|
الشِّعرُ مات بِمولِدِ الأدباءِ |
فابكوا القريضَ لِمَعشَرِ الشُّعَراء |
وانعوهُ نَعْيَ الجازِعين وشَيِّعوا |
و تَدثَّروا بمَلابِسٍ سوداء |
ما كنتُ أشكو بل شَكاةُ جَوانِحي |
بَثَّت إليكم قَسوَةَ الزُّمَلاء |
هم كَمَّموني شُعلةً فَبَلَعتُها |
فَتَقطَّعت بِشُواظِها أمعائي |
حتى اختَنَقتُ بها وقَطَّعَ أبهَري |
لَهَبُ الحُروفِ به وسيلُ دِمائي |
حَرَّانُ حَرََّّقهُ السُّكوتُ فَرَنَّقت |
في عينِه عَبَراتُها بوفاء |
بالله رِفقاً بالقَريضِ وَمُهجَتي |
صُبُّوا علينا من قِرابِ الماء |
الشِّعرُ دائي والدّواءُ سَماعُه |
فإذا اعتَلَلْتُ فَداوِني بالدّاء |
أنا هكذا فإذا عَجِبتَ فهاكَ ذا |
قَلَمي بِداخِلِه العَقارُ دَوائي |
تَلفِي المِدادَ تَسيلُ فيه مَشاعِري |
مِثلَ الدِّماءِ تَبِضُّ في أعضائي |
فَتَرَفَّقوا فينا وبعدُ تَلَطَّفوا |
ولتَتَّقوا الرَّحمنَ بالشُّعَراء |
الضَّادُ أكرمُ ما تَلَفَّظَ ناطِقٌ |
ما كُنتُ في لُغَةِ الجَمالِ أُرائي |
هذا أنا ألشِّعرُ عُشْرُ بِضاعَتي |
يَغْرِفْهُ مِن جُبِّ القلوبِ دِلائي |
إني كذلك مُذ وُلِدْتُّ وَلم أزَل |
يَمشي أمامي ما تَرَكتُ وَرائي |
فإذا مَدحتُ فَرُبَّما مَدحي أتى |
لُجَجَ البِحارِ مَنازِلَ الجَوزاء |
وإذا هَجَوتُ ففي العَروضِ مَعارِضٌ |
قَطَّعتُ تَفعيلاتِها بِحِذائي |
أنا إن نَظَمتُ أذوبُ شِعراً خالِصاً |
بالمُخِّ والأطرافِ والأحشاء |
وإذا نَطَقتُ سَفَحتً روحَ مُعَذّبٍ |
ومُتَيَّمٍ باللّيلةِ اللَّيلاء |
يا وَيلَكُم أنا لا تُرَدُّ قَصائِدي |
أنا لا يُمَلُّ لَدى الرِّكابِ حُدائي |
ليلى وعَفرا لا تَمُرُّ بِخاطِري |
عَفراؤُكم غيرُ التي عَفرائي |
عالَجتُ شِعري بالحَديدِ كَوَيتُه |
بالنَّارِ لا بالصَّبغِ والحِنّاء |
كلُّ العَقاقيرِ الّتي جَرَّبتُها |
الكَيُّ أقدَرُها على الإشفاء |
أحيا أصيحُ بما أشاءُ وكيفَما |
في مَوضِعِ السَّرَّاء والضَّرَّاء |
وأظلُّ أرقُبُ جُرحُنا في أعيُنٍ |
أسقَطتُّ منها أعيُنَ الرُّقَباء |
هذا العَنانً عنانُ شِعري جامِحٌ |
مِضمارَ كلِّ مُبارزٍ عَدَّاء |
شَمَّرتُ عن جَدِّ المَواقِفِ ساعِدي |
وكَشَفتُ عن ساقِ النِّزالِ رِدائي |
لوني كما الصّحراءُ لوناً واحِداً |
لَستُ السَّرابَ يَخونُ عينَ الرّائي |
مُرٌّ أنا لا أستَساغِ بِمَذقَقةٍ |
لا أُستَذابُ بِسائِلِ الصَّفراء |
كَجَلامِدِ الصّوََّانِ صَلداً إنما |
في رِقَّةِ الأنسامِ في الأرجاء |
خُذني كذلك أو فَذَرني شارِداً |
كالسَّيفِ فَرداً كالسَّحابِ النَّائي |
أنا لا يُفَتَّلُ بالمَباديءِ غارِبي |
حَربُ الهُدى والحَقِّ من أسمائي |
وهَوايَ ديني لا يَحيدُ بِحالةٍ |
للنّاسِ عندَ تَشَتُّتِ الأهواء |
ومُسَعِّراً حَرباً بكلَ قَصيدَةٍ |
لو كانَ يَبلُغُ في الزَّمانِ نِدائي |
الحَرفُ جُرحٌ راعِفٌ والإسمُ |
سيلٌ جارِفٌ والفِعلُ نارُ فِدائي |
وَمُناخُ شِعري ثابِتٌ تَدفاقُهُ |
في قَيظِ صَيفٍ أو بُرودِ شِتاء |
مَوّاتُ في دُنيا تَعارَفَ أهلُها |
بالشّرِّ والأقذارِ والأقذاء |
فإذا خَفيتُ فما خَفائي عِلَّتي |
بل عِلَّةٌ في المُقلَةِ العَمياء |
وإذا اسوَدَتُّ فما السّوادُ بِضائِري |
بل ضائِرٌ بالأعيُنِ السَّوداء |
الشِّعرُ ديوانُ العُروبَةِ بيننا |
قَد زَيَّنتهُ جَماجِمُ الشُّهَداء |
هو قِيمَةٌ قُدُسِيَّةٌ دُرِّيَّةٌ |
نورُ لَنا بالليلةِ الظَّلماء |
إنا وَرِثنا في الزَّمانِ تُراثَه |
مِيراثَ أبناءٍ عن الآباء |
إنا نُحَرِّمُ شِعرَ كُلِّ غُوايَةٍِ |
تَحريمَنا لِحَلائِل الأبناءِ |
إني أنا – وأعَذتُ شِعري من أنا |
نَفسٌ أتاها الفَخرُ بالإغراء |
فإذا صَدَقتُ بما ادَّعَيتُ فإنما |
عَزَّ الزَّمانُ عَلَيَّ بالنُّظَراء |
أو غيرَ ذلِكَ كُنتُ منهم هائماً |
في كلِّ وادٍ شارِباً من ماء |
لُذ بالنَّجاةِ إذا أردتَّ بُلوغَها |
بِخِتامِ ربِّي سورَةَ الشُّعَراء |
في الشِّعرِ يَهلِكُ أهلَه إلا الّذي |
من بعدِ إلا فاز باستِثناء |