فقط هي الوحدة من يحتوينا بفقدهم ،صور لأرواحهم الطاهرة تجعلنا نحلم برؤيتهم من جديد ،ونعتقد بكل القناعات وجودهم بيننا ،رغم فقد أعيننا رؤيتهم ،رغم سواد الواقع وقسوة القدر نتأمل ارتشاف كلماتهم وحكاياتهم الطيبة وكل التفاصيل الصغيرة التي جمعتنا بهم ..!!
إلى أطهر الأرواح التي غادرتني لتسكن زرقة السماء: إليك جدي :
مر ثلاث أعوام على رحيلك جدي و رائحتك لازلت باقية بقاء الحياة ... ،فــ الكبار هم الذين يرحلون فقط بــ أجسادهم ويبقون بــ أعمالهم وبــ قلوبهم!! وأنت يا جدي أورثتنا أفعالا توقظ ذكراك في عقولنا وقلوبنا دوما ....!
رحمك الله، فقد كنت والد الجميع بتسامحك وحلمك وطيبك و برك بمن حولك، و وصلك لرحمك التي جازاك الله بها بطول عمر في طاعته و حسن ختام...!!
جدي:
اشتقت لك لـ حنانك ؛لصوتك الذي رحل ولا يزال صداه يتردد في قلبي...،مازلت أذكر قولك لي:
يا ابتني أريدك أن تري الحياة دائما بنظرة مشرقة ،وأن تطمحي نحو العلا والرفعة وأن تأخذي بساعديك وتجدي نحو الأفضل ،فما تتمنين لا يأتي مع مهب الريح ،وإنما بقوتك وإرادتك وعزيمتك...!
آه يا جدي وها أنا كلما أحسست بضعفي وبهواني ،وكلما خابت قوتي وضربتني الظروف بسوطها تذكرتك وتذكرت كلماتك ..!!
أتعلم يا جدي أنني في أيام عزاءك لم أبكيك، كانوا الجميع يبكونك إلا أنا لم أبك!! ولم تنزل لي دمعة ؛لست أدري السبب ، ربما هول الحادثة أعطب كل مشاعري ، فلم أستطع البكاء...! و مضت أيام العزاء الثلاث , ولم أبك ، ومضت الشهور ولم أبك ومضت ثلاثة سنوات ولم أبكيك حتى ليلة أمس !! بكيتك فيه بكاء مريرا !!
ليلة أمس كنت حاضرا فيّ ؛بكيتك كثيرا كثيرا ملء عيني وقلبي وكأنك غادرتني اللحظة... !!!
جدي : ليس رثاء متأخرا ما أكتبه إليك الآن، ليس تمجيدا لك أو بحثا عن أمثالك في بساطة العيش ، بل أكتب سعيا وراء التخلص من صيحات حنين لا تسأم من القفز في دمي كلما حدقت في صورتك المعلقة في غرفتي..!! كنت في السابق كلما وقعت تحت تأثير طاقة عينيك أهرب الى الأحلام فألقي هناك بأشواقي الى سماوات حنينك وحضنك!! أما لآن فلم تعد الأحلام تأتيني بك ،فرأيت أن أكتبك أفضفض عني شعوري بفقدك وحنيني لــ وجودك..!!
أتعلم :في زيارتي لجدتي- الجمعة الفائته- دخلت إلي غرفتك خلسة ، دخلت فتنفست رائحتك –رائحتك التي لا تزال تسكن جدرانها -، رأيت أشياءك الصغيرة على طاولة :نظارتك ،قلمك ،مسباحك،مذياعك فأخذت أنظروأتأمل وأتذكر أحاديثك و مزاحك، و كل أشياؤك و تفاصيلك، ورأيتني ابتسم بيني وبيني وما هي لحظات حتى اختلطت الابتسامة بــ الدموع لأنتهي ببكاء صامت...وأخذت أهمس (رحلت عنا يا جدي واللي بقى عطر طاهر من أنفاسك)!!
آآآه يا جدي مازلت أذكر كيف كنت في صغري أركض إليك وارتمي في أحضانك ؛وكيف كنت تعطيني دينار لأشتري به الحلوى وتقول: اشتري ما بدا لك ولكن لا تأكليها مرة واحدة حتى لا تمرضين فأحزن ..،فأخذها وأطبع قبلة على رأسك وأركض مسرعة قبل أن تمنعني أمي ...!!
مازلت أذكر كيف كنت تنقذني من ذاك " الشوندر" أمرمرها بخفية إليك فــ تنقذني من طعمها المر / الغثيث!!
أتعلم ما زالوا يرغموني على تناوله–كم أكره- كلما رأيته في طبقي تذكرتك ،وقلت في نفسي أين أنت يا جدي ليتك هنا لتأكله عني .... أراني أكتب هذا والضحكة تملأ فمي ،ربما هي ضحكة ممزوجة بغصة ،ضحكة موقوتة ببكاء !!
أوتدري يا جدي أن اسمك "عبدالقادر" سيشرق قريبا ؛فخالي وزوجته قررا بأن هذا الابن الرابع سيحمل اسمك ،هل تصدق يا جدي أن "معن" بات يشبهك كثيرا ؛أخذ ملامحك كلها على عكس أخويه" فراس ويزن"...وأشعر بأن هذا الصغير القادم سيشبهك أكثر كونه سيسمى بك والذي به لن ينال نصيبه من تدليع الأسماء فكيف يدلع وهو يحمل اسم له هيبته!!
آآآه جدي لا أزال لا أصدق رحيلك عنا !! فيا جدي ،إليك إلى عطف كلماتك و صادق أمنياتك إلى كل قسمات تشبهك إلى مواقفك العظيمة وابتسامتك العذبة، إلى كل قلب أحبك و إلى دعاء سخي لا يتوقف و دموع تذرف لرحيلك، أدعو الله أن يرحمك رحمة واسعة ،وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة،وأن يبارك بآخرتك كما بارك لك دنياك.
جمعني الله بك في جنات النعيم
حفيدتك:
منار