أنا و النعجـة !!
بعد حصولي على الشهادة الثانوية العامة تم تعييني برتبة معلم وكيل في قرية قريبة نائية ، قريبة لأنها لا تبعد أكثر من ثلاثة كيلو مترات ، ونائية بسبب قلة المواصلات منها وإليها ، مما يضطرنا ـ أنا وبقية الزملاء ـ إلى أن نقطع تلك المسافة سيراً على الاقدام عندما تكون الظروف الجوية مواتية .. ..
وبين مكذب ومصدق لما تراه عيناي ، بدت سيارة / بيك آب/ قادمة ، فقفزت فرحاً ملوحاً وأنا أصيح : فرجت . فرجت .. وقفت المستورة /السيارة/ فهممت متلهفاً بفتح بابها والولوج إلى داخلها ،
و ما إن فتحت الباب قائلاً : السلام عليكم ، حتى بادرني صوت أجش يرد التحية : امباااع .. امباااع .. فأجبت مندهشاً امباعين ورحمة الله ، نظرت فإذا بنعجة تجلس متصدرة ، وفي الوسط رجل عجوز ، والسائق طبعاً يقبع خلف مقود السيارة ..
قلت مخاطباً السائق : هلا أوسعت لي كي أجلس ؟؟
أجابني ببرود : اركب / ورا / أما ترى ضيق المكان ؟
قلت : والنعجـة ؟! ألا يمكن وضعها / ورا / ؟؟
قال : شوف الحجي ../صاحب النعجة /
قلت للرجل العجوز : يا عم ، بعد إذنك أأضع النعجة في الخلف ؟
أجاب ممتعضاً : لا .. لا أسمح بذلك ، أنا دفعت عنها أجرة راكب عادي ،
وكما ترى الجو ماطر ، والله ورسوله أوصيانا بالرفق بالحيوان ..
قلت ممازحاً :والانسان ؟ ألا يشمله هذا الرفق ؟ وبعدين أنا معلم ،
أنا المعلم الذي كاد أن يكون رسولا ..هل تقبل أن أركب على ظهر السيارة وهذه النعجة / الفصعونة / تجلس بخيلاء هنا ؟
أجاب بعصبية : نعم أقبل أن تركب /ورا/ بلا كاد أن يكون ، بلا بطيخ
نظرت إلى السائق الذي بدا لي وكأن ممحاة قد مسحت جميع ملامح وجهه ، فبادرني قبل أن أنطق بحرف : أخي تأخرنا ، إن شئت تركب/ورا/ وإلا فخلينا نتيسـر .
وما كان أمامي من خيار سوى تفويض أمري لفاطر السموات والارض ، والركوب على ظهر السيارة ..
و أوف .. ومية ألف أوف ، كم من الأفكار راودتني وأنا في هذا الموقف العجيب والريح تلفح وجهي لفحاً وحبات المطر تجلدني جلداً ..
لقد خطر لي لحظتـئذٍ أن أعقد مقارنة بيني وبين النعجة ، فاكتشفت أنني معلم في زمن لم يعد للعلم فيه قيمة ، والحقل الذي أعمل فيه ـ أي حقل التربية والتعليم ـ هو حقل مستهلك / بكسر اللام / ، أما النعجة فهي كائن منتج تعطي الصوف واللحم ومن منتجاتها الحليب والزبدة والسمن والجبن واللبن وحتى الروث .. نعم .. فروثها سماد طبيعي ممتاز .. وهذا يعني أن للنعجـة دوراً مهماً في رفد اقتصادنا الوطني ..
وعلى ذكر البرلمان ، يحضرني بيت من قصيدة لشاعر عربي عن الخروف :
دخل خروف البرلمان
قال : امباااعْ
فجاء الصدى : اجمـاااعْ .
ورحم الله الأمير شوقي وهو القائل :
قم للمعلم وفـه التبجيلا
كاد المعلم أن .. .. .. .. .. .. .. ؟؟!!