كان غباؤه ساطعاً .. وهو يلوح بيديه ممسكاً بخنجر فى يد ومسدس قبيح المظهر فى اليد الأخرى.. كان كلاعب سيرك مطرود لإفتقاده الرشاقة.. يتحرك فى خطوات مهددة وينظر بسخرية إلى ضحيته- أنا- مخيراً إياى بين الموت طعناً أو رمياً بالرصاص.. يا إلهى.. كم أكره هذه اللحظات.. وقفت أرقب اللص المتراقص أمامى فى ملل.. بينما يقف عقلى ضامراً كعادته فى مثل هذه اللحظات
***
كانت دائمة البكاء.. وأصبحت دائمة الصراخ.. وكان دائم الصراخ .. وأصبح دائم القسوة.. لم يثنهما وجودى عن كل هذا .. ولا عن إحالة البيت الذى لم أحسه دافئاً يوماً إلى أنقاض.. تزوج.. وتزوجت.. وقبل أن يفعلا خيرانى .. مع من تود البقاء.. لم يدركا أن الخيار بلا معنى.. فلم يكن أيهما يستحق الاختيار.. وكان الأمر برمته موجعاً لقلب طفل فاقد الحيلة.. اخترت كونى وحيداً.. فلم يكن بقائى مع أيهما يعنى شيئاً .. كان بقاء قسرى
***
ـ لننه هذه الجلسة البائسة فورائى أشغال عديدة.. ماذا تريد أن تدرس يا بنى؟ .. احسم أمرك الآن وأكتب أى شىء
ـ لا أدرى .. إننى فى حيرة..
ـ لماذا الحيرة؟ سأكتب أنا لك لينتهى الأمر واذهب لحالى.. لا تكن مثل أمك التى لم يكن يهمها غير اهتمام الآخرين بها.. ستدرس التجارة.. وستنال منى ما يكفيك حتى التخرج.. ما رأيك؟
ـ لكن دراسة الهندسة ممكنة.. ما رأيك؟
هل ترغب بهذا حقاً؟ إن كنت ترغب فلا مانع عندى..
ـ لا لا .. انتظر.. إننى فقط لا أدرى.. لا عليك.. اكتب ما تشاء
ودرست التجارة.. هرباً من لحظة اختيار صارت مؤرقى.. كنت اشترى حذاءاً واحداً وأرتديه حتى ينتهى تماماً حتى لا يعطلنى اختيار صباحى.. وكنت أكره الأسئلة ذات الاختيار من متعدد.. وكان لى صديق وحيد أدعه يحدد دوماً مواعيد وأماكن اللقاءات
***
استوقفنى يوماً ذلك الرجل الممسك بميكروفون فى يده وبجواره آخر يحمل كاميرا على كتفه سائلاً إياى: ماذا سيكون رأيك فى استفتاء الغد؟ نعم أم لا؟
هربت من الرجل راكضاً..
***
المشكلة فى امرأتى أنها تغار من الهواء الذى يلامسنى.. كم أحسد نفسى عليها.. كم ساعدتنى وأسعدتنى.. ولكنها ذلك اليوم وقفت تصرخ فى وجهى ساخطة: عليك أن تختار .. أنا أو السكرتيرة..
كم أمقتها لهذا اليوم.. لهذا اليوم فقط.. كان عليها أن تقول ببساطة : فلتذهب السكرتيرة.. ماذا كان يضيرها لو فعلت؟
***
مازال الرجل متراقصاً أمامى.. لم أكن أفكر فى مسدسه أو خنجره.. كان كل ما يشغلنى.. لماذا يخيرنى؟ لماذا لا يستخدم أيهما وينهى الأمر؟
كم كرهت غبائه الساطع...