يمنى سالم .. مشروع كاتبة ..
أمل فؤاد عبيد
الحوار المتمدن - العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6
يمنى سالم
( 1 )
مُرَّ بي..
اقتلع الشوك من شفتي..
احصدني قبل أن تسقط أوراقي..
حدثني قبل أن يجف الرحيق..
ويملأ ضباب الخوف أحداقي..
مُرَّ بي..
ادلق صوتك على نافذتي..لينسكب نوراً..
فيجتاحني ضوء طُهرك...وأراني..!!
إمراة من عطر وطين..
تحيلني نار البعد لصنوانِ..
مُرَّ بي..
كي أثق أني ما زلت...أنثى..!!
واجتاز المسافة بيني وبيني...
لتكون جسري الممتدُ مني..وإليّ..
أخطو على أضلعك بطيشي وشجني..
مُرَّ بي..
كومني على حواف الانتظار..
مشاعرَ جامحة لا تهوى الانشطار..!!
مُرَّ بي..
انفيني إليكَ........لأستعمرك...
وسأنفيكَ إليَّ لتستعمرني..
مُرَّ بي..
سأمهد لك عرشي...
وأهديك مملكتي...ولا تهبني لشمس الوحدة..
فتهدر نبضي...ويجف الطين من عطري..
وأصبح بقايا فخار..!!
مُرَّ بي..
لترمم انهياراتي...
وتجبر انكساراتي...
مُرَّ بي..
لتنمنم انهماراتي
و تلملم انتثاراتي...!!
مُرَّ بي..
لكيلا يرجع صدى صوتي..
وأنسى على يديك احتضاري..
كن الصوت وصداه...
والعمر وضياؤه...
كن الأرض والمياه..!!
مُرَّ بي..
وأهدم تلك السدود...
وابنيني لبنة من وفاء...ولبنة من حب...
ولبنة من ضياء..!!
مُرَّ بي..
هدهد هذا الصمت الذي يكويني..
وكن أنت الحداء والغناء..
بدد أسمال الوحدة..
وانتكاسات السكون..
وظلال الفِناء..!!
( 2 )
بعضي لا يثق ببعضي
تُطرق مسامير الألم في أطرافي، شلل يصيبها، تصرخ ..تتأوه، ورغم كل هذا الصخب إلا أنه يعتريني هدوءًا مريباً، جعلني لا أثق في كُلي أو بعضي..
أبحثُ عن متنفس لا يشبهني، فكل ما أحاول فعله هذه الأيام لا يتجاوز الصمت أو الاختباء.
أبحث عن منفى يقبل الفارين من أنفسهم، لا يجتر مسافة الماضي وقصصه السيئة، أو وطن بلا حراس ولا حدود يجير اللاجئين دون تحقيقٍ تُثقب فيه الأعين أو تقطع فيه الأطراف. لا شروط لديّ سوى أن أكون هادئة وغير وحيدة، فليكن هناك أرواح مثلي، تطلب الهدوء ومساحة للهرب من كل أرتال الروح الرازحة تحت تأنيب الوجع..!!
الوحدة داءٌ ملاصق لروحي، كلما حاولت الخلاص منه ازدادت روحي تعذيباً، متعبة أخبئ صدفات روحي الصدئة تحت أقبية الخوف، يستر بعضها بعضاً، وأحملها فأركض بها باحثةً عن جب لا تمر به القوافل؛ حتى ألقيهن فيه وأضمن ألا يجدن إليّ سبيلاً.
أريد أن أختبئ ولكن ليس في الرمل؛ فأنا لا أحب أن أطأطأ رأسي. ولن ألوذ بالبيوت المهجورة فأنا أخاف بطش الجان بي، وكيف أهرب بهمي إليهم فأزيدهم رهقاً..!!
أريد أن أختبئ في الغيم وأتعلق في سماء أخيرة تحملني بعيداً عن البشر؛ فأتدلى منها لأتطفل على عيوب البشر، وأرقب كذبهم ونفاقهم ومجاملاتهم التي تؤكل نتنة، وابتسامات تكشف عن بياض أسنانها الملطخ بدماء الغيبة والنميمة، وأضحك منهم، وأضحك لأني استطيع أن أكشفهم على حقيقتهم وهم يصطنعون كل شيء حتى الحب..!!
أريد أن أختبئ فبعض أيد المتطفلين تتسارع بقلق لتبعثر صمتي، وبعض الأعين تمارس مغازلة الحقيقة، وبعضي لا يثق ببعضي ؛ يتنازع الهروب في رأسي جهات ثلاث: قلبي المتعب من الأكاذيب، وروحي اليائسة مني حد الموت، و رغبتي في البقاء لأمارس إنسانيتي بشيء من الرقي، فيتقاذفني التعب، الموت، والرغبة في الحياة، وعشق الهروب، وفكرة الاختباء المجنونة..!!
رضا النفس غاية لا تدرك، هذه الحقيقة التي توصلت لها؛ فما أصعب أن تمارس لعبة تقسيم الذات بين طقوس لا تؤمن بها، ولكني أقيم شعائرها لأرضي جهاتي الثلاث، التي تتنازعنني ، وعبثاً أحاول..!!
بعثت بطلبات لجوئي النفسي والأخلاقي- من نفسي- لمئات الأماكن التي نعرفها والتي لا أعرفها، السماء رفضتني، والأرض أجابت بصرامة: "لا لجوء لدينا سوى سياسي، وبشروطنا..!!نعتذر عن قبولكِ"..!!
إذن لا مكان لأختبئ فيه إلا تحت الرمل، وصدقوني..
لن أفعل..!!
( 3 )
معجم الغواية
(مدخل)
الصمتُ خطيئة لا تغتفر..
و الشعر غواية تستمر..
مراكب الصمت حبلى بغوايات عاشق لم يشتهر..
في قلب ذلك النهر ..
اجتمعوا ذات يوم على غيمة..
تغاووا عليها فتساقطت ندماً ..وفيض ألم منهمر..!!
(أصل الحكاية)
وقعت الغيمة..
فتناثرت حلماً..
ولملم هو الحلم..و دسه في فيه..حاول أن يبتلعه..
فكادت أن توقعه في أغوية..
فحاك لها من الشمس شالاً ..ودثرها به..فتبخرت ..!!
(ذات قلب)
كن ذلك الشاعر الذي يغويني فاتبعه..
إلى وادٍ غير ذي حرف..
ومساحةٍ غير ذي أمل..
(أسطورة)
"الغواية والصمت متآلفان منذ زمن"
تعال يا غوايتي..
تعال لصمتي الذي حاك لك الأسطورة ذات عشق..
وضمك حاضراً لا يدوم..
وماضياً تكالبت عليه الغوغاء..فقتلتَ فيّ الحلم طفلاً..!!
(غوى)
قبلاتك والليل..
وبقايا أحرف تناثرت من شفتيك.
وقلبك وما غوى..
وروحي حين تسامت على يديك للذرى..
أعلن الليل مخاض غواية جديدة..
طرفاها شفتاك..وأنا القصيدة..!!
(معجم)
ليس للطهر في شعرك مكان..
فدواوينك معجم غواية للعشاق..
وكهف يسرد حكايات المشتاق..
ومرافئ تبعثر وشوشة الليل..
المخبئة في عيون غفت ذات يوم على صدرك..!!
(وصر)
أخذتَ على عشقك إصري..
وسفكتُ على غيك طهري..
اكتشاف الحرف مسألة وعي وتجاوز في آن .. واكتشاف النفس لعبة على أخدود او فوهة مصوبة في كل الاتجاهات .. واكتشاف القلق ذاته .. قلق , واكتشاف الحب مسألة معلقة الأجل إلى حين .. لكن اكتشاف الاكتشاف فن وحرفة تحتاج إلى يقين .. ان نعي طوافنا وأن نعي مناسك أرواحنا تبقى رهنا لقوة بصيرة تعتلي عرش القلب والروح .. وما بين الطواف والمناسك والقلق والحروف ومراوغة النفس ولجوء الروح او النفس .. خيار صعب .. ومسألة تكشف أكثر مما تخفي .. وتخفي أكثر مما تكشف .. جدلية تبغي برا آمنا لحدوث ولادة .. نص على بساطته إلا أن تلقائيته أعجزتني حتى .. عن الامساك بخيوطه حتى النهاية .. فأعجزني التباس المفارقة بين الصعود والهبوط .. بين الممتد .. والمتراجع فينا ..
اخطرتني هذه الخواطر بخلجات باطنية .. تحث على المسير أو الاختراق حد الظلمة بلا عبث .. حيث التفاعل والتأقلم مع مفردات النفس والروح في علاقتها الأزلية أو صراعها .. على الرغم مما تحمله سطور الخواطر من مباشرة أحيانا إلا أنها مباشرة تفعل فعلها على مستوى التعرية غير القاسية .. او الممكنة في حيز من الزمكان الذهني / الحسي .. وما سر توارد مفاعيل هذه السطور إلا حيث تأخذك بلا استئذان .. أو هي مجرد زيارة خاطفة .. عابرة عبور العبير او طيف النور ثم بعدها يتركنا في تلاشي او حالة انعدام وزن على أقل تقدير ..
أما هناك في معجم الغواية .. حيث معجم اللغة يأخذ مسار النزوع والتحرر تارة .. وتارة مسار التعلق والتآخي أو التحام الكائنات .. نصبح على حواف من الصراخ .. صامت / معلن .. أو هو .ز معلن / صامت .. ما بين التلقائية والصلابة أو التارجح على نزف الكلمات تستميلنا الصور أو اللقطات .. هي لقطات متناثرة .. أو هي كادرات توقيفية وأيضا توفيقية .. توفيقية الإحساس بامتداده .. وتوقيفية التلغيز والمعنى والإشارة إلى حيث ممكنات ومستحيلات ..و ما بين الحركة والسكون .. ترتعش الحروف كأنها تغتال من عطبها .. أو تفترش لها سكنا آخر يطوف حول أعناقنا .. او هي ملامح تتبعثر .. لتلملم .. أشلاء الفكرة .. لتسكننا مرة أخرى على غير عادة ..