من أيـــن نأتــي بالفــرح يا أيلــولكثيرة هي الذكريات المليئة بالمرارة التي يحملها الفلسطيني في حنايا الذاكرة كم من المذابح ، وعذابات التشرد والمجازر000 تنغص حياته وتدمي قلبه ووجدانه منذ أن بدأ التفكير باحتلال فلسطين من الصهاينة إلى أن جاءت النكبة وما بعد النكبة ، ففي كل مدينة وقرية فلسطينية كانت هناك حكاية عن مجزرة صهيونية وبالمقابل رواية عن صمود ومقاومة فلسطينية 0
انه قدر الفلسطيني ...يتعثر ثم ينهض حتى تعانق جبهته السماء رافعا راية الوطن رغم كل الشكوك بأنَهُ لن يَعود 000 إلا أنه ينهض من تحت الرماد كما طائر الفنيق ، يعود كما هي إطلالة ربيع نيسان يمحُو أثار خريف تساقطت أوراقه 000فعلى امتداد الزمن كان الفلسطيني واحة خضراء في صحراء العرب القاحلة 0
في أيلول نتذكر كل المجارز من قبية إلى دير ياسين إلى مجازر أيلول في الأردن وغيرها الكثير إلا أن طائر الفنيق يعاود من جديـــد لرحلة جديــدة 000 لهجـرة أخرى يتابــع المسيرة يخبئ في قلبه حب الوطن كمنشور سري حتى لا تغتاله الحواجز وحراس الأنظمة ، فكانت لبنـان وجنوبها محطته الجديدة بعد أن ضاقت به كل البلاد 0
في بيروت حيث مخيمات القهر والتشرد والحرمان يستباح الدم الفلسطيني من جديد ففي شهر أيلول عام 1982 يعود الحقد ، ويحاصر الفلسطيني فتقع كارثة جديدة وتنفذ مجزرة صبرا وشاتيلا البشعة والتي راح ضحيتها ما يزيد عن أربعة ألاف فلسطيني ولبناني جلهم من النساء والأطفال والشيوخ حيث نفذت بأيدي العملاء وبمشاركة الجنود الصهاينة بقيادة المجرم شارون .
أما أيلول هذا العام فله شكل آخر من المعاناة والألم ، ففي غزة يشرع البعض قتل الأخ أخاه 000 تنعق الغربان السود في فضاءها ، مبشرة بليل أسود حالك وحاقد 000 يُخوّن الأخ أخاه ، ويُكفر الابن أباه إنها لحظة التوجع والألم الحقيقي يحزن الشهداء في وطني ، و تحزن رمال غزة ومخيماتها العتيقة 0
في غزة لم يعد للفرح هذا العام مكان، فمن أين نأتي بالفرح يا أيلول 00؟ في غزة يضيق الوطن ويصبح على شكل إمارة صغيرة يقودها أمير وقاطع طريق وعيّار000 في غزة يغيب العشاق وتُشَرع بيوت الحزن أبوابها والمنتصر يضحك في سره ويردد هل من مزيد 000 في غزة يصبح لصوت الرصاص متعة خاصة يتصيد بها الأخ أخاه باسم الوطن والوطنية 000 في غزة هاشم الكل يجاهر بحبه للقضية ويرفع الشعارات الوطنية ، في غزة مسموح لهم ضرب الهراوات وكم الأفواه وحتى المحاكم التي يسمونها الشرعية 000 يقتلون وينهبون ويحرقون و يناشدون بالحوار واللقاءات الأخوية ، ويؤكدون ليل نهار على الوحدة الوطنية في غزة يهشم تمثال الجندي المجهول الذي يشير بإصبعه نحو القدس ؟؟وتهدم البيوت ، وتهاجم الحارات من وحوش بربرية 000في غزة أمكنة للقتل والسحل في الشوارع وقطع الرؤوس على الطريقة الأصولية العصرية لبتر الأطراف وإذلال كل الرعية 000 في غزة كل شيء مباح في غزة يصير أنين الجرحى سيمفونية عشق يُطرب لها القاتل وتصبح نشيدا وأغنية وطنية ، والمفتاح الوحيد لدخول جنة الفردوس وعالم الابدية000 في غزة نتقاتل على وطنا لا يشبه الوطن وسلطة وهمية في غزة ما أصعب أن تصبح المساجد منابر للفتنة والخطابات الحماسية والسياسية 000 في غزة هاشم يموت الحب وتنحر القضية ونعيش الحروب الأهلية ، وتذبل الأزهار، وتنصب أعواد المشانق 000 في غزة يصبح للبحر رائحة الموت 0
"من بين أحضان أمهاتهم تسللوا نحو أزقة خلفية ، نمو في حمأة النسيان عادوا يوما من عوالم حاقدة على كل شيء جميل ، حلقوا في سماء مدينتهم الرائعة ، أزعجتهم البهجة ، وأفزعتهم الطمأنينة ، فنسفواالفرحة في أعين زهورها المسالمة " 0
كل ذلك يا فقراء بلادي 000 يحرضني على البكاء حينا وأخرى على الأمل بأن الوطن باق في قلوبكم جميعا ، هل ستقرع أجراس العودة و الفرح يا فيروز ، وتعود لأمواج بحر غزة صخبها من جديد ، وتصدح أغاني أصحاب المراكب البسطاء دون كلل أو ملل ويتسابق الشعراء لنسج قصائد الغزل على شواطئ غزة ، ويعود للقمر هدوءه الجميل ، وتحلق الطيور من جديد تملأ الدنيا فرحا وأمل 0