عند المنتصف
سبحت ببصري فوق صفحتي العظيمة ، ألهو وحدي فوق الطلاسم المبهجة لرقصة المياه اللولبية مع عرائس البحار المجاورة ، توقفت عند المنتصف -نعم عند المنتصف تماماً- حاولت التجاوز ببعض خطواتي للأمام ، لكن قوة كانت تقف أمامي كحاجز زجاجي شفاف ،فقط أري من خلاله النصف الآخر بكل تفاصيله ، عمراً قصيراً ، أمواجاً غاضبة ، سفناً ضخمة ، شمساً معلقة ، قمراً مظلماً ، و هاهو الليلة يتوسط الصفحة ، تحديداً على يسار صورة منزلنا المنعكسة في السماء، على وجه البحر تستلقي النجوم ، وبالسماء جنون آخر ، تنعكس كل الصور تتداخل مع أرجوحتي بحديقتنا على جدار المسبح الأنيق ، تقام طقوس الاحتفال ، انتشرت الأشياء الملونة بكل مكان ، موسيقى الجاز تتقافز كدلافين البحر الشقية ، توالى الحضور ، نساء ، رجال ، أطفال ، وبعض من خفافيش ، وأسراب بوم ، تداخلت الأشكال ، والألوان ، والكتل اللزجة ، الأضواء على جدار المسبح تميد بذاكرتي ، خلف الشمس كنا نلعب كل يوم بمجاريف الرمال ، ننثر الحبات بين خصلات شعرنا ، ننفض التاريخ عن ملابسنا الجديدة ، نعود مع رحيل الشمس القادمة نحو النصف الآخر ، نصافح القمر … تعالت موسيقى الجاز ، الطبول تأتي من بعيد ، و نبع من ناي حزين يختنق ، يتوسل كل العازفين بأن يتوقفوا عن الضجيج، أو النحيب على حد صراخه في وجه زعيمهم ، الصمت عاد بصوت غارات البوم ، و انقلاب الخفافيش المقرفة ، تداخل التحليق ، دخل النادل بكعكة الميلاد ، ثلاثين طابقاً ترتفع وسط دوامة الخوف ، بكل أنواع الحلوى ، وشتى فواكه المواسم المختلفة ، سال اللعاب حتى انحدر على جدار المسبح ،داهمتهم الرغبات من خلف أمطار الخوف الهاطلة ، الكل يهرب من السقوط بالمنتصف ، توقف النادل محل السقوط ، تحت القمر ، على يمين صورة منزلنا المنعكسة في السماء ، تخطى الحاجز…. ترك الكعكة تلتهمها الكلاب والقطط ، صمت كل شيء خلفه ، هدأت الروعة على بقايا الريش المتساقط ، الصمت يعج بالسنين القادمة ، إلا من صوت ناي حزين أصر أن يحيى وحده هذا الحفل...
محمد سامي البوهي
دمياط : 1/7/1977
