حصار
غزة
الحصار لم يكن مفاجئا لأي عاقل ، بل ولا لأي مجنون أو أبله ، لأنه لم يبدأ منذ أيام فقط ، ولم يباشر الصهاينة بفرضه لان الرئيس الأمريكي منحهم الضوء لذلك ، وكل التبريرات ، والتفسيرات التي حملتها الفضائيات والمواقع والإعلام ، إنما هي ردة فعل غاضبة ، أو عاطفية ، وعلى الأغلب ، أنها كانت محاولة واضحة لاستغلال الحصار من اجل أن تبرز الفضائيات عضلاتها المفتولة في سرعة نقل الخبر والإحاطة بتفاصيله الكاملة .
وهذا ليس بغريب أو مستهجن ، لان المصلحة الذاتية للفضائيات ، المتخللة المصلحة المهنية بصورة ما ، قد تغذت من قبل على حصار العراق وسقوطه في براثن الاستعمار العسكري الكامل الصورة والتفاصيل ، وكذلك تغذت على حصار رام الله يوم كان الرئيس ياسر عرفات يقبع في غرفة ولا يملك حتى بطارية لهاتفه النقال ، وظلت الفضائيات تتسابق وتتصارع لنقل تفاصيل الحصار هنا وهناك ، إلى أن سقط أكثر من مليون طفل عراقي ، والى أن نقل الرئيس من غرفته إلى نعش الموت في فرنسا .
السودان الآن تحاصر ، بمجموعة من الدسائس والمكائد ، وحوصرت ليبيا ، وما زال الحصار والاستعمار العسكري يوغل في دم الأفغان ودم الباكستنان ، وما زالت سوريا تتلقف العقوبات ، وتنتظر الحصار الشامل ، لتبدأ بعدها مرحلة الاستعمار العسكري بكل ما فيه من معان ومن أهوال .
ولا زال العرب ، شعوبا وحكاما ، يجترون أوهام الحوار والمناقشة ، وما زال العقل العربي الملطخ بسخام الهزائم والاندحار ، يحاول أن يرسم للحقيقة ، ظلالا من وهم النفوس والأرواح التي تعودت بل واستمرأت الهوان إلى حد انه أصبح المكون الرئيسي في شخصية الإنسان العربي .
الحقيقة التي لا شك فيها ، والتي تسطع بنور اقوي من نور الشمس ، أن الأمة الإسلامية والأمة العربية على امتداد الكرة الأرضية ، يرزحون تحت الاستعمار ، وان اختلفت أشكال الاستعمار وتعددت ألوانه ، ومن يجادل في هذه الحقيقة ، فهو إما جاهل غارق بالجهل ، أو دعي تعجبه السفسطائية التي تدور في فلك الوهم والخديعة والخيال ، وربما يكون مريضا إلى حد انه لا يستطيع أن يعترف بهزيمته ونكبته التي تتلاحق على الأرض الإسلامية بتسارع وباضطراد ، في حين أن الشعوب العربية كلها ، ودون استثناء ، ما زالت تناقش همة هذا الزعيم ، ونخوة ذاك العالم ، بطريقة ممجوجة ، تدفع الإنسان إلى التقيؤ والغثيان .
وللمرور فقط على عقلية العرب والمسلمين ، بحادثة من أكثر الحوادث تأثيرا في التاريخ العربي الإسلامي ، لا بد من العودة إلى حرب حزيران وحرب تشرين ، ومنهما علينا أن نتصور كيف تمكن العقل العربي من صياغة الهزيمة إلى نصر ، أو على اقل تقدير مفهوما يقود إلى الانزواء في مفهوم التنامي الذي كون العقل العربي الحديث ، تكوينا لا يخلو من سفاهة وابتذال ، وهذا التكوين ، لم يكن قادما من مجهول ، بل كان مبرمجا ومخططا بطريقة لا تخلو من الذكاء والقدرة ، وبأسلوب لا يخلو من العلم والمنطق .
في حرب حزيران ، عام 1967 ، سقطت القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ، وسقطت أجزاء من سوريا ومصر والأردن ولبنان ، واستطاع الصهاينة ، بكيانهم الوليد الذي ما زال الزغب يغطيه ، أن يضعوا الوطن العربي أمام عهد جديد وحقيقة جديدة ، مفادها واضح ومعلوم ، نحن الأقوى ، ونحن هنا من يقرر ومن يضع القواعد والأصول ، وبدأوا بتغذية المواطن الصهيوني بقدرتهم على الإطاحة بكل الوطن العربي ، وكانت هذه التغذية ، تتسرب بشكل منظم ومدروس إلى أذهان المواطن العربي ، الذي أذهله الحدث ، واخضع نفسيته وفكره إلى مفهوم الهزيمة التي حاقت بأربعة دول بكل ما تملك من جيوش وعتاد وسلاح ، والاهم بما تملك من قدرة وإيمان وعزيمة من اجل الأوطان " والشرف والكرامة " .
وظل الكيان الصهيوني ، يبني ذاته بقوة وتسارع ، وكذلك يبني نفسية مواطنيه بمفهوم القدرة والاقتدار ، وكذلك يجهض كل ما في الأمة العربية من " شرف وكرامة " دون أن يشعر بوهن أو كلل ، ودون اخذ هنيهة لالتقاط أنفاسه من اجل أن يرسخ مفاهيم جديدة في العقل العربي والإسلامي ، فكان له ما أراد ، حتى أصبح جيشه ، يعرف بالجيش الذي لا يقهر .
وأنا هنا اعترف ، بأنهم استطاعوا أن ينفذوا ما نذروا أنفسهم من اجله ، حتى وصلوا بالعقل العربي ، إلى حضيض الهزيمة والاستسلام .
فماذا فعلت الأنظمة العربية والإسلامية ؟ وماذا فعلت الشعوب ؟
انتقلت الأرض الأنظمة العربية إلى ادلجة العقل العربي نحو مفاهيم تحتاج إلى زمن حتى تثبت في الوعي والعقل ، فحولت الهزيمة التي أطاحت بالدول العربية المتاخمة للحدود الفلسطينية ، أي بالأنظمة والوطن والإنسان والوعي والضمير ، حولتها من حدث ضخم ، كان يستحق أن يحمل اسما نابضا بمدى الذل والهوان الذي نتج عنه ، إلى " نكسة " صغيرة ، لا يحق للعقل أن يعلو بمفهومها إلى درجة العصيان والتمرد .
وانخرطت الأنظمة العربية والإسلامية ببرنامج البطش والتنكيل بروح الإنسان العربي ووعيه ، تساندها الطبقة الاقتصادية التي نتجت عن أسباب الهزيمة ، وتؤازرها الطبقة المثقفة التي التحفت عباءة الحاكم والثروة ، ودعمها مجموع العلماء الذين وقفوا أمام عتبات القوة والجاه والمال .
أنشئت أجهزة المخابرات ، وفتحت المعتقلات ، وعمم الجوع ونشرت الفاقة ، واستبد الرعب ، واحترفت الكلاب البوليسية عدم الوفاء للإنسان ، حين تم التلاعب بتكوينها وطباعها ، فأضحى المواطن موزعا بين ما يحمل من شعور الهزيمة والعار والانشداه ، وبين رغيف يتدحرج فوق الأرصفة والشوارع ، دون وجود حاجز يوقف اندفاعته ، ليستطيع المواطن التقاط أنفاسه من اجل التفكير بالظروف المحيطة فيه .
وان استطاع التفكير ، فان أساليب العذاب المبتكرة ، والتي لا يستطيع مخلوق احتمالها أو حتى التفكير باحتمالها ، تكون تلك الأساليب منهجا لترويض الرجولة وتحويلها إلى عبث وهباء .
وتقدم المثقفون والعلماء ، فتحسسوا مواطن الكرامة والنخوة التي يمكن ان تقود يوما نحو الصحوة ، فعلموا أنها تكمن في الأخلاق والدين والعادات والتقاليد ، فبدأوا بروية العارف ، المتدرب على أفكار الاستعمار ، وأساليب الظلم والانحلال ، في نقض أساسات العقل والوعي الديني والخلقي .
ومن هنا تسللت مجموعة كبيرة ، برعاية الأنظمة ، بأسماء وأشكال مختلفة ، وكلهم كانوا يمارسون العهر ، تحت حماية القانون والحرية في التعبير ، على شاشات دار الخيال ، ثم على شاشات الرائي ، وأخذوا على عاتقهم الشخصي المؤطر بأطر القانون المصاغ تحت رعاية الاستعمار وأجهزة المخابرات ، توطيد مفاهيم ، كانت فيما سبق هذه المرحلة ، تشكل وخزا للخلق والضمير ، وما هي سوى سنوات ، حتى أصبح الشرف سبة وتهمة ، وتحول الحجاب إلى رمز التأخر والتحجر ، وانتقل الشرف إلى زاوية العهر والرذيلة والانحلال .
وأصبح هؤلاء ، هم من يمثل وجه الأمة العربية الإسلامية ، وأصبحت العاهرة التي تتفنن في تسويق الغنج والتأوه ، والتي تخلع ملابسها على مرأى الملايين هي المثل الأعلى والأسمى ، بل وهي التي يحق لها ان تحصد المال والجاه بقدر ما تحصد من رذيلة وعهر وانحطاط .
ووصل الأمر إلى ان أصبح العاهر والعاهرة ، يتوسطون شاشات الرائي ، ليحللوا مواطن الضعف والانهيار بالأمة العربية والإسلامية ، وكان التشخيص الدائم من وجهة نظرهم الحضارية المتقدمة ، تخلف المواطن الذي يأنف قبولهم كبشر يمكن ان يلمسوا ، أو حتى تشم رائحتهم .
كان الفن العربي يوغل بتحطيم الخلق والنخوة ، وكان كل همه ان يخرج من بوتقة النقص الذي يشمل نفسيته إلى مراحل الانحلال التي لا يمكن العودة عنها ، أو حتى التفكير بالعودة عنها .
في هذا الوقت ، كان الكيان الصهيوني يبني ذاته في الداخل والخارج ، بقوة وعزيمة ، فاهتم بالمواطن إلى حد أوصل العالم إلى الاعتقاد واليقين ، بان مواطنا واحدا من مواطني الكيان ، لا يمكن مقارنته بالأمتين العربية والإسلامية ، ونجح بتثبيت هذا الاعتقاد محليا وعالميا ، فأصبح مواطنهم يفخر ويعتز بانتمائه إلى ذلك الكيان .
وبذلك توطدت العلاقة بين الكيان وبين مواطنيه ، إلى حد ان الرأي العام في ذلك الكيان ، ورأي الساسة وصلا إلى مرحلة التوحد والانصهار .
أما الشعب العربي ، الخارج من بؤرة الهزيمة والانهيار ، فقد استطاع وبسرعة مذهلة ، ان ينتقل من مرحلة الهزيمة العسكرية ، إلى مرحلة الهزيمة التامة ، واستطاع وببراعة لا توصف ان يحني رأسه أمام عاصفة الأنظمة والمثقفين والعلماء والفنانين ، فالتقط مفاهيم الخواء وبرع في استخدامها .
وقد تجلى ذلك فور الهزيمة الساحقة التي حاقت بالأمتين بعد حرب حزيران ، حين خرجت الجموع كطوفان عارم في شوارع العواصم والمدن والأزقة والحارات ، ممجدة ومفخمة البطولات زعماء الهزيمة والانكسار ، وتحولت الأوطان كلها ، إلى بؤرة صغيرة تكمن في شخص الزعيم المهزوز والمنكسر .
وظل عبد الناصر بطل الهزيمة والانكسار ، بطل التنكيل بالشعب المصري ، البطل الذي استطاع ان يطعم الصحراء المصرية جسد أكثر من مليون مواطن ، ظل هذا البطل ، يشكل في الوعي الشعبي والجماهيري ، هاجس الناس المتعلقة بالهزيمة ورموزها الذين انتقلوا من مرحلة هزيمة أمام كيان وليد ، إلى نصر الشعوب التي تتقن فن التعلق والتشبث بالأساطير المزروعة بالخيال والوهم .
وهنا يكمن الفرق الهائل ، بين المواطن العربي والمسلم ، وبين مواطن الكيان المنتصر ، فهذا مواطن شعر بذاته وقيمته وكينونته ووجوده ، وذاك مواطن امتلأ بالهزيمة حتى احتاج إلى أسطورة من وهم وخيال من اجل ان يقنع ذاته المشتتة الممزقة والمبعثرة ، بان وهم الخيال يتساوى مع ما يملك من قدرات وطموح ومستقبل .
وفي حمى هذا الاندفاع نحو الوهم والخيال ، كان لا بد من لغة جديدة تخاطب العقل والوعي لدى المواطن العربي والمسلم ، تتوافق مع طموحات مرحلة جديدة أعدها المستعمر بطريقة بارعة ، وبدأ العمل بها في الخفاء ، لتنمو وتكبر وتتسامق ومن ثم تنضج حتى تصبح صالحة للقطاف .
وكان سيد هذه المرحلة الفيلسوف الصهيوني هاركافي ، الذي قال :- بان على الصهيونية ان تكتسح الوطن العربي والإسلامي بالسلام والاقتصاد وراس المال ، توفيرا لعدد الجثث التي قد تسقط في المعارك الناشبة بين العرب والصهاينة ، وضنا منه على العرب بدماء مواطني الكيان ، تطبيقا لقول غولدا مائير " نحن لن نسامح العرب لأنهم يجبروننا على قتلهم " .
فبدأت شعارات التحرير ، وأغاني الوطن ، وانخرطت الأحزاب والجماهير في حمى المرحلة ، فحيثما اتجهت ، وحيثما نظرت في شوارع الوطن العربي والإسلامي ، وجدت الشعارات التي تشحن المواطن بالثبات على الحق ، والاستعداد للمعركة الفاصلة التي ستعيد الوطن السليب إلى أهله .
وفي الأروقة المظلمة كان العمل قائما على قدم وساق ، للبدء بالمرحلة الجديدة التي تحتاج إلى ترجمة الشعارات والأغاني إلى واقع ملموس ، ولكن إلى حد لا يمكن تجاوزه ، والى مرحلة ستفضي بالضرورة إلى المرحلة التي تحدث عنها هاركافي .
أفاقت الناس على يوم ، دوت فيها أصوات المذياعان والرائيات ، وبدأت الناس تلتقط أنباء المعركة ، معركة تشرين ، ونما الأمل وتعاظم ، ذات الأمل الذي تمسك برموز الهزيمة والانكسار من قبل ، واجتاح يقين الوهم الناس حين أعلنت وكالات الأنباء اختراق خط بارليف ، وحين تناهى إلى المسامع سقوط طبريا بأيدي القوات السورية ، حيث هناك من اقسم بان الجيش السوري شرب من بحيرة طبريا ، وانه غسل آثار القصف بمائها الطاهر .
اندفعت الناس كعادتها ، كطوفان عارم ، تنقل إخبار النصر والتحرير ، توزع الحلوى ، وتنبش في الماضي عن بقايا كرامة وشرف .
لكن الوقت لم يمنحهم الفرصة لالتقاط تلك البقايا ، حين استقر في السمع والذهن ، اسم جديد على ارض المعركة ، كانت " ثغرة الدرفوسوار ، التي حولت مسار المعركة إلى مسار آخر .
ترك الجيش المصري وحده ، يواجه مصيره المحتوم ، فالصحراء المصرية كانت مقبرتهم بعد ان سوموا سوء العذاب ، واختفت الجثث ، وظلت الأسماء قابعة مترسخة بذاكرة الأمهات والأرامل واليتامى حتى يومنا هذا .
وكما كانت حرب حزيران فاصلا جديدا في الوعي والتاريخ العربي والإسلامي ، كانت حرب تشرين فاصلا من نوع جديد ، هناك تمسك الشعب بالهزيمة ورموزها بشكل واضح ، وفي تشرين ، حولت الهزيمة التي نتجت عن ثغرة الدرفوسوار ، إلى ملحمة دونتها الروايات ومجدتها الأفلام والمسلسلات .
وخرج زعيم النصر المؤزر ، ليتوج نصره الموهوم ، بقدرته التي لم تحدث في التاريخ ، حين قرر ولوج عتبة الخيانة ، باسم الوطن ، وباسم النصر ، وباسم الحق والعدالة ، وهناك تحدث بصفاقته المعهودة ، عن حق الكيان الصهيوني بالبقاء فوق ارض فلسطين ، مع مراعاة إنشاء كيان مصطنع لأهل فلسطين .
تحدث عن فلسطين وكأنها ملك يمينه ، أو ارث خلفه له والده أو جده ، تحدث عنها وكأنها سلعة تخصه أو تخص أركان حكمه وعهده ، قافزا فوق كل قيم الأخلاق والفضيلة والمنطق ، من اجل ان يحقق سابقة في تتويج الهزيمة بتاج الخيانة والجبن .
واندفعت الثيران المتلهفة خلفه ، وبما ان الباب قد فتح ، فالثيران لا تحتاج للقفز أو التخفي ، فزمن التخفي والشبحية قد ولى وانصرم بهمة تشرين كيسنجر .
والغريب الذي لا يتشابه بغرابته مع شيء ، ان الشعوب العربية والإسلامية ما زالت تعتبر تشرين حرب حقق فيها العرب نصرا على العدو ، رغم ان كيسنجر المخطط والراعي لكل مراحل المعركة وتبعاتها قد تجاوز السر وقال بأنها حرب تحريكية .
وحين خرج بعض الشعب من ذهوله وحاول فقط ان يبدأ بإعادة رسم الأحداث ، اكتظت السجون والمعتقلات ، ليس في مصر وحدها ، بل في الوطن العربي بأسره ، لان هناك من كان ينتظر ان يفك رسنه ليهوي بقاع الحظيرة .
سجن من سجن ، وعذب من عذب ، وكان لا بد من إرسال الكثير خلف الشمس ، وطبعا ليس هناك أي داع للتفكير برحلة ما وراء الشمس وتكاليفها ، فالنفط العربي سخي سخاء المطر ، وخاصة من اجل توفير مجانية الانتقال من تحت الشمس إلى ما ورائها .
حصار غزة بدأ منذ زمن بعيد ، وكذلك حصار فلسطين ، وكذلك حصار الشعوب العربية .
لماذا نستغرب هذا الحصار ؟ ونرى انه تتويج للظلم والصلف ؟ أم تحاصر المقاومة الفلسطينية في جرش ؟ ألم تحاصر في لبنان ؟ الم يحاصر تل الزعتر ويمحى ؟ الم يحاصر صبرا وشاتيلا إلى حد انتفاخ الجثث وتحللها ؟ الم يحاصر عرفات في رام الله إلى حد خروجه للموت فوق سرير في باريس ؟
الم تحاصر العراق مدة من زمن نتج عنها استشهاد ما يزيد عن مليون طفل ؟ الم تحاصر السودان وليبيا ؟
وكانت الأنظمة العربية في كل ما مضى مشاركة بطاقتها الكاملة في حصار تلك الأوطان ، وأحيانا كانت تسوق مبررات ذاتية وموضوعية لعدالة الحصار ونبالته .
فماذا فعلت الشعوب ؟ لا شيء ، وقفت صامتة تشاهد وتراقب ، فما الغريب بالأمر اليوم ، كي نطلب من الشعوب أو الحكام أو الجيوش ان تتحمل مسئوليتها التاريخية ؟ انه طلب مجحف ، من مهزوم لا يعرف حقا ما يريد ، وممن يريد !
كامب ديفيد ، هو نتيجة حرب تشرين " الخالدة " ، تشرين التي دفعت بحرس الحدود المصري ان يشارك في جرح وقمع النساء اللواتي خرجن يحدوهن الأمل ، بان الدم العربي لا يمكن ان يخذل امرأة هي امتداد الأم التي فقدت ابنها في رمال سيناء ، لكن الحقيقة قالت غير ذلك ، قالت بان الشهداء الذين قضوا في رمال سيناء ، لا يمكن ان يكونوا أجدادا للذين وقفوا على حاجز رفح من أجل الإمعان بتعذيب الأمهات والأطفال .
والشعوب ، هي نتاج رموز الهزيمة منذ ضياع فلسطين ، وضياع العراق ، فمالنا نفقد الوعي أحيانا ، لنطالب نتاج الهزيمة والخيانة بالانتصار للعدل والحرية .
مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم
النرويج – 23- 01- 2008