هذه مقدمة قد تكون غير صحيحة ..الأول : هو أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام وسنته جزء من الدين ، وهذه اختراع فيها .
أقصد عبارتك ( حديث النبي عليه الصلاة والسلام ..جزء من الدين) .. عدا كلمة ( وسنته) ..
وبالتالي ستترتب عليها نتائج غير صحيحة
فكثير من العلماء ان لم يكن أكثرهم ..لا يعتقدون بقطعية ما يسمى بحديث النبي
وأسوق شاهدا واحدا على ذلك من ابن حزم في كتابه ( الإحكام في أصول الأحكام ) يلخص الأمر برمته :
[وقال الحنفيون والشافعيون وجمهور المالكيين وجميع المعتزلة والخوارج إن خبر الواحد لا يوجب العلم ومعنى هذا عند جميعهم أنه قد يمكن أن يكون كذبا أو موهوما فيه واتفقوا كلهم في هذا ] أه.
وأرجو أن تلاحظ أنه لم يذكر أهل الحديث ولا الحنابلة
فإن صح هذا القول ..
فكيف نجعل كتب الحديث جزءاً من الدين ومعظم علماء السنة (كالحنفية والشافعية وجمهور المالكية) لا يعلمون قطعا إن كان الرسول قد قال تلك الاحاديث ..
لكن في المقابل ..
لا يستطيع أي عالم مسلم أو أي عامي أن يقول أننا لا نعلم قطعا أن هذا القرآن كلام الله ؟
أما السنة فنعم هي جزء من الدين ..
ومعظم المسلمين إن لم يكن جميعهم متفقون عليها كالصلوات الخمس والحج مثلا
*
أوافقك أنها مجرد اجتهاد ورأي وتعريف بشريالثاني : ضوابط وأسس ومعايير قبول صحة الحديث الوارد من عدمه ، وهذه محل اجتهاد ( عند أهل العلم المختصين ) .
اتفاق محدود وليس شاملا ..الأول : محل اتفاق ، ولا أظن أننا نختلف فيه .
كاتفاق الشيعة مثلا على ما اتفقوا عليه ..بينما يخالفهم على اتفاقاتهم بقية طوائف المسلمين ..
وكاتفاق اليهود على ما عندهم وكاتفاق النصارى على ما عندهم ..بينما المسلمون مثلا يخالفونهم
كما سبق ..اتفاق محدود ..لأنه اتفاق أقصى بقية علماء الأمة وطوائفهاالثاني : مَن الذي يحدد هل هذه المعايير ـ التي وضعها أهل الأختصاص من علماء الحديث ـ صحيحة ودقيقة ومقبولة ، أم لا؟
فالشيعة مثلا تخالف اتفاق علماء حديث أهل السنة ..
وكذلك يخالفهم المعتزلة والخوارج ..
كما كان يخالفهم أهل الرأي وعلى رأسهم أبو حنيفة وتلامذته
نعم لا يدخل في هذا الأمر من لا علم له كالرجل العامي الذي لا يعلم في القرآن ولا في الحديث ولا في الفقه ..هل يحدده ذلك الرجل العامي ؟ أم يكفي أن يكون أحدنا مثقفا كي يقوم بذلك ؟ أم يكفي أن يدرس الشريعة في كلية ما ؟
ولكن أهل الحديث صدوا حتى الفقهاء ومنعوا بقية الطوائف من أن يدلوا بدلوهم في نقد الحديث...فلم يعترفوا بنقدهم
تماما كما يصد اليهود والنصارى ويمنعون عالما مسلما يبغي نقد التوراة والإنجيل ..فلم يعترفوا بنقده
وكما يصد ويمنع الشيعة عالما مسلما بيقد أحاديثهم التي صححوها فلم يعترفوا بنقده ..وهكذا.
ولا تنس أن القرآن هو المهيمن على كل حديث وكذلك الفقه والعقل وغيره ضروري لنقد الحديث ..
بينما أهل الحديث معروف قلة علمهم بالقرآن والفقه ومع ذلك احتكروا أمر الحديث لأنفسهم
كثير من الفقهاء قال بذلك ..من ذا الذي يقول بأن من يخالف إجمال الأمة من المجتهدين يكفر؟؟
فالقول بتكفير مخالف وخارق ومنكر الإجماع قد كثر واشتهر حتى تكلم في ذلك العلماء ،وعلى سبيل المثال لا الحصر:
يقول الشوكاني : ولا يهولنك قولهم : من خالف الإجماع فقد كفر ..
قال الزركشي في المنثور : " أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه
قال إمام الحرمين الجويني في البرهان في أصول الفقه : " فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر
كما يقول الرازي في المحصول عن تكفير الفقهاء لمخالف الإجماع : والعجب من الفقهاء أنهم أثبتوا الإجماع بعمومات الآيات والأخبار وأجمعوا على أن من أنكر ما تدل عليه العمومات لا يُكَفَّر ولا يُفَسَّق إذا كان ذلك الإنكار لتأويل ثم يقولون الحكم الذي دل عليه الإجماع مقطوع ومخالفه كافر وفاسق
الأحكام للآمدي: المسألة السابعة والعشرون اختلفوا في تكفير جاحد الحكم المجمع عليه، فأثبته بعض الفقهاء،
موسوعة الفقه الإسلامي: وبعضهم جعلوه موجبا للكفر لأن الإجماع حجة قطعية كآية من الكتاب، قطعية الدلالة، أو خبر متواتر قطعى الدلالة، فإنكاره يوجب الكفر لا محالة ".
يقول ابن تيمية في مجموع فتاويه الْإِجْمَاعَ الْمَعْلُومَ يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ ]، وقال في المسودة :" مسألة من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك قال ابن حامد وغيره انه يكفر " .
فتاوي السبكي: وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوْ خَطَّأَ حَدِيثًا مُجْمَعًا عَلَى نَقْلِهِ مَقْطُوعًا بِهِ مُجْمَعًا عَلَى ظَاهِرِهِ كَتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ ،
كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقا ضي عياض : فأما من أنكر الإجماع المجرد الذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع فأكثر المتكلمين من الفقهاء و النظار في هذا الباب قالوا بتكفيركل من خالف الإجماع الصحيح الجامع لشروط الإجماع المتفق عليه عموماً . و حجتهم قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونص له جهنم وساءت مصيرا . و قوله صلى الله عليه و سلم : من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . و حكوا الإجماع على تكفير من خالف الإجماع .
بل أن التكفير لمجرد مخالفة طائفة لإجماع طائفة أخرى كما نرى ذلك في قول أبي حامد الغزالي : " وقد وقع التكفير لطوائف من المسلمين يكفر بعضها بعضا فالأشعري يكفر المعتزلي زاعما أنه كذب الرسول في رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات وفي القول بخلق القران والمعتزلي يكفر الأشعري زاعما أنه كذب الرسول في التوحيد فان إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء ،
ليس واضحا ولا أريد أن أتهم أحدا ..ولكن طامة تكفير مخالف الإجماع موجودة بوضوح مما سبقمن قال بهذا من أهل العلم المعروفين؟
ومخالفة الإجماع قد يختلط بمعنى مخالفة الجماعة أو مفارقتهم كما نرى ذلك في فتح الباري: وقال ابن دقيق العيد : قد يؤخذ من قوله " المفارق للجماعة " أن المراد المخالف لأهل الإجماع فيكون متمسكا لمن يقول : مخالف الإجماع كافر , وقد نسب ذلك إلى بعض الناس
وربما قاد مثل ذلك لتكفير الخوارج لمفارقتهم الجماعة ( الإجماع) صَرَّحَ بِالْكُفْرِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ .. وَمِمَّنْ جَنَحَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ ]
لا أقول بهذا عند العلماء المنصفين ولكن أقول به عند أكثر الناس الذين يعتقدون بالبخاري أنه كلام الرسول وأنه بعد القرآن وأنه الوحي الثاني ..وربما أقول به حتى عند من لا يؤمن بالبخاري ولا بالقرآن ولكنه يستغل إيمان العوام بالبخاري ليوقع بخصومه ومن يبغضهمهناك قاعدة أصولية تقول ( لازم القول ليس بقول ) وأنت تقول من لازم مخالفة البخاري تساوي التكفير!! فمن يقول بهذا في علم المنطق؟
لا نرفضها لمجرد الرفض بل لمخالفتها القرآن والعقل والحقائق والواقع ..لماذا لا نفرق بين البخاري كعالم ، وبين الأسس التي وضعها ، فإن كانت الأسس التي وضعها صحيحة مقبولة ، وحكم عليها أهل الاختصاص بذلك ، فلماذا نرفضها ؟ لمجرد الرفض !! أم خشية على دين الله من التحريف ؟
فالمطلوب ليس وضع تعريفات بشرية ..بل وضع أدلة وبراهين .. وإلا فالحوار والنقد الحر
قال ابن حزم في كتابه السابق : [وليعلم أن كل من قلد من صاحب أو تابع أو مالكا أو أبو حنيفة والشافعي وسفيان والأوزاعي وأحمد وداود رضي الله عنهم متبرئون منه في الدنيا والآخرة ويوم يقوم الأشهاد]
فكيف من قلد البخاري ومسلم ورواة الحديث؟
نعرفها بالحوار الصريح الحر بين كل الطوائف والعلماء ..وليس بالحجر والغلق والتبديع والحكرإذا أمرنا أن نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، فكيف نعرفها ؟
لم يستطع حتى الجهابذة من العلماء علم ذلكوكيف نحكم أن هذا النص يصح نسبته للنبي عليه الصلاة والسلام ؟
يحق للبخاري وغيره وضع معاييرهم ويحق لغيرهم نقدهاهل نأخذ بالمعايير التي وضعها أهل الاختصاص ، أم نحن أحرار نأخذ كما نحب ونترك كما نحب ؟
هذا لا يعني الجمود عند عقل البخاري وعلمه ..وهل نملك بعد ما يزيد عن ألف عام من موت البخاري ـ مثلا ـ أن نضع معايير دقيقة مقبولة لقبول الحديث وبيننا وبين الرواة هذا الانقطاع الزمني الكبير ، فضلا عن الانقاطع العلمي !
وإلا جمدنا جمود اليهود والنصارى على كتبهم المحرفة ..
بل لابد من الاستمرار في التقد
وأخيرا ..
أشكر أخي أمير على سعة صدره
وأشكر أخي خليل على كلماته اللطيفة![]()