في القرن المنصــــــرِم – أكرمكم الله - التحقت بإحدى الجامعات المصرية وكنت في الثامنة عشر من عمري .. وقد كانت الحبيبةُ ( أم الدنيا ) هي الدولة العربية الاولى التي يزورها " فليحان " فانبهرتُ من كل شئ وقعت عليه عيناي , فعلى سبيل المثال 99% من الاشياء الموجودة في مصر العامرة نفتقدها في غزة ..فلا يوجد عندنا إشارات مرور ولا مترو ولا كشري ولا مانجة ..!!
وعلى ذكر المانجة – – عطّر الله أنفاسها - – فلي معها قصة لا ولم ولن أنساها ما حييت .. فقد كنت في غزة أسمع بأن هناك اختراعا جديدا من الفاكهة إسمه مانجه , وكنت أحيانا - كبقية فلاليح غزة – أحاول أن أتخيل طعمها , رائحتها , ملمسها ..ولكن للأسف كل محاولاتي باءت بالفشل ( باءت من تبوأ , وتبأبأ ) ..إلى أن جاء اليوم الذي واجهتُ فيه المانجة وجها لوجه .. فقمتُ على الفور بشراء 2 كيلو متــــر .. ولاحظتُ أن البائع قد اختار لي صنفين من المانجة ..مصرية وأمريكية .. أخذت المانجة وذهبت للشقة ولم يكن في ذلك الوقت أحد من زملائي في الشقة ( مع أني كنت أسكن بمفردي :mad: ) ...فقلت فرصة ..كلْ واشبع يا فليحان ..!!!
أخذت حبة مانجة وصرتُ أفكر في كيفية أكلها .. ومرت على مخيلتي كل الفواكه" الغزاوية " من – تفاح وجوافة, وجميز ,وبرتقال ,وبصل, وخبيزة - .. وتذكرت أن كل هذه الفواكه تؤكل مباشرة " بالخمش " بالأسنان ...فخمشتُ المانجة . فوجدتها مرَّة وعلقت القشرة في حلقي ..
فقلت ... لا يمكن أن تكون طريقة " الخمش" هي الطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه الفاكهة الاختراع .. وفكرتُ وفكرت .. وحينها تذكرتُ البطيخ ...فقلت ربما تؤكل مثل البطيخ أي لابد من تقشيرها ( على بالي عجمة المانجة مثل الفصفص ) ..
وفعلا أحضرت سكينا وقشرتها وبدأت أول خطواتي مع المانجة .. وأسرعتُ ( بالتفحيط , والتقحيط ) إلى أن وصلتُ لنواة كبيرة صفراء اللون .. نظرت للنواة وقلت : يا فليحان لماذا لا تجرب وتكسر النواة وتأكل ما بها ؟!! .. ففي غزة تعودنا على كسر كل (النوايا ) – الحسنة والسيئة - ومن ثم أكلها ... – كاللوز ,والجوز ,والكاستناء, والموز, والخروع -.. وفعلا إستقر رأيي على كسر راس النواة ...
حاولت معالجة النواة بالكسينة ولم أفلح ( فليحان أبا عن جَد ) ولولا لطف الله لكنت اليوم بيد واحدة .. صرت أفكر وأفكر إلى أن اهتديت للإستعانة " بيد الهون " .. فذهبت للمطبخ وأحضرتُ يد الهون ووضعت نواة المانجة على الأرض بجوار السرير وقلت يا الله ( وأطرقها ) .. وإذا بها تقفز وتصطدم بباب الشقة ... فركضت وراءها ووضعتها في نفس المكان بقرب السرير ( وأطرقها ) فإذا بها ( تطرقني) في وجهي بين عيوني .. وشعرتُ بأن مصرَ بأكملها تلف من حولي فجلست على السرير للحظات إلى أن عاد لي الإبصار ..وعدتُ للنواة وأمسكتها ووضعتها في نفس المكان (وأطرقها) فقفزت تحت السرير ومباشرة حشرت جسمي تحت السرير ولحقت بها .. فاخذتها وفي اثناء خروجي حبوا ( أتثنى بجسمي كالافعى) للخلف وإذا بالشغالة أم سيِّد – جازاها الله عني كل خير – واقفة بجواري .. ولما نظرت إليَ ورأت وجهي كادت أن ( تفقع بالصوت) وقالت :" سلامتك فيه إيه يا أستاز فليحان؟؟.. إنتَ تخانئت مع حد ؟؟..و مين اللي عوَّرك ؟ " نهضتُ من ( كبوَتي) وقلت .. لا لا .. لم أتخانق مع أحد ولكني كنت أحاول أن أكسر هذه النواة لآكل ما بها !! فأخذت أم سيِّد تضحك بهستيريا وتدور من حولي وتنظر بي وكأن نظراتها تقول بأن مسَّا أصابني .. فقلت لها : ولمَ الضحك ؟؟ لمَ لا تخبريني كيف أكسر هذه النواة " وتريحيني من هالمصيبة " فقالت لي : " يا إبني دي ما بتتاكلش "
وهاأنذا أحدثكم ولازالت في نفسي شئ من المانجة ..حيث أني قد علمتُ لاحقا بأن نواة – المانجة المصرية - لا تُكسر ابدا لا بيد هون ولا بمطرقة ... بينما لا توجد من وسيلة لكسر نواة – المانجة الأمريكية - إلا – (بأعقاب الأحذية ) - أكرمكم الله... وعطر الله انفاســــــــــــكم ..
مع تحيات
أخوكم / جمال حمدان
وسامحووووونا:p