إلى كميل عيلبوني
صديقي الميّت
في ذكراه الحيّة

سأعود بالذاكرة إلى الوراء ما يقارب الثلاثة عقود
إلى إحدى السهرات التي كانت تجمعنا مع الختيارة أم خليل ، والدة صديقي القديم الذي كان يدرس الأدب العربي في جامعة دمشق ، والذي خطفته يد المنون قبل زمن طويل
كانت عائلتهم هي العائلة الوحيدة المسيحيّة في المخيّم ، ولم نكن نشعر البتّة ونحن ندلف إلى بيتهم ، نسهر ونتمازح ونتشارك المائدة ، أنّهم مختلفون عنّا ، كنّا كلّنا أبناء جليل واحد ، وأبناء نكبة واحدة ، وأبناء مخيّم واحد ، ولطالما تبادلنا التهاني في الأعياد
ولطالما حلمنا سويا بالتحرير والعودة
ضحكنا معا مراراكثيرة
وبكينا معا مرارا أكثر
تحلّقنا في تلك الليلة الكانونية حول الصّوبة ، ودارت أكواب الشاي على الحاضرين ، واستقر الإبريق على الصّوبة ليحتفظ بحرارته
الله
شاي خمير بالميرميّة
قال أحدنا
ردّت أم ميلاد
المريميّة يا ابنيّي ، مش الميرميّة
شو هالحكي ؟؟
هاتي خبّرينا ماعندك يا أم
(( هذي الحكاية سمعتها من حياة أبوي في عيلبون قبل الله أعلم شي خمسين سنة ، لمّا كانت ستّنا مريم رايحة تدوّر عالمحل اللي بدها تخلّف فيه ، نازلة جبال وطالعة جبال ، كانت تتكمّش بنبتة صغيرة على الأرض ، عشان تساعدها بالطلوع والنزول ، قام ربّ العالمين بارك بهالنبته بجاه ستنا مريم ، وجعل فيها الشّفا لكثيرمن الأمراض ، وهيك صارت العالم من يومها تغلي هالنبتة وتشربها ، وسمّتها المريميّة ))
أذكر أنّ أحدا منّا لم يعلّق
تابعنا حديثنا المتلفّع بالوجع والذكريات والأمل المنتظر
أتـينا على الإبريق كاملا
حتى كدنا أن نعصره
غادرنا في آخر الليل
لكن
بقيّة منّا ظلّت هناك
في الدّار المشرفة على شارع القسطل
وما تزال
إلى الآن