دعوة لتـصـحـيـح تـاريـخ فلسطين القديم

موقع فلسطيني




مقدمة:
يعود تاريخ فلسطين إلى آلاف السنين.. وقد قسم المؤرخون التاريخ تقسيماً تقريبياً إلى عصور, بحسب استخدام الإنسان للأدوات.. ولكن هذه العصور قد تتداخل من جهة التطور أو من جهة استخدام تلك الأدوات. وهذه العصور هي:
أ- العصر الحجري ويقسم إلى: 1- العصر الحجري القديم, 2- العصر الحجري الوسيط, 3- العصر الحجري الحديث.
1- العصر الحجري القديم: فلسطين من أقدم مواطن الإنسان في العالم, فقد اكتشفت بقايا هياكل في مغارة الزطية قرب قرية المجدل شمالي مدينة طبريا عام 1925, وقد عاش صاحبها قبل 200.000 سنة.. كما اكتشفت بقايا هياكل في مواقع أخرى في كهوف الكرمل والناصرة تعود إلى قبل 100.000 سنة.
2- العصر الحجري الوسيط: وقد استمر ما يقارب ستة آلاف سنة, وهو يبدأ منذ 12.000 سنة ق.م. وفيه كانت بدايات الاعتماد على الزراعة إضافة إلى الرعي. وقد استأنس الإنسان الحيوانات واهتم بتربيتها. وكانت أدواته وسلاحه من الحجر.
وسكان فلسطين هم أول من مارس الزراعة في العالم كما يقول د. أحمد فخري في كتابه (دراسات في تاريخ الشرق القديم).
3- العصر الحجري الحديث: وقد ابتدأ منذ 6000 سنة ق.م تقريباً. وفيه تطورت الزراعة وتم تدجين الحيوانات وتربيتها, وبناء البيوت. كما ظهرت بعض الصناعات كالغزل والخزف.
وتعد أريحا أقدم مدينة في العالم, وتعود إلى 7000 سنة ق.م. وقد أثبتت الحفريات والآثار أن نشوء الزراعة وتدجين الحيوانات والاستقرار وبناء البيوت في أريحا, قد سبق العراق بأكثر من ألف سنة.
ب- العصر المعدني: ويقسم إلى: 1- العصر الحجري النحاسي, 2- العصر البرونزي, 3- العصر الحديدي.
1- العصر الحجري النحاسي: وقد بدأ منذ 4000 آلاف سنة ق.م تقريباً. وفيه تم التحول إلى استخدام الأدوات المعدنية /النحاسية/ كما ظهرت الأدوات الفخارية المزخرفة.
2- العصر البرونزي: ويبدأ مابين 3500 – 3000 ق.م وحتى 1200 سنة ق.م. وفيه اخترعت الكتابة, وتقدمت الصناعة, والعمل الزراعي, وتربية المواشي.. كما تطور الذوق الفني والذي تجلى في الزخرفة والنقوش.. كما تطور بناء البيوت والمدن, حيث بنيت أكثر من 600 مدينة وقرية مثل: أسدود وبئر السبع وغزة وبيت لحم وعكا ويافا والكرمل والمجدل وحلحول...
وفي هذا العصر قدمت موجات عربية من الجزيرة العربية أو من الخليج العربي, نتيجة القحط, فاستوطنت بلاد ما بين النهرين (العراق), وبلاد الشام.
ولقد استقر الكنعانيون في الساحل السوري (2500 تقريباً ق.م), وعرفوا في الشمال باسم الفينيقيين, وفي الجنوب عرفوا باسم الكنعانيين.. وقد اندمج الوافدون مع السكان الأصليين بشكل عادي وسلميّ. وكنسبة للكنعانيين سميت فلسطين قديماً بأرض كنعان..
وتتابع التطور والازدهار خلال العصر الحديدي (1200 - 330 ق.م تقريباً)..


تصحيح تاريخ فلسطين القديم:
مع الأسف جعل المؤرخون الغربيون الاستعماريون والمستشرقون الذبن يدورون في فلكهم وعلماء اللاهوت, تاريخ فلسطين في أواخر العصر البرونزي والعصر الحديدي، تاريخ بني إسرائيل بناء على أسفار العهد القديم, علماً بأنها أسفار كاذبة, والنص التوراتي نص مزيف وليس وثيقة تاريخية أو جغرافية، فكل ما ورد فيه مرفوض علمياً (تاريخياً وآثارياً) ومنطقياً.
فتاريخ فلسطين القديم هو جزء من تاريخ سورية القديم، وعلى الباحثين والمؤرخين أن يدرسوا هذه الفترة الطويلة دراسة علمية، رامين خلف ظهورهم التوراة وبقية الأسفار, لأنها ليست بمصدر تاريخي. وهنا نشير إلى نقطة مهمة جداً وهي محاولات المؤرخين الجدد في الغرب, مثل توماس طومسون ( بروفسور علم الآثار في جامعة ماركويت في ميلووكي بالولايات المتحدة والذي طرد من الجامعة لكشفه الحقائق عام 1992 بعد نشر كتابه: التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي من النصوص الكتابية والآثارية), وكيث وايتلام (اختلاق إسرائيل القديمة – إسكات التاريخ الفلسطيني)، فضح التزوير التاريخي الذي تم، وكيف غيبت الصهيونية والاستعمار تاريخ فلسطين الزمني والمكاني لصالح اليهود, والمشروع الصهيوني الاستعماري.. كما جرت محاولات عربية جيدة في هذا الاتجاه, كمحاولة د. زياد منى (مقدمة لتاريخ فلسطين القديم), ومحاولة د. أحمد داود في كتابه ( تاريخ سوريا القديم)، إلا أن د. داود نقل جغرافية التوراة من فلسطين إلى عسير في السعودية، كما فعل د. كمال الصليبي قبله في كتابه (التوراة جاءت من جزيرة العرب).
فنقل الجغرافيا يعني الإيمان بشكل ما بصحة النص التوراتي. والمشكلة هي مشكلة اختلاف حول مكان الأحداث.
ونحن نرفض النص التوراتي كنص تاريخي وجغرافي فهو مزيف مطلقاً ولا نقبل به.
وما فعله فراس السواح في رده على نظرية كمال الصليبي في كتابه (الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم), يخالف العقل العلمي والبحث الموضوعي، فهو يريد التأكيد على جغرافية المكان في فلسطين، في الوقت الذي تعد فيه التوراة زيف وخداع، وهي خارج الجغرافيا والتاريخ..
فـأحمد داود يلتقي مع كمال الصليبي في المكان. وهو ( أي أحمد داود) يلتقي مع فراس السواح في التاريخ، ولكن مع ضرورة تمحيص وغربلة الأحداث والشخصيات. بينما كمال الصليبي يسلم بصحة الأحداث والشخصيات.
وهنا ندين كل المؤرخين العرب الذين أرخوا لفلسطين القديمة من خلال ترجماتهم للمؤرخين الغربيين الذين ارتبطوا بالاستعمار الغربي أو تأثروا بالفكر الصهيوني. فلم يثبت أي دليل علمي على وجود بني إسرائيل في فلسطين، ولا بناء المملكة المزعومة في عهد داود وسليمان.. ولم تستطع كل البعثات الآثارية الغربية والصهيونية رغم تنقيبها المحموم في كل أرجاء فلسطين ولاسيما في القدس، أن تجد أي أثر - ولو قطعة حجر- يدعم نصوص الأسفار!! وقد أعلن كثير منهم يأسه, بل وأعلن بعضهم أنه لا دليل مطلقاً على صحة أحداث الأسفار على أرض فلسطين!!
كما نرفض نظرية السامية لأنها نظرية صهيونية استعمارية، فقد وضعها عالم لاهوت يهودي نمساوي اسمه شلوتزر في القرن الثامن عشر مع بدايات المشروع الصهيوني الاستعماري. فالشعوب القديمة كالفينيقيين والآراميين والكنعانيين... ليسوا بساميين وما هم إلا الأجداد الأولون للعرب والعربية الذين سادوا فيما بعد. ولم يكن لليهود أي تواجد بينهم. وما قصة سام بن نوح سوى خرافة توراتية لا غير, وكذلك التصنيف التوراتي لشعوب العالم القديم!!
إذاً نظرية الشعوب السامية ما هي إلا نظرية تافهة تبناها الاستعمار والصهيونية لإقحام اليهود بين شعوب المنطقة لتثبيت ادعائهم التاريخي.
أما بالنسبة للمؤرخين العرب القدماء كالطبري وغيره, فقد ارتكبوا أخطاء كبيرة, حيث اعتمدوا على أسفار العهد القديم ولاسيما التوراة (الأسفار الخمسة الأولى) وأحبار (علماء) اليهود, للتأريخ المفصل لحياة الأنبياء. وكانوا مقتنعين بوجهة نظر اليهود بأن الأحداث جرت في فلسطين, ولم يدرسوا صحة ادعاء الأسفار وعلماء الدين اليهودي.. ونحن لا نلوم جهلهم, فهم ليسوا بمؤرخين حقيقيين للتاريخ القديم, إنما كانوا نقلة أخبار. ومع أن ابن خلدون عاب النقل دون التمحيص إلا أنه هو نفسه لم يلتزم بذلك, وسار على مناهج الأقدمين كالطبري في الحديث عن تاريخ الأنبياء!!
إن خلط المشاعر الدينية والسياسية بالتاريخ, هو الذي أدى إلى كل هذه الأخطاء.. والتاريخ علم يستند إلى الحقائق والوثائق والآثار والمستندات.. فالتاريخ الديني للأنبياء القدماء زمانياً ومكانياً شيء والتاريخ العلمي شيء آخر في موضوعنا, ولا علاقة للمشاعر الدينية بالحقيقة التاريخية والجغرافية!!
لذلك كل ما كتبه المؤرخون العرب القدماء وعلى رأسهم الطبري, عن تاريخ الأنبياء على أرض فلسطين, هو غير صحيح!
لذا سنقفز عن التاريخ القديم المصاغ من وجهة نظر التوراة والعهد القديم. وعلى المؤرخين العرب المعاصرين أن يعودوا لدراسة هذه الفترة بالمعطيات العلمية معتمدين على الآثار، والنصوص السومرية والبابلية والفينيقية والمصرية والآرامية... ومهملين رواية العهد القديم الساقطة علمياً وأخلاقياً, ومهملين آراء المؤرخين الغربيين غير النزيهين.
ثم جاء الاستعمار الفارسي واليوناني فالروماني، وكانت فلسطين كغيرها من بلاد الشام إلا أنه جرى تزوير آخر لهذه الفترة, وصوّر وكأنه صراع بين اليهود واليونانيين، ثم صراع بين الرومان واليهود.. وهذه الفترة تحتاج أيضاً إلى إعادة كتابتها بالاستناد إلى الوثائق والمخطوطات والآثار..
فتاريخ فلسطين يجب أن تعاد كتابته وبدءاً من 2000 ق.م تقريباً وحتى القرن الأول الميلادي..
ومع القرن السابع الميلادي فتح العرب المسلمون فلسطين بعد انتصارهم على الروم وطردهم منها. ومنذ ذلك الوقت تأخذ طابعها العربي الواضح, وتنعكس عليها طبيعة الظروف السائدة في الدولة العربية... ويستمر تاريخها مع تاريخ العرب فيصيبها ما يصيبهم من انتعاش أو انكماش. إلا أن بعض الأحداث الهامة يجب ذكرها كالحملات الصليبية الاستعمارية المتعددة. وقد تمكن صلاح الدين الأيوبي من تحطيم حملتهم الثانية في معركة حطين في القرن الثاني عشر الميلادي. والحدث الآخر متابعة الظاهر بيبرس معاركه مع الصليبيين، بالإضافة إلى صده الغزو المغولي وإلحاق الهزيمة بهم وإيقاف زحفهم باتجاه الغرب. وذلك في منتصف القرن الثالث عشر في معركة عين جالوت قرب "الناصرة".
ومع القرن السادس عشر استعمر بلادنا العثمانيون "الأتراك" مثل غيرها من الدول العربية وبقيت تحت سيطرته 400 سنة حتى قيام الثورة العربية 1916 خلال الحرب العالمية الأولى. فخرج منها الأتراك ليحل البريطانيون مكانهم.
وكلنا يذكر الاستعمار البريطاني ووعد بلفور 1917 حيث بدأت مرحلة جديدة تمهيدية للاستعمار والصهيونية، لإقامة الدولة الصهيونية على أرضنا الحبيبة. وهذا التاريخ الحديث مدروس بشكل علمي وهناك المئات من الكتب.

* * *

من موقع فلسطيني