علمني حبكَ أن أتسلق زمني , وأفتت حجري عبر البوح وعبر الثورة.. وعبر الشدوة..
عبر الإغراق في ميعة العتب , وهزعة الغضب ..
علمني كيف أطوح بالمهج في قاع السدف فتميس حريقا, أو رفرفة من نفح الوجد المضطرب في نهنهة الهجر المصطخب ..
علمني أن ألهو بالشجن تراتيلا ًمنمقة تهتز , و تنتزع البسمة من شفة الوجع , وتنثر من لفح الشمس والحرق يرقات , وبراعم تزهر فوق أسوار الحزن , وتغرق في الهدأة..
علمني حبكَ أن أحيا مرات عدة فوق غضون الحيوات المتجعدة الفذة , وأن أستل مصباحاً عفريتاً يترجرج في قلب الظلمة .. يتنزل أنواراً روحانية تملأ أجواء ً نمروديه ..
علمني أن أشدو بأغانيَ المشتهاة المنتقاة فوق رمال الأفئدة المنصهرة بالهجير , وفيح الشتيت , والتمزق , ووقع أقدام دواب التحير, والإنصراع , والترقب ..
علمني حبكَ أن أمتطي رأس الريح تعبر بي بين فجاجات القوافي المقفرة المرهقة , وتمر بي على أودية محددة الروع , بائنة التصدع في وضوح , فأقطف وأنا في طريقي إليها بعض ماتمتد إلى يدي من أشواك الخوف أبذرها في نواحي المطارق بعيدا عن أوساطها كي لايعثر بها السابلة فتنتثر عندئذ زلات الحتوف ..
وكيما تجرح قدمي وأنا غارقة في السير العذب الراجف ..
علمني حبكَ أن أتقطر من وحي الأشياء هالات وإلهامات تتزهزه كلما نفحتها نسائم ُصبا الوجدان , وعلقتها على مشارب الأرصفة قناديلُ البيان الطري البوح ..
علمني أن أربو فوق الأضواء حيث التكسر والتشعشع والانضواء تحت بريق اللمعان في غشقة الهذيان ..
علمني حبكَ عقد ضفائر الانتثال من ذؤابات الأفراح المغرورقة بها حشائش العشق , ونباتات الود الرامش فوق هدب الأشواق المرتعشة ..
علمني كيف أغزلُ من رشات الطل بلورات شمسية تقدح في الأضلع فيرشح منها الحنانُ القاً سندسياً أسلس من ماء الحياة , وأعذب من خممر مُعتَق في أشهى إناء .
علمني حبكَ أن أغرس في شفة الشعر زنبقة فواحة ينتفض الشعر بروعتها فيخترق المزن مشتعلاً , ومرتبكاً , فيسقط منهما الخيال صوراً, وأشكالاً تشبه طوايا النفس حين تفكر .. أو حين تحب
علمني أن أُصغي للنبض المختلج في منتصف السحر قبيل الفجر حيث الصمت العارم يرشفُ أنداءَ الوهج , وسيولة َالشجو الأحمر المتشاقي في غصون الليل الأزرق الهاديء ..
علمني حبكَ أشياء ًلو أجمعها تعطيني حزمة شوق نائر , أو حزمة نور شائق , أو حزمة حس ثائر ..
ولو أجمعها تعطيني نجمات محزومة حول عنق الحب تُرشرشه سطعاً وتمسح عليه بانسدالها وترجرجها طفقاً ..
علمني أن أتعندل أو أتعلق فوق شباك القلب الصب يمطرني أوراقاً سحرية تتمايل.. تتحدر رهقاً خممرياً .. تخلقني عطراً أحياناً وردياً, وأحياناً أخرى تجعلني ريحانة تهتز تحت ظلال الشدو المذلل حساً, ورقاً , ونجوى
علمني حبكَ أن أتقافز فوق حصون القلق أَدُكُ الأرقَ يتطاير أعيناً جنية يحمر بها الأفق يتوارى خجلا من فضح جنونه ..
علمني أن أختصر مسافات الزهد الهجرية المتطاولة تمردا, وعندا بين أبسطة اللقاءات العفوية ..الفتانة.. السحرية ..الشقية .. وأن أتبرمها لتظل حبالاً منسية ..
علمني حبكَ ألا افقه غير الحب , وغير الحرب , وغير الثورة في معمعة الشوق , وسلطنة الهجر ..
وغير الوصل برغم بروق نيوب القتل , ور غم بزوغ القهر حيناً مراً , وحيناً أَمْررْ.. وأنا بينهما أبكي دوماً لا أملك غير الدمع أهرقه في لوحة مخفية ..
علمني وحي الحرية ..
علمني حبكَ أن أرحل من وحل الأدغال , وأسافر عبر بساط الريح وفوق المزن إلى حدائق بابلية .. اتنقل فيها من ظل إلى ظل , ومن شجر إلى شجر , ومن سكنة إلى طمأنة , ومن زهرة ووردية إلى سوسنة , ومن نافورة إلى نافرة الحسن , ونافورة الحس في قلب العشق ..
علمني لغة الأشياء , وصوت الجمادات , ونبرات تماوج الأزمان في كهوف الحياة , والأحياء ..
علمني أنكَ تدفعني للبوح الآسر , وأني أدفعكَ للحرف الساحر .
وتعلمنا معاً السفر بعيداً عن أنفسنا , والهجرة حيناً وأحياناً عن موطننا
عنا معاً ..