الرقص الأفقي
كان الرقص الشرقي ولفترة طويلة مضت يعتبر من الأمور التي لم تتأثر بالحداثة وسلبياتها وكان الحفاظ على قدسيته أمرا يحرص الجميع عليه .. بل ربما وصل بهم الحال أن يفنوا دونه ، فمقوماته الأساسية ومرتكزاته وموازينه التي تتشظى ليونة والتواء كانت محط أنظار منظريه ،، وكانوا يقفون دائما بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس أو العبث بهذا المقدس .. إضافة إلى ما يتمتع به من قلة حياء وتعرٍ والتواء ومجون وخواء وهذه العناصر الخمسة هي الركائز الأساسية التي يرتكز عليها هذا ( الفن ) الراقي .. ولو أخذنا هذه العناصر الخمسة الرئيسية بالنقد والتحليل لاحتجنا إلى مجلدات لسبر غورها والغوص في أعماقها لاستخراج لآلئها ودررها من أصدافها المبهرة ..
وأنا هنا لن أتناولها بالتحليل كاملة ، ربما أعرض لها في وقت آخر ، ولكني سأتناول أحدها بالتحليل الفني ( ففي رأيي أن مشاكلنا وهمومنا كلها حُلت من القضية الفلسطينية وانتهاء بالقضية العراقية ولم يتبق لنا إلا أن نحلل هذا الفن الجميل ، والذي أتصور أننا سنموت إن مات أواضمحل لا سمح الله )
المهم العنصر الذي سأحلله هو الثالث وأعني هنا ( الالتواء ) .. فالالتواء لمن لا يعرفه هو لغةً التموج والالتفاف .. واصطلاحا هو حركات تموجية تتلوى بها الراقصة قصدي ( الحاجة ) فهن الآن لا يرضين إلا بإسباغ هذا اللقب قبل أسمائهن فهي تقسم جسمها بالتساوي .. بحيث أنها لو أخذت كتفها يمينا لا بد وأن تلقي خصرها يسارا ,, ولو تقدم صدرها للأمام فستتأخر ( ... ) للخلف وهكذا . كل هذه الحركات تجري بشكل عامودي غاية في الاتزان والبراعة .. ولكن هذا المرتكز ومع كل أسف لم تتركه الحداثة– حسبي الله عليها – على حاله بل لعبت فيه وابتدعت بدعة جديدة لم ينزل الله بها من سلطان وهي الرقص الأفقي ، أي أن هذه ( الحاجة الفاضلة ) تتلوى وهي في وضعها الأفقي .. وهي في رأيي من البدع التي يستحق فاعلها أن يُطرد من المنتسبين لهذا الفن ، فهذا اللعب لو استمر على حاله فإن هذا الفن سينهار ويفقد إحدى أهم مقوماته الرئيسية ..
ولعل قائلا يقول : إن الرقص الأفقي هو في مجمله حافظ على موازين الالتواء عموما والتزم بالتموج المطلوب إذن لا مبرر لكل هذا الخوف على هذا الفن ..
أقول .. إن الأمر يا صاحبي جد خطير فاليوم بدأنا نتسامح عن التغيير في هذا المرتكز وغدا سوف نتنازل عن المرتكزات الأربعة الأخرى .. فلا تستغرب إن جاءك مجنون وقال إن التعري ليس مهما طالما التزمنا بحركاتنا الالتوائية .. وإن وافقناه وسكتنا – لا سمح الله – فربما يأتي آخر ويقول إن المجون أيضا ليس مهما وهكذا حتى يأتي يوم ترقص فيه ( الحاجة ) بكامل حجابها .
يا سادتي .. وبعيدا عن كل عبارات السخرية التي مرت .. أقول إننا اليوم نعيش حالة من التخبط والذي نعترض عليه بالأمس أصبحنا نرضى به اليوم .. فقد وصل الأمر بهذه القنوات الفضائحية المتخصصة في بث الأغاني – آسف الدعارة – أن سلخت كل ما يمت للحياء بصلة وجعلت من المرأة – هذا الكيان المقدس - ألعوبة في يد الفاسدين يحركونها بالريموت كنترول كيف يشاءون ولا من رقيب ولا حسيب .. وأصبحت هذه الراقصات الماجنات الفاسدات لا ترضى بأن تعرض جسدها وتتلوى كالأفعوان وهي واقفة بل أصبحت تتمايل وتهتز كالطير المذبوح وهي ( منبطحة ) الأمر الذي يجعل مناطق الفتنة فيها تبدو أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا .. وهذا في حد ذاته كاف لإغراء أمة بحالها وليس مراهقا أو مراهقين .. وما أكثر المراهقين في سن الخمسين على رأي جدنا القديم توفيق الحكيم ..
ندائي الأخير .. متى يأتي اليوم الذي نرى هذا الصندوق العجيب ( التلفزيون ) وهو خال من هذا العري الفضائي .. ومن كباريهات وعلب الليل التي تدخل إلى غرف نومنا .. ومتى يتوقف هذا ( الرقص الأفقي والفيرتكال )
زكي إبراهيم السالم