قال لي مرة :
أحبكِ ..
مُرهق ومُمزَّق .. منعني من النوم أرقي , وحسُّ حرقي في عيوني , ويلتهمني الصداع ..
فكتبتُ :
أيها القلم المرتعش تبلداً والقلب المنتفض بلا معنى .. مابالكما تعجزان عن البكاء أو الانطراح بوحا بين يدى شجني وتعجزان حتى عن إدراك الصمت المعجز في ثنايا أرياش روحي الذائبة وتغرقان في تيه سحيق مظلم مُتَعَرِّج ؟؟
أي سُمٍّ هذا الذي جرى في أعطافكما فأخرس فيكما الحياة للأبد وفجَّر فيكما العجز الجبار الذي بدا كضريرٍ يتلمس الطريق بالعصا يضرب بها بطن الأرض لايشعر إلا بعصاه بينما الأرض تئن من تحته ؟
ولا أدري لم تتخليان عني وقد سقيتكما مهجةً وعُلقةً من وحي نبضي ,وفيح ألمي, ولذع تحرقي, وسياط عذابي ؟
لم تتفلتان من بين بنيات الشعور كأنه لكما بئر يلتهم , أو كأنه لكما أنياب وحش ينهش فيكما الحياة والأشياء , أو كأنه نهر من الحمم تخافان الإقتراب منه أو حتى النظر إليه بينما هو يستعطف منكما هذه النظرة ؟
لم تنسيان أنه هو هو .. هو الذي سقاكما ماء التَّحننِ ,وماء التَّوددِ, ورعاكما بالحسِّ, والإنضمام, والتبعثر فيكما, والشتات سجيةً برغبة مجنونة , وعشق فاضح لاهّم َّله إلا كُما, ولا العيش إلا بين رباكما ؟
لم تتجاهلان أنه هو هو .. هو الذي تلظَّى لكما ذات يوم ومضى فقير الأمن تـُطَوِّحُ به أسباب الشقاء , وتضرب به زوايا الحجر المتناثر بين عينيه أنى اتجه ؟
فقط لأنه سليل ُبر ٍّ بكما, وعريقُ إحسانٍ إليكما !!
يااااااااااااااه !
ألا تعرفان الاستفاقة , ولا تعرفان حتى صرخة الوجع , وضرجة الطعن ؟!
ألم تفقها بعد حُسنَ التَّفريق بين الأسى وحِدَّته ,وبين الآهة وحدتها , والتعرف على صنوف التمزق طوال تلك السنون ؟
مابالكما تتواريان عن موتي الآن فلا تنبسان ببنت شفه ؟
لله ما أقساكما!!
شكوايَ ربـُّكما وأنا أتحرَّق بدموعه وتتحدر معها أنفاسي وقطعٌ من كبدي, وذوبٌ من روحي كذوب شموع تتآكل معها الأحناء والزوايا ويخر معها القلب من علائقه يتخطفه الكمد ويهوي به القهر في مكان سحيق ..
فديتُ دموعكَ!
فديتها بالقلم المرتعش, والقلب المنتفض, والحس الثائر الغاضب الحائر المتوجع..
فديتها بنفثات روحي الطائرة المحلقة في أفيائكَ , وعمري القابع بين يديكَ , وعصب الشوق الساكن في أحيائكَ وأضلاعكَ ..
فديتها بماء حياتي ,وأنوار عيني, وأنسجتي والخلايا, وشراييني والحنايا..
فديتُ دموعكَ .. فديتها!
فديتها بأفراحي وأعيادي الزاهية التي لم تعرف لها طعماً, ولاذوقاً, وتفرداً , وتألقاً.. بل ولاثغر اً, ولاصوتاً , ولاظاهرةً إلا معك َ..
فديتها بجنات حرفي , ونيرانه الذي لم يتحرك رابياً.. مُتحفزاً ..طرباً ..مُطوِّحاً بالبيان والإحساس والصور إلا لأجلكَ ..
فديتُ دموعكَ .. فديتها!
فديتها بآمالي , وأحلامي المستقبلية الكثيرة , الغزيرة المهلكَة , الضائع بعضها في تلافيف بعض , الملتوية بعضها بأعناق بعض , المتناثرة حولي في زخم وزحام مصطدم مصطخب كالأضواء والفراش.. كالضوضاء..
كسيلٍ عرم جَرَّ معه ماجر..
فديتكَ بها كُلهَّا
فأنتَ هيَ ..
أنتَ المنى, والأحلام , وكل آمالي .
فديتُ دموعكَ ..فديتها!
دعها تتحدَّر على أضلعي .. ترتوي بها
دعني أحترق بها وأتحرَّق لو كانت تــُحرق!
خذ طيفاً من خيالي ,ومِشَعاً من جمال ودادي , ونزقاً من قوارير شوقي ,ومزعاً من أنسجة ترقبي وانتظاري ..
خذ نعناع حقلي , وزهر عمري , ومسحة السنا في صدري , وليلكة العشق في كفي ووجداني وامسح به أدمعك َ الغوالي ..
ودع المنديل الآن لاتحتاجه..................ولن تحتاجه!
فديتُ دموعك َ.. فديتها
سأرشِفُها بأسرار الروح في كوني ..
سأرشفها بضيء الشَّوق في مؤقي ..
وأرشفها بلهفة الصبح في روابي الربيع , وغشقة الطَّل على سهول تحناني الوديع البديع ..
سأرشفها بخليط أنفاسي , وأنفاس المساء المتعَطِّر بورد السماء , المترقرق وجداً بجلال الحياة ,ورقة الماء, وشفافية الضياء في زنابق الأنداء..
فديتُ دموعكَ .. فديتها
دعها تسيلُ على خدي الأسيل ..
دعها..
لم أعد أشعر أنها دموع ٌ..
بدأتُ أشعر أنها ..
أعطاراً ..
أو أزهاراً ..
أو أطيارا ً..
أو أشياءَ أخرى لا أحسنُ وصفها ولا رصفها ولا حتى رسمها..
إنما أشعر أني بدأتُ أغيبُ عن نفسي .. ورأيت أني روضةٌ حسناء من رياض الجنان تتقاطر عليها دموعكَ كغيث ٍورافٍ .. بهيٍّ ناضرٍ .. كريم ٍوحُرٍّ .. نديٍّ أبي !
فأُزهِرُ فلاً وريحاناً , وزنابق وألواناً من شقائق النعمان , والأقحوان ,والصنوبر, والسَّوسن الفتان ..
بدأت أشعر أنها خيوطٌ من الضوء المعَتـَّق بشهقة الشمس , وفزعة القمر تمتد نحوي تشعلني أنواراً أخر ..
أنوارا ً ترقص تتعاكس تتأرجح .. تضخُّ الفجر برَّاقاً ماطراً بالسُّطوع واللَّمعان الفريد في مشارب نفسي فأراك َ بها ألقي الفاخر وحبي العاطر..
بدأت أشعر أنها لألأ ءٌ ترشق ظلمة َ الطريق ووحشةَ السُّكنى بقناطر َمن الفيض النُّميريِّ الحيِّ , الضَّاحكِ في مسارب الحياة عشبا ً , وقنديلاً , ونرجسا ً , وشحرور ا ..
لم أكن أظن أنَّ دمعكَ سيفعلُ بي مافعل لقد لوَّ نني , وزخْرَفني, ووَشَّاني , ولحَّنني وغرَّد بي , وزمَّر ..
دمعكَ الآن فرشاتي , وألواني, ونيشاني ,وحنجرتي ,ومزماري
وهو أيضا شوكي وغراسي ,وسكيني وتفاحي, ومذبحي وفنائي وانطراحي ..
دمعكَ الآن أغنيتي سأنشدها وأقول :
فديتُ دموعكَ .. أفتديها
أفتديكَ
ياأعز وأغلى مافي الحياة وأكرم .
أحبــــــــــــــــــــــ ـــــكـــــــــــــــــــ ــــــــَ![]()