هربا منك ، من نفسي ، من الناس .. هربا من كل شيء ، حملت ذاتي وألقيت كل الذي معي هاهنا !!
أصوات تخترقني تنازعني تصيبني بالصمم تستبيح صمتي وهربي ، تكرارها يكاد أن يقضي علي ، حيرة وتردد وخطوات في غير اتزان !!
أغلق دفتري الصغير وأقفل شاشتي لأتحرك في الفراغ المحيط لعلي أبصر شيئا ما ، لا أعرفه ، ولايعرفني ، لكنني أشعر به قويا يتلبسني يركلني خارج نظام الكون وحدود الوعي ، كأنني وعقارب الزمن في تسارع كوني يخالف رغباتنا أو كأنه يعاند جبننا ويفزع الخوف الذي يغتالنا !!
خارج المجرة الفضاء يكتب رسالته على صفحة السماء ، لتحمل أحزانه ، وهموم السواد الأعظم من بني البشر لتسقط في بكاء يصلها برحم الأرض !!
ملوحة تفسد عذب اللقاء ، تقتل أمنياته العقيمة ، تبحث عن أسباب الحياة في عيون بائسة ترشف ملوحة مآقيها كرها على كره !!
تتكالب أوجاعي ، تقتلني رغبة الانفلات دونما هدف ، حتى أطرافي يستوطنها الوهن ويطبق عليها الركون خوفا من خطوة قريبة !!
أهي صخرة الواقع أم صرخة التمرد أم مجموعة إنسان .. !!
لعل الفشل بداية الألف ميل ، ولعل الإخفاق يهذب أحاسيسنا لتعتاد برودة الجوار ، أو لعل محصلة فوضى العمق اضطراب الحقيقة ومجانبة الصواب ، كل شيء يبدأ بعلامات استفهام يغذيها الأفق لتعلو وتكبر وتنتهي في طيات الأفق ولانعلم مصيرها لأننا نخشى أن نعرفه !!
اعتدنا الهرب ، واكتفينا بعجز يملك زمامنا !!
كم أطلب البكاء ولا تواتيني شجاعته ، وكم أطلب الغد وإن كنت لا أملكه ، وكم أبحث في داخلي وأنا لا أجدني .. !
ربما من الأفضل أن أصل إلى ذاتي ، وأبحثها .. أناقشها _ وأنا على يقين تام _ أعلم أن مطالبها مجموع حرفي ومجمل سطري وما حذفه مقص الرقيب للمعنى المجمل وللحال الذي أشكو ، بما يغني عن الشرح والإسهاب ويمنع شماتة المراقب الذي مات هماً .
كل ما أعنيه خضابٌ نقشَ على السطر رمزا لمعاني لا حصر لها .. ، يفهم من يفهم وليكن آخر السطر من أوله .