أأكل أم غناء ؟

أأكل أم غناء ؟
تمطى القط العجوز في ركنه حيث اعتاد أن يرسو جسمه آخر كل ليل . وخفق البلبل ينفض ريشه فوق خمائل الياسمين قرب النافذة :
- هيا .. أفق .. اسمع وأنشد ... وأنت الكسل والمرقد .
- يا بلبل ! تخامرني اللذة بأن أفطر عليك هذا الصباح . أرى عظمك أشهى من شدوك .. ولحمك أفضل عند جوعي من صوتك .
- ويحك .. يا ويحك . أبعد أن أفعمتُ روحك غناء ،وعلمتك اللطف في المواء ، والعزة والإباء ، تضعني على صحفة العداء ؟
- وهل تسد رمق الغداء يا أحمق ؟! ريحك تهزّ أمعائي ، تعال بلا تعب ..
- هيهات ، هيهات ، إني أطير .
- تطير ، وأطير ، ورأسك سوف تطير .. فتريحنا من التصفير والتزمير ..
- ومن يغني ، ومن يشدو للحياة بأعذب لحن ؟ أرى عقل الخلق في الرأس .. وعقلك في أمعائك !
تظاهر العجوز بالخمول والسماحة وعينه ترمق البلبل باشتهاء وأمنيات . بينما طفق البلبل يغني لاهيا بفنه ، سابحا في الخيال ولحنه ، والشمس تشرق فوق ريشه الأصفر فتزيده البهاء والإغراء .
وانتفض القط العجوز يجرجر قواه جرارة .. وقفز إلى الخميلة يريد البلبل .
لم يبلغ منه سوى ساقه اليمنى فقطعها في قضمة واحدة . وصاح البلبل :
- غدر .. غدر .. والغدر فيك دم يجري .
- بل هواك يا حبي في دمي يغلي .
اعتلى البلبل نخلة كانت هناك يبكي الساق ويضمد الجراح ، ونودي بعدها " الأعرج " .

الحامدي..
النص جاء مكثفا، قويا في سبكه،مثيرا في طرحه، حيث اخذتني هذه الحوارية بين القط والبلبل الى افاق اوسع، وابعد من ما يحدث بين جدران اربع او حتى داخل قفص، وكأني بك تريد ان تعلل لنا ما يحدث على الساحة الواقعية بين بني الانسان بنمطق الرغبة والقوة،وموت القيم وآفة الوصول الى القمة حتى على جماجم الاخرين.
تذكرت قولا ل(جبران خليل) اعجبني جدا لذا احتفظ به" قال ذئب مضياف لحمل مسكين : هل تريد ان تشرف منزلنا بزيارة ؟ فاجابه الحمل: كم كان فخري بزيارتك عظيما لو لم يكن منزلك في معدتك.

الحامدي...
نصوصك تثر الكثير من التساؤلات حول الواقع الانساني الحالي.
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

الأديب محمد الحامدي

أعدتني بقصتك الجميلة الى أيام حكايات كليلة ودمنة
قيل أن الخوف من التعبير والافصاح عن المظالم والجور
كان وراء هذا الشكل من القصص
وأعتقد أننا في زمن أكثر خطورة على الانسان عندما يبوح بكلمة حق أو يكشف مظلمة أو ينتقد سلوكا أو شخصية , فأوافقك اسلوب الكتابة بلسان الحيوان والطير والسمك ايضا .
أنت قاص قدير حقا

نوف

قال احد الجهابذة ...

لاتذبح بذات السكين البقرة التي ذبحت بها العصافير ...

الحق

ان كلامك وكلامه .... يبكيني

\

لك الود عامرا ً بالجلال

الأخت نوف ... تحية عطرة
أرى أن الحيوان أفصح لغة من البشر في سلوكه هذه الأيام .. على الأقل هو لا يعرف الحسابات
لكن هذا المشهد قد رأيته رؤية العين في تونس الخضراء .. لهذا تخيلت الحوار بين " قطنا " المدلل وذلك البلبل الشادي ... طبعا أردت لها ذلك البعد الرمزي ...
شكرا على مرورك الكريم

أديب مرهف الإحساس واللفظ أنت يا خليل ... أخشى عليك من نصوص أشد ثقلا ... ذلك واقعنا يبكي الحجر فما بالك بأديب لحمه وعظمه إحساس مرهف شفاف ..
كان الله - سبحانه - في عوننا جميعا

الأخ جوتيار ،، تحية طيبة
وهل لنا غير الواقع يلهب حروفنا ويسوط قريحتنا و يدفعنا إلى كهوف لا ندري منتهاها .. ها ننظر في الظلام ولا نرى غير " مفترس " يأكل كل جمال في حياتنا ... وربك الوهاب ( والعبارة لنزار قباني )
شكرا على مرورك الذي صرت أنتظره ،، ودمت بألف خير