الخمسينيات كمستشار ثقافي وسيلة لإعادة الدعوة للعامية بقوة ، وإثارة اللغط حولها ، حيث زعم أن سبب جمود الرواية والقصة، وانصراف الناس عنهما إلى الأعمال المسرحية والإذاعية ثم التلفازية هو " القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب منذ سنوات ، بضرورة استعمال اللغة الفصيحة في حوار القصة ، وقصر الجوائز على القصص الخالية من الحوار العامي " ( 23) .
    فاصطلاح " الجمود " هو الاصطلاح الذي يتخذه دائمًا دعاة العامية ، سواء في الحياة الأدبية أو في الحياة العامة ، وهو يفترض أن الفصحى جامدة ثابتة معقدة ، ويضفي المرونة والعصرنة والواقعية والحياتية على العامية ، وهو أمر شديد التطرف ، لأنه يضع الفصحى والعامية في كفتي ميزان ، بإطلاق عام ، دون توخي الموضوعية في الطرح ، فالعاميات لا تتنافس مع الفصحى لأنها وليدة منها ، والفصيحة ليست منعزلة عن الواقع بل هي جزء منه ، لا يحيا في الأدب والقص والمسرح ، إلا حسب استيعاب الناس لها ، وإلا لأقفلت الصحف ، وجفت المطابع عن إصدار الكتب .
    و امتدت الدعوة إلى بلاد الشام ، وإن كانت بطريقة أشد تطرفًا ، فقد ظهرت عدة كتب تنادي بأهمية الكتابة باللهجة العامية الشامية ، منها كتاب " محاضرات في اللهجات وأسلوب دراستها " ،و " نحو عربية ميسرة " وكلاهما لأنيس فريحة ، وألّف شكري فاخوري كتابًا أسماه " التحفة العامية في قصة فانيوس " ، للخوري فاروق عطية ، في كتابه " في متلو هلكتاب " وكانت كلها بالحرف العربي ، إلا أن الدعوة اشتدت مطالبة بكتابة العامية بالأحرف اللاتينية في محاولة الأب "رافائيل نخلة " في كتابه " قواعد اللهجة اللبنانية السورية " ، وكتاب " يارا " بقلم سعيد عقل ، وهو شعر بالعامية وبالحرف اللاتيني ، وكانت تجربة غير مسبوقة في المجال الأدبي بشكل عام في العالم العربي ، حيث اتخذت العامية حرفًا يحمل هوية أوروبية في إطار واضح لمحو الهوية العربية ( 24).
    إن الإنجليز باستبدالهم اللغة اللاتينية باللغة الإنجليزية ، " قد استبدلوا اللغة الأجنبية بلغة محلية وطنية ، وليس الحال كذلك مع اللغة العربية ؛ فالفرق بين لغة الكتابة والتكلم ليس بالشيء الكثير ، وقد لا يكون أكثر من الفرق بين لغة كتاب الإنجليز ، ولغة من لا يعرفون القراءة " ( 25)
    كما أن الناطقين باللهجات العامية يختلفون في داخل البلد الواحد ، ولنأخذ مثالاً على ذلك : لهجات مصر متنوعة بين أبناء الصعيد وأبناء الدلتا ، وتختلف لهجة الصعيد في ثناياها ، فلهجة أبناء أسيوط تختلف عن أبناء محافظة إلمنيا ، ومحافظة أسوان تختلف عن محافظة قنا … إلخ، في حين تتمايز لهجات الدلتا ، فلهجة أهل الأسكندرية تختلف في النطق والإمالة عن لهجة أبناء بورسعيد ، أضف إلى ذلك اختلاف لهجات قبائل البدو التي تضرب خيامها في سيناء وفي الصحراء الشرقية ، فيلاحظ أنه ليس كل سكان مصر ينطقون صوت الجيم فيما يسمونه الجيم القاهرية ، إلا أن هناك من يعطش الجيم ، في الصعيد ، كما أن الملاحظ أن الكثير من أقاليم مصر لا تنطق الأصوات الأسنانية .
    ولو أخذنا مثالاً من لهجات أهل الخليج ، ففي دولة الكويت نجد أن لهجة الحضر تختلف في نطقها ومفرداتها عن لهجة القبائل ذات الأصول البدوية ، فالحضر ينطقون الجيم ياءً ، بينما البدو ينطقونها نطقًا فصيحًا سليمًا ، والمشترك بين لهجة أهل الكويت نطقهم للأحرف الأسنانية ، ونطقهم الضاد ظاء ، وإبدال القاف جيمًا قاهرية ، وتفخيم الحركات المرققة ، وظاهرة الكشكشة في خطاب المؤنث . وبالرغم من القرب المكاني ، فإن أهل البحرين يفخمون الفتحة في أكثر المواضع ، بينما يرققها أهل الكويت (26 ).
    والقاسم المشترك بين سائر اللهجات العربية هو وجود آلاف المفردات التي تختلف في نطقها واشتقاقها ومصادرها من اللغات الأجنبية وفي معانيها من قطر إلى آخر . إلا أن السمة الغالبة على كل قطر ( دولة ) هو سيادة لهجة إقليم بعينه على باقي اللهجات ، كسيادة اللهجة القاهرية بين أهل مصر ، بحكم مركزية العاصمة ، ونطق المذيعين في الأجهزة الإعلامية بها ، مما جعلها مفهومة لدى الجميع ، ويتحدث بها الكثيرون .
    كما أن كل لهجة تتمايز عن غيرها بالعوامل المساهمة في تكوينها ، فاللهجة الكويتية – مثلاً – تأثرت على مرّ العصور بلغات مختلفة ، كالفارسية والتركية والهندية ، وبعض الكلمات الإيطالية والفرنسية والسواحلية والأردية وبقايا كلمات سريانية وآرامية ، بحكم موقعها الجغرافي وكونها ملتقى للتجارة أو امتهان أهلها التجارة الوسيطة ، منذ مئات السنين ، وتعرضها للاحتلال البريطاني ثم وفود العمالة الأجنبية والتي أحدثت تغييرات اجتماعية ولغوية حديثًا (27 ). فالعامية ليست مجرد تساهلاً في النطق للكلمات الفصيحة ، بقدر ما هي مزيج من التداخلات اللغوية للعديد من اللغات القديمة والحديثة ، والتي تتمايز بتمايز الموقع الجغرافي والظروف السياسية والاجتماعية للسكان .
    والعامية – كمصطلح – فضفاضة في تعبيرها عن لهجات الطبقات الاجتماعية والفئات في المجتمع الواحد ، " فلغة المحادثة في البلد الواحد تتشعب إلى لهجات مختلفة تبعًا لاختلاف طبقات الناس وفئاتهم ؛ فيكون - مثلاُ - لهجة للطبقة الأرستقراطية وأخرى للجنود وثالثة للبحارة ورابعة للرياضيين … وهلم جرا ، ويطلق المحدثون على هذا النوع من اللهجات اسم اللهجات الاجتماعية ، تمييزًا لها عن اللهجات المحلية " ( 28) وهي لا تتميز عن اللهجات المحلية بل هي فرع لها ، ولكنه يختص بمفرداته وتعبيراته اللغوية التي تختلف عن باقي اللهجة المحلية ، وقد "تذهب بعض اللهجات الاجتماعية بعيدًا عن في هذا الطريق ، فيشتد انحرافها عن الأصل الذي تشعبت منه ، وتتسع مسافة الخلف بينها وبين أخواتها"( 29)
    وهناك دعوة يتبناها البعض من دعاة العامية باتخاذ كل قطر لهجة عامية مشتركة ، توحد بين سائر اللهجات ، فأي لهجة سيتم تبنيها لتكون هي العامية السائدة ؟ (30 ) فوفقًا للمنظور الديمقراطي والاعتراف بالآخر ، من حق أية عامية أن تستقل بنفسها كلغة للحديث والكتابة ، دون استعلاء عامية أخرى عليها في داخل القطر ، ولابد أن يتم إفساح المجال لها في وسائل الإعلام ، وعامة ، فهذه الدعوة إنما تدل على نزعة متناقضة ، فكيف ندعو لوحدة لغوية داخل القطر ، ويتنادون بأهمية اتحاد فئات وأقاليم القطر الواحد على لهجة واحدة ، في الوقت الذي سيكون اتخاذ هذه العامية وسيلة لتفكك العالم العربي، وزيادة الانفصالية بين أقطاره ؟ لأن الدعوة إلى اللهجة العامية تتخذ من القطر الواحد ، بحدوده المصنوعة جغرافيًا مجالاً مؤطرًا لها ، وإلا فما معنى الأمة المصرية التي نادى بها "ويلكوكس " في أوائل القرن العشرين ؟ هل تشمل السودان أيضًا معها والذي كان منضويًا تحت لواء الحكم المصري آنذاك ؟ فتلك الدعوة تعظم القطرية والانعزالية المكانية، لشعوب عربية وإسلامية، عاشت التمازج وحركة الانتقال بين شعوبها وبين أقاليمها تحت لواء حكم دولة إسلامية واحدة ، منذ الدولة الأموية والعباسية ثم العثمانية .
    فهذا أمر ينطوي على تهديد خطير للرابطة العربية ، فالجامعة العربية قائمة على الرابطة اللغوية التي جعلتها تتلو كتابًا مقدسًا واحدًا ( 31) ، بل إن الجامعة الإسلامية تقوم في أواصرها على العربية ، باعتبار أن القرآن هو الكتاب الجامع ( 32) ، والنخب المثقفة في الدول الإسلامية غير العربية والتي تعلمت العلوم الشرعية ، إنما اتخذت العربية لغة لها ، وتسعى إلى تعليمها ونشرها في بلادها عبر مدارس وكليات العلوم الشرعية كما هو حادث في إيران وباكستان والهند … وغيرها ، وهذا يعني مزيدًا من الترابط مع العمق الإسلامي متمثلاً في البلاد العربية .
    ويلاحظ أن البعض من متشددي العامية يرون زيادة إقصاء الفصحى إلى التخصصات الشرعية والدينية كاللغة اللاتينية ، إلا أنهم في غالبهم إما أجانب أو ممن تتلمذوا في الكليات الغربية ، وهم في الوقت نفسه يعظمون أهمية تدريس اللغة الأجنبية (الأوروبية طبعًا ) في المدارس ، وهذا تناقض آخر ، إلا أنه يتسق مع دعوتهم بكتابة العاميات بالأحرف اللاتينية .
    فإذا كان هناك إجماع بـ " أن إرساليات التبشير عجزت عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس معتقديها … ، ( إلا أنها ) تستطيع أن تقضي على لبناتها ( يقصد العقيدة الإسلامية ) من خلال هدم الفكرة الدينية الإسلامية ، ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية وتمهيد السبيل لتقدم إسلامي مادي ، وهو الذي عبّر عنه " توينبي " (فيلسوف التاريخ الغربي الشهير ) بأنه طريقة العيش الغربية ، واعتناق مبادئ الحضارة الغربية … " (33 )
    ويقرر المستشرق الألماني " كامغماير " أن تركيا لم تعد بلدًا إسلاميًا فالدين لا يدرس في مدارسها ، وليس مسموحًا بتدريس اللغتين العربية والفارسية في المدارس ، فقراءة القرآن وكتب الشريعة الإسلامية قد أصبحت الآن مستحيلة بعد استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية ( 34). فمثل هذه الأقوال ، وهذا الواقع اللغوي والديني الذي نشأ في بلد كتركيا ، جعل الكثير من علماء النخبة وأهل اللغة في بلادنا ، ينظر بريب لدعوات العامية ، فالأمر أسفر عن بعد تغريبي تنصيري في ثنايا الدعوة ، وهذا واضح بحكم تكوين دعاتها ، فبعضهم ( خاصة في لبنان ) كانوا من أساتذة وخريجي مدارس التبشير ، مثلما كان الأب " رافائيل نخلة " ، والخوري " فاروق عطية " .
    أما عن قضية الازدواج اللغوي فمعلوم أنه موجود في كثير من اللغات ، وإن كان بنسب متفاوتة ، لكنه موجود ، وحادث ويتطور ، وإن من يعايش اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو الإيطالية، سيجد اختلافات نطقية واضحة ، وهذا أمر مسلم به من وجهة نظر التطور اللغوي، وقوانين الانعزال والتأثر بالجغرافيا والتاريخ ( 35) إلا أن كل دولة تسعى إلى ترسيخ فصحى مشتركة ، في مواجهة العاميات السائدة .
    ومن جانب آخر نؤكد :
    أن الأمر ليس كما يظن من أنه مجرد تثبيت للفصحى في مواجهة العامية، والانتصار لها في معركة لغوية ، فهذا أمر سيعمل الإعلام والتعليم والتاريخ على مواجهته، وإنما السؤال : هل العامية شر مطلق وأذى مستطير كما رد دعاتها ؟
    واقع الأمر أن الإشكالية – وبنظرة موضوعية – غير ذلك ، فإذا كان دعاة العامية أسرفوا وتطرفوا، إلا أن الدعوة بها عدة عناصر ينبغي الاهتمام بها :
    - إن العامية تعبّر عن تطور لغوي للعربية الفصيحة ، وهذا التطور لا يمكن أن نتغافله ، فنحن لا نحيي فصحى قديمة بالية ، بل نأخذ من الفصحى ما يتناسب فهمه مع العامية الحالية ، وما يتردد على الألسنة منها .
    - تأسيسًا على النقطة السابقة ، فإن العامية السائدة على الألسنة في الدول العربية ، إنما هي معيار الكتاب في التعبير ، فلن يعبر كاتب بلفظ فصيح مأخوذ من معاجم قديمة ، تحت دعوى إحياء الفصحى ، بل يتخذ مما هو سهل فهمه ، متداول فيما هو مدروس منتشر في الإعلام والصحافة لبنات في بناء جمله وعباراته .
    - إن دراسة العامية إنما تعبّر عن رصيد من التراث الشعبي ، جرى إهماله قرونًا عديدة ، تحت دعاوي النظرة المقدسة للعربية لغة القرآن ، ونسى أصحاب تلك الدعاوي أن التراث الشعبي ما كان ينشأ إلا بلغة العامة ، فالفلكلور " هو العلم الذي يدرس التراث الروحي (اللامادي ) للشعب ، وخاصة التراث الشفاهي … ، وذلك من أجل تفسير حياة الشعوب وثقافتها عبر التاريخ " ، فمجال الفلكلور هو " إعادة بناء صورة التاريخ الروحي للإنسان … ، كما يتضح في أصوات الشعب غير المصقولة " ( 36) والمقصود بأصوات الشعب غير المصقولة هو اللهجات العامية التي لا تخضع لمعايير الفصحى ، لأن التراث الشعبي لا يصنعه فرد بعينه ، بقدر ما يشارك الكثيرون في صياغته وتأليفه ، وهو يعبر عن الرؤى الفكرية لطبقات الشعبية المهمشة والفقيرة ، عبر حقب التاريخ ، فليس الأمر مجرد الوقوف على ألفاظ العوام ودراسة علاقتها بالفصحى ، بل يمضي إلى دراسة نفسية الشعب ، وهو يفيد كثيرًا في إيضاح جوانب من الحياة اللغوية والفكرية والاجتماعية التي تم تجاهلها عن عمد أو بغير عمد ، من لدن دارسي الأدب العربي قديمًا ، ومن لدن الكثير من المعاصرين في بدايات النهضة العلمية الحديثة .
    لذا فإن التعريف المتبنى من منظمة اليونسكو في أحدث مؤتمراتها يؤكد أن " الفولكلور أو الثقافة التقليدية الشعبية هو جملة أعمال إبداع نابعة من مجتمع ثقافي وقائمة على التقاليد تعبر عنه جماعة أو أفراد معترف بأنهم يصورون تطلعات المجتمع وذلك بوصفه تعبيرًا عن الذاتية الثقافية والاجتماعية لذلك المجتمع ، وتتناقل معاييره وقيمه شفهيًا أو عن طريق المحاكاة أو بغير ذلك من الطرق ، وتضم أشكاله ، فيما تضم ، اللغة والأدب والموسيقى والرقص والألعاب والأساطير والطقوس والعادات والحرف والعمارة وغير ذلك من الفنون" (37 ) وبناء على ما تقدم ، فإن العامية والفصحى لا يتصارعان بقدر ما يجب أن يتحاورا على صعيد الدراسة اللغوية والفولكلورية والأدبية والنقدية ، بعيدًا عن الرفض والقبول الذي يقف عند الحافة ، دون إرادة التزحزح إلى المنتصف .
    وعليه ، فإن مفهوم العربية الفصيحة لا يقصد به المقياس القديم الجاهلي ، فهذا من القضايا اللغوية التاريخية ، وله قداسة راسخة وتقاليد عريقة ، وهو يحكم مقدمات فصحانا الحديثة ( 38). وتُعرّف الفصحى الحديثة أو العربية المعاصرة بأنها :" لغة فصحى ، مكتوبة ، تستخدم في التعليم وفي العلم وفي الأدب وفي الصحافة وهي اللغة الرسمية المشتركة في العالم العربي اليوم " وتفصيل هذا التعريف يتمثل في كون العربية الفصيحة:
    - ملتزمة بقواعد الفصحى المعروفة في كتب النحو وإن أصابها شيء من التغيير يقع غالبًا في النواحي الصرفية والدلالية .
    - لغة مكتوبة في الأعم والأغلب وأشكالها المنطوقة في الغالب مصدرها مكتوب .
    - لغة التعليم في معاهده المتعددة ولغة العلم بفروعه المختلفة ، ولغة الأدب بفنونه ولغة الدولة بمؤسساتها المحلية والدولية ، وهي اللغة التي يترجم منها وإليها ، وهي لغة الصحف وبعض المواد الإذاعية والمرئية كنشرات الأخبار والتعليق عليها .
    - اللغة المشتركة التي يعدها اللغتهم القومية ومظهر شخصيتهم ورمز استقلالهم ومن ثم فلها المكانة التي ترتفع بها فوق أي شكل لغوي آخر في المجتمع العربي .
    - متأثرة باللغات الأجنبية من حيث إنها تقترض بعض الألفاظ فتعرّبها ، ومتأثرة بالعامية لأن بينهما رصيدًا مشتركًا من الألفاظ تعترف صياغاتها بكثير من الألفاظ الشائعة .
    - شكل لغوي يختاره المتعلم العربي تعلمًا ، ويتفاوت مستعملوه في إتقانه تفاوتًا ظاهرًا ومن ثم فلا أحد يكتسبها في بيته أو يستعملها في الحياة العامة (39 ).
    إن الوضع السابق نشأ من اختصاص العربية المعاصرة بمجمل سمات ، أهمها أنها :
    - لغة ديمقراطية : لا تخاطب الصغير بخطاب الكبير ولا الكبير بخطاب الصغير، حيث تتعدد فيها مستويات الخطاب والضمائر والدلالات اللفظية .
    - سعة انتشارها ودخول عشرات الشعوب فيها عن طواعية ، بسبب عامل الدين .
    - رحابتها في قبولها مئات المفردات من اللغات المعاصرة والقديمة ( 40) .
    لقد تم هذا التطور من خلال اعتماد العمل في ثلاثة ميادين :
    أولاً : تزويد اللغة : ويقصد به تزويد اللغة العربية بالكثير من الألفاظ الأجنبية عن طريق تعريبها وإدخالها ضمن قواعد العربية ، وبخاصة ألفاظ العلوم والفنون فمن العبث الانفراد بوضع ألفاظ جديدة، إلا أن الخشية من أن تصبح العربية مجرد " قوالب وصيغ للألفاظ الأجنبية الهاجمة، على حين أن في الألفاظ العربية ما يؤدي كثيرًا من معاني هذه الألفاظ الأجنبية عينها " (41 ) . فالتعريب كمعنى اصطلاحي يتمثل في " إيجاد مقابلات عربية للألفاظ الأجنبية ، لتعميم اللغة العربية واستخدامها في كل ميادين المعرفة البشرية … ، وبهذا يكون المفهوم قد اكتسى صبغة إنسانية شاملة تعنى بالفرد العربي وبمصيره الكوني " (42 )، فكل اللغات تتداخل فيما بينها إلى حد معين ، إلا أن المتكلم ليس أمامه إلا الحديث بلغة واحدة في نفس الوقت ، وعند التعريب " يفرض جهاز الاستقبال قواعده الراسخة على لغة الإرسال التي يمكن أن يبقى جهازها التقعيدي دون مفعول على اللغة العربية"(43 )
    ولا تقتصر الدعوة على ذلك ، بل تتوسع في قبول الكلمات العامية ، وذلك من خلال المجامع اللغوية مع مراعاة سهولة الألفاظ وموسيقية الحروف وخفة الصيغة على السمع .
    وقد اتخذ مجمع اللغة العربية قرارًا بشأن التعامل مع الكلمات العامية ، حيث قرر أن تتم دراسة الكلمات الشائعة على ألسنة الناس على أن يراعى أن تكون الكلمة مستساغة ولم يعرف عنها مرادف سابق غير صالح للاستعمال ، بل ووافق المجلس على قبول السماع من المحدثين بشرط أن تدرس كل كلمة على حدة قبل إقرارها ( 44)ومن أبرز محاولات إيجاد أصل عربي للألفاظ العامية في المجتمعات الخليجية ، كتاب " بين الفصحى والعامية " وقد اختص في تناوله على أشهر الألفاظ الكويتية العامية ساعيًا إلى تجذيرها بأصولها الفصيحة ، ومن أمثلة ما يورده المؤلف : لفظة " إيه " ووهو شائع في اللهجات الخليجية بمعنى نعم ، وهو ذو أصل فصيح ، حيث إنه اسم فعل بمعنى استزد . ولفظ " إيدام " وهي في العامية بمعنى ما يؤكل مع الأرز أو الخبز من اللحوم أو الأسماك وهذا هو نفس معناه في الفصحى … إلخ ( 45).
    ثانيًا : تبسيط اللغة :
    وذلك " بالاقتصار من الألفاظ الكتابية على المألوف المأنوس ، دون غوص على المهجور المجفو من الكلام ، إلا ما تقتضيه ضرورة التعبير ، عن معنى دقيق أو حقيقة جديدة لا يعبر عنها بلفظ متعارف"(46 ) .
    ثالثًا : تيسير النحو :
    وذلك بحذف ما لا يلائم التطور العصري للغة ، فسيظل النحو أساس لغة الكتابة ، حتى تتقارب لغة الكتابة مع الكلام .
    وبالنظر إلى الميادين الثلاثة ، فإن لغة الأدب ستستفيد الكثير من توسيع وتعميق العمل بما يتم إنجازه في هذا المضمار ، فالكثير من كتّاب الأدب المسرحي والقصصي ، يلجأون للعامية طمعًا في إضفاء المزيد من الواقعية على العمل ، إلا أن ذلك – كما سنعرض فيما بعض – يختلف من العمل القصصي عنه في العمل المسرحي ، وهذا يتم على درجات وحسب نوعية الجمهور المستقبل للعمل ،
    انظر : د. إبراهيم أنيس ، اللغة بين القومية والعالمية ، ص 32 .
    ( 1 ) أمين الخولي ، مشكلات حياتنا اللغوية ،( الأعمال الكاملة ) الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1987 ، ص 8 .
    ( 2 ) جبور عبد النور ، المعجم الأدبي ، م سن ص 227 .
    ( 3 ) ابن منظور ، لسان العرب ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ، د ط ، د ت ، ج3 ، ص 183 .
    ( 4 ) مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، دار عمران ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، ج 2 ، 874 .
    ( 5 ) جبور عبد النور ، م س ، ص 227 .
    ( 6 ) الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، المؤسسة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، د ط ، د ت ، ص 248 .
    ( 7 ) المعجم الوسيط ، م س ، ج1 ، ص 716 .
    ( 8 ) انظر : د. علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة ، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1957 ، ص 161 ، 162 .
    ( 9 ) د. علي عبد الواحد وافي ، م س ، ص 163 .
    ( 10 ) نفسه .
    ( 11 ) د. عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطئ " ، لغتنا والحياة ، دار المعارف ، القاهرة ، د ط ، مايو 1971 ، ص50 .
    ( 12 ) راجع : جرجي زيدان ، تاريخ آداب اللغة العربية ، ( الأعمال الكاملة ) ، دار الجيل للنشر والتوزيع ، بيروت ، ط2 ، 1982، المجلد 13 ، ص337 . ومن أشهر المعاجم الخاصة : التعريفات للجرجاني ، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي ويقع في حوالي ألفي صفحة من القطع الكبير ، وكليات أبي البقاء واصطلاحات الصوفية … ص 537 .
    ( 13 ) انظر : د. أحمد طه حسانين ، الجانب الصوتي للوقف في العربية ولهجاتها ، مطبعة الأمانة ، القاهرة ، ط 1 ، 1991 ، ص 141 ، 142 .
    ( 14 ) راجع : أمين الخولي ، م س ، ص 82 .
    ( 15 ) المرجع السابق ، ص 223 .
    ( 16 ) د. عائشة عبد الرحمن ، م س، ص 87 .
    ( 17 ) د. إبراهيم السمرائي ، م س ، ص 154 .
    ( 18 ) د. إبراهيم السمرائي ، م س ، ص 144 .
    ( 19 ) انظر المرجع السابق ، ص 87 ، 88 .
    ( 20) انظر : محمود محمد شاكر ، أباطيل وأسمار ، دار العروبة ، القاهرة ، 1385هـ ، الجزء الأول ، ص 181 ، 184 ، 185 .
    ( 21) انظر : جرجي زيدان ، المؤلفات الكاملة ،م س ، الجزء الثامن عشر ، ص 618 ، مقال نشر في مجلة الهلال السنة الأولى .
    ( 22) راجع : د. محمد محمد حسين ، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، الجزء الثاني ( من قيام الحرب العالمية الأولى إلى قيام جامعة الدول العربية ) المطبعة النموذجية بالقاهرة ، 1956 ، ص 334 ، 335 .
    ( 23 ) راجع : محمود محمد شاكر ، أباطيل وأسمار ، م س، 189 – 190 .
    ( 24 ) المرجع السابق ، ص 174 ، 175 .
    ( 25 ) انظر : سعيد الأفغاني ، من حاضر اللغة العربية ، دار الفكر ، دمشق ، ط2 ، 1971 ، ص 167 .
    ( 26 ) جرجي زيدان ، المرجع السابق ، ص 619 .
    ( 27 ) انظر : د. عبد الصبور شاهين ، دراسات لغوية ( القياس في الفصحى ، الدخيل في العامية ) مؤسسة الرسالة، بيروت ، ط2 ، 1986 ، ص 260 ، 216 .
    ( 28 ) انظر : خالد محمد سالم ، كلمات أجنبية ومعربة في اللهجة الكويتية ، دون ناشر ، الكويت ، ط1 ، 1994 ، ص 5 ، 6 .
    ( 29 ) د. علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة ، م س ، ص 173 .
    ( 30 ) نفسه ، ص 174 .
    ( 31 ) انظر : سعيد الأفغاني ، من حاضر اللغة العربية ، م س ، ص 168 .
    ( 32 ) انظر : جرجي زيدان ، م س ، ص 620 .
    ( 33 )انظر : محمود محمد شاكر ، أباطيل وأسمار ، ص 275 .
    ( 34 ) نفسه ، ص 295 .
    ( 35 ) د. محمد محمد حسين ، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، ج2 ، م س ، ص 339 .
    ( 36 ) انظر : سعيد الأفغاني ، م سن ص 160 .
    ( 37 ) إيكه هولتكرانس ، قاموس مصطلحات الأثنولوجيا والفولكلور ، ترجمة : د. محمد الجوهري ، د. حسن الشامي ، سلسلة ذاكرة الكتابة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ، 1999 ، ص 286 .
    ( 38 ) المجلة العربية للثقافة ، تصدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، مجلة نصف سنوية ، السنة 18 ، العدد 36 ، مارس 1999 ، عدد خاص عن المأثور الشعبي في الوطن العربي ص 38 .
    ( 39 ) نفسه .
    ( 40 ) انظر : د. محمد حسن عبد العزيز ، مدخل إلى اللغة ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط2 ، 1988 ، ص 205 – 211 .
    ( 41 ) د. إبراهيم أنيس ، اللغة بين القومية والعالمية ، م س ، ص 279 ، 280 .
    ( 42 ) محمود تيمور ، مشكلات اللغة العربية ، المطبعة النموذجية ، القاهرة ، ط1 ، 1956 ، ص 12 .
    ( 43 ) د. محمد المنجي الصيادي ، التعريب وتنسيقه في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1 ، 1980 ، ص 94 .
    ( 44 ) نفسه ، ص 97 .
    ( 45 ) انظر : د. محمد حسن عبد العزيز ، الوضع اللغوي في العربية المعاصرة ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط1 ، 1992 ، ص20
    ( 46 ) إبراهيم عبد الرحيم العوضي ، بين العامية والفصحى ، شركة الربيعان للنشر ، الكويت ، ط1 / 1989 ، ص 11 ، 24 .
    ( 47 ) محمود تيمور ، م س ، ص 15 .

  2. #2
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاهين أبوالفتوح مشاهدة المشاركة
    الأستاذ الفاضل د. مصطفى عطية جمعة
    دراسة قيمة جدا ، لعالم غيور على دينه وأمته ولغته .
    سأعود إليها كثيرا .
    بارك الله لنا فيك ونفعنا بعلمك
    محبتي واحترامي
    شاهين
    الشاعر الجميل / شاهين أبو الفتوح سلام الله عليك
    أشكر قراءتك الدقيقة الفاعلة ، وشرف لي أن تنال هذا الثناء منك .
    دام تواصلنا وحبنا .

  3. #3
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    دراسة قيمة حقاً وبحث مفيد جداً في فهم كنه العلاقة بين لغة العامة التي انتشرت مع الأيام لتصبح لغة التواصل اليومي وبين لغة أنزل الله بها كتابه الكريم وحفظ بها العرب تاريخهم وعلومهم ومجدهم.

    والحقيقة أننا بحاجة ماسة لطرح هذه الإشكالية الخطيرة في استبدال الفصيحة بالعامية واستدراك ما ينتج عن ذلك من أضرار كبيرة على مستويات عدة.

    سأعمل على أن نطلق حملة منظمة ومؤطرة من خلال ملتقى رابطة الواحة الثقافية للانتصار للغة العربية التي أراها شخصياً الوطن الواحد الذي يمكن أن يجمع جميع أبناء الأمة ، وهي أيضاً وسيلة بناء ورقي للنفوس والأهم هي لغة الدين والعقيدة التي لو هجرناها فهو من باب هجر كتاب الله وشرعه.


    أشكر لك من القلب هذا التواصل المثمر وأتمنى لك كل خير وأن نراك يد خير كريمة في الذود عن لغتنا الأجمل بين اللغات.


    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري مشاهدة المشاركة
    دراسة قيمة حقاً وبحث مفيد جداً في فهم كنه العلاقة بين لغة العامة التي انتشرت مع الأيام لتصبح لغة التواصل اليومي وبين لغة أنزل الله بها كتابه الكريم وحفظ بها العرب تاريخهم وعلومهم ومجدهم.
    والحقيقة أننا بحاجة ماسة لطرح هذه الإشكالية الخطيرة في استبدال الفصيحة بالعامية واستدراك ما ينتج عن ذلك من أضرار كبيرة على مستويات عدة.
    سأعمل على أن نطلق حملة منظمة ومؤطرة من خلال ملتقى رابطة الواحة الثقافية للانتصار للغة العربية التي أراها شخصياً الوطن الواحد الذي يمكن أن يجمع جميع أبناء الأمة ، وهي أيضاً وسيلة بناء ورقي للنفوس والأهم هي لغة الدين والعقيدة التي لو هجرناها فهو من باب هجر كتاب الله وشرعه.
    أشكر لك من القلب هذا التواصل المثمر وأتمنى لك كل خير وأن نراك يد خير كريمة في الذود عن لغتنا الأجمل بين اللغات.
    تحياتي
    أخي العزيز د. سمير العمري سلام الله عليك ورحمته وبركاته
    خالص الشكر لك على تفضلك بالاطلاع على هذه الدراسة ، وعلى كلماتك الطيبة التي أعدها حافزا للمزيد من البحث في هذه القضية الشائكة ، القديمة الجديدة ، وفي الحقيقة فإن هذا البحث له جزء مكمل ، يتمثل في مناقشة العامية في المسرح والقص ، سأقوم بنشره قريبا إن شاء الله ، من أجل المزيد من النقاش الثري حول هذه القضية ، وحتى أستفيد من التعليقات والآراء التي أعدها جزءا لا يتجزأ من البحث ذاته .
    تحياتي ودمت بخير .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  5. #5
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    العمر : 76
    المشاركات : 674
    المواضيع : 101
    الردود : 674
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    الأستاذ الفاضل / الدكتور مصطفي عطية جمعة
    إشكالية العامية والفصحى : تحاور أم تصارع ؟
    هذا التسائل يجعلنا فريقين متضادين في حالة صراع أو قتال وهذا يخالف الواقع فالفصحي لغة كتابة وقراءة والعامية أو اللهجية لغة الحكي الشفهي اليومي ، الأولي أصبحت كاللغة الأجنبية تحتاج لمن يتحدث بها ان يتعلم قواعدها ومناهجها أما العامية لا تحتاج إلي قواعد ومناهج لتعلمها
    الأشكالية إذاً في اللغة العربية وهي كما يقول الدكتور طه حسين مستويات ثلاثة لغة الشعر ولغة النثر ولغة القرآن ولغة القرآن إعجاز إلاهي ولذلك احتفظ الله بتأويل آياته أما لغة الشعر والنثر يمكن تأويلها
    والأصل في الكلام المحادثة الصوتية { في البدء كانت الكلمة } والكلمة حروف والحرف مقطع صوتي والصوت يخرج من اللسان { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه 00 الآية } وربما لم يرد لفظ لغة في القرآن بل ورد لفظ لسان
    ولو تمعنا في كلمة { بكاء ومكاء } و{ بكة ومكة } هي لمعني واحد ولكنها تنطق محتلفة بإبدال الحروف في الكلمة الواحدة بحرف جديد وأن كل حرف منها يخرج من مكان واحد في الفم
    أذا مخارج الحروف من فم وأنف الإنسان في لغة القرآن حتمية الخروج طبقاً للسنة النبوية وعلية فالقاريء لآيات القرآن علية ان يتعلم القراءة سماعي فيعرف أولآً الحروف الحلقية وحروف القلقة والحروف التي تخرج من الأنف والتي تخرج من بين الثنايا 000 الخ من قواعد القراة والترتيل
    أما اللغة العامية تستسهل الحروف وتبعد عن نطق الهمزات والحروف الحلقية وتقلب بعد الحروف
    مثل الذئب إلي الديب أو تختصر تراكيب لفظية وجمل مطولة إلي كلمة أو وكلمات بسيطة " أي شيء هذا" تختصر في اللهجي إلي " إيش " وتستقر عليها الجماعة الشعبية
    اللإشكالية الواجبة البحث هي الحرف اللهجي كيف يكتب والعامية أو اللغة الشعبية العامية تسمع ولا تكتب ، لآنها تخاطب متلقي لا يحتاج لإعادة سماع الإبداع مرة ثانية من الراوي بعكس الإبداع المكتوب ، يحتمل أكثر من قراءة وتأويل
    لذلك كنا نود أن تشمل هذه الدراسة القيمة علي بعض النماذج التطبيقية لتعم الفائدة
    خالص تقديري واحترامي

  6. #6
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    المبدع الجميل الأستاذ / الشربيني خطاب
    تحياتي الطيبة إلى شخصك الجميل
    أشكرك على قراءتك الفاعلة
    وعلى تعقيبك الثري الذي ينم عن ثقافة عميقة ، نهلت من التراث والمعاصرة ، وأثارت الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى مجلدات بحث .
    بالنسبة إلى اقتراحك بتطبيقات حول هذا الموضوع ، فإن الجزء الثاني من هذه الدراسة يسعى لتحليل صدى العلاقة بين الفصحى والعامية في الحوار المسرحي ، وسأعمل على نشره في أقرب فرصة .
    تحياتي وشكري وفائق امتناني .

المواضيع المتشابهه

  1. زمانيَ أشكو أمِ النائباتْ..؟! // أمِ النفسُ أشكو.. فقد أسرَفَتْ
    بواسطة زياد بن خالد الناهض في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 29-09-2011, 11:13 PM
  2. إشكالية قهر الاغتراب (في قصائد الشعراء)
    بواسطة محمد نديم في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-12-2007, 02:34 AM
  3. ذُبابةُ فرعون ! ( مقالة في إشكالية مصطلح الأجيال الشعرية وقضايا أخرى . )
    بواسطة سامي العامري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-09-2007, 05:00 PM
  4. تحاور النصوص للكاتب مأمون المغازي
    بواسطة أمل فؤاد عبيد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 06-08-2007, 02:36 AM
  5. إشكالية تحديد مفهوم الفن
    بواسطة د.أحمد في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 19-12-2005, 06:50 PM