بمناسبة إشهار الواحة منظمة ثقافية عالمية ، واحتفاء بهذا الحدث ، أقدم نصي هذا لواحتي التي أحببت .
الْواحَةُ ورِحْلَةُ الْفُصولِ القادِمَةِ
أرْحَلُ إليْكِ الّليلَةَ ، وَأَنْتَهِكُ النُّعاسَ ، فَقَدْ قَرّرتُ ألاّ أُسافِرَ في آخِرِ الرّكْبِ لأوْقِظَ في دمائي فَرَحَ الأطْفالِ ، وأُسَجِّلَ مَصائِرَ الْجُزرِ النّائِيَةِ ، وَأَتَحَدّثَ عنْ عذاباتِ الْقَلَمِ.
أهيمُ على وَجْهي في صَحْرائِكَ بَحْثاً عنْ غُرْبةِ الشّعْرِ ، وعنْ أَرْواحِ النّاثِرينَ، فَقَدْ مَلَلْتُ حِصارَ التّرددِ ، فَمَعَ أُصَيْحابي أُمْسِكُ بِغُرَّةٍ مُسْتَكينَةٍ ، وَأَسْتَظِلُ تَحْتَ نُخَيلاتِكِ ، وِأسْتَوْفي مَعَها دُيونًا مِنْ هَجْرٍ.
أنا فيها مَعَ قَلَمي كَراهِبٍ يُرَتِلُ وِرْدَهُ الْيَوميّ بِحَضْرَةِ الْحِبْرِ، أوْ وَراءَ سِتارِ اعْتِرافٍ ...وَحْدَهُ الْقَلَمُ يَعْرِفُ بَعْدَ عَناءِ الْيَقينِ ظِلالَ نَخْلاتِكَ الْباسِقاتِ
تاعِسٌ كُلُّ مَنْ لا يَرى دَوْرَةَ الْأَرْضِ في ارْتعاشاتِ الْقَلَمِ ، أوْ في انْكِساراتِ الرّوحِ في الْكَلِماتِ ، وَالْواحَةُ رِحْلَةٌ إلى الْفُصولِ بِها تَنْتَعِشُ الْكَلِماتُ في بَحْرٍ عَقَّهُ النَّهرُ، ونَهرٌ تُنْكِرُهُ الصّحارى ، وَتَسْتَنْزِفُهُ غُرْبةُ الطّريقِ الطّويلِ ؟؟
أَرَأَيْتُم أرْضًا تَلوبَ كَظيمَةً بَعْدَ تَزويرِ الْمَطَرِ ؟
قَبْلَ الْواحَةِ كُنْتُ مَسْكونًا بِنَوْمٍ جاوَزَ الْخَدَرَ، وبِِها باتَتْ الْأَشْجارُ تَعُدُ خُطايَ، وإِلَيْها كُنْتُ أُهَرِّبُ الْفَرَحَ الْكَبيرَ عَبْرَ مَساماتِ الْحَرْفِ، وأَتَحَرّشُ بالدِّفءِ، وَحُبوّ الْمَواسِمِ الْخَصيبَةِ.
وبِها عَرَفْتُ أنّ الْكَلامَ أَثيرٌ تَسْبَحُ فيهِ مادّةُ نُفوسِنا، وَتَخلقُ الذّاكِرَةُ في خَيالِهِ أَجْسامَ الْمَعاني لِتُخْرِجَ مِنْ الاسمِ صاحِبَ الاسمِ ، وتَرُدُ عَلَيهِ مِنَ الْحِكايَةِ واقِعَةَ الْحِكايَةِ ...
في الْواحَةِ باتَ قَلَمي على مَوْعِدٍ مَعَ الْإِصْباحِ ، وأنا رَهينُ الْمَحْبَسينِ : قَلَمي وَوَرقةٍ بَيضاءَ في غُرْفَةٍ تَشْكو الْحِصارَ ، واقْتِحامِ الْمُتَطَفلينَ ....
أَرَأيْتُمْ إلى مَكانٍ يَجْتَمِعُ فيهِ ضَميرُ الْكاتِبِ وضَمائِرُ قُرّائِهِ
يَجْتَمِعُ مَعَهُم في كَلِماتٍ ؟!
أَرَأَيْتُمْ أعْظَمَ مِنْ لِقاءٍ في لَفْظٍ؟!
الْحَياةُ مادّةٌ فإذا أنا لَمْ أَقُلْ كَلِمَةً وأَسْمَع رَدّها ، أوْ أخُطّ سَطْرًا وأقْرَأ مِثْلَهُ ، أوْ أُرْسِل نَظْرَةً وأتَلَقّى جَوابَها ، فإنّ الْفِكْرَ الّذي يُسْعِدُني في كُلِّ شَيئٍ هُوَ نَفْسُهُ الّذي يُعَذِبُني حينئذٍ.
في رِسالَةِ الْقَلَمِ نَشْعُرُ أنّنا وَحْدَنا الْأَحياءُ، وأنّنا وَحْدَنا الْخالِدونَ، وَأنْ رِسالَةَ الْأَديبِ هِيَ خَلْقُ ذَوْقِ الْحَياةِ....
في الْواحَةِ بِتُّ أغْفو على صَدْرِ حَرْفٍ ، وأقْهَرُ وجومَ الصّمْتِ وأخبّئُ تَحْتَ أشْجارِها غَمْرَةَ النّشْوَةِ بالْقادِمِ الْجَميلِ،وأُغَطيهِ بِشَمْسِ تَسْتُرُهُ عَنْ عُيونِ الْمُتَلصصينَ.
أَسْتَجيرُ بِها مِنْ مَعْمورَةٍ مَهْجورَةِ الْأحْياءِ تَحْكُمُها وحوشٌ لا تُحِسُّ شَجْوَ الْورودِ ، ولا تَسْمَعُ الصّيْحاتِ الْمَطْعونَةِ في شُرُفاتِ الْمُتْعَبينَ، وفي الْواحَةِ أُرْسِلُ سَلامًا يَعْرُبياً إلى فَجْرٍ طالَ انْتِظارُهُ طارَتْ بِهِ قافِلاتُ الْمُبْدِعينَ عَبْرَ أَزْمِنَةٍ ضَنينَةٍ، مِنْ مَجاهيلِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيّةِ حتّى حَواكيرِ قَريتي الصّغيرَةِ ، وفيها أَتَنَفّسُ مِنْ رِئَةِ الْكَوْنِ ، وأَجوبُ حَدائِق بابِلَ ، وأُغوي عَرْشَ كِلْيُوباتْرا ، وأفْتَحُ أَبْوابَ حُلُمِ الْمَمالِكِ قَبْلَ ابْتِكارِ الْمَزاميرِ ،وفيها أكْشِفُ الْعَتْمَةَ عَنْ عُقولِ أبْناءِ جِلْدَتي ، الّتي شَرَّدَتْها السّنينُ الْعّقوقاتُ،وَالْيُتْمُ والْخَوْفُ .
في الْواحَةِ أًُجْري الْماءَ في جَداوِلِ الْوَقْتِ ،ومائي لَيْسَ سواءً على راشِفيهِ...أَجوبُ واحاتِها على راحِلَةِ الْحَرْفِ لِتَتَفَتَحَ الْأَمْداءُ أمامي ، وَتُزْهِرَ في مَسيرِ أنامِلي الْآفاقُ، وَأَسْتَحِثَّ في سَمائِها غُيومًا تُنَمِّشُ قَفْرَ الرّوحِ ، وَأَدْخُلَ غَياباتِ النّصوصِ مِنْ ضوءِ الْيَقينِ.
تَتَنَهّدُ الأزْهارُ على صَفَحاتي ، وتَسْتَرِدُّ الْأحاسيسُ بَعْضَ هَناءاتِها ، وَأُحَصِّنُ رُؤايَ بالصَّحْوِ ،ففي قَفَصِ الصّدْرِ ذاكِرَةٌ للْفَرَحِ لا أَنْهَرُ بَوْحَها عَنْ نِعْمَةِ التّمْتَمَةِ
أرى الْواحَةَ قارّةٌ مَأهولَةٌ بالْحُبِّ فَفيها نَعيشُ في الْكَلِماتِ واللحظاتِ ، وَنَسْتَجلي حِوارَ الْوَعي ، وَنَتَلَمّسُ الْأمانَ ، بَعْدَ أنْ فَرّقَنا الْجَفاءُ، والْأَوطانُ الْمُمَزّقَةُ ، والْحاضِرُ الرّاحِلُ بِوجومٍ، واللسانُ الْغَريبُ ...وفيها تُزْهِرُ حقولُنا بِزنابِقِ الرِّهانِ الصَّعْبِ ،وبِها نَسْتَنْجِدُ بِحُروفِ الرِّفاقِ الْمَنْقوشَةِ على خارِطَةِ الرّوحِ بَعْدَ أنْ اسْتَسْلَمْنا لِاخْتِناقٍ مُوْحِشٍ ، وبِها سَنُغنّي بِاسْمِ الْحُرّيّةِ ، وَسَنَفْتَحُ مَلَفاتِ الْحُبِّ ، وَسَنَتغاضى عَنْ ذِكْرِ أسْماءِ مَنْ مَرّوا مُرورَ اللئامِ في حَيَواتِنا قَبْلَ أنْ تَيْبَسَ ذاكِرَةُ أقْلامِنا، وَسَتفْتَحُ أقْلامُنا الطُّرُقَ الْمَسْدودةَ والْمَعابِرَ والشُّرفاتِ ، وسَنَسْتَدْعي الْغَيْمَ خَلْفَ خَيالاتِنا.
وسَنَسْتَعيدُ عُيونَ رُؤانا الوَضيئةَ بانْتظارِ خُطا أَشْبالٍ ، وأَفْواجٍ مِنَ الْأَعْراسِ وَصَهيلِ أَحْصِنَةٍ جَموحٍ.
لَنْ نَنامَ في لُغَةِ السّكوتِ ، وَسَنَفْقَأُ نافِذَةَ النُّعاسِ ؛كيْ تَسْتَرِدَّ الأمَّةُ بَراءَةَ بُكورَتِها .
فاحِشٌ أَلَمُ الْجَهالَةِ...باهِضٌ ثَمَنُ الرُّضوخِ...وتافِهٌ هذا الْقطافُ الّذي تَعيشُهُ أمّتُنا.
سَنَجْعَلُ الْجاهِلينَ يُخَيّمونَ في تَجاويفِ أشْلائِهِمْ ، وَسَنُعيدُ الْحَياةَ لِيَباسِ الْأَحلامِ ، بَعْدَ حِصارِ الْجِهاتِ الظّلومَةِ.
وَسَنَكْتُبُ، ونَكْتُبُ، ونَكْتُبُ بَعْدَ أنْ انْتَشى الْكَوْنُ بالْهَذَيانِ... وَسَنَعيشُ حَلاوَةَ رِحْلَةِ مُسافِرٍ على مَتْنِ الْحَرْفِ التّائِقِ إلى جُزُرِ الْمَعاني السّامِيةِ...وَسَنَتْركُ وراءَنا الْجاهِلينَ يَلوبونَ بِجَهْلِهِمْ ، وَسَتُمْطِرُ حُروفُنا حُبّاً ، وَسَيزورُ الرّبيعُ سُفوحَنا ، والْعَناقيدُ لَنْ تُحَصْرِمَ في أعْناقِ دَوالينا !!!
سَنُكَحِلُ عُيونَ حُروفِنا بالْوَرْدِ، وَسَيَحْتَجُّ الصَّباحُ على اخْتِلاسِ رُضابِهِ ، وَسَيَتَمَنى أنْ يَسْتَحِمَّ في خُضابِ رُؤانا ، وَسَيَجِدُ مَكانَهُ في نَزَقِ فُصولِنا الْقادِماتِ. وَسَتأتي الْأَجيالُ الْقادِمَةُ لِتَسْتَحِمَ في حُروفِنا.
واحَتَنا:(سأَضَعُ في آخِرِ كَلِماتي سَطْرًا غَيْرَ مَكْتوبٍ ؛ سَطْرًا فيهِ الْكَثيرُ مِنَ الْمَعاني الْمُتَكَلِّمَةِ مِنْ غَيْرِ كَلامٍ)
.................................................. .................................................. ........................
واحَتَنا: كُلُّ عامٍ وَأنْتِ بِخَيْرٍ