أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: العمر الحقيقي .. بين الآماد والإمداد

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 55
    المشاركات : 69
    المواضيع : 16
    الردود : 69
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي العمر الحقيقي .. بين الآماد والإمداد

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    عين تنبجس في روح المرء، تارة تسيل، وتارة تنفجر ويعلو ماؤها ، هي تلك الحياة التي نعيش .. يحس المرء فيها بظمأ في تحركه حيناً، ويشعر بالارتواء في قلبه حينا آخر ، يتقلب حاله فيها بين مد وجزر ، يغسل قلبه ويطهره من ذنوبه ومعاصيه وميولاته، ويفركه من ظنون الناس وآثامهم وأوهامهم وأحقادهم، يتوضأ فيها مستقبلا ربه ، بأمل ، مهما تصّعدت نفسه من أنين الجراح ، وأنفاس الشجن .

    ولا تزال رحمات الله تتنزل من السماء ، كأنها المطر ، برعده وبرقه، وبصوته ومعانيه ، يتعرض لها كما كان عليه الصلاة والسلام يتعرض للمطر ويفتح له ثوبه ، فيتعرض له ويفتح له نفسه ، يتذوق مذاق السماء فيه، وترعد حناياه إجلالا وهيبة، وتبرق ذاته ألقًا وعلوا ، ولا غرابة فإنه (حديث عهد بربي ) .. فتنتشر معاني الخير كأنها بستان جميل تعددت ألوان أزهاره، وتنوعت روائح وروده، وبات كأنه هو بائع المسك الذي تمر الينابيع بجوار داره، غير أن رائحته لا تجدها الأنوف المريضة، كما لم تجد الأفواه المريضة عذوبة الماء الزلال زمن المتنبي ؛ مما حدا به إلى أن يصفها بقوله :

    ومن يك ذا فم مُرٍّ مَريض ** يجد مُرا به الماءَ الزلالا

    أمد .. و مدد

    " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك"، هكذا أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، هذا هو الأمد الذي يعيشه المسلم في الدنيا ، قال في لسان العرب " الأَمَدُ: الغاية كالمَدَى؛ يقال: ما أَمدُك؟ أَي منتهى عمرك. وفي التنزيل العزيز: ولا تكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأَمدُ فَقَسَتْ قلوبهم؛ قال شمر: الأَمَدُ منتهى الأَجل، قال : وللإِنسان أَمَدانِ: أَحدهما ابتداء خلقه الذي يظهر عند مولده، والأَمد الثاني الموت؛ ومن الأَول حديث الحجاج حين سأَل الحسن فقال له: ما أَمَدُكَ؟ قال: سنتان من خلافة عمر؛ أَراد أَنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، رضي الله عنه" .

    والمسلم بين أمد و مدد، فعمر المسلم بين أمد الولادة وأمد الموت ، هذا هو أمده في الحياة ، يقاس بعدد السنين والأرقام ، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا الأمد المعدود رقمًا ، يحوي مددا ، قال الله تعالى: أَن يِمُدَّكم ربكم بخمسة آلاف. وقال في المال: أَيحْسَبونَ أَنَّما نَمُدُّهم به من مال وبنين؛ وقال سبحانه : وأَمْدَدْناكم بأَموال وبنين . فالمدد هو العطاء والمنح والإرسال والعون ، راجع ابن منظور .

    نقول فلان عمره 40 عاما ، وآخر 25 عاما ، وأخرى 35 عاما ، هذا قياس العمر رقما وبحسب الأيام التي حوت معيشة المرء من الميلاد إلى يومه الذي عاش فيه ، وهذا المتعارف عليه ، وعادة لا يخطئون الحساب فيه . غير أن ثمة مقاييس أخرى غير الأرقام يجب أن تُراعى ، ويفهمها الناس ويعونها ، كي يدركوا أن القياس ليس له وجه واحد فقط ، وإنما وجوه متعددة كثيرة ، غائبة ـ ربما ـ وشيّقة .

    أعمار .. متنوعة

    من هذه المقاييس التي قل الوعي بها،و غاب ذكرها، وغفل عنها الكثيرون، من تلك المقاييس للآماد ما يمكن أن نطلق عليه، العمر الثقافي، أو العمر الاجتماعي، أو العمر العاطفي، أو العمر الإنجازي ، وهكذا .. وإجمالا هو العمر الحقيقي للإنسان، لأنه هو العمر الذي سينالُ به الدرجات العُلى، وهو العمر الذي يدخره عند ربه عز وجل، وهو ما سيجد ثماره في الآخرة، وبحسب محور اهتمام الإنسان وحاله، وبحسب كدّه وجدّه فيه، يمكننا قياس أمد المرء في ذلك المحور.

    ومن خلال هذه النظرة يكون للعيش والعمر قيمة أخرى في الحياة ، وندرك بذلك مقدار المدد الذي يحوزه المرء منا في هذا الينبوع المتدفق بلحظاته وثوانيه ... بل بشهوره وسنواته ، من خلال ذلك يمكن للمرء أن يعرف عمره الحقيقي في هذه الحياة ، ماذا قدم فيها لنفسه ، ولمجتمعه ، وللإنسانية جمعاء .

    صحَّ عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أعذر الله إلى امرئ أخَّرَ أجله حتى بَلَّغَه ستين سنة ) البخاري . قال ابن بطال كما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري " إنما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك ، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ، فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية ؛ لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة " . هذا نموذج لآخر مراحل الإنسان وهو على مشارف الستين .

    و في القرآن الكريم قوله عز وجل : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وهي المرحلة الوسط ، فبلوغ الأشد ـ كما قال أهل التفسير ـ هي في سن الثلاثين ، ثم الرجولة والنضج في الأربعين من العمر ، وما بين الستين ـ الواردة في الحديث ، والأربعين ـ الواردة في الآية ، فقط عشرون سنة ! ، والأربعين هي السن التي يخرج فيها الإنسان على مراهقاته الفكرية والسلوكية والنفسية ، ليستقر به الحال على حزمة من التجارب ، يبني بها ما بقي له من أمد . وما قبل الأربعين عشرون سنة أخرى، هي أعوام الكد والبناء والتعب ، وتشكيل الخارطة الشخصية في الحياة ، وتكتمل البصمة النفسية في هذه المرحلة ، من بعد اكتمال النمو الشخصي والبدني والعقلي فيما قبل العشرين .

    العمر الثقافي أو المعرفي : هل هذا الشخص تتناسب ثقافته ومعارفه مع عمره الزمني؟ ، هل ثقافاته ومعرفته تماثل من هو في سنه من المثقفين ـ بحق ـ ومن أهل المعرفة والعلم ؟

    العمر الاجتماعي : هل هذا الشخص تتناسب علاقاته الاجتماعية مع عمره الزمني ؟ وهل تقارب أو تماثل من هم في سنه ولهم علاقات ونجاحات اجتماعية ؟

    العمر العاطفي : هل يستطيع هذا الشخص أن يضبط عواطفه ويتحكم فيها ، بشكل يتناسب مع عمره الزمني ؟

    العمر الإنجازي : هل هذا الشخص تتناسب إنجازاته الذاتية والأسرية والحياتية بعامة ، مع عمره الزمني ؟ هل هو مماثل أو مقارب لغيره ممن هو في سنه العمري ، ولهم نجاحات ؟

    بين العرصات .. والهوامش

    ثمة مَن يعيش عمره الثقافي أكبر بكثير من عمره الزمني ، وقديما يأتي الإمام النووي مثالا راقيا في هذا الباب ، فقد توفي رحمه الله وله من العمر الزمني 45 عاما فقط ، ونتاجه الفكري والعلمي يفوق هذا العمر بكثير ، وفي الزمن الحديث يأتي الأستاذ حامد ربيع رحمه الله مثالا نيّرا ، فقد توفي رحمه الله عن عمر يناهز 64 عاما ، حاز فيها أكثر من سبع ! رسائل دكتوراه في عدة مجالات .. والأمثلة كثيرة ومتنوعة ومشرقة في هذه الأمة .. لكن المهم أين المرء منا من كل هذا ؟؟

    ذكر الدكتور عبد الكريم بكار أن الشخص المميز يقرأ في السنة 50 كتابا ، أي بمعدل كتابين ـ تقريبا ـ شهريا ، وبالتالي، فنصف المميز يقرأ ـ بناء على هذا ـ 24 كتابا ! ، وربع المميز يقرأ كتابا في الشهر .. فكيف لو مرت الأشهر تلو الأشهر ولم ينهِ المرء منا كتابا واحدا ، كم سيكون نسبة تميزه وقتها ؟ وكيف سيكون عطاءه ؟ ألا يكون عطاء فكريا وثقافيا مُكررا ، وغير متناسب مع زمنه، أو بعبارة أخرى : متخلّفاً ؟! ، لا تجديد ولا حياة نابضة فيه ، بل كم سيكون كرمه ؟

    قال تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) لقد كرّم الله الإنسان بالقراءة ، بالإطلاع والعلم والمعرفة ، فلا تكن بخيلا على نفسك وربك هو " الأكرم " !!

    إن أعمال المرء لا تُقاس بطول أمده ، بل بقوة وعرض مدده ؛ مدد الله له أولاً بالتوفيق والبركة ، ومدده هو للحياة ، وللناس ، ولنفسه ، ولأسرته ، ولقلبه ، ولوطنه ، ولموطنه في جوف الأرض ..

    و عرصات الحياة كثيرة متنوعة ، بات الصراع فيها دقيقا يحتاج إلى معرفة ومهارة عالية الجودة ، وهامش الحياة كذلك واسع فسيح ، فيه العوام من الناس ؛ يملئون الأسواق ، وتغَصُّ بهم الطرق ، ويُطفئونَ الحريق و... وبعد كل ذلك وقبله .. المرء واختياره !

    من أبرز تلك الصراعات ـ في عرصات الحياة وميادينها المختلفة ـ ؛ المجتمع ، مَن يوجهه ، من يقوده ، من يزرع فيه القيّم ، من يحافظ على أسسه وثوابته ، من يتودد له ويقضي حوائج ذوي الحاجة فيه ؟؟ لا شك أن العمل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية أحد مكونات المجتمع المتماسك القوي ، وبات اليوم في بعض المجتمعات باردا جافاً ، والمرء منا حين يفقد هذه الميزة (الفطرية) كيف سيكون فاعلا في الحياة ؟ بل كيف سيكون له دوره الذي رسمه لنفسه ؟ وفق خارطة الدين وصناعة الحياة ؟

    الكثير منا يفهم العلاقات الاجتماعية على أنها حزمة من الزيارات والمجاملات غير الهادفة ، وهذا فهم سطحي ، أنتج لنا جلسات وزيارات أقل ما توصف به أنها " غير مجدية " ، وربما تصل لحد " التفاهة " ، في حين البعد الاجتماعي في الشخصية المتزنة ، يعني العطاء ، ويعني المحبة ، ويعني العمل الجاد ، إنه يعني الرقي ، ويعني الوعي ، لا مجرد الاحتضان دون هدف ناضج ..

    العجيب ـ وهذا أمر حذر منه ابن القيم قديما في آفات الأخوة ـ أن تنقلب علاقات المثقفين والدعاة إلى مجاملات لا نفع فيها ، وضحك ولعب ، دون أي عمل ومُخرجات يلمسها الناس منهم ، يصعب ـ في ميزان العقول والقلوب معاً ـ أن يكون لهؤلاء أثرٌ في المجتمع ، ويندر أن يخرج من تلك التجمعات من يقوم على النهوض بالمجتمع نـحو مزيد خير ونماء وصعود مرتقب .

    يعيب المرء منا أن يتجاوز السنوات الكثيرة عُمريا ، ولا يزال صغيرا في تحركاته ونضجه وحرصه الاجتماعي ، وكأن تلك السنوات من أمده ، ذهبت في غير نضج و دون وعي ..

    ومن أعمق أنواع النضج والوعي المرتجى، النضج العاطفي ، الذي يتجاوز فيه المرء ردّات الفعل ، ويستقر بحبه وكرهه وميله وبعده ، فإن لم يحدث هذا النضج العاطفي ، كانت الكارثة كبيرة على النفس والأسرة وعلى العلاقات الخاصة والعامة، بل على المجتمع بأسره ؛ فمن تحركه عاطفة غير ناضجة ولا صحيحة ، ليست مبنيةً على علم ومعرفة وتجربة ، قد يأتي بالوبال على نفسه وعلى الآخرين ...

    بطء الخروج من حالات الإحباط التي يصاب بها الناس جميعا ... عدم التفريق بين الحب والبغض من جهة ، وبين عدم جدوى العمل مع مَن أحب وجدواه ـ ربما ـ مع مَن لا يكره .. عدم الدقة والتفريق بين ما أقدر عليه لوحدي ، ونقدر عليه كلانا ، ونقدر عليه جميعنا .. العجلة في قطف الثمار والسرعة في القرارات بغير وعي .. عدم المناسبة بين الوقت والجهد المبذول فيه .. الانشغال عن المهم بالأقل أهمية ... هذه نماذج من قلة الوعي العاطفي ، والتي تجعل العمر العاطفي صغيرا ، مهما كبر المرء منا زمنياً ..

    فإن بقي المرء منا صغيرا في قلبه وقوالبه الحياتية ، صغرت أو قلّت إنجازاته ، وقلّت وضعفت نجاحاته ..

    بركة .. وتوفيق

    لقد كان من دعاء سيدنا عمر رضوان الله عليه : ( اللهم إنا نسألك صلاح الساعات ، والبركة في الأوقات ).
    هذا هو بداية المدد للأمد ، بداية الخير والتوفيق في كافة الأعمار ، بأن يبارك الله لنا في الساعات ، ويطرح فيها بركاته ورحماته وتوفيقه ورعايته ، فليس أمام العبد من خيارات ، إما أن يكون موفقا مسددا ، أو أن يكون مخذولا مُنتكسا ـ هكذا قال أهل العلم ـ ولا يزال المسلم يصارع في المجالين ، بين توفيق وضده ، حتى يحوز على رضوان الله تعالى ، فلن يضره شيء بعدها ..

    ربي عز وجل يقول : ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) إما فتح وإما إمساك ، تلك رحمة الله وهو العزيز الحكيم ، حكيم فيمن يستحق الإمساك ومن له الفتح والفتوحات .. عزيز أن ينال توفقيه متخاذل غير جاد في مسعاه .. وقديما تغزل الشاعر الغزلي بحبيبته في بيت من الشعر جميل ، نستعيره هنا ، فقال:

    أخلق بذي الصبر أن يحضى بحاجته ** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

    إدامةُ قرع أبواب السماء ، بالدعاء ، وحسن العبودية ، والمسير الصحيح ، والوعي الفصيح ، والنضج الراقي ، والعمق الوافي ، مع تعب وبذل جهد ، واستفادة من تجارب عريضة مبثوثة ، وإحناء للظهر على كتاب ومعرفة وتطور وتتبع النماء .. هذا هو سبيل بلوغ الآماد، وصنع الإمداد .. إمداد النفس والآخرين .. و إلا فلا وصول إلى مأمول ولا حصول ..

    إنّ المرء منا ليحتاج بين الفينة والأخرى إلى خلوة مع نفسه ، يبتعد فيها عن كل شيء ، عن أسرته وبيته ، عن أصدقائه وإخوانه ، عن محيطه وبيئته التي أعتاد عليها ، عن كل شيء ، كي يتفرغ للمراجعة والتدقيق ، والعمل على جرد سنوات مضت من حياته ، يراجع فيها أنواع عمره ومستواه في كل شأن منها ، يكتب ، ويدون ، ويعيد التخطيط ، ويسجد لله ممرغا وجهه له سبحانه ، طالبا التوفيق والرحمات .

    الضبع والطبع .. ومرآة النجاح

    قصة لطيفة ذكرها الرافعي في كتابه حديث القمر ، قال : ( قيل إن قوماً من العرب ترحّلوا عن بعض منازلهم فكان من أنسائهم ـ ما ينساه القوم المترحلون من هنّات المتاع ـ قطعة مرآة صقيلة كأنها وجه المليحة التي نسيتها ، فمرت بها ضبعٌ كأشأم ما خلق الله قُبحَ طلعةٍ وجهامة منظر ، حتى كأن في وجهها تاريخ الجيف التي اغتذت بها ، فوقفت عليها تعجب من إشراقها ، وسنائها ، وما كادت تنظر فيها حتى راعها وجهها ولا عهد لها برؤيته من قبل ، لأن الله رحيم ، ومن رحمته أن لا تعرف الوحوش أنها وحوش ، و أن لا تجد أسباب هذه المعرفة ، فانقبضت الضبعُ وزوت وجهها وقالت : مِن شرّ ما اطَّرَحِك أهلك أيتها المرآة ... ! ) .
    مُخرجات آمادنا قد لا نقبلها ، برغم أن كل شيء يقول أنها مخرجات لا تتناسب وأعمارنا ، قد نلوم المرآة ، أو نلوم الظروف ، أو نلوم الآخرين ، أو نلوم أي شيء كان ، وننسى أننا نـحن من نحمل في عقولنا وأفكارنا وقلوبنا وحركاتنا وسلوكنا وأخلاقياتنا ما حملت تلك الضبع في بشاعة منظرها ! ، فنرفض كل شيء يذكرنا أن الخلل فينا ، وليس في المرآة !! نرفض كل ذلك لطبعٍ فينا ، ونسينا أنه يجب أن نغيره بعد أن نقرّ بوجوده ابتداءً !

    مِن إيجابيات البرمجة اللغوية العصبية "NLP" أنها تعطي المرء مبادئ مجربة في صناعة النجاح ، منها :

    ( كل الناس يمكن أن يحققوا النجاحات التي حققها الآخرون ، إذا اتبعوا استراتيجيات الناجحين ذاتها ) .
    ( المرء الذي لديه مرونة عالية في التفكير والسلوك ، تكون لديه سيطرة وتحكم أكبر في الأوضاع ) .
    ( إذا كنت تفعل ما تفعله دائما ، فستحصل على ما تحصل عليه دائما ) .

    فالنجاح ليس حكرا على أحد ، إنما له استراتيجيات اكتشفت من خلال التجارب والممارسة ، علينا أن نفهمها ، وندرك عواملها ، وننسج على منوالها ، ونصبر ونكافح ، ننجح .. بإذن الله .

    لنكن أكثر مرونة في تفكيرنا وسلوكنا ، فلا لليبوسة في العقل والقلب ، ولننفتح و نتعلم من الآخرين وتجاربهم ، لنزداد خبرة ومرونة ، نطوّر عقولنا ، و نتعلم كيف نفكر بطريقة علمية ومنهجية ، حينها .. نسيطر . بحول الله .

    من دون مراجعة الفكر والعقل ، والتفكير والتأمل ، من دون مراجعة لكل الأعمار التي ذُكرت ، لا يمكننا أن نتغير ، أو نُغير ، من دون أن نراجع كل شيء قابل للمراجعة ، لا يمكننا أن نـحصل على نتائج جديدة مشرقة ، لا يمكن.

    هو ذا الينبوع الذي في صدر هذه المقالة ، رقراق ، متدفق ، متحرك ، حر ، نقي ، طاهر ، ومطهر ، لا يقبل الركود فيفسد ، إنما هو العالي الساقي للناس في مجتمعه ، المحبوب القريب لهم ، يعيش عمره الزمني عرضا وطولا ، ويترك الأثر الواضح ، ويزيد لونا في لوحة الحياة البهيّة .. فلن تزولا قدما عبد يوم القيامة إلا ويسأل عن عمره فيما أفناه ، يستعد لذلك بإصرار على المراجعة والنجاح ، والتدقيق في المخرجات كلها ، فإن الوقت يمضي ، ولا مجال فيه للتوقف ، فضلا عن تأخر وبطء وقلة اهتمام .. فانصب وانجح .. ولك تحية باسمة .

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2005
    المشاركات : 673
    المواضيع : 177
    الردود : 673
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    بارك الله فيك أخى الكريم نفعنا الله بك
    يقال بأن العمر -بزاوية أخرى للرؤية- ثلاثة أنواع

    * العمر الحكومى وهو الذى يتطابق مع شهادة الميلاد
    * العمر المفترض وهو الذى يفترضه الناس حين يرونك وهو عمر نسبى وقد ينضم بين جوانبه ما تفضلت بذكره من عمر اجتماعى ومعرفى ...
    * العمر الحقيقى ويقصد به ما يشعره المرء داخل نفسه فقد يكون ابن الستين وهو فى داخله مشاعر وطاقة ابن الثلاثين مثلا

    وإن أسوأ ما يبتلى به المرء أن يموت وهو ابن ثلاثين سنة مثلا ويدفن وهو ابن ستين عاما كناية عن عدم استمتاعه بالحياة والعمل الجاد فيها.
    سيد يوسف

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    ما بين الامنيات والامنيات ... يعيش أغلبنا على هامش الانجاز إن لم نقل الاستهلاك

    مانريده غير ممكن وماهو ممكن لا نريده

    \

    وضع المفكر التركي زعيم حزب الفضيلة : أربكان فكرة رائعة بانشاء دول اسلامية ثمانية تقارع الدول العظمى الثمانية


    مشروعه لم يلاقي النجاح ... لانه بحاجة إلى إمداد


    \

    تقديري
    الإنسان : موقف

المواضيع المتشابهه

  1. الحجم الحقيقي
    بواسطة أحمد عيسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 07-05-2016, 10:52 PM
  2. العيد الحقيقي في الواحة
    بواسطة عبد المجيد أبومأمون في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 28-03-2010, 04:47 PM
  3. الوجه الحقيقي لنزار قباني
    بواسطة إبراهيم بهانة في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 14-05-2009, 04:28 PM
  4. صباح الخير (77) من هو السجين الحقيقي؟
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 09:24 AM
  5. الوجه الحقيقي لمصطلحات العولمة....!!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 18-04-2006, 08:02 AM