يُطوِّح بي البعدُ في زوايا صَخريَّةٍ صَلدةٍ , أَرتطمُ بها ..أَتَفَتَّتُ ..
أَنتثرُ حمماً مشتعلةً على رمضاءَ قاحلة منكِ تلفحني شمسُ غيابكَ ..
أحتمي بهزيلِ أضلاعي الوانيهْ .. تهزأُ بي ضحكةٌ قتَّامةٌ باردهْ .. أحتمي بها من حريقِ تفرُّدي وعَنائي فتكويني بلهيبها في قسوةٍ عشواءَ حاقدهْ ..
أفرُّ منها إلى سطوحي الدَّافئة فأجدُها تتكسَّرُ تحتَ قدميَّ , تتناثرُ في عينيَّ , وفي كبدي نثاراتٍ من زجاجاتٍ حارقهْ ..
آهٍ من غيابكَ في صقيعي ..وبردُ الشَّوق يلفحني يُعلِّمُ في بقاياي المُمزَّقةِ الباقية .. وجوارحُ التَّفرُّقِ تنهشُ هَدْأَتي وتُطيرُ بمشَاعري وقلبي.. تُجرجِرُها على الإسفلتِ في جبروتٍ صارخٍ له زفيرُ النَّار, وشَهيقُ الوحش , وفَحيحُ الأفاعي ....
ثم تقذف بي قـِطَعاً لكلابِ الطَّريق تَتَناوَشُني والغربان .. وتُبْقِي لي قطعة بالية من روحي تَتَشَهَّاهَا وطاويطُ الليلِ وبومُ الشؤم في كهفٍ كئيبٍ تَتَحدَّرُ أحجارُهُ وصخورُهُ في قنوطٍ وبؤسٍ شديدٍ لكأنه أدرانُ الحياة وحياته قد مَجَّتهُ .. أرْدَتْهُ من فوقٍ الحياهْ
في غيابكِ يستفردُ بي المجانين بكلِّ صورهم وأشكالهم .. يسخرون من صوتِ بُكائي ونَشِيجي.. يَتَضَاحكُون حولي في صَخَبٍ مُسْتـَفِـِزّ باردْ ..
يَصْطَرِخُون.. يرمونني بالهمِّ .. بالوجعِ أكثرَ وأكثرْ
قد أغلقوا عليَّ فَهْمي , وحالوا دونَ وَعـْيِي وشُعوري , ودونَ واقعي وخيالي..
الليلُ بعدكَ يُحيلني رماداً أسوداً .. تذروه الرياح .. فأنتثرُ على أشواكٍ من الصَّبارِ في بيداءَ خاليه.. طُعْماً لدواب مخيفة في ظلامٍ مُوحِش ..
في غيابكَ النهارُ يستحيلُ سياطاً محمُومةً يضربُ بها زوايا روحي المُرهقة ..
يجلدني بلا أيِّ اتئادْ ..
كلُّ شيءٍ حولي يَتَوزَّعُ في دمي صُلباناً حادةً تسلخُ عروقي .. تمتَصُّ شِغافي ..
أعيشُ في عراء من الدفءِّ .. يلسَعُني صقيعُ الإغتراب .. وترتمي في أحضاني الوحدةُ في ارتعاشٍ واستبدادٍ معا ..
قد طالما رأيتُ في قلمي ساحلي الذي أتـَّكيءُ عليه , لكنه هو الآخر بدا كأولئك المجانين يسخر مني ..ويلوي عنقه عني .. مقهقهاً في غباء .. يسيرُ القهقرى في تبلَُّدٍ وجمودْ ..
لقد فَاتَني في غيابكَ كلًّ الشُّعورِ ..
فَاتَني البوحُ ..
فَاتَني حتى البكاءُ واستحالتْ أوردتي شِعاباً من النَّارْ ..