الأخ الحبيب خليل:
حرصت في الرد على التعرض لأهم ما أخذت دون استفاضة في النقاط كي لا يخرجنا التفضيل عن التأصيل ، وما كان ردي إلا قبسات من معان أدرك أنها ستصل واضحة وكافية للمزيد من التأمل فلبيب مثلك أخي سيعي فضول الكلام.
وأما أن أكون أنا هنا في هذا الموضوع فهو مصدر فخر لي وسعادة فصحبتك هي صحبة العطر للزهر ما فيها إلا الطيب والفكر الزكي الذكي. وأما أن تعود فيسعدني جدا وأتوق دوما لفيوضات حرفك وفكرك.
وأما أن ترى أنك ابن نوح ولست ابن آدم فإني أحب أن أوضح لك أن المنطق هنا أخي غير دقيق فنوح هو ابن آدم وابن نوح سيكون بالتالي ابن آدم فأنت وأنا وكلنا بني آدم لا فلسفة في هذا ولا اجتهاد. ربما لا يفوتني أن اشير إلى أن من نجا في الفلك لم يكن نوحا فحسب وهذا أيضا من فضول الحديث التي توصل لذات النتيجة من أننا كما أسلفت أبناء آدم الذي خلق ابتداء من طين ولم يتسلسل من جنس آخر أيا كان اسمه بنصوص الكتاب الثابتة.
========
أخي الكريم عمار الخطيب:
أكرمك الله تعالى.
وأنا يا خيالكريم لا أرى أن نهتم كثيرا فيمن قال هذا أو من رفض ذاك إلا بما يحكمه منهج الحوار ، وإنما أعتمد في الحوار الخلوص إلى الحقائق والحكم الحق فهو ما أنتصر له ولصاحيه أيا يكن.
وأنا في ردي السابق حاولت أن لا أسهب في تفصيل النقاط التي سقت كي لا يخرجنا التفصيل عن التأصيل كما اسلفت وأنني حرصت أن أشير فقط بشكل واضح لبدايات التأصيل الصائب للحقائق كما رأيتها ليكمل المتابع ما شاء في ذات السياق ما وافقه ذلك.
ولعلني هنا أستأذن في أن أشير إلى بعض أمور سريعة تزيد الأمر وضوحا.
أنا أولا حرصت على إثبات عدم التفريق العلمي للفظة مع إشارتي في ردي ذاك إلا الفروقات اللطيفة البلاغية.
ثم إني حرصت على أن أعتمد في الرد أكثر الطرق اختصارا وموثوقية وهي آيات الكتاب الكريم فكلام الخالق فوق كلام المخلوق وهو مرجعية المسلم للحكم والبت ولذا لم أتعرض للقضايا العلمية واللغوية بشكل خاص من باب اعتماد هذه المرجعية ومن باب أن الاجتهاد هنا سيكون في غير إفادة حقيقية فلا اجتهاد في الدلالات القطعية والأحكام الراسخة.
ثالثا أنا أزعم أنني قد أحطت علما بأوجه الخلاف في الحوار ووجهت لها الرد ، ولا أزعم أنني أحطت بها كلها ذلك أنني لم أقرأ كل الردود حقيقة ، وأما ما كان من زيادات في الحوار فهو من باب التأصيل كما قلت للحوار والوصول من خلالها إلى النتائج المنطقية المقنعة.
رابعا .. امتداد السلسلة البشرية قبل آدم تم الرد عليه بأدلة قاطعة من كتاب الله الكريم في ردي السابق من خلال ما يلي:
1- الدلالة اللفظية القطعية التي وردت في كتاب الله في الآية: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) فالفعل بدأ تدل لغة معنى ولفظا على عدم وجود مسبوق وهذا يرد قاطعا على ما قيل.
2- الدلالة المعنوية القطعية التي أوردتها بترابط الآيات ودلالات السياق التي تربط وتؤكد وحدانية المعنى بين البشر والإنسان وآيات الخلق تؤكد ذات المعنى بأن خلق البشرية وخلق الإمسان كان أمرا واحدا وأنه بدأ بخلق آدم في أحسن تقويم غير منقوص الصفات ولا السمات.
3- قول أن هناك من سبق آدم في الإفساد في الأرض إنما يشير إلى خلق آخر ولا يعني أدم وقد أجمع أهل التفسير منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم الجن فكيف يمكن أن نتجاهل هذا الإجماع المدعوم بآيات قطعية الدلالة وأحداث ثابتة بنص الكتاب؟؟ بل وباعتماد المنطق المجرد كنت رددت بأننا إذا سلمنا جدلا بوجود "بشر" قبل آدم يفسدون في الآرض وخلق آدم ابتداء من طين وفي الجنة وعاش فيها ثم عصى ثم تم هبوطه للأرض فهذا يؤكد على أن هذا الخلق غير ذاك باعتماد ما كان من أحداث وما صار من إحداث.
4- قضية الاصطفاء نسيت أن أتعرض لها بالرد وأجدني هنا أؤكد على ما أشرت إليه أخي عمار وأضيف بأن الاصطفاء لا يعني قط وجود السابق بل يمكن الاصطفاء من اللاحق. هب أن كاتبا قام بكتابة عدة نصوص في موضوع معين ثم حين قارن بينها اصطفى أول ما كتبه مثلا فهل يعني أنه بهذا الاصطفا لم يكن الأول؟؟ هي قضية اصطفاء في الخلق كله من أوله لآخره ولا أعتقد أن عاقلا يأبى أن يتم اصطفاء الأول أو حتى الأخير ، وما اصطفاء آدم إلا كان اصطفاء على الخلق في المكانة وليس في ترتيب الوجود.
5- أما بخصوص الآية فقد تعرضت لها ببعض تفصيل بسيط وأكدت ضرورة الاهتمام بالسياق فابتسار الألفاظ يفسد المعاني وربما يغيرها للنقيض ، ثم إن الأهم في توضيح معنى الآية هو ما اشرت إليه في ردي السابق في قولي:
وهذه النقطة هنا هي دليل نقض لزعم التطور لا دليل إثبات. فالإنسان كما يذكر هنا خلق ولم يكن قبل خلقه شيئا مذكورا ، والذكر لا يكون فقط لدخول التاريخ ولا دلالة حضارة وتطور بل دلالة وجود وكينونة وإلا لو طبقنا هذا المفهوم فإننا نلغي بهذا المنطق وببساطة كل المخلوقات التي لا يفتأ يذكرها أصحاب نظرية التطور وينادون بها ، ولأمكن حتى في وقتنا الحاضر أن ننفي صفة الذكر عن كل المخلوقات التي تملأ الكون لأنها لما تصل لمرحلة العقل والفهم والتكليف فلا يكون هناك حشرات ولا طفيليات ولا بهائم ولا هوام ولا وحوش ، فهل هذا من العقل؟؟
وأخيرا فمن العجيب حقا أن فكرنا يريد أن يعود إلى ترهات رفضتها عقول كثيرة حتى من الغرب الذي لا يجد من أدلة تنقض هذا الزعم إلا من بعض منطق ، في الوقت الذي كنت تابعت برنامجا وثائقيا قبل مدة وجيزة يتحدث بحالة عودة كبيرة في الأوساط الغربية عن هذا الزعم عن تطور الإنسان كما ادعى دارون وأن هناك من أسسوا متحفا يؤكد على قضية أن الله تعالى هو الخالق العظيم وأنه تعالى قد خلق كل المخلوقات على صورتها بسماتها وصفاتها ابتداء ولم يحدث لأي صنف كان تطور يذكر في الخلق وإنما في التأقلم.
تحياتي