إليك حبيب الروح
نابلس - عزة عزالدين
إليك يا آسر روحي تتزلزل الكلمات.. إليك يا وداد رسمي أنسج من دموعي صبّار انتظار، زوجي الحبيب، رفيقي القريب البعيد، حروف مهجتي تتعارك يا رفيقي.. تهتف منادية حروف اسمك رغم زنازين الهجر الأليم. أتسمع انتفاض روحي العابرة كل أشرعة الظلام؟! هاجت نبضاتي، تراقصت بصخب حتى أني خجلت أن يطرق والداك آذانهم لسماعها وأنا أشعلها النيران، لأقول لك: إني أحبك أكثر أبا الياسين.
أي لحظة وجوم يتراشق بها أمسي؟ نفسي قيدته معك في سجن عسقلان، رغم أنّ أنفاسي تتدفق دونما أسلاك سجان ومطرقة لئيم في كل حين. أبا الياسين، كنت موقنة بأن تدفق نبضاتي شوقا إليك، صاحبه رنين فؤادك وسط احتقان التنفس، وصعوبة تلاقي الألسن في عناق حميم..
هوّن عليك أبا العيال، ما من شدة إلاّ وبعد ادلهام حلقاتها ستزول، ويحي، أقصد يا لحال رثّ آلت له أم العيال.. نفسي يا أنيسي أحوج بصدقات تهوين الحال، روحك الحارسة لقلب فلسطين لم تنم منذ زمن، وأنا أراها كبلبل ينوح كل يوم على الغصون، تخترق قضبان السجن والسّجان، وتجول في فسحة الحرية، رغم ضيق المكان وخشونة السكان، وانعدام أنفاس الصباح المغرّدة على الريق. أغبطك أبا شذى، روحي التي تلج من باب ذي فناء فسيح إلى آخر، ضاقت بها الطرقات. لقد غدوت أسيرة زنزانة حبّك الرهيب.. في كل يوم ترتشف أنفاسي هواء يقال إنّه عليل، لكن تذكري لقيد قد يدمي يديك ينغرس كسكين في حلقي، لقد تقطعت أوتار حنجرتي.. ألم تسمع حشرجتها أبا الياسين؟!
لأول وهلة قد تحتضن عيناك كلماتي، قد تقول كم أنت مسكينة زوجتي، سامح روح زوجة ذبيحة، شكت شكوى وإن كانت غير عادلة، طائرك الحزين كل يوم أسمع غناءه على الغصون. أتذكر، أتذكر طيور الحب الجميلة التي تزاوجت في قفص بنته أناملي من فرع برتقالة، وغصن زيتون كانت قد جلبته لي أمي من يافا، يومها كان موعد خطبتنا.. أتذكر هديتي تلك التي رفضتها بشدة رغم إصراري، تأففت يومها لا أنكر، لكني.. مازلت أرنو إلى أن ألمس ذاك الطيف في عينيك، وكأنه كان كقوة قد تحطم قيود القفص، عندما تدافعت أناملك وأخرجتهما من عشّهما، وقلت لي: أنت معشوقتي كفلسطين، طائري سيطير هناك، وأنت ستحلقين معي وأولادي حيث بيارات البرتقال، وعند باب جدي العتيق لعلي أجد مفتاحه الضائع.
رقتك الحانية لحب الوطن جعلتني أحبك أكثر، وفي كل يوم أقطف أزاهير حبك، لأرى بيسان ذو السنتين تقول لي: "بابا لاح عالسزن عسان إذبلي هدية". صدقت والله ابنتك، وأيّ هدية أغلى من حرية الأوطان. ياسين في كل يوم يزداد جمالا على جمال، حمدي لله يزيد في كل حين حيث أراه توأم أبيه الحبيب، ابتسامة ثغره تبكيني وتعزيني، ومكاغاته اللطيفة ترحل بي لأراك وأنت تحتضنه..
هل ذاك اليوم آت أبا الياسين؟! هل سأراك بأم عيني تصحبهم إلى المدرسة بأبوتك الحانية، وتأدبهم على شجار أصروا عليه رغم كلامك المعسول؟! إلى أن تتلاقى الهمسات، وتذوب الشذرات القاسية وأنا على يقين بأنها إلى زوال، رتل بالورود الدعوات الجميلة، فستزهر في يوم ما وكفانا خير كاف ووكيل، إن باعدت بك السويعات فإن قسمي بأني سأراك رغم قيودهم، وسيكبر الياسين وشذى وبيسان على لهاث برّك لنزف التراب، وأنا على يقين بأنّ حكم المؤبد الذي دشّنوه على دفاتر محاكمهم سيتحطم في يوم ما، لقد خيّل لهم بحكمهم هذا أنهم سيصلبوك.
إن جفاني أطياف إشراقتك، فإن صعود كلماتك إلى الأعالي، وأنا أزور قسمات وجهك في السجن، وأنت تقول لي: لا تبك فإن دموعك تحرقني، ألا يكفي دموع فلسطين النازفة؟! جعلتني كقمم الشّم الرواسي أعتصر اللحظات المريرة لأنتظر ذاك اليوم الذي ينفرج به الأمس عن تلاقي.