انا الكلمات تحترق.. على شفتىّ... و انفاسى تهبُ. . كمثل نيران على رئتىّ..
انا قلت : صباح الخير يا امى .. و ما ردت.. تراها قد نست صوتى.. و اغلقت ورائى الباب..
فنادتنى ليالى الامس .. و الاحباب.. و حييت الذى يجلس جوارى دائما ابدا :
صباح الخير يا حزنى .. فرد الحزن بالترحاب..
تذكرت .. هنا وجهك .. ووجهك طله من نور.. و قلبا يشبه البللور.. وتسبيح و تكبير.. و عطر بخور..
تذكرت .. هنا حبات من تمر.. و خبز جاف.. و ظل شجيرة الصفصاف.. و ضمة صدرك الحانى . .على طفل رضيع خاف..
تذكرت .. دعائك فى صلاه الفجر.. تذكرت الكلام الحلو فى يوم.. تذكرت الكلام المر.. و يوم .. حكيتى لى سرا .. عن الموت .. و اول ليله فى القبر.. و عن حال السنين هناك .. و كيف تمر.. و مر العمر.. و صار المر فى حلقى .. هناك أمر.. و ظل السر مطويا.. و خلف السر ..
انا مازلت يا امى على قبرك.. طفله .. أبيع الصبر.. و أنتظر .. يجئ الرد واصبح ما بيننا سد..
و ماذا خلف هذا السد.. بدأت العد.. و لا ادرى و ماذا بعد ؟؟
فمن بعدك على يرد.. و من بعدك اذا قبلت كفيه.. اذوق الشهد ؟؟
ومن يمسح على رأسى اذا آآسى..؟ و من بعدك.. يقبلنى لكى انسى ؟
و من فى الصبح اشتم بأنفاسه .. عبير الورد؟؟
دخلت اليوم حجرتك .. وجدت النور قد غادر.. و طيبك من هنا سافر.. سألت النور عن شى هنا تركه.. لماذا البيت ما عاد.. فلا صوت ولا حركه.. ولا خير ..ولا بركه ؟
هنا ما زال مقعدك .. و صوت من كلام الامس.. جميعا كنا ننتظرك .. فهلىِ مثلما انتِ .. فقد كنتِ.. هنا بالامس.. و بين اليوم والامس .. تغيرنا.. فلا شكل ولا لون .. ولا طعم .. ولا معنى.. و مر العمر يا امى .. و ها نحن..
نذوق اليتم اجمعنا.. نغمس خبزنا اليابس..بأدمعنا. .
هنا بخاخة الربو , و مسبحتك , و طرحتك , و سجاده , و مذياع صغير .. يقرأ القرآن كالعاده.. أتى العيد .. و لم يُطرق علينا الباب..
تعجبت.. ترى أستصبح الاعوام يا امى .. بلا اعياد ..؟؟ و لم اسمع هنا صوتك .. ينادينى
فناديت .. و ناديت.. و خوف داخلى يزداد .. فأين فطور يوم العيد .. و اين جميع من فى البيت .. يلتفون من حولك ؟؟ هنا كنا على ميعاد.. هنا فى البهو ننتظرك ..
وهذا المقعد الخالى أحدق فيه.. و يقتلنى سؤال حار فى بالى .. طرقت الباب .. لم اسمع هنا صوتك ..
و ناديت .. يا امى .. أيااا امى .. فتحت الباب فى صمت.. سريرك ها هنا خالى .. وسادتك , و جلبابك .., و مسبحتك و بسمتك .. دعابتك .. و مصروفى الطفولى .. و أدوية مبعثرة .. سؤالك دائما عنى .. و عن حالى .. و رقيتكِ , و دعوتكِ , و نومى فوق ركبتكِ و نظرتكِ, و َضمتكِ, و قبلتكِ و حضن فيه آمالى .. بأن ارتاح من تعبى ..و ترحالى .. تساقطت .. تهاويت فوق الارض.. فقد دب العجز .. باوصالى ..
أَحسك دائما قربى .. تنادينى.. فأجرى نحو غرفتك .. بكوب الماء .. و قرص دواء.. فلا أجدك.. أضمك داخلى و اذوب.. فلا يبقى هنا منى ولا منك .. سوى نفسى .. فناء ذائب بفناء.. فيا امى التى اختصرت بداخلنا.. مواسمنا .. فصرنا و السنين بكاء.. مسافرة الى اين حبيبتنا..
مسافرة بلا أشياء.. حقيبتك التى كانت تسافر دائما معك .. نراها لا تطيق بقاء.. ضحكتِ علينا و الله و سافرت ..على استحياء.. لأبعد نقطة فى الكون سافرتِ بلا اشياء.. سوى زاد من التقوى .. و ايمان كنبع الماء. تراكِ الان يا امى .. بأى سماء..؟؟
و كم امسكت بالهاتف.. لاطلب نفس ارقامك.. فكم يأتى رائعا ردك .. اذا كانت مهاتفتى مفاجأه.. و ما دارت فى حسبانك.. بكلمات تزلزلنى .. تردين و تخترعين قاموسا من الكلمات فى ذلك.. أحس بقلبك الملهوف ينصهر.. عطاءا .. مرهقا جدا .. يغالب ما بإمكانك.. فأى حكاية انتِ.. و كل منابع الدنيا .. تصب الحب فى ذاتك.. انا من جم تقديسك.. و اجلالك.. لو كان لغير الله مسموح..بأن اسجد.. لعشت العمر يا امى .. لآسجد عند أعتابك..
انا مازلت و الهاتف.. و ما يأست محاولتى.. فردى مثلما كنتى.. و صبى داخل الشريان تحنانك.. فى عيد الام يا امى .. و اغنية قد عشت اعشقها.. و انت السر فى ذلك .. أتى العيد .. و الهاتف مازال يرن.. و ما من رد.. و هدايا تنتظر .. من كل احبابك .. و لكن .. لم نكن ندرى .. بأنك ..دون ان ندرى .. قد غيرتِ عنوانك ..
انا الندمى من راسى الى قدمى .. انا ندمى .. على انى تركتك لحظة فى العمر ما كنت معى فيها.. فعودى لى .. و أقسم لكِ.. بانى كل أيامى سأقضيها.. لأجلس تحت أقدامك.. أقبلها .. و أحملها على رأسى .. اهدهدها , أغطيها.. فقد خدعتنى أيامى .. و لم أعرف.. تواعدنا على أشياء.. و انا و الله لم أخلف.. و لكن أخلف الموت.. فجاء بلحظة يخطف.. تخيلت بأن العمر ممتد.. و ان هناك متسعا من الايام .. و كم كانت لدينا ها هنا أحلام..
رأيت الموت فى عينيك ذات يوم .. و لكن - ويا ندمى- خلتها اوهام.. حكيتِ لى عن الدنيا.. تركتى داخلى سرا.. و الف علامة استفهام .. و مر الوقت ..و لم نكمل.. و قلنا : غدا ان شاء نستكمل.. و جاء الغد يا امى.. و ها انذا ..و حيده بقلب ضائع مهمل.. فبعدك يا احب الناس.. بهذا القلب من بعدك.. انا ماذا به افعل..؟؟؟
يجئ الفجر يسألنى.. يدق الباب فى خجل .. كطفل تائه حيران .. و يجلس .. ينزوى وحده.. و يسأل عنك يا امى .. فصوت مؤذن الفجر .. هنا قد حان.. ولا صوت لهذا البيت من بعدك .. فأين الان همهمتك .. بتسبيح , و ترتيل من القرآن..؟؟ ترى هل حقا.. فقدناك للابد ؟؟ فقدناكِ.. على غرة .. و سافرتِ.. الى أبعد نقطة فى الكون.. سافرتِ .. بلا استئذان....