قال ... فأنصتنا ولم نسمع
من غيهب الأشواق جاء مشرقا
كالصّبح ، لكن معْسر الأنوار والإفصاح مثل عصرنا
لونه من سمرة الصحراء ، مرٌٌّ طاهرٌ
في كفّه ، شمس وبدر ساهرٌ
في روحه بطشُ ، وصبرٌ صابرٌ
في عينه عشبٌ ، وخصبٌ ناضرٌ
كم قد تنامى في صحارى قحطنا
********
نادى : أنا الظمآن ...... في بابنا جفّ الندى
نادى : أنا الحيرانُ ......في سمعنا ضاع الصّدى
كم جرّد الإعصار سيفا سامقا
رضاعهُ من أهوال الجَهد و الوغى
والحبّ والإنصاف واللحن الذي
ضاءت به الدنيا وهامات الورى
*********
نادى : أنا جدٌّ نما في القيظ ممعنا هنا
قدْ عشْتُ أعجن رمال تلك الصحارى
بالشعر والترحال والهوى
حتى تعرّشت بكفّي مخملية الضيا
واخضوضرت واعشوشبت " أيامنا "
واخضرّ قحط شرقنا
وسحّت الأرواحُ من سيوفنا
عشنا : إذا هبّ الجدبُ صرصرا ترى
عظامنا ، جباهنا وعزمنا
تفجّر العنادَ في دمائنا
أسياف قيظ ممطر
فينبت الجهاد فينا نخلة
تقارع التفتيت والتشتيت صبرا شامخا
يلملم التوحيدُ عزْم شملنا
جبنا الفيافي في ركاب الحقّ والإيغال وغمرة النّوى
لنزرع الدّنيا ضياء مُعْلَنا
حتّى بنينا للضّعيف والرّغيف في العيون مسكنا
لنزرع الأمواج ألف خيمة وخيمة
فصار ملح البحر عذبا سكرا
لنذرف العمر ألف دمعة ودمعة
فصارت الأنهارُ تجري كوثرا
********
فقلتُ : مرحى أيها الجدّ المصفّى قولهُ
لكن ألا تقول ، مالنا ومالنا وألف مالنا ؟؟؟
يجتثُّ جوع الغرب منّا خبزنا ؟
ويعصر الخيرات غبنا من عروق أرضنا
يسبي زيوت النفط من جراحها
ويشرب التاريخ من عيوننا
ويكتم الأنسام في حقولنا ؟
فهامت الأقمارُ تشتهي سواد لونهم
وتزدري ألواننا ؟
ومالنا في الاحتراق ، في الشقاق حربنا
ومالنا ذاك الفراق والنفاق يُبْدلان طبعنا
قد أعجم التكبيرُ في أفواهنا
مضت بنا الدنيا تقودنا ولا نقودها
والرّعبُ قيدٌ مدى صراخنا
نمضي يعجّ القهرُ في حلوقنا
ويخنق الجمْرات في رمادنا
تعشّش الغربانُ في آمالنا
يشكك التطويرُ والتغييرُ في إيماننا
وتنسخ العناكبُ السوداءُ عصر الكفر من آياتنا
في غضبة الأطفال والأحجار والأشجار كلّ ردّنا
يا جدّ قل : لا نعرف الفخار إلاّ قولنا : كانت لنا
يا جدُّ قل : هل يسمع التاريخ بعد اليوم منّا قولة ؟
أم نرجمُ الأخبار والأجداد كلّهمْ ؟
هل نحرقُ الأرحام ؟ قد شاهت بها وجوهنا
أم نشطبُ الأمجادَ من سفورنا
وهل صلاح الدّين محض كذبة ؟
أم كان سيف عثمان خرافة ؟
هل كان طارق حكاية خلت ؟
لا بحر خاضت جيوشه ولا مضت ؟
وهل وهل ؟ وهل وهل ؟
*********
تمضمض الجدُّ من مرارة وقال لي :
قوموا وشدوا من قراعها ترقْ
قوموا وسيروا فوق جمرها تشقْ
دعوا الخدور والنهود والعرق
سيروا إلى الله تروا الأمجاد هديا في الأفق
دعوا الطعان في النحور يومكم
ستشرق الأحلام ويزدان الشفق
دعوا لساعةٍ لجم النوايا في الزوايا تروا
نورا يفوح من قيود العقل ذاك "المنغلق "
فليس في الدنيا بأسرها مثل سيفكم
وليس في الدنيا بأسرها مثل شرعكم
وليس في الدنيا بأسرها غيرُ ربّكم
إن سرتمُ إليه قيد خطوة
يأتيكُمُ التوفيق في هديٍ عبقْ
*********
فقلتُ : يا جدّ يمتطي الشيطانُ قهرا خيلنا
تسبّح الدسائس والخسائس بحمده
وتنحر الحمام في سمائنا
قالوا هو الإرهابُ في صلاتنا
وأنشبوا العذاب في سباتنا
وصادروا الإحسان من زكاتنا
وجفّفُوا الوقار في لِحِيِّنا
جاؤوا يغيِّرون – تبّا - آينا ،
يبدّلون جلدنا ، يشوهون طعمنا ...
وصفّق المصطفون فينا خلفهم
واللاّعقون نعلهم ...
والمادحون عدلهم و حصدهم
يا جدُّ قمْ فينا كما العنقاء من رمادنا
قد احترقنا فازرع الحياة في رفاتنا ...
يا جدُّ قم ....
**********
سمعْتهُ يندسُّ في غيابه
يمضي كطيْر سابحٍ في كهفه
وخلفه الصّدى متيّمٌ به
والحلق جرحٌ علّق النداء صرخة به
" يا جدُّ قمْ .... "