إذا شئت أن ترى الصورة الحية المجسمة للمشاعر الإنسانية وقد رخصت رخص البضاعة الكاسدة في أسواق المفلسين فانظر إلى بطلة سطوري هنا....إذا شئت أن ترى تلك المشاعر مشخصةً أمامك في ملعب كرة جوفاء من كل قيمة إلا من هواء يستوي وجوده وعدمه ،وما هو إلا تسلية للأقدام ودمية مسرُحها التراب فانظر إلى هذا النوع من الإنسانية العجيب..
من السهولة جدا أن تصادف في هذه الكومة من الخليط الإنساني امرأة ًلو عددت كلماتها لما تجاوزت محيطا مؤلفا من ثلاث كلمات تظل تدور فيه وحولها دوران الفكرة اليائسة في رأس الصبي ،(أحب –أشتاق-أغار)،وما تمثلتُ هذه التمتمات الرخيصة لهذا النوع النّزٍق معنى مبسوطا على أرض الواقع إلا وظهر لي تقييدُها بتاريخ صلاحية محدد ..فالحب عندها مؤرخ بزمن تنتهي فيه صلاحيته فإذا به فاسد القيمة منتن الريح ،يَقبُح عندما تبدأ طيَّ بساطه مودعةً عالم التسلية التي كانت فيه زمنا معينا ..ولم يفاجئني خروجها كما لم يفاجئني دخولها ،فالخروج والدخول هنا شيء واحد لم يزد الحقيقة إلا مرارة على مرارتها ،ولم يترك أثرا إلا الألم حسرة على وقت ضاع ،ومشاعر لم تصادف قلبا إنما اصطدمت بجدار يسمى زورا إنسانية.وما مثلتُ حبها هنا بالبضاعة المؤرخة إلا لأن الحبَّ في حياتها لمحةٌ عابرة يجرى مجاري الطعام والشراب ،ثم تنتهي منه كما ينتهي الجسد من بقايا هذا الطعام ويلفظه بعيدا ..وهي كذلك مهما تشدقت بالمشاعر ومُثل الحب العليا ،وفلسفة الشوق ،لن تبرح تسخّر كل ذلك لحاجة مؤقتة بزمن حتى إذا انقضت رقصتْ على جراحك ،وضحكتْ من حالك ،بل وخلعت القميص المخملي لتبدو أمامك حسب مقتضى الحال تكيل لك الأعذار بالنسيان تارة وبالأشغال تارة أخرى،ولو أنك أكثرت عليها لأشبعتْ نهمك المنتظر صمتا وتجاهلا.
ومثلتُها بلاعب الكرة وهوكذلك حالها مع الحب ،فالأمر لا يعدو تحايلا ولهوا حاصلا والنهاية هدف مرسوم إذا دخلت فيه الكرة عاد كل شيء إلى مكانه ،وختمت جولة من التفنن والحيل المرسومة واستراحت بعد طول عناء .
وإن تعجب فاعجب من المسرح في حياة الناس كيف انقسم إلى مسرح كبير وآخر صغير ،أما الكبير فهو هذه الحياة الزاخرة بشتى أنواع التعامل ،ولا يجيد فنه والتمثيل عليه إلا ألاعب من البشر بلغوا الذروة في ذلك –كبطلة هذه السطور-فتبلورت في حياتهم ملَكةٌ جديدة تصنع من المكر فنا ،ومن اللعب بالمشاعر الإنسانية للطرف الآخر أساطير العشق المزعوم..
عجبا لحالك يا عاشقةَ الأمس ،ما هذه القفزة السريعة بين اليوم والأمس!إنك قفزتِ ولم تأخذي من حال الأمس شيئا لهذا اليوم ،كم أنت نظيفة إذ لم يَعْلق بك شيء من قصة الأمس ..كم أنت صحيحة ومعافاة إذ لم يَصدُقْ عليك شيء من أنين وجراحات الأمس ..كم أنت ذكية فطنة إذ نجحت في شراء قلب صادق بثمن بخس من الأكاذيب وسيناريو التلفيق ثم بيعه بلا ثمن يذكر.
لكنني لا إخالك –ياعاشقة الأمس ناسية اليوم-إلا وقد وقفتِ من نفسي اليوم مصنفة وفق طابور طويل من أهل هذا الفن ،فقفي هناك فمكانك ينتظرك ..أما أنا فلي قلب يأبى بحال أن يتمرغ تحت وطأة الذل.