أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: عابر سبيل ...

  1. #1
    الصورة الرمزية د. عبد الفتاح أفكوح أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المملكة المغربية
    العمر : 58
    المشاركات : 673
    المواضيع : 143
    الردود : 673
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي عابر سبيل ...

    عابر سبيل
    حدثنا عابر قال:
    بينما كنت أسير عابرا بين جدران متلاحقة، وبنايات شاهقة، إذ وقع نظري على الأنا منزويا كعادته بحالة، وملامح وجهه توحي بالمقالة، وأدركت أنه في حاجة إلى من يساعده على فك قيود العبارة، فتركت السير داخل الحارة، واتجهت نحوه بعد استدارة، وما إن كدت أنتهي إلى مجلسه قرب العمارة، حتى بادرته قبل الحديث بالإشارة، ثم إنه سرعان ما خرج من صمته كالشرارة، وكأنه انبعث من مغارة، وبدأت تعود إلى وجهه بعض النضارة، فلم يعر مع ذلك كثير اهتمام لتحيتي وأرخى الستارة، ولم يحفل حتى بما أرسلت له من أمارة، لكنه ما إن تنبه لوجودي أمامه حتى تيقظ كما لو لاحت له منارة، فأخذ ينهال علي بمألوف أسئلته بمهارة .. أين كنت غائبا يا عابر ..؟ أظن ظهورك اليوم شبيها بالهلال السائر، ولا أراه إلا كما أراك غير مقيم حائر، وما أنت إلا كما هو عابر ..؟ فكيف الحال والأحوال ..؟ وأين بلغت بالترحال، وأنى بلغ بك الارتحال ..؟ وهل من حدث حديث نسعد به في الحال ..؟ وهل من بشرى سنية تزفها لنا بعد السؤال ..؟ أم أن ما نترقبه من طلعتك البهية هو عين المحال ..؟
    كاد ينسيني الأنا بأسئلته المتتالية جلسته لوحده، وكاد يمحو من ذاكرتي شحوب وجهه، فسألته أخيرا عن سبب انفراده، واستفهنته عن علة شروده، فأجابني قائلا: ما المسؤول بأعلم من السائل، ويحسن أن يظل ثقل ما أنا فيه على الكاهل، ثم سألته للمرة الثانية: ما سبب الذي أنت فيه من غم ..؟ فما كان من الأنا إلا أن ابتسم ابتسامة موؤودة في مهدها، ثم قال لي: غريب سؤالك هذا يا صاح، أتسألني عن علة الغم التي تكاد تكون عند أمثالي عامة، والدنيا تئن من سوء صنيع الناس فيها وتلك الطامة، لكن قل لي: ما الذي أوقفك الساعة عندي ..؟ أثمة شيء لاح في الأفق جديد، أم أن الذي جاء بك خطب شديد ..؟
    سؤال انتظرت سماعه من الأنا منذ البدء، لكنه جرى على لسانه ببطء، ثم إني أدركت حال نطق به أن خلجات نفسه تنوء بين جوانحه بحمل ثقيل، لها رعشة تسري في أعضائه مستقيمة وعنها لا تميل، فأجبته بالتصريح دون التلميح، أني أشفقت عليه مما يعانيه وهو شبيه بالطير الجريح، وزدت معتذرا له: معذرة إن أثارك سؤالي، وعجبت من حالي، فربما لم أقدر حق التقدير ما أنت غائص فيه من حمم، أو استغفلني ذاك الذي بعثي على الوقوف عندك الساعة حتى أدفع عنك بعض اليأس والسأم، فما أردت إلا انتشالك من متاهة الصمت، وتحريك لسانك وتنبيه عقلك وإيقاظ قلبك بعض الوقت، لعلي أفصح لك عن نعمة الحديث، وأنبهك إلى فائدة السعي الحثيث.
    قال الأنا: أحييك يا عابر، فحديثي مع نفسي قبل أن تلقاني وألقاك مسالك متشعبة وضفائـر، والله يعلم ما نبدي وما تخفي السرائر ...
    قال عابر، هذه خلاصة الكلام، وعصارة المقام .. عندها تركت الأنا يستقبل الأيام، واستأنفت سيري بعد أن ألقيت عليه السلام.
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    الكَلمَة الطيبَة صَدَقةٌ
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    دكتور......
    استمتعت بالفعل هنا بالتذوق الجمالي للصورة التعبيرية للنص / وقد شدني اللغة التي اجدك تبني قصصك كعلى كتانته / وقة مدلولاته / من حيث الوصف الجميل / وكذلك بيان اللغة ومقوماتها / لكن هذا لن يمنع ان اهمس هذه المرة / بأن السرد هنا قد اختفى ضمن السياق العام للنص / حيث النصوص التي تغلبها الشعرية / وكذلك يتم الاشتغال بصورة اكثر على البنية اللغوية / تجعل السردية نفسها داخل اطار ضيق فتضيع بين احكام الصورة الوصف واللغة / لكن هذا لم يمنعني ان احتفظ ببعض الصور اللافتة والجميلة من الوصف والتعبير الرائع / كنت اود ان اشير الى هذه المعلومة في اكثر من نص لك / لكني قلت ربما هو اسلوب محبب لديه / ولا يعمم على جميع نصوصه / البنية السردية تحتاج الى اشتغال اكثر / لاكمال جمالية النص .

    دمت بألف خير
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية د. عبد الفتاح أفكوح أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المملكة المغربية
    العمر : 58
    المشاركات : 673
    المواضيع : 143
    الردود : 673
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سلام الله عليك أخي الكريم
    جوتيار تمر
    ورحمته سبحانه وتعالى وبركاته
    وبعد ...
    لك من جزيل الشكر ألف زهرة وزهرة باقة أولى في مزهرية، ولك من جليل التقدير ألف وردة ووردة باقة ثانية هدية، لك حروف المسك والطيب على ما أشرق من بهاء كلماتك في سماء هذه الجزيرة القصصية ...
    حياك الله
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي